الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة الى أبي لهب

فيحاء السامرائي

2021 / 2 / 17
الادب والفن


وأخيراً ، حلّ الموعد.. كم مضى من الزمن بقياس الأرض؟ لا أعرف، لا وجود للوقت هنا، وأقصى ما أتذكره هو ما أخبروني به بأني سأبقى هنا لفترة، ثم سيقومون بترحيلي ربما بعد سبعين أو سبعمئة سنة حسب توقيتنا الأرضي.
قبل ذلك الكم المتراكم من الزمن اللامعلوم، كنت أقف في البقعة نفسها، أرتعد متوجسة في انتظار حكمهم.

جاؤوا ومعهم ميزان عظيم، فهم ما زالوا يستخدمون طرقاً بدائية للقياس الذي يحددون بموجبه الحكم.. لم يختلفوا طويلاً حول هذا الشأن وفسّرت ذلك بأن حالات عديدة مماثلة لحالتي قد مرّت بهم.
- بما أن كفّ ميزان حسناتك يعلو على كف سيئاتك، لذا قررنا أن تمضي فترة حياتك عندنا متناوبة بين الجنة والنار، ولو كنت لم تشركي بالخالق لكنا أكرمناك بما تحت درجة "الوسيلة" في الجنة، ولكنك ألحدتِ وكفرتِ رغم أعمالك الصالحة ، ونحن أعدل العادلين.

يومها، كان يخيّل لي اني في حالة حلم كابوسي أو ربما كنت أقوم بدور مهم في فيلم خيال علمي، وأقول لنفسي، قد يحصل هذا، لكنه غير واقعي، سينتهي كل شيء قريباً.


أثناء فترة إقامتي في درجة الفردوس، سكنت مع آخرين في خيمة على شكل قوقعة من لؤلؤ، كنا نقوم بأعمال شاقة ومرهقة كتنظيف مخلّفات مؤمنين جالسين طوال الوقت على الأرائك دون عمل، أفسدوا المكان بقذاراتهم وفضلاتهم وترهاتهم، قاموا باحتكار نهر الكوثر وأهملوا الأشجار والزرع، تخاصموا مع بعضهم البعض على عيون الماء، فتقاسموا السلسبيل والكافور كل حسب طبقته ومركزه وحسناته، يحاولون في كل غزوة إلقاء الحجارة وتلويث مياهها وتخربيها.. أما الاقتتال والتنافس على استحواذ الحوريات الأكثر جمالاً، فغدا عادة لهم، لأنهم لا يلمّون من ممارسة متعهم الجنسية الدائمة وبلا انقطاع، وبما أن هناك تفاضلاً وطبقية في الجنة، فكانوا من حين لآخرن يغيرون على المؤمنين في درجاتها الأخرى، يسبون حورياتهم وينهبون طيّباتهم ويعودون بعدها للاتكاء على فرشهم وتناول الأعناب والأرطاب.

- هيا، امتطي هذه الدابّة

في طريقي الى النار وأنا على ظهر الناقة، خطر في بالي باننا كنا نستخدم على الأرض وسائل مواصلات أرقى وأكثر تطوراَ من الدواب.. لكن يا ترى كيف ستكون فترة محكوميتي الثانية هناك، هل سأتألم كثيراً، ولماذا يلجئون الى عقاب النار وليس الى غيره، ألا توجد طرقاً أكثر حداثة مثلما كانت موجودة على الأرض؟
أكاد لا أصدّق ما يجري، هل ما أمرّ به محض خيال؟ ولماذا أشعر بهلع وانقباض في داخلي كلما اقتربت المسافة؟

عند دخولي النار، لفحني لظى طاغٍ فارتعبتْ، ولدهشتي، رأيت أن من حولي كانوا غير آبهين بآلام الحروق.. ولأنني في درك الجحيم، فسرعان ما حلت استراحة قصيرة عندنا، وحين ذاك، تقدّم مني شخصان، علمت فيما بعد أنهما طبيبا جلدية، نقلاني الى فجوة تحت الجحيم حيث قاما بعلاجي بمرهم من صنعهم واستبدال الجلد وتغليفه بمواد تتحمل الحرارة، كما وأعطياني طعاماً آخر غير الزقّوم، طوّره العلماء هنا، ليكون لذيذ الطعم ومفيداً.. رحت أتجول في المكان وفي كل مرة أكتشف شيئاً جديداً أعجب به وله.. علماء وعالمات منشغلين بصناعة أنابيب لتوليد طاقة حرارة من النار يستخدمونها في أغراض نافعة عديدة، خبراء وخبيرات منكبّين على أدوات لتوفير مياه صالحة للشرب وتربة قابلة للزراعة، رجال ونساء فكر ومصلحين ومصلحات، يتعاونون مع بعضهم من أجل إصلاح ناس في دركات أخرى من النار كالجحيم والسعير.. كخلايا نحل، يعمل الجميع لصالح البشر المعذبينن، العلم شعارهم من أجل تحمّل النار والسير قدماً، وغالباً ما كانوا يستشيرون كبار العلماء والمفكرين الأوائل الموجودين بكثرة هنا.

مضى الوقت دون أن أشعر بألم أو ضجر أو عدم جدوى، عملت معهم في فرق استقبال واسعاف القادمين الجدد وتعريفهم على الاماكن في الفجوات، وكذلك معرفة علمهم وخبراتهم للاستفادة منها، ومضى وقت طويل حتى حان موعد رجوعي الى الجنة لاتمام الحكم التعاقبي.
جاءت الملائكة لاصطحابي، وكانت معهم الناقة نفسها لتقلني الى من حيث قدموا.
- هل يمكنني البقاء هنا؟
كانت صدمتهم كبيرة حينما سألتهم وعجزوا عن الاجابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟