الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم و الآداب السريانية --أرباب الحضارة-ج2-

سلطان الرفاعي

2006 / 7 / 26
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


وحيد من نوعه ليس بلغة الضاد فحسب و إنما بمختلف اللغات
الشرقية و الغربية و ذلك لربطه العصور الغابرة بالأيام الحاضرة
إذ تناول جملة مواضيع في تاريخ العلوم و الآداب السريانية لم
يتطرق إليها أحد من قبله خاصة أن أغلب المعلومات بعد القرن
الثالث عشر تعد جديدة و فريدة.
أهميته تكمن في مصادره المخطوطة النادرة التي عرفها المؤلف
قبل أن يبعثر بعضها الزمان.
اعتمد المؤلف على مصادر
أخرى بلغات أجنبية كانت معروفة في أيامه، و هذا ما أكسبه معرفة
واسعة بأفكار الباحثين و المستشرقين الكبار من أمثال:
السمعاني، بومشترك، شابو، بيجان، و دوفال، رايت و غيرهم.
هذا قليل مما يمكن أن يقال عن كتاب اللؤلؤ المنثور في تاريخ
العلوم والآداب السريانية بقلم اغناطيوس أفرام الأول برصوم
بطريرك أنطاكية و سائر المشرق ( 1887-1957). و سيقوم موقع
الحوار المتمدن بنشره كاملا على أجزاء، و نعتذر عن بعض الأغلاط لأننا
أردنا نقل الكتاب حرفياً توخياً للأمانة.


الباب الأول

في العلوم و الآداب السريانية:

1- في اللغة السريانية:
اللغة الآرامية السريانية هي إحدى اللغات السامية بها نزل جانب من الكتاب
الإلهي كنبوءة دانيال و إنجيل متى. و هي عند قوم أقدم لغات العالم، و عند
المعتدلين من أقدمها. و أول شهادة ثابتة على علاقتها في القدم ما ورد في سفر
التكوين (47:37) نحو سنة 1750 ق.م. حروفها اثنان و عشرون منها ستة أحرف يزدوج
لفظها( ليْناً و قسوة) كما نسميها باصطلاحنا و تعرف بعلامات خاصة و هي لغة
طليّة غنية كافية للتعبير عن المقاصد وتصوير ما يعنّ من أحداث النفوس و
الخواطر و يخالج القلوب.و الحياطة لصنوف العلوم القديمة.
و كانت السريانية لسان أهل العراق و جزيرة مابين النهرين و بلاد الشام و
تغلغلت حتى قلب بلاد الفرس بل انتشرت بين الأمم المختلفة المجاورة للسريان و
ظلت دهوراً متطاولة اللغة الرسمية للدول التي ملكت بلاد الشرق الأدنى، و امتدت
على مصر و آسيا الصغرى و شمال بلاد العرب و نشرها بعضهم في بيع جنوبي بلاد
الصين، و وفي منبار الساحل الغربي من بلاد الهند حيث لا تزال مستعملة.
و لم تزل محكية حتى بدأت اللغة العربية بمزاحمتها في أواخر المئة السابعة و
صدر المئة الثامنة فطفق ظلها يتقلص من بعض المدن و اعتصمت في الجبال و
الأرياف، و مع هذا لم يزل هزار فصاحتها يصدح في رياض العلماء و الأدباء. و كان
موطن اللغة الفصحى مدينة الرها و حران و حمص و أفاميا و ما والاها من بلاد
الشام و كان صابئة حرّان يكتبون بها بفصاحة في آخر القرن التاسع و بقيت على
هذه الحالة في كثير من بلاد الجزيرة و أرمينيا إلى أواخر المئة الثالثة عشرة و
في غيرها حتى المئة الخامسة عشرة.
و حسبها فخراً تتيه به على لغات العالم أنها تشرفت بلسان ربنا يسوع المسيح و
رسلها الأطهار و هي أول لغة استعملتها البيعة المسيحية في تقدمة القداس
الإلهي.
و لأهلها فضل عظيم لنقلهم مؤلفات اليونانيين إليها و منها إلى اللغة العربية
و أضحت لغتنا الطقسية إلى وقتنا هذا، و بنا منها صبابة لتراسل الاكليروس بها.

و في أوائل القرن السادس بعد الميلاد انقسمت السريانية من حيث لفظها و خطها
إلى قسمين يعر فان بالتقليدين الغربي و الشرقي نسبة إلى مواطن الشعب الذي كان
يزاولها، أي بلاد الشام الغربية و بلاد ما بين النهرين الشرقية و العراق و
أذربيجان و يستثنى من هذا القسم الشرقي الشعب العراقي الأرثوذكسي.
و أهم الكتب التي وصلت إلينا منها التوراة و العهد الجديد بحسب النقل البسيط
و إذا استثنينا بعض التغيير في اللغات التي تفرعت إليها فإن السريانية لم
يطرأ عليها تبديل منذ استقرارها و ما ورد منها في التوراة و ما بقي من شعر
الفيلسوف (وفا) يطابق كل المطابقة لحالتها اليوم و لا تزال على غضارتها.و إنما
نسيت منها ألفاظ بعتق الزمان فأمست عند بعضهم تافهة كما ذكر أنطون التكريتي و
أضاع أهلها بإهمالهم ألفاظاً حفظت في العربية كما أثبت يعقوب البرطلّي في كتاب
( المسائل و الأجوبة في المقالة الرابعة من المسألة الثانية عشرة. و لم يكن
لهذه اللغة كتب نحوية إذ كان أهلها يتكلمون بها بفصاحة فطرة شأنها في ذلك شأن
اللغة العربية و أول نحو وضع لها في أواخر القرن السابع كما سيأتي بيانه.

الفصل الثاني:
في الأدب السرياني و خواصه العامة


اعلم أنه كان للسريان الآراميين في أول أمرهم لغة مهذبة تزدان بأدب من نثر و
نظم و كان لهم بالعلم عناية. و لكن لم يصل إلينا من ذلك سوى كتاب احيقار وزير
سنحاريب ملك آثور (681 ق.م) و هو كتاب ينطوي على نصائح و حكم، ثم زيد فيه
حكايات عدة و يظن وضعه نحو هذا الزمان أو حوالي القرن الخامس ق.م الذي كتِب
فيه سفر طوبيَّا. و أبيات قليلة لشاعر و فيلسوف آرامي يقال له (وفا) كان قبل
العصر المسيحي بدهر طويل، و أساطير يسيرة منقوشة على بعض أضرحة الملوك
الأباجرة في ولاية الرها. أضف إلى هذا رسالة لطيفة لفيلسوف اسمه مارا ابن سرا
فيون كتبها لتثقيف ابنه في أواسط القرن الثاني للميلاد. و لكن هذا اليسير لا
ينقع غليلاً و لا يغني فتيلاً ليبنى عليه حكم.

و يعتبر الأدب السرياني المعروف عندنا أدباً مسيحي النشأة كنسي المصدر، لأن
ما وصل إلينا منه هو نتاج عقول علماء و أدباء مسيحيين اكليريكيين. و كان
جدودنا حين اعتناقهم الدين المسيحي المبين و تذوقهم حلاوته ضحوا في سبيله
بأغلى ما عندهم، فأحرقوا كل الكتب و الآثار المدنية و العلمية خشية أن توقع
معالمها الوثنية أحفادهم في شرك التوثن.

و لما تنصّر أكثر أبنائهم في المئتين الأولى و الثانية و بقاياهم في
منسلخ المئة الرابعة و صدر الخامسة، نسجوا على غرارهم محبة للعلم و حذقوا في
صناعة الأدب. ففاضت قرائحهم المتوقدة بالروائع، و بذل العلماء مجهودهم لترجمة
كتاب الله العزيز و ضبطه و تفسيره، و صرفوا همتهم إلى علوم اللغة من صرف و نحو
و بيان و خطابة و شعر و مضوا في تطلّب علوم المنطق و الفلسفة و الطبيعي و
الرياضي و الفلك و المساحة و الطب، و تبحروا في اللاهوت النظري و الفقه الكنسي
و المدني و علم الأخلاق و تبسطوا في التاريخ الديني و المدني، و خاضوا عُباب
الموسيقى الكنسية و أخذوا بطرف من الجغرافية و فن القصص، و بالجملة سائر
المعارف البشرية بدون استثناء، و ظهر منهم علماء و أدباء كثيرون حملوا مصابيح
العلوم إلى أطراف العالم الشرقي و فاقوا غالب الأمم المسيحية عدداً و تصنيفاً
و ذاعت أسماء أساطينهم في الدنيا شرقاً و غرباً، و هذا ما ستقف عليه في
الصفحات التالية. و اعلم أن الآداب اليونانية على بسطتها و فضلها و أوليتها و
كونها قدوة للآداب السريانية و اللاتينية لم تتفوّق على الأدب السرياني
باعتبار مجموعه، و أما الآداب القبطية و الأرمنية و العربية و المسيحية و
الكرجية و الحبشية على ما فيها من تفاوت، فالعلماء المدققون عارفون بحصرها و
ضيق دائرتها. و إذا اعتبرت ثقافة يونان حِكَميَّة و ثقافة العرب بيانية فإن
ثقافة السريان تعدُّ دينية.
و خواصّ الأدب السرياني هي كتابيّة و طقسية و جدلية و لاهوتية و تاريخية و
نقلية. فإن ما عُنوا به من نقول الأسفار الإلهية و شروحها الضافية بما أُلحِق
بها من الكتب الموضوعة ينطق بفضلهم في خدمة أسفار الوحي و نشرها. و كتب الفروض
و الأدعية التي دبجها يراعهم طوال أزمنة مديدة تشهد لهم بحسن الذوق و علوّ
الهمة و السبق و الحوار المذهبي الذي طال عهده بين الفرق المسيحية و غوصهم على
أسرار الدين المسيحي أثمرا مصنفات لاهوتية و جدلية شتى برزت فيها مقدرتهم و
تجلّى أدبهم. و أحاطت تواريخهم بأحداث النصرانية و أمعنت في سير القديسين و
الشهداء و قصصهم كما اشتملت على أدق الأسناد لتاريخ آسيا في أيام الرومانيين و
الفرس و البيزنطيين و العرب و المغول و الترك. و حينما زخر القرن الرابع
بمصنفات أئمة النصرانية الذين كتبوا باللغة اليونانية، لم تألُ مدرسة الرها
جهداً في نقل غُررها إلى لغتها و طفقت تدرّس اليونانية و سارت أشهر مدارسنا
على آثارها حتى أواخر المئة الثانية عشرة. و استفرغ علماء السريان وُسعهم في
نقل الكتب الفلسفية و العلمية إلى السريانية و منها إلى العربية فعلموا العرب،
ودار الزمان دورته فعادت الفلسفة اليونانية من الشرق إلى أوروبا بواسطة الكتب
العربية العلمية التي بدا أثرها في العصور الوسطى عن طريق الأندلس.

مركز الشرق للدراسات الليبراليةوحقوق الأقليات
حضارتي السريانية
اللؤلؤ المنثور
البطريرك مار أغناطيوس أفرام برصوم الأول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 59.39%.. نسبة المشاركة الأعلى منذ الدورة الأولى من انتخابات


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: لماذا الإقبال -القياسي- على ص




.. الانتخابات التشريعية في فرنسا.. ما دور الجمعية العامة؟


.. أميركا.. بايدن يجتمع مع عائلته اليوم لمناقشة مستقبل حملته ال




.. 3 قتلى من حزب الله في قصف إسرائيلي على بلدة -حولا- جنوبي لبن