الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة التّدوير

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 2 / 21
الادب والفن


كنت البارحة أرى برنامجاً على التلفزيون السويدي عن قرطاج، كان البرنامج باللغة الإنكليزية ، وعندما انتهى البرنامج عرفت أنه منقول عن محطة بي بي سي الإنكليزية، وأداء تلك المحطة مختلف عن أداء بي بي سي العربية . صوّروا الحضارة وتطوير بناء السفن ، تخلل البرنامج بعض الكلمات العربية على ألسنة المسؤولين عن بناء لسفينة مثلاً ، وقد تم الحديث عن حضارة ما بين النهرين ، و الحضارة السريانيّة. البرنامج كان يتحدث عن التّراث ، وليس سياسياً ، بقيت بعد انتهاء البرنامج لعدة دقائق و أنا أخجل من الحال الذي وصلنا إليه ، و أصبح بي توق أن أكون جارية تجيد الغناء أو شاعرة من شعراء الأندلس.
خلال رحلتي مع ذاتي في تلك الدقائق تذكرت إعلاناً من شركة إيكيا لتصنيع الأثاث بالسّويد ينصّ على :" يمكنك استبدال أثاث منزلك القديم ، نحن مستعدون لإعطائك أثاثاً جديداً" لا شكّ أن الأمر ليس مجانيّاً فأنت تدفع القليل، وهم يعيدون تدوير الأثاث، كما لفت نظري إعلان آخر من شركة ملابس سويدية في ستوكهولم تعيد تدوير كنزتك القديمة لكنزة جديدة خلال ساعة، تختار أنت كيف تكون و أمام ناظرك مقابل خمسين كرونة سويدية، وهو مبلغ بسيط.
ابتسمت مع نفسي ، عدت إلى الماضي الجمعي في سورية ، و إلى النساء بشكل خاص الذين كانوا يعيدون التدوير، فعلى زمان أمهاتنا كانت النساء تعيد تدوير الجرابات لجميع أفراد العائلة، تعيد تدوير كنزات الصوف ، أما أجيالنا ، و التي كانت تحلف أنّها لن تعيش شقاء لأجيال السّابقة فقد كانت إعادة التّدوير سرية للغاية ، و أما الأجيال الحالية فهي محظوطة لو حظيت بثياب عتيقة دافئة في المخيمات السورية، وهنا لن أتاجر بهذا الموضوع سوف أتحدّث عن جيلي:
كنا نحن النساء طباخات، خياطات، ملمعات أحذية ، نهتم بالزراعة، نعزف الموسيقى ، ونحاول أن لا نخرج رأسنا من صندوق السلحفاة ، عندما يتعلق الأمر بالسلطة نتأتئ ونفأفئ ثم نعطي الأوامر لأبنائنا:" امش مع التّيار" ، لكن للأبناء وجهة نظر أخرى ، من الأمثلة أن هناك جيل من معلمي المرحلة الابتدائية كان يذهب إلى الدراسة بالواسطة ، ويتم تعيينه بالواسطة، وتكون إمكانياته التعليمية قليلة، و في إحدى المرات ، كان ابني في الصف السادس الابتدائي ، وكنت أشرف على تعليمه مادة الرّياضيات. شاهدت وظيفته التي حلها، قلت له يجب أن تعيد حل تلك المسألة لأنها خطأ . ضحك ، وقال لي: هل تعرفين أكثر من المعلمة؟ ناقشته، قال لي: أنا اقتنعت، لكن إن أتتنا في الامتحان هل أحلّ الصّح و أرسب أم أحلّ الخطأ و أنجح؟
نحن وضعنا أبناءنا أمام سؤال كبير عن الصّح و الخطأ .
أعود إلى لباسنا -نحن النساء-فقد كان فنّ إخفاء التفاصيل هو الجاكيت الأسود في الشتاء، والجاكيت الصيفي ، كنا بعيدات عن الموضة رغم أن لباسنا ليس متخلفاً ، نختار ما نستطيع أن نلبسه في جميع المناسبات، وقد كنت أنا على سبيل المثال لا أسخى أن أرمي اللباس الذي يصغر على أطفالي ، أو لباسي عندما يصبح قديماً، فأعيد تدويره، و أضعه كما هو في وسائد نستند إليها أصبحت مع الزمن ثقيلة، وفي إحدى المرات، وكنت قد أفلست مالياً، وكانت ابنتي في بداية شبابها، ولديها مناسبة لدى صديقتها ، عندما حرت ، أخرجت من الوسادة تنورة مخمل كانت لي، وبلوزة جميلة كنت أرتديها عندما كان خصري نحيلاً . أعجبت ابنتي كثيراً بالفكرة، ظهر اللباس عليها لائقاً، أعجب رفيقاتها بثيابها ، سألوها من أين اشتريتهم. قالت لهم: " من مكان بعيد اسمه الوسادة."
اليوم أرى صورة بعض صديقاتي الذين يرحلون إلى العالم الآخر وهن يلبسن نفس جاكيت الشباب . لا شيء لدينا تنتهي صلاحيته ، نحن أمهر الناس بإعادة التّدوير حتى على نطاق السياسة فإننا نعيد تدوير النّظام، أو أنفسنا، لكننا نخلق له المبررات عندما نعيد تدويره بشكل سيء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع