الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبكة الديموقراطيين العرب، خطوة طال انتظارها

محمد علي جادين

2006 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من اوضح الادله علي اختلاط الاولويات لدي العاملين من اجل اخراج الامة العربية من أزمتها المزمنة وبالتالي ضعف فعاليتهم من ان نبأ اقامة شبكة الديموقراطيين العرب ( مقال د .الافندي، القدس بتاريخ 20 يونيو ) مر دون انتباه يوازي اهميته الكبيرة. تتلخص الاهداف الرئيسية لهذه الشبكة التي عقدت اجتماعها التأسيسي بالمغرب في تعميم وتعميق ثقافة الديموقراطيه، تحقيق الاصلاح السياسي كحاضنة للتحول بأتجاهها، توفير الدعم لنشطاء ودعاة الاصلاح في الوطن العربي وصيانة استقلال وسيادة الاقطار والشعوب العربيه بتعزيز التطورات السياسة الداخلية والدولية ذات الصله. نوعية المشاركين في اجتماع الشبكة الاول والمسائل التي طرحت فيه وكيفية مناقشتها تشير الي كونها الخطوة الاولي علي طريق تجميع الديموقراطيين العرب علي اختلاف منابعهم الايدولوجية وتجاربهم السابقه وتهيئة المناخ الملائم لتفاعلهم وتوحيد جهودهم وهو امر طال انتظاره وتعاظمت الحاجة اليه. لقد تكاثرت المؤتمرات والتظاهرات التي تجمع الحابل والنابل فتضيع فيها اصوات الديموقراطيين الحقيقيين وسط جلبة اصحاب الشعارات الرنانه عن دور المقاومات والجماهير في مناهضة الانظمة والقوي الداخلية والخارجية المعيقة للتقدم العربي دون فصم نهائي للصله مع الانظمة والايدولوجيات الاستبداديه في فكرهم وممارساتهم... شعارات ثبت خواؤها عندما ادت الي تسليم قيادة الحركيين العرب لقوي الغيبوبة الفكريه المنتمية لجاهلية القرون الوسطي مما زاد طين الازمات العربية المتداخلة بله. فالشعارات الصادرة عن هذه النوعية من الاوساط هي في غالب الاحيان صرف للانظار عن عداء مطلقيها الكامن للديموقراطيه او عدم ادراكهم لاهميتها. أن المعضلة الحقيقية امام العاملين من اجل المخرج الديموقراطي من نفق الازمات والهزائم هي تدهور الوزن الكمي والنوعي للديموقراطيين الحقيقيين مما يجعل اي محاولة جادة للتغلب علي هذه المعضله امرا جديرا بأقصي قدر من الاهتمام واولوية الاولويات.
في مقال د. عبد الوهاب الافندي بعض المعلومات حول الموضوع بما يثير عددا من القضايا التي تستحق المناقشة وتستدعيها كتعبير عن الرغبة بالمساهمة في تطوير هذه التجربة الوليدة من قبل ذوي الاهتمام الجدي بقضية تنمية الديموقراطيه.
المسألة الاولي هي الحضور الابرز من غيره لذوي الخلفية الاسلاميه، علي الاقل في الاجتماع الاول للشبكه. فمن بين الاسماء السبعة التي اوردها المقال اربعة تندرج تحت هذا التوصيف العام مما يثير لدي البعض الشك في مصداقية مشروع الشبكه الديموقراطيه بالنظر الي التجارب السلطوية لاقسام رئيسية من الاسلاميين العرب وغير العرب. وتجربتنا في السودان مع انقلابهم علي الديموقراطية بعد ان كانت تجارب الاقطارالعربية الاخري قد اثبتت مالاتها الكارثيه بما لايدع اي مجال للشك، ذاخرة بالشواهد علي ذلك سواء في الممارسات الفعلية للاسلامين السودانيين او الدعم الذي وجدوه من الاسلاميين العرب الاخرين لاسيما المصريين. بصفتي احد الذين تحملوا مسئوليات قيادية في الحركة القومية في السودان من خلال الصيغة البعثيه اسارع للقول بأن القوميين العرب هم الذين فتحوا طريق هذا النوع من الممارسات كما ان تكرار سوريا_ الاسد الراهن لتصرفات الصيغة البعثية في عراق صدام رغم نتائجها المأساويه ينطق بأصرار بعضهم علي المضي فيه. ولكن مايستوجب الاهتمام بدورالاسلاميين في الشبكه هو ان وزنهم في اوساط النخبة والشارع العربيين اكبر بكثير من وزن القوميين بعد ان حلوا محلهم في التأثير العام مما يبرر ايلاء اهتمام خاص لاي امر يتعلق بهم. هذه الحقيقة نفسها هي مايفسر حضورهم الابرز في الشبكه فالمسالة ببساطه ان عددهم وسط المثقفين العرب اكبر من غيرهم بكثير كما ان هذا الحضور يجب ان يقرأ مقرونا بما يلاحظه اي متابع للشئون العامه من ان التيار الاسلامي يشهد تمايز مجموعة من مفكريه القياديين، من بينهم الافندي نفسه، دأبوا علي مراجعة التجربة نقديا وتوصلوا من خلالها الي قناعات ديموقراطية. وهذه النوعيه، مع نوعيات مماثلة ظهرت في التيار القومي واليساري عموما، هي التي تجتذبها فكرة الشبكه.
استطرادا لهذه النقطه فأن القضية الفكرية الاساسية التي ينبغي طرحها علي طاولة البحث في الشبكه وبين اعضائها ومن يشاطرونهم الاهتمامات والتوجهات هي قضية العلاقة بين الاستنارة والديموقراطيه بحكم العلاقة العضوية بينهما. من الناحية التاريخيه فأن مصطلح الاستناره الذي يرتبط عادة بما يطلق عليه عصر النهضة او التنوير الاوروربي خلال القرنين السابع والثامن عشر وثيق الصلة بميلاد الانظمة الديموقراطيه بدء بتقليص سلطات الكنيسة والملوك والاقطاع. وبينما يمكن الجدل حول مدي الاختلاف بين التجربتين الاوروبية والعربيه فأن من الجائز القول بأن تجذر الديموقراطية محليا رهين بتجذر العقلانية والموضوعية في التعامل مع كافة القضايا والدين الاسلامي بصورة خاصه. وتعود هذه الخصوصية الي الانتشار الافقي والرأسي للاسلام السياسي خلال العقود الماضيه حتي وصل الي السلطه ديموقراطيا في اكثر من بلد او اصبح الرقم الرئيسي في المعارضه مما يطرح قضية الاصلاح الديني بدرجة من الراهنية والضغط تقارب ما شهدته اوروبا اواخر القرون الوسطي. واعود لتكرار القول بأن منطلق هذه الدعوه ليس تصفية حسابات ( قومية) مع الاسلاميين فالمفترض ان اعضاء الشبكة الرسميين وغير الرسميين تجاوزوا هذا النوع من البواعث بعد ان اصبح القوميون والاسلاميون المستنيرون شركاء طريق ومصير واحد بغض النظرعن النقطة التي بدأوا منها تاريخيا وان عقليتهم لم تعد تستسيغ هذا النوع من السلوكيات الفجه. فهناك فرق كبير بين الاقبال علي البحث في جوانب الاختلاف الفكري والسياسي مع الاسلاميين بروح الموضوعية والمسئوليه واستخدامها للجدل الفارغ تسجيلا للنقاط.
في العنوان والمتن يثير عرض د. الافندي لمجريات الامور في اجتماع الشبكة الاخير قضية العلاقة مع الغرب. فعنوان المقال هو " شبكة الديموقراطيين العرب تنتظر الاتهامات المعتادة لاثبات نجاحها " مشيرا بذلك الي معلومات في متن المقال حول مركزين ممثلين في الشبكه موجودين في الولايات المتحدة الامريكيه يتلقي احدهما دعما ماليا رسميا وللاخر دور رئيسي في مرحلتها الاولي هما " مركزدراسات الاسلام والديموقراطيه " و " شركاء من اجل التغيير ". وفي هذا الخصوص اوضح السيد الصادق المهدي، حسب المقال، ان التطلع العربي نحو الديموقراطية والعمل من اجلها سابق لاهتمام امريكا بالموضوع وأن قيام أمريكا بمراجعة موقفها من دعم نظم الحكم الاستبدادية في العالم العربي يجب أن يكون محل ترحيب، بالرغم من أن الاصلاح ينبغي أن يكون مبادرة داخلية تتحمل فيها الشعوب العربية أعباء النضال. كما جري التأكيد بأجماع الحاضرين علي ضرورة استقلالية الشبكة عن كل المشاريع الدولية " . وهذه قضية مطروحة اصلا بشده في الساحة السياسية العربيه من زاوية الفعل الامريكي، خاصة مشروع الشرق الاوسط الكبير، وردود الفعل العربية السلبية عموما تجاهه. ويمكن للديموقراطيين العرب ان يلعبوا دورا هاما في هذا الخصوص بأخراج هذه القضية من اجواء ردود الفعل المجرده وغيرالمجديه تاليا، الي تلك المحكومة بمقتضيات خدمة المصالح العربية العليا ومن بينها تأهيل المجتمع العربي للتغلب الحاسم علي التداخل الصميمي بين الاستراتيجتين الامريكية والصهيونيه فيما يتعلق بقضية فلسطين بصورة خاصه وهو الهدف الذي فشلت في تحقيقه كافة الجهود والتضحيات العربيه خلال اكثر من نصف قرن من الزمان لافتقارها الي الوعي بأهمية الديموقراطيه. وبما ان الشبكة، علي الاقل في مرحلتها الاولي، لن تتخذ قرارات او مواقف متعلقة بالجوانب السياسيه فأن هذا سيساعدها علي التقيد بما ينسجم مع طبيعتها هذه والتركيز علي جوهر الموضوع واطاره الحاكم وهوالعلاقة مع الغرب بمختلف جوانبها. فالمنبع الرئيسي لعجز حركات المعارضة العربية الحاليه عن تحقيق ماعجزت عنه الانظمة العربية التقليديه و ( الحديثه ) فيما يتعلق بوضع حد لانتهاكات السياسات الامريكية والغربية للمصالح العربيه هو الانطلاق من رؤية تلخص الغرب عمليا في امريكا وفي افضل الاحوال اضافة بريطانيا وفرنسا وفي الحالتين الانحصار في الجانب السياسي اليومي للعلاقة مع الغرب. وهذه الرؤية التي لاتستوعب الغرب ككيان حضاري معقد ومتعدد الجوانب ومتنوع حتي في كل قطر من اقطاره علي حده، تقود حتما الي رسم خطط مواجهة معه ينقصها الشمول وبالتالي الفاعليه او تبقي قصيرة الامد وهشة في حالات النجاح النادره. وهذا النقص الفادح هو في الواقع منطقي وطبيعي لان النخب العربية ( الحديثة ) القائدة فكريا وسياسيا بعد الاستقلال في مرحلتيها اليسارية القومية – الماركسيه ثم الاسلاميه حققت تقدما كبيرا في مستوي تأهيلها العلمي والسياسي بالمقارنة لسابقاتها للقيام بالمهام المطروحةعلي الامة العربيه ومن بينها مواجهة السياسات الامريكية والغربيه الضارة بمصالحها، ولكنها بقيت مجافية تماما لقضية الديموقراطيه وعيا وسلوكا مما ابطل مفعول هذا التقدم. فأدراك كيفية اشتغال اليات الديموقراطيه من خلال التمرس النظري والعملي عليها هو المدخل الاهم للتعامل الناجح مع حكومات المجتمعات الديموقراطيه صراعا او تعاونا، بما في ذلك التوقيت السليم لاستخدام العنف ومداه، من خلال استثمار اليات مثل تداول السلطه واستقلالية السلطة التشريعيه والحيوية الضاغطه للمجتمع المدني والصحافة الحره. كما ان هذا التمرس هو السبيل الوحيد لزج الجمهور العربي في معارك السلم والحرب كشريك لاغني عن دوره في كسبها ولاغني عن طوعية هذه المشاركه كضمان لفعاليتها. من هنا فقد اقتصر المعني الفعلي لمصطلح " الشارع العربي " علي المراوحة بين الاستجابة الوقتية لعمليات تعبوية صرفه تديرها نخب ( حديثه ) معارضه او ترتيبات الحشد الرسمي من قبل رصيفتها الحاكمه في دول مثل سوريا وليبيا والسودان. هنا تمسخ الجماهير الي مجرد طبل يردد ضربات مجموعات نخبوية تعيش سياسيا بوعي او بغير وعي علي تكرار تجارب ثبت فشلها في البناء الداخلي والصراع ضد التحالف الامريكي- الصهيوني وانحصر نضالها اخيرا في صك وتوجيه اتهامات الخيانه والعماله لكل من يخرج علي نظرتها الي الغرب ويتبع سبيلا اخر للتعامل معه سلبا او ايجابا.
ان الميزة الكبري لتشكيل ديموقراطي مثل الشبكة وغيرها من منظمات المجتمع المدني السياسي الحزبي وغير السياسي اللاحزبي فيما يتعلق بقضية التمويل، انها غير قابلة للافساد او اساءة التصرف بعكس الحال مع الانظمة الاستبداديه ومنظمات المجتمع المدني غير الديموقراطيه. فالاخيرة غير خاضعة لرقابة من اي نوع بينما الاولي خاضعة لرقابة اعضائها بحكم طوعية عضويتهم وحقوقهم المكفولة قانونا وممارسة في مساءلة القيادات وانتخابها. وهي خاضعة للرقابة ايضا من قبل الرأي العام لكون اعضائها جزء منه وبحكم شفافية عملها مثل العضوية المفتوحه ونشر الحسابات وغير ذلك مما يخضعها ايضا لرقابة القانون والصحافة الحره. من هنا فأن تركيز الشبكة ومثيلاتها من انشطة المجتمع المدني علي استقطاب كافة مصادر التمويل المحلية المتوفره واستكماله بمصادر غير عربيه ثنائية او متعددة الاطراف ابعد كثيرا عن مظان العماله واثرها التخريبي بالمقارنة للتجمعات الشكلية المماثلة في ظل انظمة وايديولوجيات غير ديموقراطيه. ففي الاخيرة يكفي اغواء عدد محدود من المسئولين بالمال او غيره لاحداث اختراق عميق وخطير الاثر في كيان الجهة المعينه والبلاد بأجمعها بحكم قلة عدد المسئولين الفعليين في هذا النوع من الانظمه والمنظمات التابعة لها وتركيز الصلاحيات في ايديهم. اما في الانظمة والمنظمات الديموقراطيه فأن مثل هذا الاختراق مستحيل لان المسئوليات فيها موزعة مؤسسيا ويخضع شاغلوها لمراقبة من اكثر من جهه فضلا عن رأي عام واع ومدرب علي النقد والمراجعه والمساءله. لذلك فأن اي محاولة اختراق لاتتعدي مراحلها الاولي ويسهل لذلك سد المنافذ امامها والسيطرة علي اثارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمكة الجنائية الدولية : ما مصير مذكرات التوقيف ؟ • فرانس 24


.. ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN




.. قتلى وجرحى بحادث سقوط حافلة في نهر النيل بمصر | #مراسلو_سكاي


.. قبل الحادث بأشهر.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل بسبب تنبؤ عن س




.. نتنياهو وكريم خان.. تصعيد وتهديد! | #التاسعة