الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الصراع من خارج الدولة

راتب شعبو

2021 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


بحسب دراسات الانتقال الديموقراطي، يمكن لعجز القوى السياسية المتصارعة عن حسم الصراع في بلد ما، أن يؤسس لتسوية فيما بينها ينتج عنها بداية تحول ديموقراطي يكون أساسه الفعلي هو الاعتراف بالعجز عن الانتصار. غير أن هذا التحول ممكن فقط حين يكون صراع القوى ضمن دائرة الدولة، أي أن تكون الدولة هي إطار ثابت ومعترف به من جميع الأطراف المتصارعة. لدينا في سورية هذا العجز عن الانتصار، ولكنه ليس من النوع الذي يقود إلى بداية ديموقراطية، ذلك لأن الصراع تعدى حدود الدولة الرسمية (أي المعترف بها والممثلة في الأمم المتحدة) التي أصبحت مجرد طرف فيه. الانقسام السياسي في سورية اتخذ شكلاً جغرافياً، حين سيطرت الأطراف على مساحات متفاصلة من الأرض السورية. لم نعد بالتالي أمام صراع قوى في إطار دولة، بل أمام صراع بين دويلات (قوى أمر واقع تتبلور مع الوقت ككيانات حكم، ودولة رسمية انحطت في أدائها العام وفي سيادتها إلى مستوى دويلة).
لكل من هذه الدويلات المحمية التي تواجه الدولة أو الدويلة الرسمية، كيان وإدارة ولا يوجد أي تنسيق فيما بينها، كما أنها لا تجتمع على مبدأ واحد ولا على موقف واحد إزاء الدولة الرسمية. هذا يعني أن الصراع القائم بين هذه الأطراف أو الكيانات، سواء ببعده العسكري أو السياسي، لم يعد صراعاً لتغيير نظام طغيان أو استبداد بل صراع للفوز بنصيب في الشرعية السورية القادمة أو في الحل القادم الذي قد يحافظ على شكل موحد لسوريا ويأتي على الوحدة الفعلية لها. هذا هو الإطار الذي تتحرك فيه سياسات حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يجدد تفاوضه مع نظام الأسد برعاية روسية ويقبل بدخول قسد في جيش النظام على أن يكون لها وضع خاص، وأن تندرج الإدارة الذاتية في قانون الإدارة المحلية رقم 107. وفي الإطار ذاته تتحرك سياسات هيئة تحرير الشام وسعيها للانسجام مع معايير المقبولية الامريكية واستعدادها للتصدي لحراس الدين أملاً في رفعها عن قوائم المنظمات الإرهابية وحجز مكان لها في الحل الممكن. وليس بعيداً عن هذا مسعى القوى العسكرية في الجنوب السوري لكسب المزيد من الاستقلالية المحمولة على رضا إسرائيلي وتفهم روسي ورفض شعبي لنظام الأسد.
للتعبير سياسياً عن هذا التحول النوعي في مسار الصراع السوري، لاحظنا، منذ سنوات، تراجع المطلب الديموقراطي وتقدم مطلب اللامركزية، ما يكشف أن مشكلة القوى العسكرية الفاعلة على الأرض والحالمة بشرعية لوجودها في سورية القادمة، لم يعد آلية إنتاج السلطة بل توزيع السلطة بالأحرى، فهذه القوى نفسها ليست ديموقراطية لا في ممارساتها ولا في آلية إنتاج السلطة فيها، والحق إنها لا يمكن أن تكون كذلك في بيئة صراع كهذه.
ولكن حتى التنظير الذي يرى إمكانية الانتقال إلى الديموقراطية بدون ديموقراطيين، أي أن يتم التوصل إلى الديموقراطية بوصفها حلاً لصراع أطراف غير ديموقراطية ولكنها عاجزة عن حسم الصراع فيما بينها، لا ينفع في الحالة السورية بسبب ما ذكرنا من خروج الصراع فيها عن إطار الدولة.
يمكن الإشارة إلى هذا التحول على أنه نقطة فاصلة في سياق الثورة السورية، وهو تحول بدأت تتكامل عناصره مع بداية مرحلة ما سمي المناطق المحررة، المرحلة التي أخرجت الصراع من دائرة التوافق على الدولة وأسست لصراعات مع الدولة من خارج إطار سيطرتها. وقد أنتجت هذه الصراعات، وكان لا بد لها أن تنتج، كيانات خارجية بالنسبة للدولة وغير ديموقراطية، وتبرر استبدادها وعدوانيتها تجاه بيئتها المحلية بضرورات الصراع.
على هذا أصبحت غاية القوى المسيطرة في هذه المناطق المحررة، ولاسيما بعد التدخل الروسي في نهاية أيلول 2015، الحفاظ على الذات في وجه الدولة الرسمية، وبات مفعول خروجها على النظام شبيها بمفعول تمرد الولاة العثمانيين على المركز، أي تقليص المساحة الجغرافية لنفوذ السلطان وليس تقييد سلطاته. على العكس، فقد بات خروج هذه المناطق عن سيطرة الدولة الرسمية، مبرراً إضافياً للطغمة الحاكة لممارسة المزيد من التضييق على محكوميها بدعوى ضرورات الصراع أيضاً. بكلام آخر، صار الصراع بين هذه القوى (لم تعد الدولة الرسمية هي الجهة الوحيدة لصراع هذه القوى بل باتت في صراع فيما بينها أيضاً) شبيه بالصراع بين الدول، أي غايته كسب الأرض أكثر مما غايته التغيير السياسي، بعد أن باتت متخارجة حيال بعضها البعض.
زاد في تعقيد الصراع السوري، وهو التعقيد الذي ترافق مع ابتعاده عن مضمونه الديموقراطي، أن القوى العسكرية التي سيطرت على الأرض اتخذت بعداً هوياتياً كان يصعب تفاديه، فمن طبيعة الصراع العسكري الداخلي أنه يحتاج إلى عصبية لا توفرها السياسة العقلانية. وقد شهدنا كيف أن الصراع العسكري راح يكنس العناصر العقلانية فيه أولاً بأول. البعد الهوياتي عزز التنافر فيما بين القوى التي توضعت على الأرض، وعزز الطابع غير الديموقراطي لها، وقتل البعد الديموقراطي للصراع، الأمر الذي أعاد للدولة الرسمية مقبولية كانت قد خسرت جزءاً مهماً منها من قبل. غير أن ما كان قد استرده النظام جراء الانحطاط في طبيعة القوى التي تواجهه، عاد ليخسره جراء انحطاطه الخاص المتعدد الأوجه من جرائمه ضد معارضيه إلى افتقاد السيادة أمام الحلفاء المحتلين، وأمام الغارات الإسرائيلية المستمرة، إلى استشراء الفساد في مفاصله والعجز عن تأمين لقمة العيش لمحكوميه.
أما المطلب الديموقراطي في سورية فلم يعد له من يرفعه سوى الهيئات السياسية المعارضة التي تقطعت خيوط ارتباطها بجمهور واسع كانت تمثله يوماً، ولم يعد لها ما يسندها سوى اعتراف دولي يزداد ضعفاً. وعليه بات المطلب الديموقراطي ضعيفاً يعكس ضعف هذه الهيئات التي تدخل في طور جديد من التراجع وتصبح أكثر قابلية للدخول في تسوية "ديموقراطية" مع النظام تقي شخصياتها الخروج من الميدان خالية الوفاض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر