الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيان من شيوعي يدعو إلى المقاومة

حسان خالد شاتيلا

2006 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تستدعي معركة شعوبنا في فلسطين ولبنان والعراق تغيير أنظمة الحكم في وطننا العربي لاستبدال الاستبداد، ونهب المافيات، ومناورات التواطؤ مع الأمبراطورية الأمريكية وإسرائيل، وإفقار الشعب، بأنظمة ديمقراطية متحررة وإنمائية تكسر احتكار الثروة وتعيد توزيعها بحيث تستفيد منها قطاعات واسعة من الشعب. فمعركة غزة المُقَاوِمَة وجنوب لبنان الباسل، تُعلن بصورة متجددة عن نهاية النظام العربي وفشله على الصعيدين السياسي والدبلوماسي الدولي في الدفاع عن الأمة، ويشير، في الوقت نفسه، إلى سقوط مشاريع السلام الواحدة تلو الأخرى ومن جميع الجهات. فهاهي المقاومة في غزة ولبنان تكشف مرة أخرى عن تواطؤ الأنظمة العربية مع العدوان، وتفضح، من خلال ارتباك النظام العربي واهتزازه، موقفها المؤيد له. وأمام تهاوي الأنظمة وتساقط مخططات السلام في أيامنا هذه بفعلٍ من العدوان الأمريكي الصهيوني المبيت في غزة ولبنان، كما كان أمره في العراق، يرتفع عاليا خيار المقاومة وحده بعدما تبدَّدت أوهام السلام.
واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، فإن الهجوم الجديد لأمريكا وإسرائيل على الشعب الفلسطيني واللبناني، وما يرافقه من تهديد يتوعَدُ الشعب السوري بمصير مشابه لما آل إليه العراق في ظل الاحتلال والخيانة، إنما هو يَستنهض مجتمعنا في سورية وقواه السياسية لقطع خطوة حاسمة وحازمة على طريق القطيعة بصورة فاصلة، نهائية، مع النظام الحاكم الذي يُبرهن منذ استيلاء الجيش على الدولة وتدميره لها، عن عجزه على مواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية، من جراء انصرافه عن البناء وانهماكه في نشر الفساد ونهب ثروات البلاد، وإفقار شعبها، والتهاون بمقدراتها الدفاعية.
ولسورية دور تاريخي في معركة التحرر، وهي كانت ولا تزال حلقة رئيسة في المقاومة العربية. فالمجتمع السوري وقواه السياسية كان ولا يزال هو الأقدر على بناء دولة تنهض بالمشروع العربي، الديمقراطي الوحدوي المتحرر. ولا يزال التعويل عظيما حتى اليوم على الدور التاريخ لسورية، مجتمعها وشعبها، في تشييد المقاومة العربية. وإن مستقبل هذه المقاومة يتوقف إلى حد كبير على مآل السياسة والدولة في سورية. وكان المجتمع في سورية قطع شوطا واسعا، منذ نشوء الوعي العربي المناهض للعثمانيين، على مسار البناء التاريخي لوحدته الوطنية. وإن المستقبل العربي، والمقاومة جزء منه، هو الذي يقضي بتغيير النظام الحاكم فيها إنقاذا لدورها التاريخي في بناء المستقبل العربي. وإن استعادة المجتمع في سورية لوحدته هذه مطلب ملح في هذا العهد المتجدد من المقاومة، لأن مستقبل معركة التحرر التي تتجدد اليوم يستمد حياته من هذه الوحدة، من جهة، ومن خلاص سورية من حكامها للانطلاق على طريق الحرية والتحرر، من جهة ثانية. وبهذه الوحدة وحدها يكون لسورية الخلاص من حكامها.
لقد أصبح مطلب التغير معاصرا أكثر من أي وقت مضى، لأن الأمير السوري هو الذي يدمر، منذ كامب ديفيد، وما بعد اتفاقية الجولان المخفية في خزائنه السرية، الوحدة النضالية لقوى التحرر والديمقراطية في سورية والبنان وفلسطين. وهو الذي وضع الاتصالات السرية في دهاليز التآمر والتواطؤ مع الولايات المتحدة والغرب الليبرالي مكان حرية المقاومة الحقيقية لمجتمعاتنا، وآثر العمل بها على تحرير الجولان. وإن نظام الأمير المنافق في سورية يشكل مصدر خطر على المقاومة العربية طالما هو يتفاوض حولها ويقايض عليها مع آلة الحرب الأمريكية الصهيونية، مقابل الإبقاء على عهده، حتى لو أدى به الأمر إلى قطع الإمدادات البشرية واللوجستيقية التي يمدُّّ بها المقاومة، من الفرات إلى غزة، بالتقطير والتمنين والابتزاز. فمن صفات الأمير أنه ينهب، ويقتل، ويتصرف بالرعايا، بدون حساب.
وكان الأمير الحاكم في سورية عزل نفسه عن المجتمع ومطالبه بعدما صادر السياسة واحتكر اقتصادها وثرواتها لحاشيته. وكان لهذا النمط السوري من الاستبداد – من خصائص نمطه بين خصائص أخرى غيرها – أن استبداده اتسع إلى ما وراء حدود سايكس بيكو السورية، حيث هو نقل سلطانه ومارسه على أكراد تركيا، وطوائف لبنان، ومخيمات الفلسطينيين في بيروت وطرابلس والتي احترقت بمدافع أجهزته القمعية. فإن المقاومة التاريخية في غزة ولبنان لم تنج من النمط السوري للاستبداد. إذ ها هي تواجه حتى الآن حالة من الحصار الذي يُضَيِّقُ عليها حدودها، ويحول دون اندماج المقاومة العربية الواسعة فيها. وما ذلك إلا لأن الشارع العربي مُغَيَّبٌ نتيجة ما تمارسه الأنظمة الحاكمة من قمع لشعوبها. فضلا عن أن الأمير السوري يرفع حاجزا شائكا ما بين الشارع في سورية، والمقاومة العربية أينما وُجِدَت. فالسياسة هي من شأنه هو وحده. والسياسة الخارجية في المقام الأول. وهو اًقفَل عليها في دهليز مُعتم مجهول المكان. ناهيكم وأن أسيادها مُقَنَّعين لا يُعرف لهم هوية. حتى أن ميشيل كيلو وعدد آخر من المثقفين السوريين نزل بهم على الفور أشد عقاب عندما حاولوا أن يوجِّهوا أبصارهم باتجاه الغرفة السرية للسياسة الخارجية في سورية.
هذه العزلة خطر آخر يتهدد سورية، لاسيما وأن الجبهة الداخلية التي تُعتبر إذا ما توفَّرَت فيها شروط المتانة والتماسك المجتمعي، شرطاً ضرورياَ للمقاومة. بيد أن إلغاءَ الأمير لها، بعدما حظر السياسة عن المجتمع وأبعد الشعب عن مراقبة الأمن والدفاع، يَحْرُم سورية اليوم من واحد من أهم مقومات المقاومة التحررية والقومية.
ويستفيد التحالف الأمريكي الإسرائيلي وحده من عزلة الحكم السوري، وما يفتقر إليه من قاعدة مجتمعية صلبة تحمي البلاد من العدوان الخارجي. إنه يستفيد على هذا النحو كي يُرَجِّح موازين القوى الإقليمية والمحلية لصالحه، بما يُعينه على توسيع المستوطنات الإٍسرائيلية، وفرض السوق النيوليبرالية على مشرق عربي تكون إسرائيل جزءًًً من اقتصاده، وإعادة تنظيم العالم بدءً من المشرق العربي الذي أصبح خط المواجهة الأول مع الأمبراطورية الأمريكية وحلفائها. وكانت نكسة حزيران 1967 سَجَّلَت اختلالا خطيرا لموازين القوى الإقليمية، بين قوى التحرر الوطني العربية والتحالف الصهيوني الأمريكي السعودي- أو الرجعية العربية - لصالح هذا الأخير. وجاءت بعد ذلك ما تمخض عن الرحلات المكوكية لكاهن الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر من اتفاقيات انتهت إلى دفن الجولان في غياهب المجهول، ثم كامب ديفيد المارشال سادات، وحرب المخيمات بقيادة الجنرال حافظ أسد، إلى أن كان مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو، لتكرس، ما بعد حرب العراق الأولى التي شارك فيها الأمير السوري بجيشه، والثانية التي سكت عنها لاندماجه في العولمة العسكرية والاقتصادية، اختلال موازين القوى هذه لصالح التحالف إياه.
وليست المعركة الراهنة، في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، في جنوب لبنان وغزة، وفي كل مكان من وطننا العربي، وليدة اليوم، وهى أبعد ما تكون عن تداعيات تلبي اعتبارات السياسات الإقليمية العارضة والانتهازية. فإن هذه المعركة، حتى وإن كانت المافيات الحاكمة تصطاد دوما في الماء العكر لإخفاء جرائمها حتى لو أدى ذلك إلى إبادة العصابة بالكامل، وكان الاستبداد بنمطيه الشرقي وما بعد الكولونيالي يمارس تأثيرا في الحركة العربية بسبب الاستعصاء عن الإطاحة بنظام الأمير، إنما هي ترجمةٌ لصراع شعوبنا من أجل استعادة حقوقه. وهي فوق ذلك جزء من الصراع العالمي ضد الأمبراطورية الأمريكية. ذلك أن معركتنا اليوم في غزة والجنوب اللبناني هي تطور جديد لمعركة مستمرة منذ نكبة فلسطين، وما لحق بها من تداعيات وصراعات عبر نكسة الوحدة ثم نكسة حزيران، واتفاقية كامب ديفيد، ورجحان موازين القوى في المنطقة لصالح السعودية والرجعية، وحرب المخيمات، واتفاقية أوسلو، وانتفاضات الشعب الفلسطيني. وإن بلوغ الديمقراطية لا يكون بفضل تناسي الصراعات الحقيقية لشعوبنا التي لها تاريخ يمتد من العاميات والثورة العربية الكبرى إلى الانتفاضات الفلسطينية. ذلك أن رفع البناء الديمقراطي لا يستوي له أساس بالتشكيك بالمقاومة وتاريخها بحجة الطموحات الإقليمية، هذه أو تلك، وإنما بعقد صلة وثيقة بين التحرر وبين مراقبة المجتمع للدولة، بما في ذلك وظائفها الدفاعية والأمنية.
وهؤلاء الذين ينسون اليوم تاريخ الحركة السياسية والاجتماعية والثقافية، ويومِئون إلى المصالح الإقليمية والتكون الطائفي، يظنون تحت تأثير الليبرالية والديمقراطية الاجتماعية أن السياسة التجريبية هي وحدها التي تكفل الانتقال الديمقراطي، وأن اللعب في حلبة السياسة الدولية مع "الكبار" بعد "الصغار" هو وحده الذي يضمن المصالح العربية. كلا إن تاريخية الثورة العربية لم تنته. إنهم، عندما كانوا (ماركسيين) كانوا يعتقدون أن حزبهم الشيوعي والأجهزة هي وحدها التي تعرف الحقيقة. لكن يفوتهم، كان ولايزال، أن التاريخ من حيث هو ينتقل من الظاهر إلى المخفي والعكس بالعكس، حسب الجدل التاريخي (وليس جدل المنطق كما تعلموا هم في المدارس الستالينية) أن التاريخ لا يأخذ مسار الممرات المعتمة للسياسة الدولية، بل هو يُعَبِّر عن نفسه عبر المسار المتطور والمتغير والمُحَمَّل بالمفاجآت للثورة العربية من عهد الجمعيات العربية ما قبل سايكس بيكو، إلى عهد الانتفاضات وجبهات المقاومة في جنوب لبنان وغزة.
تاريخ المجتمع العربي قوامه هذه الصراعات. وإن إلغاءها هو تقويض للأمة العربية ومجتمعها. وهذا التاريخ من الصراع التحرري، القومي، الديمقراطي، هو الذي يجعل من المقاومة العربية، بالقوة اليوم، وبالفعل غدا، واحدة من بغداد إلى غزة. فمعركة التحرر القومي ضد الصهيونية والأمبريالية ممثلة بإسرائيل والأمبراطورية الأمريكية هي التي تستطيع قبل غيرها أن تقوض الحواجز الموروثة عن الإقطاع السياسي والاستبداد بنمطيه الشرقي وما بعد الكولونيالي، بأشكاله الطائفية، والدينية، والشعوبية، من أجل دحر مخططات الغزو الاستعماري الجديد، في لبنان وفلسطين، كما في العراق وسورية أيضا.

فلتتلاحم المقاومة العربية لتكريس وحدة لبنان، ولدحر العدوان الإسرائيلي والمخططات الأمبريالية، ومن أجل عودة الشعب والمجتمع في سورية إلى الاضطلاع بدوره التاريخي في معركة التحرر القومي بعد خلاصه من نظام الاستبداد الشمولي. ولتتلاحم المقاومة من أجل توفير الظروف أمام عودة العراق، بقواه الشيوعية والبعثية والناصرية الوحدوية، إلى المساهمة في حركة التحرر الوطني العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه