الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرويبضة ينفث سمومه اتجاه العلوم الإنسانية

محمد ولد الطالب

2021 / 2 / 22
كتابات ساخرة


ماذا يعني أن تجهد السلطة الحاكمة لموريتانيا اليوم نفسها في تبخيس العلوم الفكرية والشرعية ؟. تدور حدود هذا النص إذن حول البحث في مقاصد الخطاب الرسمي الماجن الذي يبدو كما لو أنه يود أن يبصق ويتبول على العلوم الإنسانية و الشرعية. و هو التوجه الذي من الصعب أن يخطئه إدراك من لديه بصيرة، و يتابع السياسة الرسمية هنا سواء على مستوى المنطلقات ،أو الخطاب أو الممارسة .
في هذا السياق تضعنا شواهد مقت وتميع العلم و العلماء أمام واقع مخزي و مفضوح . حيث يطيب للنظام الحاكم هنا أن يقول أن السبب في سوء أحوالنا يعود إلى القانون والشريعة و الجغرافيا ..وليس إلى جاهليته ومكره الذي يسرق به في كل دقيقة مليارات الأوقية من المال العام . نحن إذن، أمام خطاب (صاحب فخامة ) يعتبر الثقافة الزمنية والدينية عائقاً و أمر خطيرا . موحيا بذلك إلى عبدته في شمال و وسط البلاد أن الحياة النموذجية تقوم على ميكانيك الكذب والجوع وتقنيات الحقد وهندسة الفساد و الطب بالمغالطة... ، لا على العلم.
أقول ذلك بعد أن ألزمتني مخالطة الناس و مكاره الحياة على أن نسمع ونعيش العديد من آليات هذه السياسة. بل كل منا شاهد على أن ثمة اطرادا في حديث من يحكم ، حاليا، موريتانيا حول التطاول علي قيمة العلوم الشرعية و القانونية و الإنسانية، محاولا تبخيسها، دون أن يؤدي ذلك إلى نفاد مخزونه من الحقد عن الموضوع. على وجه الانصياع الطفيلي لهذا العواء، يتبارى وزراء ومثقفي هذا النظام مع الضباب الإعلامي الرسمي، في رسم صورة ذهنية عند الناس بأن خريج العلوم الإنسانية و الشرعية كائن لا خير فيه. ولآن الحاكم القادم من رحم الجهل يجعل من استهداف أصحاب العلوم الإنسانية جزء من ( مشروعه الحضاري ) ، نجد ولد عبد العزيز وهو ممتلاء مقتا وكراهية على هؤلاء ، حيث لا يسند الوظائف( خارج حصص القرابات والعملاء) إلا (للتقنين ). ولنا أن نستفسر، في سؤل اعتراضي ، بالقول: ما الذي أتقنه ولد عبد العزيز بهؤلاء (العلمين ) غير الهدم ؟. أما علماء الاجتماع السياسي و خبراء الاقتصاد وخبراء الذات الإنسانية... فلا يستحقون، لدى الرويبضة، إلا أن يكونوا ضمن الحابل و النابل . لهذا يحلو (لرئيس العصر) أن يتخذ من مجالات العلوم الإنسانية و آيات لله هزئ، متهما أصحابها بإضاعة الوقت، مؤكدا أن تدريس مواد الهوية ليس عديم المعنى فحسب، بل خطأ .
من هنا نستأنف البحث في المقاصد التي تدفع ولد عبد العزيز إلى كيل الشتيمة للعلوم الإنسانية. الواقع أن العلوم الإنسانية هي علوم مزعجة لمن يجمع بين شر الأقوال وسوء الأفعال . نظرا لما تتميز به تلك المعارف من قدرة على النقد الصارم للواقع، و من دفع للتعمية على فساد الواقع ،و ما تسلطه من أضوء على الحقائق المرة التي يكابدها الناس. هذا إلى جانب أن هذه المعارف هي التي من شأنها أن تُلْهِم روح الإنسان الرفض،وعقله التمرّد، وإحساسه العزّة. إنها باختصار معرفة تقوم ضدا على صناعة الإذعان وتقاليد الإخضاع وأخلاق الطاعة للحاكم.. . لهذا قيل أن العلوم الإنسانية هي تلك المعرفة التي تأتي الفضيحة عن طريقها. لهذا،إذن، يحرص حكام السوء على سيادة المعارف التي تقتل ملكة التفكير ، و تؤدي إلى انحراف الرؤية وتحريف المرئي .
و لأن الحاكم هنا بأمر غرائزه عازم على أن يبني سياساته على المغالطة التي تتنكر للواقع المر الذي يكابده الناس باستثناء أقاربه و عملائه، يغدو من الواضح أن استهداف العلوم الإنسانية هنا لا يراد منه تزوير الوقائع المنظورة وحدها ، بل تزوير العين الناظرة ذاتها. بحيث لا يعود العقل قادرا علي تمييز الحق من الباطل، بل إنه قد يتمسك، دون أن يدري ، بالباطل المبذول والمفروض هنا بديلا عن الحق .
يسمح (السيد الرئيس) لنفسه بان يصطنع التقدير الزائف للعلوم التقنية . ليس في ذلك عيب ، طبعا فكل ( تقدير) مهما كان مسموما يجب أن ينال جزائه.لكننا سنغدو في اتجاه الكارثة حين يتم استثمار ادعاءات الاهتمام بالعلوم التقنية من أجل تبرير إلغاء مواد الهوية ( اللغة و التاريخ والدين ..) .
أقول ذلك، و كلنا شاهد على أن حديث رويبضة موريتانيا ينبئ عن شخصية معتلة. شخصية لا تمتلك ماضي يستحق أن يعتز به . لهذا يبدو محمد ولد عبد العزيز، كمن يستعجل حرق الماضي الشنقيطي وجرف بناه الفوقية وتجفيف النسق الحيوي المغذي( للخلايا الجذعية ) لهذا المجتمع، كوسيلة لإضعاف روابطه الجامعة . مفضلا التلعثم و الحديث بلا ضوابط نحوية وبلاغية على سلامة ودقة التواصل البياني. و من المفجع أن استحداث الكراهية لم يعد خاصا هنا بالعلوم الإنسانية ، بل شمل العلوم الاقتصادية والقانونية . و هل يحب من يسرق أناء الليل و أطراف النهار وجود مدقق مالي، حتى و إن تم ذلك على الطريقة الثلجية للمؤرخ؟ من البداهة أن الجواب هنا هو لا . ذلك أن المجرم يخاف من يفضح جرائمه ولو بعد حين. كما أن من البداهة أن يكره من وصل إلى السلطة بطريقة غير شرعية أي معرفة قانونية، و أن يحرص من نشأت خلاياه وجيناته من الحرام على تقليص الدرس الإسلامي، و أن يكره دراسة الماضي من يملك تاريخا ملوثا بالنقائص ...
إجمالا أشير إلى أن منازع زرع البغضاء اتجاه العلوم الإنسانية لا يخرج عن سلسلة التدشينات الرسمية العاملة على شل قدرات العقل الموريتاني على التفكير والتميز لدى الناس . لكن التدقيق في الأمور يكشف عن أن أغلب الناس ليس بحاجة لضوء معارف العلوم الإنسانية لكي يعرف المخازي الجارية الآن ، نظرا لان ولد عبد العزيز يبدو كما لو أنه يسلك منحى التعري على الجميع .
ميدانيا ، يبدو ولد عزيزة عازما على أن يجعل من دكاترة العلوم الإنسانية والشرعية ، مجموعة من الحطابين وما سحي أحذية من حصل على درجة الجنرال من خلال الغدر، و مهنة الوشاية و العمالة .. الواقع أن هذا المصير لم يكن يتخيل في زمن أغلب الأنظمة الموريتانية. أما وقد أمسك الرعاع الموقف بأيديهم ووضعوا القاذورات فوق كل جليل، فلم يعد هناك ما يستحق الاستغراب .
أما سؤال المستقبل، مستقبل المجتمع والثقافة هنا، فيقول : مالذي يمنع المنظمات الثقافية العالمية أن تطالب بمحاكمة رويبضة موريتانيا على جرائمه الثقافية ؟ ,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق