الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات شخصية الشيوعي العراقي -1-

سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)

2021 / 2 / 26
الادب والفن


في أخر حوار صحفي قبل أيام أجراه معي صحفي شاب "علي فائز" ذكرت أن شخصية الشيوعي العراقي شخصية تراجيدية ناضلت في كل العهود منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 ولحد الآن لكنها لم تظفر بالسلطة وقدمت قوافل من الضحايا قتلاً فيزيقياً، وإذلالاً نفسياً ومن كافة السلطات، فالسلطات الملكية أعدمت قادة الحزب الثلاثة في الساحات العامة ببغداد 1949، ونكل بهم عبد الكريم قاسم أيضا بعد سنة من انقلابه العسكري 1958، ليأتي البعث ويقيم أول مجزرة دموية شملت العراق كله بعد انقلاب 8 شباط 1963، فيعدم قيادة الحزب الجديدة أيضاً قتلا تحت التعذيب ويغتصب العراقيات المناضلات، ويدفن الشيوعيين أحياء، ويزج بالآلاف في المعتقلات والسجون، ليأتي بعده العارفين فيشرعا قانون البراءة إمعاناً في إذلال المناضل فالبراءة مقابل إطلاق السراح، ليقفز البعث من جديد في انقلاب جديد 17-30- تموز 1968، فامعن في اغتيال كوادره قبيل التحالف الشكلي معه 1973 ليعد العدة للقضاء على وجوده الحيّ من خلال حملة شاملة على كوادره وأعضائه بدأت 1977 بإعدام 31 من أعضائه بتهمة التنظيم العسكري المحظور عليه لتستمر الحملة التي طالت كل من لم ينتمِ لحزب البعث وتستمر حتى الاحتلال 2003 ، وكنتُ من الجيل الذي فتح عينيه على هذا الصراع بوقتٍ مبكر، فأبي سجن في سنة إعدام فهد 1949 من قبل محكمة عرفية لمدة عام لخطابه ضد السلطة في ساحة عامة في لحظة غضب واحتجاج فقد كان في الحلقات الأولى التي نظمها "فهد" في مدينة الديوانية أواخر ثلاثينيات القرن المنصرم. ورأيت في طفولتي المبكرة انعطاف الشارع العراقي مع اليسار والأفكار الاشتراكية، فقد كانت أمي تأخذني معها وأنا إبن الخامسة إلى مقر "رابطة المرأة العراقية" في الديوانية التي كانت في شارع السراي وتساهم بفعالية مع أختي الكبيرة "ساجدة" في النشاطات الاجتماعية والثقافية من تعليم الخياطة مجانا للنساء إلى المحاضرات التثقيفية التي لم أفقه منها شيئاً وقتها، واشتراك عائلتي كلها في التيار اليساري الصاخب وقتها، لأعيش رعب الثالث والستين حيث زج بأعمامي وأقربائي جميعا في معتقلات الحرس القومي مليشيات حزب البعث العربي الاشتراكي الأولى ، لأتشرب القصص والحكايات التي أسطرت حياة وسلوك المناضلين وجعلتهم أقرب إلى القديسين منهم إلى البشر، وهذه الأساطير والقصص مضاف للأدب والرواية والتاريخ دفعني إلى الإيمان بالعدالة والاشتراكية ولما كنت مفضوحاً منذ مطلع حياتي لم أصلح للعمل السري، بل كنت داعياً في المحلة والمقهى والمدرسة، وقتها لم أدرك ما ثمن ذلك الإعلان فاعتقلت وأنا ابن ال 16 وذقت الذل، وتكرر الخطف والاعتقال والتعذيب، وفي كل مرة أتعرض للتعذيب دون أدلة ضدي او اعتراف وهذا ما خلصني من موت أكيد، وأخر مرة في حزيران 1980 قبضنا أنا وصديقي "عبد الحسين داخل" الذي يشبه وضعي في لقاء شرب مع شيوعيين مختفيين رأينا الويل لكننا أنكرنا كل شيء، فأطلقوا سراحنا وأُعدم الرفيقان، صورت ذلك بالتفصيل في روايتي "حياة ثقيلة"، بعد هذه التجربة لم أعطِ نفسي لهم، حذقتُ والتحقت بالثوار في الجبال وتنقلت وخبرت الحياة الحزبية عن كثب بالاحتكاك بقادة الحزب القدامى والجدد، فتعرفت على تفاصيل وأسرار كانت جميعها تدخل فلاتر "سلام إبراهيم" الذي لم يتحزب أبداً، بل كان يزداد مع التوغل في التجربة والحوارات والأسرار وصراعات الحزب الداخلية بعداً عن الإيمان بالايدلوجيا، بل أيقنت أنها عمى أسود يصيب البشر ويحوله إلى مجرد أداة يديرها الما فوق حسب ما يشاء. وبطبيعة الحال ظهر هذا على سلوكي وسط الأنصار من خلال تعاملي الذي لم يضع الموقع الحزبي بحسابه على الإنسان وسلوكه مما جعلني هدفاً لحملات تشهير وأسقاط قادها كادر الحزب الوسطي الذي يتميز بميزتين التملق للقادة وفظاظة الدكتاتور في التعامل مع القاعدة بشكل عام، أما بمن هو مثلي فهم أجبن من مواجهة شخص صريح وواضح وسلوكه وعمله في الحركة المسلحة لا غبار عليه، فكانوا يحشدون المقاتلين بطريقة الجبناء الخبثاء في محاولة لتشويه سلوكي وتاريخي، لكن خاب مسعاهم فتاريخي واضح فقد جازفت وتسللت إلى المدن وعملت مدة سنتين وعدت مع زوجتي، وسلوكي صريح وواضح لم أتقاعس عن أي مهمة أوكلوها لي، ومن حسن حظي أنهم لم يكلفوني بمهمة قتالية فأنا أسوء مقاتل ولا أستطيع قتل حشرة، وأعتقد أن لديهم فراسة بذلك، مضاف وهو الأمر الجوهري في عدم طردهم لي أو أتهامي جزافاً مثلما فعلوا مع بعض الرفاق فاعتقلوا ومنهم من قضى تحت التعذيب "كمنتصر" أو أذلوهم وجعلوهم يخافوا فأصيبوا بأمراض نفسية ولا أريد ذكر الأسماء، ما حماني أمرين علاقتي بقيادات الحزب القديمة الذين يطلبون ودي ورأيي في الصراعات العويصة التي تجري داخل الحزب، كوني بلا طموح حزبي، غير متملق، صريح، لا أخاف من قول الحق، فربطتني بهم علاقة ودية عميقة بالرغم من اختلاف رأيينا، فكانوا مصداً للكوادر الوسطية التي كنت على غير ودٍ معها وهذا التعبير مخفف جداً "على غير ود" والثاني وجود زوجتي " ناهدة جابر جاسم" الحزبية جدا والتي تعمل بكل براءة وسذاجة فكونت ورشة خياطة وفرت للحزب أمولا وكانت ملتزمة جدا.
من هذا التاريخ الذي سردته والتفاصيل، بدأ بحثي في البشر والتاريخ وطبيعة الصراع وهذا الحزب الذي تكون مع نشوء دولة العراق الحديث، وكي ادخل للموضوع الذي أنا بصدده إلا وهو "كتابة صورة وحوار عن رفيقتي د. سلوى زكو" سأقفز لأقول أن تركيب الحزب الداخلي يشبه منظمة طائفية، دينية، شديدة السرية، تكتم أسرار صراعها الداخلي وتستقتل حتى لا يبوح أحدٌ بما يجري تحت السطح، وحتى جريمة القتل يجري طمها خوفاً على سمعة "الحزب" "الطائفة" كما جرى مع منتصر الذي قبروه في مكان لا يعرفه سواهم بعد قتله تحت التعذيب بتهمة معاداة الحزب، كما قبروا "محمد" في مكان سري بالفوج الثالث بهدينان" الذي كتبت عنه قصة في مجموعتي الأولى "رؤيا اليقين" بعنوان "وداع" وهي القصة التي رواها لي الرفيق " أبو صمود" –محمد قحط – المقيم الآن في السويد في ليلة سهر وكنت في مهمة بريدية للفوج ذاك. في هذا المناخ سعيت بوعيٍ ودون وعي، لا أدري، للتغلغل بالأسرار وعدم الانحياز لأطراف الصراع. وكان البعض يجد أن الأمر مخيفاً وخطيراً، في صبيحة صيفية من عام 1985 عام التحاقي الثاني، وفي فصيل المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي بقاطع "بهدينان" أسر لي عضو اللجنة المركزية وقتها ومسؤول الفرات الأوسط التنظيم الذي أنتمي إليه "عدنان عباس" –أبو تانيا- المقيم الآن في لندن، أتذكر قامته الطويلة جداً وتقاطيع وجهه المتعبة، عينيه الحمراوين المتورمتين، وبشرته الشاحبة، كمن يعاني من قلة النوم، قرّبَ شفتيه من أذني اليمنى وقال بصوت خافت:
- رفيق تعرف ليش أني جبت الشباب "يقصد الشبان من الفرات الأوسط" حتى يحموني، أخاف يدبرون قضية ويقتلوني!
وقتها أدركت أي جو أعيش، كان "عدنان عباس" المرعوب من القتل قد أشرف على نزولي إلى الداخل وعودتي ومتهم بتيار "باقر إبراهيم" الداعي لعودة التحالف مع البعث.
لم أكتب شيء مما عرفت من أسرار وتفاصيل، لكنني في لحظات الاسترخاء والتأمل العميق للتجربة وجدتني أكتب عن علاقتي الثقافية مع الحزب الشيوعي العراقي معرضاً عن الخوض في التفاصيل السياسية والاجتماعية التي تطرقت لبعضها في نصوصي الروائية والقصصية
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشيخ الشعراوي والبقلاوة
منير كريم ( 2021 / 2 / 26 - 13:38 )
تحية للاستاذ المحترم
في عام 1967 بعيد هزيمة عبد الناصر شكر الشيخ الشعراوي ربه وصلى ركعتين ثم خرج الى الشارع ووزع البقلاوة
ونحن يجب ان نصلي 2000 ركعة ونوزع البقلاوة بالقشطة ان هؤلاء لم يتمكنوا من الحكم
لقد راعني ماذكرت ان الحزب يقتل رفاقه وتحت التعذيب , لقد قتلوا اما منا في 1969 طالبا شيوعيا من جماعة القيادة المركزية في الجامعة فايقنا ان هؤلاء اذا لم يكونوا كالبعثيين فهم اسوء
لابد ان تخرج هذه المعلومات لتفهم الاجيال الجديدة اهمية الحرية في مقابل الافكار الشمولية الارهابية
شكرا لك

اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى