الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


40 عاما على الانقلاب العسكري باسبانيا

نظمي يوسف سلسع
(Nazmi Yousef Salsaa)

2021 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


40 عاما على الانقلاب العسكري باسبانيا


احتفلت اسبانيا بذكرى مرور40 عاما على حركة الانقلاب العسكري التي جرت يوم 23 شباط/فبراير من عام 1981 حيث اقتحم المقدم بالحرس المدني انطونيو تيخيرو مع 200 من جنوده بالسلاح البرلمان الاسباني خلال انعقاد جلسة التصويت على الحكومة الجديدة برئاسة كالفو سوتيللو خلفا لحكومة ادولفو سواريس التي استقالت يوم 29 كانون ثاني/ يناير 1981 .

غاب عن مراسم الاحتفال، الذي جرى في البرلمان الاسباني يوم الثلاثاء الماضي، الملك الفخري خوان كارلوس الذي تنحى عن العرش عام 2014، وكانت تصفه الرواية الرسمية بالبطل الذي افشل الانقلاب، ومع هذا الغياب، وتواجده خارج البلاد، وتلاحقه اشاعات وادعاءات قضائية مالية، قد رسم عدة علامات استفهام وروايات اضحت تشكك في الهالة التي احاطت "بملك الديمقراطية" .. ويتردد ان هناك كثير من الوثائق محاطة بالسرية التامة، ومنها وقائع جلسات محاكمة الانقلابيين والتي ما تزال طي الكتمان وان الملك كان على علم واطلاع..

وكما يقال: إذا وقع الجمل كثرت سكاكينه.. وفي هذا الاطار لسنا حملة سكاكين واتهامات، ونعتقد ان الملك خوان كارلوس لن يقصّر بدفع وتسديد ضرائب مستحقة عليه اذا جرى وتم مطالبته من دائرة المالية والضرائب، ولكن لا نستبعد ان يكون الملك خوان كارلوس كان لديه اطلاع ومعرفة بما كان يدور داخل المؤسسة العسكرية التي يرأسها، ومن المؤكد قد وصل الى اسماعه قلق وسخط العناصر المحافظة على سرعة توجهات حكومة ادولفو سواريس نحو دمقرطة المؤسسات، وافساح المجال لمشاركة الاحزاب وقوى اليسار في الحياة السياسية واقرار النظام الأساسي لإقليم الباسك وكاتالونيا.. وكذلك لدى الملك فيلبي السادس علم ومعرفة بمواقف كبار العسكر ضد الحكومة المركزية الاسبانية، اذ أن نحو سبعين من كبار العسكريين المتقاعدين وجهوا، قبل فترة وجيزة، رسالة الى الملك فيليبي السادس عبروا فيها عن المخاوف من سياسات الحكومة اليسارية والتي برأيهم تنطوي على خطر تفكك اسبانيا والوحدة الوطنية..
بالتأكيد لا العاهل الاسباني فيلبي السادس ولا الحكومة الاشتراكية، لديهم تلك المخاوف التي عبر عنها جنرالات المتقاعدين، فعسكر اليوم ليس كما كان عسكر فرانكو، والانقلاب العسكري الذي جرى قبل 40 عاما من المحال تكراره سوى من خلال انقلاب سياسي برلماني..

اذن تعالوا نبحث عن خلفيات تلك الاحداث والعوامل وتفاصيل الحكاية التي ادت الى حركة انقلاب العسكر يوم 23 فبراير/ شباط 1981:

بداية، لم يفشل الانقلاب العسكري، فالهدف لم يكن اجهاض الديمقراطية الوليدة باسبانيا كما يشاع، فالجنرال فرانكو قد اوصى بهذا التغيير والانفتاح بعد وفاته، فالهدف كان إنهاء وتصفية حكومة ادولفو سواريس وحزبه الحاكم اتحاد الوسط الديمقراطي، وهذا ما جرى في العام التالي اذ تم اسدال الستار على دور ادولفو سواريس وتشتيت حزبه وابعادهم خارج الحياة السياسية الاسبانية..
ولكن لماذا..؟!ّ .. لماذا ادولفو سواريس وحزبه الحاكم آنذاك؟!.

تظل المرحلة الانتقالية بإسبانيا، اي الانتقال الديمقراطي الإسباني من حكم ونظام فرانكو والحزب الشمولي الواحد الى دولة ديمقراطية برلمانية متعددة القوى والاحزاب من أهم المراحل في التاريخ السياسي الاسباني الحديث، ويظل الرئيس ادولفو سواريس، أول رئيس حكومة انتقالية ديمقراطية، الشخصية الرئيسية والمميزة التي قادت السفينة الاسبانية إلى البر والميناء الديمقراطي وسط تلاطم امواج الاحداث والصراعات والخلافات المحلية والاقليمية والدولية ناهيك عن تحقيق مصالحه سياسيه وطنيه ورتق النسيج الاجتماعي والسياسي الذي تفسخ جراء الحرب الاهلية ..
لقد استطاع الرئيس ادولفو سواريس ان يجمع حوله شخصيات سياسية شابة معتدلة ومنحدرة من نظام فرانكو وحزب الكتائب اليميني الفاشي، ومن الديمقراطيين الاشتراكيين والليبراليين والديمقراطيين المسيحيين، وشكل من هذا التجمع حزب اتحاد الوسط الديمقراطي، وبالفعل كان هذا "الخليط" متجانسا وبافكار وطموحات سياسية "رومانسية" تعتز بتفرد الشخصية الاسبانية وأهمية اسبانيا وموقعها الاستراتيجي وتاريخها المشترك مع امريكا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي، بهذا الفريق اصبح ادولفو سواريس بحق رجل المرحلة الانتقالية بلا منازع، حيث انجز مصالحه سياسيه وطنيه أثمرت على إصدار دستور جديد وإقرار منظومة سياسه تحت ظل نظام ملكي برلماني ديمقراطي متعدد الأحزاب .. هذه الانجازات التي نصفها بسطرين قد تحققت خلال عامين فقط، وكان ينتظر ان تتم خلال عقدين من الزمن.. وهي انجازات تاريخية عظيمة وفريدة حققتها اسبانيا وعكست احداثها ومجرياتها على القوى الاقليمية والعالمية وحتى القضايا الدولية.. فجرى استدعاء كافة الاحزاب والقوى السياسية من المهجر، بعد ان كانت تحت الحظر والمطاردة في عهد فرانكو، من اليساريين والشيوعيين والاشتراكيين، ودعوتهم الى العودة وبناء اسبانيا الجديدة .. اسبانيا الملكية البرلمانية الديمقراطية!!...

عاد "الرفاق" الى الوطن والنضال من جديد، وحينها اشار البعض ان قبول اليسار الاسباني المشاركة في الحياة السياسية وبإطار"نظام ملكي" جاء (نكاية) بالديكتاتور فرانكو الذي كان باعتقاده ان احزاب وقوى اليسار لن تعود الى البلاد او تشارك بهذا النظام، غير ان هناك من اضاف القول بانه كان اعجاب قيادات اليسار بشخصية وافكار وحسن نية الرئيس ادولفو سورايس في السعي الى اقامة نظام ديمقراطي يتسع للجميع .. على اية حال سجلت عودة اليسار مفاهيم جديدة، إذ اكدت على امكانية تعايش قوى اليسار والعمل والابداع والتأقلم في اطار ليبرالي متعدد الاحزاب وليس اسقاط نظام واقامة نظام آخر.. فـ"الشيوعية الاوروبية" ابتدعها الحزب الشيوعي الاسباني وامينه العام سانتياغو كارييو حينما عاد الى اسبانيا الملكية، وتبنت افكاره عدة دول اوروبية غربية وشرقية، بمنظور الأخذ بالنسيج الشيوعي وتفصيله والخياطة وفق مقاس وحجم وحاجة المجتمع والامكانيات المتاحة، فإن الفكر اليساري سينمو ويزدهر ويتفاعل مع الليبرالي من خلال البحث وتوفير العدالة الاجتماعية للطبقة الفقيرة لو كان في اطارنظام ملكي!..

عام 1977 جرت اول انتخابات تشريعية عامة فاز الرئيس ادولفوا سواريس وحزبه (اتحاد الوسط الديمقراطي) على جميع القوى السياسية وشكل لجنة برلمانية كجمعية دستورية من اجل اقرار الدستور الذي اصبح ساري المفعول عام 1978.. وبعد ذلك تقدمت اسبانيا بطلب الإنضمام الى المجموعة الاوروبية، فقد كانت لديهم قناعة راسخة واعتزاز بامكانيات ودور اسبانيا الكبير في تعزيز مكانة المجموعة الاوروبية حال انضمامها، فالفكر السياسي الاسباني حينذاك كان يرى انضمام اسبانيا لا يعني دخول اسبانيا اوروبا بل ان اسبانيا ستحمل وتقود المجموعة الاوروبية الى آفاق واسعة نحو امريكا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي .. هنا كانت المفاجأة، وهي الشروط والطلبات من اسبانيا والتي لم تكن لها علاقة بالديمقراطية أو الحريات العامة ولا بالاقتصاد ولا حتى في اوروبا .. وفي الواقع لم تكن شكل مفاجأة بل صدمة لاول قيادة وحكومة ديمقراطية اسبانية منتخبة حينما جاء الجواب بل الاشتراط الاوروبي على طلب انضمام اسبانيا الى المجموعة الاوروبية الاعتراف أولاً واقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل؟!!..
لا يعني ذلك ان "اسرائيل" تتمتع بهذه القوة والهيمنة على اوروبا بقدر ان هذا الكيان في الاساس صنيعة اوروبا الاستعمارية وان المجموعة الاوروبية اضحت "رهينة" الولايات المتحدة الامريكية، وريثة مشاريعها الاستعمارية بفضل مشروع مارشال الامريكي الذي ساعد على اعادة بناء اوروبا اعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالتالي كان المطلوب من اسبانيا التأقلم والاصطفاف والالتحاق بالسياسة الاطلسية الغربية، بما يعني أن الحديث عن : ديمقراطية.. حريات عامة.. احزاب.. انتخابات.. جميعها غطاء وقشور براقة تحجب جوهر اطماع ومصالح الغرب وسياسة حلف الناتو في خضم الحرب الباردة بمواجهة حلف وارسو..

لم تستوعب حكومة سواريس الاشتراط الاوروبي.. وكأن اوروبا في وادي واسبانيا في وادٍ آخر، فكيف تقيم علاقات مع "اسرائيل" وما تزال مدريد وبفضل بغداد، عاصمة جبهة الصمود والتصدي العربي ضد اتفاقيات كامب ديفيد، تتلقى النفط الخام العراقي بالمجان، وهذا ما ساعد اسبانيا على تخطي الازمة النفطية العالمية، ناهيك على انها قد استعادت علاقاتها الطبيعية مع المغرب وانهت استعمارها للصحراء المغربية.. لذلك واصلت اسبانيا وحكومة سواريس العمل ومحاولة افهام المجموعة الاوروبية انها "مختلفة"..
وشعار (اسبانيا مختلفة Spain is different) كان يافطة وعنوان حملة ترويج سياحي نفذتها وزارة السياحة الاسبانية عام 1960 ونجحت في الخروج من العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة عليها من قبل اوروبا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد جذبت الحملة استثمارات اجنبية هائلة لتطوير القطاع السياحي، حيث شهدت، منذ ذاك الحين، تدفق الملايين من السائحين على الشواطيء والجزر والمدن الاسبانية للتعرف والتمتع بطبيعتها الخلابة وطقسها الرائع المعتدل وطيب طعامها وطيبة اهلها..
في الواقع تختلف اسبانيا عن باقي دول المجموعة الاوروبية، خاصة بجغرافيتها المطلة على منفذ البحر الابيض المتوسط وسكانها من مختلف اصول ومنابت الحوض المتوسط وشمال اوروبا، حيث استوطنت بها كافة الحضارات وتلاقحت عليها الثقافات والديانات السماوية وغير السماوية.. كاليونانية الوثنية والرومانية المسيحية والبربرية الامازيغية والعربية الاسلامية، وبما تواصلت ووصلت الى بلاد الهند وفارس، وانصهرت جميعها في بوتقة واحدة لتأتي صورة اسبانيا الجميلة والمختلفة بهوية متوسطية مميزة، عكس الدول الاوروبية التي تقوقعت بكينونتها وخاصيتها كالالمانية والفرنسية والايطالية ..الخ .. لذلك رأت حكومة ادولفو سواريس انه اذا كان لا بد من الاعتراف بالكيان الاسرائيلي فمن الواجب الاعتراف بالحق الفلسطيني، لهذا اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعت السيد ياسر عرفات لزيارة رسمية الى اسبانيا واتخذت هذا القرار في اطار التأكيد على اهمية اسبانيا للمجموعة الاوروبية من اجل تعزيز دور ومكانة اوروبا في القضايا الدولية، وان تبادر اسبانيا الى الريادة لا ان تكون تابعا لسياسة اطلسية غربية احادية الجانب، وهذا ما "جّن جنون الغرب" واصبح المطلوب رأس ادولفو سواريس .. وهكذا كان..
بعد نحو عقدين من الزمن جرى تكريم ادولفو سواريس ومنحه وسام ورتبة (دوق) لدى البلاط الاسباني، غير ان أول تكريم لادولفو سواريس قامت به جمعية الصحفيين العرب باسبانيا ونادي الصحافة الدولي وكنت يومها رئيس الجمعية وقدمت مجسم تذكاري يرمز ويثمن دوره في المرحلة الانتقالية الاسبانية ودعوته التاريخية لرئيس منطمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.

كاتب وصحفي - مدريد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه