الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى نقد وهم -القبلة- الغربية حلا للتخلف : ردا على أنصار -الغرب هو الحل-..

مجدى يوسف
(Magdi Youssef)

2021 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


فى نقد وهم "القبلة" الغربية حلا للتخلف. ردا على أنصار"الغرب هو الحل"

مستشار منظمة اليونسكو بباريس فى شأن الحوار بين الثقافات (سابقا)


عندما أقرأ مقالا لمنى أبو سنة، أو لأستاذها مراد وهبة ( مع حفظ الألقاب الأكاديمية طبعا) يتردد فى ذهنى ردى على الراحل فؤاد زكريا الذى كان يشاركهما الانصياع التام لأفكار التنوير الغربى بمقال لى عنوانه: فى نقد التنوير المنقب (نشر فى الهلال، ثم فى كتابى: معارك نقدية).

والطريف فى الأمر أنهم ، ولا أقول كلاهما وحسب، يؤمنون "بجدية" موقفهم هذا بالرغم من أنه أقرب للهزل المضحك، وهو ما سبق أن سخرت منه، دون ذكر الأسماء، فى مقال لى بالمصرى اليوم تحت عنوان: فى هزلية المطلق والنسبى ( بتاريخ 29 سبتمبر 2018). لكنى أجد نفسى هنا مضطرا للإفصاح عما خابت عن احتماله مرارتى.

فالفيلسوف " الكبير" الدكتور مراد وهبة، بينما تفرد له صفحات الأهرام والمصرى اليوم ليزجى لنا "شهادته على التاريخ" لا يدرك مدى ما يصدعنا به من عبارته التى لا يتوقف عن ترديدها حول "ملاك الحقيقة المطلقة"، بينما لا يحس أنه بعدم ملله من تكرار تلك العبارة صار هو نفسه أفضل مثال عليها، بوصفه من أولئك الملاك الملاكى للحقيقة التى يعدو وراءها ، بينما تعدو هى وراءه مستغيثة به أن يرحمها..

فمن عباراته التى لا يمل أيضا من ترديدها : أننا – نحن العرب - "متخلفون" ، وذلك لسبب "بسيط" فى رأيه، هو أننا لم نمر بتلك المراحل الذى مرت بها المجتمعات الأوربية ، وأسفرت عما يدعى "عصر التنوير" هناك. وأننا إن لم نستبدل "ابن تيمية" ب"ابن رشد" فى نظمنا التعليمية، وأفكارنا العامة، فلا رجاء لنا ، ولا أمل فى أن نخرج مما نحن فيه من تخلف. وهو يشترك مع الراحلين فؤاد زكريا، ولويس عوض ، وغيرهما من المتحمسين للتوحد بالغرب مخرجا لما نعانى منه من تخلف، فى أن التنوير الأوربى هو المنارة التى ينبغى علينا أن نهتدى بها، وأن تصبح لنا بمثابة القبلة الجديدة إن أريد بنا أن نتجاوز تخلفنا.

وهنا أنتقل لتلميذته وحواريته السيدة الدكتورة منى أبو سنة التى حاولت من قبل أن تبسط للبسطاء من أمثالنا "إيمانويل كانط " التنويرى الألمانى بالبلدى، بينما هى لا تعلم أن من بين من تسعى ل"تبسيط" كانط لهم، من قرأ كتابه " نقد العقل المجرد" وهو فى السابعة عشرة من عمره فى لغته الأصلية التى كان من بين دوافعه لتعلمها أن يقرأه بها. وأن أول بحث قدمه فى السنة الأولى من التحاقه بالجامعة كان عن هذا الكتاب مع ترجمة مقاطع منه عن الألمانية، وذلك بعد أن كان قد قرأ لديكارت "خطاب فى المنهج"، وتأملاته الديكارتية بالفرنسية وهو ما زال طالبا فى مدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة، ومن قبلهما "زيجموند فرويد" فى مكتبة الزيتون بالعربية فى ترجمة محمد عثمان نجاتى، ثم بالانجليزية ( مستعينا بالقاموس) فى مجلد الأوراق (البحثية) المجمعة الصادرة ل"فرويد" عن دار نشر "ماكميلان" فى المملكة المتحدة، وقد كان استشهاد "فرويد" بمقاطع لرواية "فاوست" لجوته دون ترجمة لها إلى الانجليزية ، من بين الأسباب التى حدت بى لتعلم الألمانية، قبل أن أقرأ "كانط". فقد كنت على مدى حياتى الدراسية لا أختلف سوى إلى المدارس الحكومية ، لكنها كانت شهوة المعرفة. ولعلى ذكرت طرفا منها فى فصل" التكوين" فى مجلة الهلال عام 2000 تحت عنوان: نصف قرن من حب الاستطلاع.

لكنى لا أفهم علة إقحام السيدة منى أبو سنة لنصوص لكل من "إيمانويل كانط" و" مارتين هايديجر" فى مقالها الأخير المعنون: التكنولوجيا فى صميم الإنسان؟ ( المصرى اليوم بتاريخ 15 فبراير 2021 ) فكلاهما منظر محافظ فى الفكر الأوربى الحديث، لا يستعان به إلا من جانب أشد المحافظين على آليات السوق من منظور مثالى (بالمعنى الفلسفى) فى التوجهات المدرسية، والسياسية فى أوربا وفى الغرب عامة. وكيف يستقيم ذلك مع ما كنت شاهدا عليه بما وصفت به صاحبة المقال نفسها لرئيس "الجمعية الدولية للأدب المقارن " آنذاك ، السيد "جيئورجى فويدا"، فى نيويوك عام 1982، بأنها "ماركسية لينينية" ، وذلك ربما على سبيل التقرب من رئيس الجلسة والجمعية آنذاك، لأنه كان ينتمى لمعهد الأدب فى أكاديمية العلوم بالمجر حين كان يتبع المعسكر الاشتراكى فى أوربا الشرقية فى ذلك الوقت. على أية حال ، من الواضح أنها لم تعن ما وصفت به نفسها آنذاك ، بله أن تعى بأن من استشهدت بهما فى مقالها الذى نعقب عليه ، يمثلان العكس تماما مما وصفت به نفسها. إذ أنهما ( أى "كانط" ، و"هايديجير") يستخدمان لتبرير نمط الإنتاج السائد فى الغرب، والقائم على اقتصاد السوق الرأسمالية ، وهو ما سعت هى نفسها ل"تبسيط" مقتطفها عن "هيديجير" ، بقولها أن التعامل الواعى مع آليات تلك السوق هو الملاذ، بينما لم تذكر أن ما يكرس تلك الآليات نفسها من خلال الصراع بين خصخصة المنافع فى المشروع الرأسمالى، ومقاومة من يعود عليهم تلك الخصخصة من مضار يسعون لدفعها عن أنفسهم، تجعل التناقض بينهما كالعلاقة بين القط والفأر فى صراع مستمر، وأن الأيديولوجية الليبرالية التى يمثلها مقتطف "هايديجير"، إنما تسعى للحفاظ على آليات السوق الرأسمالية باعتبارها "السوق الخاتمة" فى تبرير "فوكيما" وأتباعه. فعندما أغلقت، على سبيل المثال، كبريات شركات صناعة السيارات الألمانية مواقعها الإنتاجية فى بلدها لتفتح بديلا لها فى البرازيل خلال الستينات، لم تجد احتجاجات العمال الألمان المضارين فتيلا، ولا الرأى العام الألمانى فى ثنيها عن قرارها المستمد من تعظيم أرباحها بخفض نفقات إنتاجها، وقربها من أسواق أمريكا الشمالية. فرأس المال لا وطن له سوى تعظيم أرباحه.

السيدة منى أبو سنة، وأستاذها "الفيلسوف الكبير" مراد وهبة، يدعوان معا إلى الأخذ بالفكر "التنويرى" الأوربى، وكأن الكلمات ، بغض النظر عن سياقاتها الخاصة التى نبعت منها وترتبت عليها ، هى التى تصنع التاريخ، وليست هى التيارات التاريخية التى يسعى الدارسون بعدها للتنظير لها. وفى ذلك أختم هذه الكلمة بالمثال التالى: عندما تبلورت الرأسمالية الصناعية فى ألمانيا ( متأخرة عن فرنسا فى هذا المجال)، أنشئت كراسى للفسلفة فى الجامعات الألمانية للتنظير لهذا التطور الحديث. ودأب الباحثون الجدد على النظر فى التراث الألمانى عن أدوات يوصفوا بها هذا التطور، فلم يسعفهم جدل "هيجل"، بينما وجدوا فى خطاب "كانط" ما يعينهم على ذلك، وإن كان بحاجة لبعض "الصنفرة" هنا وهناك ليقارب تلك الظاهرة الجديدة. من هنا نشأت فى ألمانيا "الكانطية الجديدة" التى تأثرت بها فى إسبانيا فى منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين الطبقة الوسطى الاسبانية لخيبة أملها فى فقدان مستعمرات بلدها إسبانيا فى أمريكا الجنوبية، وعدم قدرة تلك الطبقة الوسطى على استعادتها ، فراحت تستدعى التراث الألمانى الكانطى متمثلا فى تنظيرات " كارل فريدريخ كروازه" (1781-1832) ، وهو ما صار يدعى هناك تيار" الكراوزيزمو". وقد صار يعبر عن تلك الطبقة الوسطى المترفعة على التراث الشعبى الإسبانى فى توحدها بالتراث الألمانى، "أورتيجا إى جاسيت"، بمجلته التى أسسها عام 1923 "أوكثيدينتى" ( الغرب) فى مقابل التراث العربى المتلاحم مع اللاتينى الشعبى الذى كان ولا زال ماثلا خاصة فى محافظات جنوب إسبانيا..

لكن ذلك التيار "المتفلسف" كان تعويضيا هناك، فى اغترابه المزدوج عن مجتمعه. فهل هذا هو ما نبتغيه لمجتمعنا المصرى وسائر المجتمعات العربية ؟

كى لا أكون مجرد "ناقد" سالب هنا، أقترح على أصحاب ذلك التيار المنصاع وراء التنظيرات النابعة من مجتمعات الشمال الأوربى، أن ينظروا لقصيدة ممثلة خير مثال للتحول الاجتماعى فى المجتمع المصرى خلال الستينات، كتبها الراحل عبد الرحمن الأبنودى ، عنوانها: جوابات الاسطى حراجى القط ، العامل بالسد العالى لزوجته فاطنه احمد عبد الغفار، بجبلاية الفار. فتتبع تلك الخطابات حتى نهايتها يكشف لنا العلاقة بين التراث الريفى المحلى بكل رومانسيته، والمساهمة فى التحول المجتمعى بمشروعاته العامة المصيرية، وما يستتبعه من تحول فى عالم الأفكار المحلية.

ارحمونا يا عالم من هزلية: "شيل ابن تيمية من رؤوس الناس، وحط بدلها ابن رشد حتى تستقيم الأمور"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا