الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصَّةُ المرأة ذاتِ القَميصِ الخَمري

حازم شحادة
كاتب سوري

2021 / 2 / 28
الادب والفن


جارتي في الطَّابِقِ الخامسِ مِنَ العمارةِ المُقابِلة امرأةٌ غريبَةُ الطّباع.

كُلَّ مساءٍ تمامَ العاشرَة، وَمنذُ قدُومي قبلَ شهرِينِ إلى هذا الحي، تخرجُ إلى الشُّرفة مُرتدية قمِيصَ نَومٍ خَمرِيّ يَسمحُ للنسِيم بِمُداعبة جسدِها كعاشقٍ جيِّد، ثمَّ تضعُ فوقَ الطَّاولةِ ركوةَ القهوةِ وتَجلسُ لساعةٍ ترشفُ من فنجانهَا وتدخِّنُ السَّجائِر.

بعدَ أن تفرغَ منَ السفرِ بعينيها في المجهُول، تعُودُ إلى صالونِ شقَّتهَا ذي النَّافذةِ المُباركة. تضعُ فِي آلةِ التسجيلِ اسطوانَةَ مُوسِيقَى وتبدَأ الرَّقص.

لم يهبني الرَّبُّ موهبةً أو هوايَةً عظيمة، فَأنَا رَجلٌ بَسِيطٌ أعمَلُ عبدَاً فِي هيئةِ مُوظَّفٍ وأعِيشُ وحدِي مُنذُ الأزَل.

شاءَ اللهُ أن أكُونَ ساذجَاً جِدّاً فكَانت مُراقبةُ جارتِي كُلَّ مساءٍ هوايتي وموهبتي الوحيدَة.

حرصَاً منّي ألَّا ألفتَ انتباهها، أطفئُ مصباحَ غُرفتي واتخذُ مجلسي بِالقُربِ من النَّافذة بعد أن أكُون قَد هيأتُ لنفسِي كأساً منَ المتة ثمّ أُشعلُ سجَائِرِي الواحدةَ تلوَ الأُخرَى سَائلاً المولى أن تقُومَ السيِّدة بجميعِ الحرَكاتِ التي تجعَلُ من اهتزاز نهدِيهَا أكثر وأشهى خلالَ الرَّقص.

ـ إنَّ اهتزاز نهدي المرأةِ أجمَلُ بألفِ مرّةٍ مِن شلالاتِ نِياغارَا وغاباتِ الأمَازُونِ وجمِيعِ أنوَاعِ الطّيور ومُعظَم أصنَافِ الكَائِنَاتِ.

قلتُ لِنَفسِي وَأنَا أُرَاقِبُ وَلَا أشبَع.

كانَ خَصرُهَا يمِيلُ على وقعِ المُوسِيقَى كمَا يميلُ النَّخِيلُ في ليلة خرِيفٍ هادِئة أمَّا روحي فكانت كلَّما هزَّت مُؤخِّرتها تخرجُ مِن جسدي هنيهاتٍ تَرَى فِيها الكواكِبَ كيفَ تَدورُ حولَ النَّجمِ المُقدَّسِ ثمَّ تعودُ إلي.

ذاتَ مَساءٍ، اتَّخَذتُ القَرَار. هِيَ وَحيدةٌ وَأنَا كائنٌ شِبهُ مُنقَرِض، سَأطرِقُ بَابَهَا وَمَن يَدرِي، رُبَّمَا تَقبل.

ارتَدِيتُ أجمَلَ قَمِيصٍ عِندِي بَعدَ أن حَلقتُ ذَقنِي وَوَضعتُ القَلِيلَ مِنَ العِطرِ ثمَّ قَصَدتُهَا.

طَرقتُ البَابَ مَرَّةً وَاثنَتِين وَثَلاث، دُونَ جَدوى.

وَقفتُ حَزِينَاً خَائِبَاً، وَحِينَ أوشكتُ عَلَى الانصِرَافِ رأيتُ عَجُوزَاً يصعدُ الدَّرج.

نَظَرَ إليَّ بِدَهشَةٍ وَرِيبةٍ ثُمَّ استَفسَرَ عَن سَبَبِ وُقُوفِي بِبَابَ الشَّقَّةِ الصَّامِتَة.
قلتُ:
ـ قَصدتُ السَّيَّدَةَ صَاحِبَةَ الشَّقَّةِ بِأَمرٍ هَام وَلَم أكُن أعلَمُ أنَّهَا تَخرُجُ فِي مِثلِ هَذا الوَقت.
أوقَعَ الكَهلُ مِن يَدِهِ كِيسَ التُّفَّاحِ وفنجرَ عينيهِ كأنَّهُ رَأى شَبَحَاً.

لَا أذكُرُ كيفَ وصلتُ الغُرفة.
فِي قَلبِ خَوفِي اتَّخَذتُ مَجلِسِي قُربَ النَّافِذةِ أدَخِّنُ مُستَعيدَاً ما قالهُ لي العَجُوز.

ـ هَذا مَنزِلٌ مَهجُورٌ مُنذُ عشرينَ عَامَاً، كانت صَاحِبتُهُ امرأةً رَائِعةَ الجَمَالِ لَكِنَّهَا ألقَت بنفسها مِن على الشرُّفةِ دونَ أن يعرفَ أحدٌ السبب.

أغلبُ الظنِّ أنها كانت عاشقةً لرجلٍ خذلها.
كثرت الأقاويلُ بعد انتحارها وهنالك من قال إنها مجرد عاهرة.

كثيرون في هذا الحي يروون الأقاصيص عنها.

أشعلت سيجارة جديدة ورحت أراقب من بعيد شبحاً لامرأة ترقص بقميص نوم خمري على وقع موسيقى خريفية هادئة.

من كتابي ( المبغى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث