الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعصّب من أوسع أبوابه

محمد الماجد

2021 / 2 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


ان حالة الجمود الفكري والثقافي التي تعيشها بلدان العالم الثالث لم تكن وليدة الصدفة بل هي نتيجة تراكميّة و أسس هرميّة لها أصولها الدينيّة والعرقيّة و الاثنيّة التي اندمجت – في فترةٍ ما- لتكوّن لنا العقليّة المتعصّبة للموروثات و الأفكار التي تصبّ كلها في النهاية في نهر وجهات النظر , فإن كل الآيديولوجيّات الدينيّة أو السياسيّة او الاقتصاديّة هي كانت مجرّد اطروحات نضجت في فترات زمنيّة كانت بحاجة فعليّة لها لعبور مرحلة معيّنة .
عن صناعة المتعصّب , ففي بلداننا العربيّة , من أهم ما يطوّر التعصّب و يسقي بذوره الكامنة في العقول هي المنظومات التربويّة و الأسريّة , لاسيّما المرحلة الابتدائيّة في الدّراسة ,تلك المرحلة العمريّة المهمّة في حياة الإنسان ما بين السادسة وحتى الثانية عشر من العمر .. حيث يستجيب العقل في هذه المرحلة لكل الأفكار المطروحة و يعتنقها اعتناقاً شديداً , حيثّ يُعلّم الطفل في هذه المرحلة الحسّاسة خيارين لا ثالث لهما , إمّا أن يحب أو يكره , يقول الدكتور سامي عبد العزيز , أستاذ الاعلام, " ان الأسرة العربيّة لا تضع الأشياء على مقياس متدرّج ، فهي تعلم أولادها فقط الحب والكراهية، وليس التدرج أي لا تستخدم كلمات (أعجب.. أقدر.. أحب.. أعشق.. أعبد) لكن تعلمهم وتتعامل معهم فقط بكلمتين هما: الحب والكراهية.. وللأسف الشديد نحن في البلاد العربية ليس عندنا فقط إلا الكراهية أو الحب، والكراهية هي نوع من الكفر .

حريّ بنا أن نفهم جيّداً أنّ التعصّب جزء من منظومة التكوين الإنساني نفسيّاً , و برأيي , ما يعمّق مفهوم التعصّب هو نسبيّة الصّواب , حيثُ يمكن قولبة عجينة الصّواب بما يخدم الفكرة التّي يتعصّب الإنسان لأجلها ..
مثلاً , عام 1800 في أمريكا , يطرد عمدة المدينة الأبيض جميع السّود المتواجدين في ذات المدينة , وبهذا فهو قد أصبح بطلاً في أعين بقيّة البيض و في عين نفسه مما يجعله ينحت هذا العمل لشيءٍ إيجابيّ بحت , في حين إنه يدعو للتطرّف و التعصّب وهو من أقبح أنواع التعصّب العنصري , لكنّ الموضوع يختلف تماماً في نظرهم آنذاك حيث يرونه قمّة الصّواب , هذا ما أعنيه بنسبيّة الصواب و إمكانيّة إحالتهُ لخدمة التعصّب .
دعنا لا نتعمّق أكثر في مسألة الصّواب و الخطيئة كونها تحملُ أبعاداً فلسفيّة كبيرة و قد تخرجنا عن صلب الموضوع , يقول برنارد راتسل , العالم والفيلسوف البريطاني : " أنا غير مستعد للموت في سبيل أفكاري , لأني ببساطة غير واثق من صحّتها "
مما تجدر الإشارة إليه و التركيز فيه هو حينما يكون الإنسان قادراً على الاعتراف بخطئه و شجاعاً بما فيه الكفاية لتبديد المعتقدات و الآراء الّتي تسيطر على اسلوب حياته و اسلوب كلامه فهو متمكن و بصورة كبيرة على مقاومة شبح التعصّب و التطرّف , لذا فإن مقياس قدرتك لأن تكون إنساناً مرتبط بشكلٍ مباشر بمقدار شجاعتك الفكريّة و مقدار التّراكم الثّقافي في تكوين شخصيّتك .
يقول جان جاك روسو : " الفلسفة المغتّرة بتفوّقها تقود إلى التعصّب " , هنا يشير روسو لأحد أهم الأسمدة الّتي تساهم في إنضاج آيديولوجيات متعصّبة , ألا وهي الإيمان بفكرة التفوّق , سواء كان تفوّقاً عرقيّاً أم إثنيّاً أم ثقافيّاً , فكلّها على العموم أنتجت تعصبّاً أنتجَ بدورهِ إبادات و مجازر أغرقت تاريخنا " الإنساني " بالدّماء و العار , ابتداءً من فكرة تفوّق العرق الأبيض في أوروبا و أمريكا , إلى بروباغاندا الامبراطوريّة اليابانيّة بتفوّق عرق الياماتو وحقهم في حكم آسيا والمحيط الهادي. والياماتو هم مجموعة عرقية من شرق آسيا، وهم السكان الأصليون لأرخبيل اليابان , إلى النازية و فكرة العرق الآري النقي و صولاً إلى مسألة تفوّق الأديان , فإنّ الإيمان بفكرة التفوّق المسيحي كان الدافع الرئيسي لبدء الحملات الصليبية , و كذلك أيضاً محاولة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني فرض سياسة الاتحاد الإسلامي بدلاً من القومية العربية ما هيّ إلا أيماناً منه بالتفوّق الإسلامي كذلك المشاركة في تجارة العبيد الأفارقة , و ما كتبته مينا روزن عن ممارسات اليهود الذين عاشوا في فلسطين في القرن السابع عشر, وأوضحت أنهم اعتبروا أنفسهم عرقاً متفوقاً ليس على العرب فحسب، بل على اليهود الآخرين أيضاً , هذه و غيرها من الممارسات كالتعقيم القسري لضمان النقاء العرقي و الإبادات الجّماعية وعمليّات عرض المسوخ و خطابات الكراهيّة و ما يعرف بدحرجة الهنود الحمر و الإبادات الثّقافية كاضطهاد البهائيين في إيران و تدمير الثقافة البولنديّة وما حدث في اسبانيا فترة حكم فرانسيسكو فرانكو حيث منع فيها استخدام لغات الأقليات , و محاولات الحزب الشيوعي الصّيني لقمع استخدام اللغة الكانتونية ، وكذلك اللغة الأويغورية في شينغيانغ , و تدمير التراث الأرمني في تركيا والكثير من الأمثلة عن الإبادات الثّقافيّة , كل هذه الأمثلة الواضحة للجّميع , ما هي إلّا لمحة بسيطة عن كارثة الإيمان بالتفوّق , حيث تعبّر الجماعات المؤمنة بتفوّقها عن نفسها بأبشع صور التطرّف و التعصّب .
ان الجانب الّذي تطرّقت اليه هو برأيي أخطر الجّوانب التي تخلق أرواحاً و أجساداً متعصّبة , أن تدخل التعصّب من أوسع أبوابه وهو الباب العنصريّ , فكلّما شعر الإنسان بأفضليّته - غير المبررة – و بأن له الحقيقة الكاملة فهذا الشّعور يُنمّي وحشاً خطيراً جداً و مجرماً بالضّرورة , لذا فإنّ الأيمان بأحقيّتنا جميعاً بهذا الكوكب بأن نعيش حياةً مستقرّة بحياديّة و توافق أنساني , لهو حلٌّ بسيطٌ يختصر علينا – لو تم فهمه – قروناً طويلة من المجازر الماديّة و النفسيّة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا