الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هامش صباح يوم عادي

عبد الفتاح المطلبي

2021 / 3 / 1
الادب والفن


عبد الفتاح المطلبي -
ينامُ المرءُ عادةً وتلك طبيعة الأمور، النائم لمْ يَعُدْ إلا جزءاً من هامشِ الحياةِ ، يُسلّمُ أمرَ جسده لسلطةِ غيبٍ طارئ بعد انشغال الوعي بالرغبة في أن يكون كما يريد لا كما يريد الآخرون ، الفرصة الوحيدة التي تكون فيها كما أنت دون عناء يُذكرهي تلك التي يوفرها النوم حيث يفلتُ خيطك من مخالب اليقظة وينطلق بالونك يحومُ في سماءٍ قريبةٍ يجول في أمكنةٍ عدة يرتطم بجدارٍ هنا أو جدارٍ هناك ، تكون له عيناك فيرى ما لم تكن تراه في يقظتك ، تتخلى عن حرصِكَ الواعي على إبقاء الحدود ثابتة بينك وبين الأشياء فتختلط مع بعضها حدّ أنّك تراها فيك وربما تراك هي أيضا فيها لكن أجمل ما في الأمر أن طيرانك هذا وطيران الأشياء أيضا خالٍ من النوايا تماما فالنوايا أزِمّةٌ والزمام قائد والقائد بمشيئته تمضي لذلك فالنوم فرصتك الوحيدة لتكونَ كما أنت ، كل شيء مثالي وأبيض الدهشةِ حتى في اللحظة التي يصادفُ بالونك فيها دبّوسا يخزك دون نوايا فتنفجر ببساطة مخلفا وراءك كل هذا لتتيقظ وتجد نفسك كما أنت ، ويا ليتك تستمر في الشعور بأنك كما أنت لكن ذلك يبدو مستحيلا حين يتناهى إلى سمعك صوتٌ من الداخلِ لشخيرِ أحدِهم أو فرقعةُ محرّكِ سيارةِ جارك ، فكّر الرجلُ المنغمسُ بكونه رجلاً يريد أن ينام ، فكّرَ بكل ذلك وهو يتمدد على أرجوحة الحديقة و ما زال يُنقّل نظراته بين موجودات المكان ، على يمين الأرجوحةِ قفصُ الدجاج ذلك المَعْلَمُ المقدسُ لربة البيت ، تأتي بالأفراخ الهزيلة من السوق القريب الذي يبيع كل شيء ، يموت الذي يموت ولا يبقى حيا إلا ذو الحظّ العظيم، الآن القفص يضم خمس دجاجات وديك واحد و على حواف المساحة المزروعة زحف نوع من عشبيات ورد لا يُعلن عن نفسه إلا صباحاً من كل يوم يستفز الديك بلون ورده القرمزي، يتعرض العشب الآن إلى انفجار رغبة الديك العارمة بالتهامه ، اختاره دون إخوته من الأعشاب الأخرى ربما بسبب الورد الأحمر ، ربما كان ذلك سبباً وجيها ، وربما كان الورد الصباحي قد دسّ أريجهُ في مالا يعنيه ، شعر الرجل الجالس على أرجوحتهِ بأن العشب يصرخُ فهبّ لنجدته، لبّى نداءه الخفي وطرَدَ الديك عن ذلك العشب، أحس بامتنان العشب ، الديكُ لايفهم، ولم يسمعْ نداء العشب وصراخه ، بدا وكأنه يحتج فهو ديك منزلي وهذا مسرح دجاج المنزل ، ما الأمر إذن، شعر الرجل بخيبة الديك، في المقدمة مباشرةً باب الحديقة المطل على الشارع وعبر الشارع سياج البيت المقابل مكللٌ بنوعٍ من نبات متسلق كثيف ذي ورد أبيض ناصع يصدم عين الرجل الذي يجهزهما للوسن ، في داخل القفص إناءُ ماءٍ وحاويةُ طعامٍ قذرةٍ امتلأت بفضلات آخر وجبة طعام لسكان المنزل، ثمة ثقبٌ يظهرُ من تحت سياج الحديقة ، نفقُ جرذٍ ليلي قد اعتنى كثيرا بأمور سلامته ، حطت حمامة برية حديثة العهد بالحياة ربما هي محاولتها الأولى، فقد بدت فرحانة بحياتها ، كانت تحاول التقاط قشة ، ليس يعلم إن كانت ذكرا أم أنثى ، الحمام البري يتشابه ، عطل الرجل عضلاته عندما هبطت الحمامة، ترى لم فعل ذلك،هل استيقظ في داخله الثعلب؟ ففي دواخلنا حيوانات كثيرة تظهر للعلن في لحظاتٍ حاسمة وعندما عادتِ الحمامةُ إلى مكانها بين سعفات النخلة انفرجت عضلاتُ وجه الرجل وانسحب الثعلبإلى أعماقهِ وعاد الديك محاولاً التهام العشب وهمّ الرجل بالرجوع إلى أرجوحته وفجأةً حدث شيء أربك كل هذا التراخي والسلام إذ هبطَ الصقرُ من عليائه يريد الحمامةَ ،لم تتقلص عضلات وجه الرجل فهو يعرف أن ذلك من صلب طباع الصقر لكن الديك صرَخَ بطريقةٍ لا تشبه صياح ديك وكأنه يستغيث وطارت الحمامة تاركةً النخلة إلى مكانٍ أكثر أمناً فعادتْ عضلات وجه الرجل للتقلص مرةً أخرى وتنفس العشب الصعداء فقد انصرفَ عنه الديك إلى دجاجاته.اعتقد الرجل الجالس على أرجوحته أن الكون ما زال يحرك آلاته، يكاد يسمع صرير تروس ساعة الكون حتى إذا طار الصقرُ ورجعت الحمامةُ إلى سعف النخلة واطمأن الديك على دجاجاتهِ تراخت عضلات وجه الرجل الجالس على أرجوحته مرةً أخرى، حرك الرجل الأرجوحة الصدئة فسمع صريرها الواهن وكأنها تعلن أن خطر الصقر قد زال وحين تكرر الصرير علم الجرذ أن الطريق سالكة فانطلق كالسهم إلى كومة فضلات الأكل وراح ينتقي ما يروق له منها ، الرجل بين تهويمة النعاس واليقظة يرى إلى الجرذ وهو يلتهم ما ليس له ، فكّر الرجل أن الجرذ مجرد لص سنحت له الفرصة وقد اندهش من ذكاء هذا اللص ، الذي لم يأبه يوما للدجاج ولا الديك ولا حتى القطط ، كيف عرف الجرذ أن الرجل أصبح لايشكل خطرا ، هل علم أن النعاس قد هوَّمَ على عينيه لهذا الحد..، هدوء الجرذ وثقته بما يفعل استفزّا الرجل نصفَ النائم... كانت ذراع الرجل تتدلى من جنب الإرجوحة إلى الأرض تناول أقرب شيء إليه ، كسرة من الإسمنت المنهدم من حافة الممر ، قذف الحجر ارتطمت كفهُ بعمود الإرجوحة الحديدي ، صرخ من شدة الألم ،...هرب الجرذ، إلى نفقه وبقي الدجاج في القفص، غير أن الديك أطلق صيحةً تنبيهٍ أخرى، طارت الحمامة مرةً أخرى و كان العشب ذي الورد الصباحي قد أغلق قرمزه وغط في نومٍ عميق حتى شروق صباحٍ آخر ، لم ينم الرجل بعد ذلك وفي صباحٍ آخر شاهدت كائنات الحديقة ذراعَ الرجل مكسوّةً بمادةٍ بيضاء وكانت ثقيلة لدرجةِ أن بالونهُ لم يعد يقوى على الطيران .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع