الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقر واللامساواة بعد عام من كوفيد:

شيرين عبدالله
(Shirin Abdulla)

2021 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مضى اكثر من عام على تفشي جائحة كورونا في العالم. لست هنا بصدد بحث الاثار الصحية القصيرة او بعيدة الامد لكوفيد، بل اود ان اتطرق بايجاز الى التاثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نجمت عن الجائحة والتي يعتقد بانها قد تستمر لعدة عقود وربما قد تكون ابدية بالنسبة لبعض البلدان.
فايروس اللامساواة:
يطلق عليه البعض تسمية "فايروس اللامساواة"، في حين ان كوفيد-19 لايعي الفرق بين المصابين به، ولكنه اصبح في الاساس سببا في كشف الغطاء عن واحدة من اقبح علل النظام الراسمالي المعاصر، وهو تلك اللامساواة التي يعتاش عليها ويولدها هذا النظام.
في الواقع ليست كوفيد فقط هي التي كشفت هذه اللامساواة، ففي تاريخ الجائحات، نعلم ان الطاعون الاسود للقرن 14 قضى على بحوالي ثلث سكان العالم انذاك وكان معظمهم من افقر فئات المجتمع. سبعة قرون انقضت على ذلك ومازالت المعادلة كما هي لم تتغير!.
خلال السنة الماضية وفي ظل كوفيد-19، حقيقة ساطعة اثبتت مرارا وتكرارا، الا وهي كون الجائحة اشد فتكا في المجتمعات كلما ازدادت فيها نسب الفقر والعوز وما يخلفانه من المرض، والكثافة في اماكن العيش والعمل، والبطالة والعمل الهش وانعدام الخدمات الصحية العامة... وبما ان نسب العديد من الامراض المزمنة (السكري، امراض القلب والاوعية الدموية و الرئتين والبدانة.. الخ) تتزايد طرديا مع نسبة الفقر، لذا فان اصابة هذه الفئات بكوفيد-19 وفقدانهم للحياة وفقدان العمل ومصدر دخل عوائلهم تتزايد، وبهذا يصبحون في الصفوف الامامية من ضحايا هذا الوباء في المجتمع.
كنموذج لذلك: بوليفيا (احدى افقر بلدان امريكا الجنوبية). فحسب دراسة نشرتها صحيفة اللانسيت البريطانية في 25.1.2021، كانت نسبة الوفيات في الاحياء الفقيرة خلال تموز 2020 اكثر بسبع مرات مقارنة بنفس الوقت في 2019. بينما هذه النسبة كانت اكثر مرتين فقط في الاحياء الثرية من البلاد.
ان 70% من عمال بوليفيا هم موقتون وبدون عقود وبدون اية ضمانات اجتماعية، وهذا نفسه يلعب دورا في منع الحد من تفشي الفايروس، لان هؤلاء العمال مجبرون على التضحية بصحة وسلامة انفسهم وعوائلهم مقبل قوتهم اليومي. في وقت تعرف فيه الدولة العديد من هذه الاعمال وبضمنها عمال النقل والزراعة والباعة والعاملين في الاسواق .. كوظائف "اساسية"، وتفرض عليهم استعمال الكمامات والكفوف وغيرها من الوسائل الوقائية، وفي حين كون تلك الوظائف هي الاكثر عرضة لمخاطر الاصابة، الا ان هؤلاء العمال المعدمين مجبرون على تحمل هذه التكاليف وبضمنها حتى تكاليف الفحص المختبري للفايروس من جيوبهم.
https://www.thelancet.com/journals/langlo/article/PIIS2214-109X(21)00001-2/fulltext
كما انه بالرغم من تقديم الدولة لبعض المساعدات المالية لمن يفقدون عملهم او يتاثرون اقتصاديا بسبب كورونا في بعض البلدان مثل امريكا وبريطانيا، الا ان شرائح عديدة من الناس المتضررة اما لاتشملها المساعدات (كذوي الاعمال الحرة- self employed) او لايمكنها الحصول عليها بسبب "الجهل الالكتروني" و انظمة ملئ الاستمارات في غاية التعقيد والبيروقراطية او حتى في بعض الاحيان عدم امتلاكهم للكومبيوتر وخط الانترنيت..
نسبة الفقر:
بحسب تقارير صندوق النقد الدولي في عام 2019 كان هناك اكثر من 621 مليون انسان يعيش تحت خط الفقر في العالم (اي 0.8%). (يعرف خط الفقر بمعدل الدخل اليومي الاقل من 1.9--$-- للفرد).
في عام 2020 وصل هذا العدد الى 766 مليون (9.9%) اي بزيادة اكثر من 145 مليون، في حين كانت التوقعات السبقة تشير الى زيادة هذا العدد ب 120 مليون. ويتوقع البنك العالمي ازدياد هذا العدد ب 150 مليون اخرين خلال عام 2021.


اللامساواة في انتعاش اقتصاد البلدان:
لا شك ان كوفيد قد اثر على كل بلدان العالم اقتصاديا ولكن هذا التاثير بالنسبة للبلدان الكبرى هو بمثابة صدمة عابرة. فبلدان مثل بريطانيا وامريكا، بالرغم من التضرر البشري الهائل فيها اثناء هذه الجائحة، فهي قادرة على اقتناء ملايين الجرعات من اللقاح لمواطنيها (وذلك موضوع اصبح محل الانتقاد الشديد عالميا بحيث اطلقت عليه منظمة الصحة العالمية عبارة "قومية اللقاح")، وبهذا قد يبدا اقتصاد هذه البلدان بالانتعاش قبل غيرها. هناك دول مثل كندا التي اقتنت مسبقا 5 مرات عدد سكانها من اللقاحات.
من جهة اخرى فان بلدان مثل زيمبابوي، المكسيك و باكستان.. لايعلم سكانها حتى متى سيصلهم اللقاح. حتى ان هومي خاراس الخبير في الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكينز الامريكية يحذر من مخاطر الازدياد المستمر لنسب الفقر في احدى ابحاثه وهو يضن ان هذه التبعات الاقتصادية والاجتماعية هي طويلة الامد وقد تستمر حتى 2030 وفيما بعد.
هذه التبعات اكثر خطورة على البلدان النامية والفقيرة والتي معظمها لاتتوقع الحصول على اي جرع من اللقاح حتى بعد 2022 وهذا مايعني استمرار الفايروس باصابة وقتل وافقار المزيد من سكانها. بالاضافة فان العديد من هذه البلدان تعاني من العديد من المعضلات الاخرى مثل الحروب والصراعات والجوع والفساد وانعدام الخدمات الاساسية العامة..والخ
الاثار الاجتماعية:
في الاشهر الاخيرة الماضية تم تسليط الضوء كثيراعلى تبعات هذا الوباء مثل نسب البطالة والامية العنف ضد النساء وضد الاطفال وانخفاض الاجور..وغيرها وذلك بسبب غلق الحدود والمدارس والمنشئات واماكن العمل وتطبيق الارشادات الوقائية. يلاحظ احيانا في بعض البلدان ارتفاعا نسبيا في الاجور ولكن ذلك يعود الى اختفاء بعض من الاعمال المتدنية الاجور بدرجة رئيسة.
ولكن هناك العديد من الاثار الاقل وضوحا مثل معدل ترك الاطفال للدراسة، الوقوع تحت وطاة الديون، التشرد وسوء التغذية وازدياد نسب الاصابة بالامراض والخ...
تقدر الاحصائيات العالمية عدد الاطفال الغير منخرطين في المدارس بحوالي 1 مليار. الغالبية العظمى منهم وخاصة في البلدان الفقيرة ليس في متناولهم اجهزة الحاسوب او خط الانترنيت ولايسعهم الدراسة والتعلم عن بعد، اوضاع بيوتهم غير ملائمة للدراسة وظروف حياتهم غير مستقرة وغير امنة.. الفتيات يتركون الدراسة بنسب اكبر وبهذا فهن اكثر تضررا.
بالاضافة الى فقدان فرص العمل وانخفاض الدخل، تعاني العوائل من غلاء البضائع وتراكم الديون وخاصة ذوي الاطفال. اظهرت دراسة قامت بها منظمة ريزوليوشن فاونديشن ونشرها مؤتمر النقابات العمالية البريطاني (تي يو سي)، بان العوائل الاقل دخلا قبل الجائحة تضاعفت مصاريفها مرتين الان. لم تشمل ارتفاع الاسعار فقط المواد الغذائية والحاجات الضرورية، بل ان مصاريفهم اليومية تفاقمت بسبب البقاء في البيت وتكاليف الوقود والماء والكهرباء...الخ بالاضافة الى التتكاليف الدراسية الاضافية لتعليم اطفالهم عن بعد.

اعداد كبيرة ممن اصبحوا معطلين عن العمل غير قادرين على دفع الايجار وبهذا اصبحوا مشردين. تقول منظمة شيلتر البريطانية بانه فقط في الثلاثة اشهر الاولى من الجائحة تلقت المنظمة اكثر من 6000 شخصا اضافيا سجلوا طلبا في قوائم انتظار الاسكان.
ازدياد العنف ضد المراة والقتل كنتيجة مباشرة لتعليمات الوقاية ومكوثهن في البيت مع معنفيهن وصعوبة التنقل والحصول على خدمات الاغاثة والمساعدة، هذه حقائق مثبتة ومدونة في العديد من الاحصائات العالمية.
في العراق:
في ظل النظام السياسي البرجوا- ميليشي الفاسد للاحزاب القومية والاسلامية، حيث الانعدام التام لاية ضمانات اجتماعية للناس وانعدام اية مساعدة اقتصادية من قبل الدولة للضحايا والمصابين بكوفيد وعوائلهم ومصدر رزقهم، تفاقم نسبة الفقر بدرجة مقلقة خلال السنة الماضية.
حسب تقييم لوزارة التخطيط في العراق بدعم من اليونيسيف والبنك الدولي وبمبادرة من التنمية البشرية لاكسفورد في منتصف 2020: يشكل الاطفال والشباب الاغلبية العظمى من ال 4.5 مليون (11.7%) الاضافيين المهددين بالوقوع في الفقر بسبب كوفيد.
في 2018 نسبة الفقر في العراق كان 20%، ارتفعت هذه النسبة الى 31.7% في 2020 ما يعادل 11.4 مليون، ومعظم هؤلاء هم من الاطفال والشباب.
ان نظام الصحة العامة في العراق متهرئة وشبه معدومة، في حين يتمتع القطاع الخاص بالازدهار، حيث فتحت في السنوات الاخيرة عشرات ومئات المستشفيات والعيادات الخاصة. انعدام الثقة بالنظام خلق جوا من الشك والريبة تجاه الارشادات الصحية والوقائية وعدم اعارة الاهتمام بها وحتى التهرب من الفحص وزيارة المستوصفات للعلاج. يشهد الاطباء والعاملين في الصحة يوميا اعدادا من المصابين والوفيات تفوق الارقام المدونة رسميا كون العمال والمعدمين لايسعهم رفاهية البقاء في البيت والالتزام بالحجر الصحي ل 14 يوما وعدم الذهاب للعمل حتى يتعافون ويحمون انفسهم وذويهم، وكما ان معظم وظائفهم التي تعتبر "اساسية" لايمكن ادائها عن بعد. كل موجة جديدة من كوفيد تجلب معها هجمة جديدة من الافقار وتحديات صحية اكبر واكثر.
وان بقية الخدمات الاساسية العامة كالتعليم، الماء، الكهرباء، الوقود، الطرق والمواصلات والسكن... الخ معدومة ايضا وتتعرض لهجوم شرس من مشاريع الخصخصة بنفس الطريقة.

لاشك ان كوفيد -19 وتبعاته سيكون موضع البحث والحديث لسنوات عديدة قادمة ولازال الكثير مما نجهله حول الفيروس واثاره. تجلب اللقاحات والعلاجات التي تكتشف تحديات جديدة معها كما نرى بوادر لذلك الان من خلال القومية اللقاحية و قصر نظر الدول الكبرى باستيلائها على ملايين الجرع من اللقاحات على حساب فقراء العالم. الان نرى بان انتشار السلالات الجديدة للفايروس تطرح جملة جديدة من التحديات وما من شك بان كل مرحلة وكل تقلبات الجائحة سوف تؤدي الى تفاقم التحديات واشكال اللامساواة. ان اللامساواة والفقر هما اساس النظام الراسمالي وان هذا النظام نفسه هو صانع اللامساواة.
ان تفشي جائحة اخرى اوحدوث كوارث طبيعية اخرى في حياتنا امر غير مستبعد على الاطلاق وربما لايمكننا ابدا كشف المصدر الاولي لكوفيد او حتى منع الجائحة القادمة في المستقبل. ولكن اكبر تحدي امام المجتمع البشري اليوم هو العمل على انهاء هذا الفقر وهذه اللامساواة التي اودت بحياة 2.3 مليون من البشر وفرضت البؤس والشقاء على مستقبل 7 مليار منا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال