الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار مطالب بإ نجاز ثورة ثقافية قوامها معطيات علوم التخلف الاجتماعي

سعيد مضيه

2021 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


اليسار مطالب بإ نجاز ثورة ثقافية قوامها معطيات علوم التخلف الاجتماعي
ما كان لهجوم الليبرالية الجديدة الاقتصادي والثقافي ان يحرز هذا القدر من النجاح لولا استبداد الأنظمة الحاكمة في الأقطار العربية، الذي أبرزه الباحث هشام شرابي. تحالفت الأنظمة العربية مع أنظمة الليبرالية الجديدة بالولايات المتحدة والدول التابعة ، تستبدل القوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة بقيم العصور القديمة وقوانينها وتقاليدها. بهذه البدائل تملصت دول الامبريالية، ومنها إسرائيل، من الاستحقاقات الدولية واستثنت نفسها من القرا رات والاتفاقات، حتى من أحكام المحاكم الدولية المنشاة بقرار دولي ملزم. أمعنت إسرائيل في اغتصاب الأراضي العربية وتوسيع استيطانها في الضفة الغربية، بينما الصمت يعم الجميع، صمت العجز لا صمت الموافقة.

بنفس الشعور بخطر الانقراض امام خطر الغزو الاستيطاني الصهيوني أسلم الشعب الفلسطيني زمام امره، عبر مراحل صراعه مع الاستيطان الصهيوني، لقيادة أبوية تملي إرادتها وتحظر الحوار والمساءلة او النقد. الأبوية تفضل الولاء على الأداء، تقرب المتسلقين عديمي الكفاءة ، المتزاحمين على رحاب السلطان ، يتسلل وسطهم العملاء المحليون لاستخبارات القوى الطامعة . وفي كتاب "السياق.. حروب السي آي إيه" للكاتب الأميركي بوب وودوورد، يسرد الكاتب الصحفي كيف تغلغلت الاستخبارات الأميركية في مرافق الدول العربية واجهزة إداراتها وامنها بفضل "بعثات امنية" من المخابرات الأميركية وفدت لتحصين أمن الأنظمة من تداعيات الثورة الإيرانية.

تلك العناصر بالذات، وبالتنسيق مع الفعاليات السياسية والاقتصاية والثقافية لليبرالية الجديدة، هي التي هبت بسرعة وحِرَفية تتصدى بثورة مضادة للانتفاضات الشعبية في العقد الثاني من القرن الحالي. تعاملت تلك الخلايا القابعة داخل الجهاز الأمني والإداري بشراسة وعداء، حيث اطبقت الرصاص على المتظاهرين السلميين واغتصبت الفتيات وصوبت نحو العيون والسيقان وقمعت بضراوة تحركات الشباب. وللتمويه على الثورة المضادة المتزامنة مع النشاط الثوري للجماهير تم اختلاق تعبير "الربيع العربي". فهذا المفهوم الذي انتشر تداوله بسذاجة سياسية انجز وظيفة التستر على الثورة المضادة وعناصرها المتغلغلة داخل الدولة العميقة في الأقطار العربية.
تحكمت الأبوية وعناصرأجهزتها الأمنية بمفاصل النضال الوطني الفلسطيني منذ عهد الانتداب البريطاني، تقارب الأمور بيقينية جامدة او بالفهلوة والمزاجية ، وتفسر النكسات بقدرية تحجب عنها ضرورة المراجعة النقدية، فلا تستوعب التجارب وتتالت انتكاساتها. المراجعة النقدية نمط من الثقافة المحدثة يستحيل على الأنظمة الأبوية الاقتراب منها.

قدمت فلسطين باكورة الانتفاض على الليبرالية الجديدة في خريف عام1987. وامكن هزيمة الانتفاضة بفعل عوامل التخلف القابعة في ثنايا المجتمع الفلسطيني، وابرزها الاستهانة بقدرات الجماهير الشعبية . لا شك ان اضطلاع اليسار بمهام النهوض الشعبي و التصدي لإشكالياته والارتقاء لمستوى المهام الوطنية والاجتماعية –الديموقراطية في ان ، باتت تتطلب الثقة المطلقة بالحراك الشعبي المنظم والإلمام بجميع العوامل والمتغيرات السلبية، وكذلك الاستفادة من تطورات إيجابية على المسرح الأممي عززت باضطراد مشاعر التضامن مع عدالة القضية الفلسطينية، ومن خلالها النضال الوطني للشعوب العربية. من خلال التصدي لفاشية الليبرالية الجديدة برز للعيان خصومها المناضلون ضد تأثيراتها المدمرة. تجري في العالم، حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية، تحولات ضد اجرائم الحرب التي أدمنت عليها دولة إسرائيل ؛ وتحدى علماء اجتماع والأنثروبولوجيا وعلماء في التاريخ القديم ضغوط الصهيونية وقدموا خلاصة أبحاثهم في التاريخ الفلسطيني القديم قوضت الرواية الصهيونية حول فلسطين ودحضت الادعاء المزيف بصدد "وطن الآباء" و"أرض ألميعاد". ومثال على ذلك ما كتبه الأكاديمي الأميركي أتوود لدى تقديم عرض لكتاب شلومو ساند ،" اختراع الشعب اليهودي" ، حيث سخر من نتنياهو بادعائه أن اليهود بنوا أورشليم، مؤكدا ان بناء القدس قد تم في زمن لم تظهر بعد القبائل العبرية . منذ ذلك التاريخ تطورت القدس مدينة فلسطينية عمرها الفلسطينيون عبر آلاف السنين، ولم يهجروها طوال تلك الحقبة التاريخية وتاريخها اللاحق. يحفظ التاريخ وجود عرب من حواريي المسيح بفلسطين ، وسيطر العرب على قيادة الكنيسة الأرثوذكسية قبل الفتح العربي ، واستمر حتى القرن السادس عشر ، حين فضل السلطان العثماني تسليم قيادة الكنيسة لليونانيين كي يدعموا السيطرة العثمانية في أوروبا.
فقدت إسرائيل مبررها السياسي والأخلاقي في التوسع الاستيطاني والتهويد. ولم يتبق لها إلا ما يوفره القانون الدولي لليهود من حق البقاء كجالية دينية على أرض أقاموا فيها بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة في ظل الدعم الامبريالي وبما يخدم هيمنة الامبريالية على المنطقة. وحين تتقوض هيمنة الامبريالية على المنطقة يتداعي وينحسر نفوذ الامبريالية الأميركية ومعها النفوذ الصهيوني داخل إسرائيل ، ويغدو حق البقاء مكفولا لمن يقبل التعايش بغير استعلاء عنصري.. تلك هي إحدى احتمالات الحل النهائي للصراع ضد الصهيونية ومكائدها في المنطقة.
غير أان الحل النقيض للصهيونية لا يجترحه إلا نضال يستند الى حراك شعبي يقوده مناضلون مسلحون بالحداثة يتصدون لمظاهر التخلف وقيمه اللاعقلانية ويستأصلون ظاهرة "فقدان الفرد العادي لفعاليته، إذ تحول الى ذات بلا مواطنة، وتجرد حتى من حقوقه الإنسانية والمدنية، وفقد القدرة على التأثير في القرارات ذات العلاقة بمجتمعه الأوسع ، حسب تقييم هشام شرابي.
الى جانب مؤلف الشراب يجدر الاهتمام بإبداعات ناشطين عرب خاصة في مجال العلوم الإنسانية، في تعرية ظواهر التخلف الاجتماعي وأمراضه الناجمة عن سلطوية الأبوية. يتوجب على اليسار النزول الى المجتمع كي يلحظوا تداعيات الهدر في الحياة الاجتماعية ويجترحوا العلاجات المفضية الى الاقتدار الروحي. على اليسار أن يستوعب دراسات وأبحاث علمية قاربت التخلف في الحياة العربية، فرسانها كوكبة من الباحثين العرب وفق المنهجية العلمية والمادية الجدلية. كلهم بدون الاطلاع على لينين، عملوا بنصيحته المقدمة لشيوعيي الشرق عام 1919، بأن عليهم أولا انتزاع شعوبهم من التخلف. التخلف جزء من النظام الاقتصادي العالمي، ولا يخدم قضية الخلاص من ربقة التخلف والتبعية اخفاء الرابطة العضوية بين التخلف ونشاط الراسمال . ويترتب على الهيمنة الاقتصادية مقاومة للتغيير تنبع من تضافر نظرة رضوخية الى العالم الطبيعي مع بنى اجتماعية ذات نمط تسلطي تنشئ شخصية ذات بنية تسلطية، مما يخلق ويعمم نظاما من العلاقات يتصف بالسيطرة – الرضوخ. يعاني المتعلم في العالم المتخلف من استمرار ذهنية لاعلمية لتضافر عدة أسباب: "شدة غرس التفكير والمعاش الخرافي في ذهنه منذ الطفولة؛ سطحية التعليم وعدم مكاملته في الشخصية لبعده عن تناول القضايا الحياتية والاجتماعية ؛ الانفصام بين العلم النظري والتجربة المعاشة ؛ الخوف من التصدي للتيارات السائدة ( الخوف من الاتهام بالإلحاد ) حفاظا على لقمة العيش في مجتمع قامع لايضمن حرية التفكير ولا يؤمن للإنسان غده" حسب الدكتور مصطفى حجازي في مؤلفه النفيس "الإنسان المهدور"..
تنوعت الأبحاث في مجالات التربية وعلم النفس الاجتماعي والعلوم السياسية والاجتماعية والتاريخية والأنثروبولوجيا وعلم الآثاروعلوم الإدارة. إلى جانب البحث العلمي في التخلف الاجتماعي الذي اجترحه هشام شرابي، امكن الاستدلال على تجليات آليات الهدر والقهر في النفسية الاجتماعية وكشف آليات إعادة إنتاج التخلف من خلال العملية التعليمية. والماركسية ، باعتبارها نظرية علمية تغتني بمنجزات العلوم في شتى المجالات. فهذه العلوم ليست فائضا عن الحاجة؛ بل تحتفظ بأهمية استثنائية في هذه المرحلة لترشيد عملية التغيير الاجتماعي بتصفية التخلف ونظمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية.
انتقد إدوارد سعيد ثقافة العنصرية الامبريالية ، وقال إن "معرفة أوروبا بالثقافات والشعوب غير الأوروبية، لاسيما منها الحضارات الشرقية ، كانت مطعمة بروح الامبريالية الضارية والعرقية. فقد وجد الجشع الرأسمالي والتوسع الامبريالي حججهما الجاهزة في النظريات ‘العلمية’ والمبادئ ‘الخلقية’ العالية والدعوة الى تمدين العالم وتحضيره‘". و أكد شرابي في كتابه "البنية الأبوية" إن "عوامل التخلف العقلي والقحط العاطفي والشلل الفكري التي احدثها الإرهاب الاستعماري ليست واضحة للعيان وضوح آثار الاستغلال الاقتصادي، إلا أنها قد تكون اكثر تدميرا. ويمضي الى القول"ادبيات الاستعمار جاءت أشد وقعا من الاحتلال العسكري"؛ بخلاف الاستعمار السياسي القديم فقد فرض الاستعمار الحديث سيطرته بتحويل المستعمَر من كائن يثق بنفسه ومتمكن مما يقوم به الى مخلوق لا يؤمن إلا بقدرة الآخرين". إنه الهدر الاجتماعي أوغلت فيه البنية الأبوية بدعم ثقافي من جانب الليبرالية الجديدة.
ظاهرة الهدر الاجتماعي، كما استنطقها مصطفي حجازي، سياسات استبداد "عطلت عبر تتالي القرون الطاقة الذهنية وكل الطاقات الحيوية في الفرد والجماعة عن الفعل، واحلّت البلادة والخضوع. أهدرت التفكير والإرادة لدى الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية. قوضت نظم الاستبداد الأبوية إنسانية البشر وهدرت طاقتهم الحيوية الإبداعية". تتجلى عقدة النقص في موقف الإنسان المقهور من العلوم والتقاني. "فهو يضع نفسه مسبقا في موضع العاجز عن استيعاب التقنيات الحديثة . يظل أمامها مبهورا لأن الآلة بالنسبة له ليست اواليات تحكم بنيتها في كل مجموعة من القوانين الفيزيائية والرياضية ، بل هي كيان سحري يمت الى عالم يتجاوز عالمه"(44).
عديدة هي عوامل التخلف الكابحة لعجلة التقدم؛ "على رأس هذه العوامل المستوى المتدني لقوى الإنتاج وتقنياته : التصنيع ليس مجرد إدخال الآلة في الإنتاج على نطاق واسع؛ إنما هو مجمل الخصائص التقنية والاجتماعية والذهنية المتولدة من خلال التعامل مع الآلة ، ومع العلم المدخل في العملية الإنتاجية"(74). التقنيات المتقدمة تفرض على المتعامل معها التجرد العاطفي وتنمي العقلانية والواقعية والمنطق والترتيب والدقة من اجل حسن تسييرها؛ كما ان المثل الأعلى الإنتاجي يخلق نماذج بشرية مركزة حول الفعالية والإنتاج كقيمة اساس موجهة للذهن والسلوك"(75 ). التعليم التلقيني يتناقض مع ضرورات التعامل مع الآلة " لإنه لا يساعد على إكساب التفكير النقدي الجدلي، ولا يكسب الصيغ العلمية وادوات التفكير العقلاني لدى النظر الى الأمور"(78) .

الهدر أخطر من القهر؛ المقهور يحتفظ بمداركه ، يعي قهره، حرمانا من ممارسة بعض الحقوق؛ اما المهدور فلا يعي مأساته ويستنزف طاقاته الحيوية في مداراتها دون التخلص منها. كتاب مصطفى حجازي "الإنسان المهدور" يحتفظ بأهمية استثنائية لكل مشتغل بالسياسة؛ فهو دليل المناضل السياسي في التعرف على الحالة النفسية للجمهور كما اوصى لينين مرارا وطبق في أبحاثه السياسية والنظرية.
في ظروف العجز الناجم عن الهدراستثمر تيار السلفية المنفرد بالساحة الثمار المرة للهدر والفساد واهمال الخدمات الاجتماعية، ركب موجة السخط الاجتماعي للانكفاء بالجماهير خلف سد منيع يحجزها عن العقلانية والتحضر باسم الرجوع الى ماضي السلف الصالح. والسلفيون يردون حوض ابن تيمية ، آخر أئمة سلفية الأشعرية الأولى التي هيمنت طوال العصر الوسيط والعصر الراهن ، دخل ميدان التفقه على ائمة أفتوا بأنه " إذا ما خلا الوقت من إمام عادل مستحق للإمامة فتصدى لها من هو ليس من أهلها، وقهر الناس بشوكته بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته لينتظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم . ولا يقدح في ذلك كونه جاهلا أو فاسقا". يروضون الناس من خلال كل آليات التحريم والتحليل المعروفة، بلغ الأمر بهم إلى تكفير كل فكر.... "أننا أمام حالة خصاء فكري فِعْلي هو وحده الذي يطوب السلطة لرجال الدين، وهم بذلك أكثر حلفاء الاستبداد السياسي ، حتى وهم يدخلون في صراع معه، ذلك أنهم ينتجون نماذج من البشر مسلوبة المرجعية الذاتية وبالتالي جاهزة للانقياد للاستبداد السياسي والديني معا. ...التحريم والتجريم لا يبقيان للفكر من معرفة ممكنة إلا علم تدبير الحال، إما بالتحايل والإخفاء والتمويه والمداهنة ( مما أطلق عليه أحدهم اسم الدفاع بالحيلة) للسلطات تجنبا لغضبها ونقمتها ، او بالتوقف والتودد والمزايدة طلبا لرضاها (121)

المرحلة الثانية لرد الفعل الآلي على القهر هو اضطهاد الآخر. لب الشعور الاضطهادي هو التفتيش عن مخطئ يحمل العدوانية المتراكمة داخليا. المضطّهَد ليس امامه من سبيل إلا اتهام الآخرين بالذنب ، وبالتالي بالعدوانية ؛ ويغدو الاعتداء مشروعا لأنه يتخذ طابع الدفاع عن النفس . والاعتداء على الآخر من هذه الوضعية ليس اعتداءً على قيمة إنسانية، بل هو بكل بساطة تحطيم لرمز السوء والعار"(49). والمرحلة الثالثة هي التمرد الانفعالي. بغياب التنظيم والتثقيف يحس المتمرد بنوع من الاستثناء يدفعه لكسر كل القواعد وازدراء القيم . هنا تتضخم الذات يقابلها انحسار في قيمة المحيط وأهميته، يفضي إلى الإحساس بالعظمة وتظهر تصرفات اهتياجية، ويصطبغ المستقبل بالتفاؤل المفرط والمبالغ فيه دون سند كاف من الواقع"(54).

الانفعالية " تنتج عنها ظواهر كثيرة الشيوع في أوساطنا ، أبرزها سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي بين الناس الى الاقتتال والتعصب والتحيز وسرعة إطلاق الأحكام القطعية والأحكام المسبقة وسيطرة التفكير الخرافي والسحري.(71)، و "استفحال الخرافة في أوقات الأزمات والوضعيات العصيبة التي تتطلب اعلى درجات العقلانية والموضوعية والتخطيط للتصدي لها (73)


يقع الإنتاج البحثي العلمي في المجتمعات العربية دون خط الفقر المعرفي تبعا للمعايير الدولية . ذلك جانب آخر من هدر الفكر والطاقات العلمية. ... ويفاقم من هدر البحث العلمي وما يسببه من خسائر فقدان فرص حقيقية لتكوين الفكر العلمي. أكد احد العلماء الباحثين أكثر من مرة أن الهدف من البحث العلمي ليس فقط تحقيق اكتشافات علمية بل يأتي قبلا تكوين الفكر العلمي ، او إعداد العقل البحثي الذي يشكل الثروة الأثمن على الساحة الدولية راهنا(177)
وعليه يقود هدر الفكر إلى فقدان السيطرة ، وإفلات زمام تسيير الحاضر واستشراف المستقبل وصناعته. وبالتالي هدر الكيان الإنساني ذاته من خلال رده إلى مستوى النشاط العصبي الموجه لإشباع حاجات البقاء البيولوجي. ... يعطل استخدام الدماغ، ولا يبقى سوى الجزء المسمى " الهيبوثولاموس" ، وهو كتلة في وسط الدماغ لا يزيد وزنها عن خمسة غرامات ، أي ما يشكل خمسة وثلاثين بالمائة من الواحد بالمائة من وزن الدماغ البشري الراشد. وهذه تضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال(167). و يتناسب التخلف طرديا مع هدر الفكر. ...
كما أثبتت الأبحاث الحديثة على الدماغ البشري أن البيئة الرتيبة الخالية من المثيرات والإثارات ، كما هو الحال في أنظمة القمع والمنع والتحريم ، تعمل على ترقيق القشرة الدماغية ، وبالتالي إلى تدهور الكفاءة الذهنية. ويتجلى ذلك في قصور التخطيط والانتباه وصناعة القرار وحل المشكلات وتشكيل الخيارات وتنفيذها . ترقيق القشرة الدماغية تحد من الضبط العقلي مما يفتح السبل أمام غلبة السلوك الانفعالي الاندفاعي(169).
الهدر "يفرض على المرأة وضعية من القهر تضي على إمكاناتها الذهنية والإبداعية والاستقلالية والمادية ...حيثما وجد القهر والاستغلال لابد ان يصيب المرأة منها القسط الأوفر؛ وحيثما وجدت الحاجة لحشر كائن ما في وضعية المهانة لابد ان يقع الاختيار على المرأة"(210).
"سجنها داخل بيتها ، مع ما يتضمنه من حرمان لفرص التعامل مع الواقع والتدريب على السيطرة الفعلية عليه ، واستلابها إرادتها وقدرتها على الاختيار هو الذي أدى الى تفشي الخرافة في وجودها وممارساتها ونظرتها الى العالم...جزء كبير مما يسمى مازوشية المراة ليس سوى ارتداد عدوانيتها المتفجرة نتيجة الإحباط الى الداخل . اما الجزء الأخر من عدوانيتها فيتخذ سبيله الى ممارسات الكيد والحقد والحسد التي يشاع اجتماعيا اشتهارها به"(211).
خلاصة القول ان النظام اللأبوي لايكتفي بحشر المجتمع داخل بوتقة التبعية والعجز، بل يفاقم هدر الفكر والعقل والإرادة، حيث العجز عن النهوض بالأعباء الشخصيى ، ناهيك عن الأعباء الوطية. وهذا يسشير على قوى لتغيير الاجتماعي بذل مجهود ثقافي واسع النطاق لتحرير أفراد المجتمع من قيود التخلف ومهانتها .





.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو