الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفصال 1969(ماركو فيري):الحقيقة المختفية خلف حقيقة مقتضبة

بلال سمير الصدّر

2021 / 3 / 5
الادب والفن


هنا،نكمل الحديث عن اليوم والغد وبعد الغد وجزئية الرجل ذو البالونات،بينما العنوان الاعلى للفيلم-الانفصال-يشكل العنوان الفرعي للفيلم الذي اتخذ اسما رسميا الرجل ذو البالونات.
تحدثنا في المقال السابق عن الحفر المعرفي عند ميشيل فوكو،واعتبرنا ان الفيلم هو احد المعطيات المعرفية التي تنطبق عليها هذه النظرية من دون جدال او شك،وكان الموضوع تحديدا هو الحفر المعرفي بالاتباط والاتصال-التاريخ-عن الحقيقة المختفية خلف حقيقة مقتضبة أو العكس،حقيقة كاملة مختفية خلف حقيقة واضحة وبارزة،على ان ماركو فيري يعيد تشكيل ذهن المشاهد،أي الباحث التاريخي،بحيث تبدو الحقيقة الأكثر بروزا هنا هي الحقيقة النفسية،بينما معطيات العصر،أو الثورة على معطيات العصر والتي شكلت جزئا حيويا من المقال السابق،تبدو هامشية جدا،بحيث لم تحدث لدينا لقطة التمثال أو اللوحة أي هاجس مهم بحيث من الممكن مع هذه الاطالة الفيلمية والاضافات الى الفيلم،أن نعيد تأويل الفيلم،وهو بالضبط ما يمكن دعوته باعادة تأويل التاريخ من خلال نقطة الانفصال،فاركيولوجيا المعرفة هي أدة عرض تاريخية معرفية لا تخلو من الصحة.
Break Upحقق ماركو فيري هذه النسخة الكاملة من الفيلم عام 1969 ودعاها بالانفصال-
والعنوان بحد ذاته مشكل،فهل الانفصال،يعني مثلا الانفصال عن جيوفانا او نهاية العلاقة،أو ربما يعني الانفصال عن الواقع،أو الانفصال عن الحياة،ولكن مع اشكالية هذا العنوان وابهامه،إلا أننا نمسك بخيوط وتفاصيل مهمة في المسار الشخصي لماركو-مارشيلو ماستروياني-تدفعنا الى اعادة النظر في المعطيات النقدية الكاملة للمقال النقدي السابق...
ولكن،هذا لايعني على الاطلاق ان يكون المقال النقدي آنف الذكر خاطئا،بل هو رؤية نقدية لمعطيات فيلمية فسرت كما رويت على الشاشة.
الموضوع بالضبط هو مثلما تضيف كلمة على عبارة فتغير من معناها كاملا...
هناك معطيات أكثر وضوحا،والنقطة الخفية بالنسبة الينا أن الفيلم ربما يحفر في (الفرويدية) بطريقة مبهمة وغير واضحة على الاطلاق،ثم ان هناك اضافة نوعية ذات قيمة كبيرة للفيلم،وهي لقطة النادي الليلي...
فنحن نلاحظ ماركو يغازل البائعة الشابة في محل اقرب الى بيع التحف بطريقة ودية لاتخلو من قلة الحياء،ولكن التوضيح الأكبر جاء من خلال العلاقة بين ماركو وصديقه الملتحي-في الطابق العلوي-الذي يعيش حياة تحرر منه كل شيء.
هذا الملتحي كان قد التقط اربعة فتيات من حول منزله،على ان تلك الفتيات لايلفتن انتباه ماركو على الاطلاق،ويبقى الهاجس الهوسي بالنسبة اليه هو نقطة اجهاد البالون...أي كم يتسع البالون فعليا كمية من الهواء....يدور بين ماركو وصديقه الملتحي الحوار التالي:
ماركو:قل لي،ربما لن يكون هناك شيء أكثر سخفا...ويتابع:
ان كان يبدو سخيفا بالنسبة اليك...هل فجرت في حياتك بالونا؟!
يشير الملتحي برأسه علامة الايجاب
ماركو:أنت شاعر،لذلك قل لي،لماذا انا اليوم اضع ذهني في تركيز كامل على معرفة كم من الممكن ان يحتويه البالون من الهواء...؟
ولكن،لن يكون هناك جواب واضح،على ان الوضوح قد يظهر لاحقا مع الاربع فتيات اللواتي يحطن بالملتحي.
وان كانت مقدمة الفيلم الغنائية تشير الى الهوس،ولاشيء سوى الهوس،وبالتالي فاحد مقدمات الفيلمين هي مقدمة خادعة لأن المقدمة الأولى كانت على خلفية ملائكية لتمثال.
هناك شيئا أكثر حبا،واكثر ودا بينه وبين خطيبته (جيوفانا)،على ان هذا التفضيل لايعيد بناء الفيلم بناءا مركزيا...بناء عن اظهار تفصيل مختفي حسب الانفصال التاريخي بين النسختين،فمن غير الممكن النظر الى هذه العلاقة الحبية من دون ان نطرح-أو نكرر-هذا السؤال:
:انقطاع الحب مثلا...انقطاع العلاقة...الانقطاع عن الواقع من خلال الهوس..Break upالانفصال
أو الانقطاع عن الحياة من خلال الانتحار؟
تفصيل الهوس ينتقل بنا الى تحليل آخر للموضوع،من شروحات فلسفية الى تلميح نفسي...أو ربما شيء أوضح من تلميح...؟!
على العموم،ماركو فيري يقدم حالة غريبة،بل حالة غريبة جدا في علم النفس...حالة هوس اجهاد البالون؟!
يضيف ماركو فيري الى الفيلم لقطة بالالوان،ولكن اضافة اللون الى الفيلم،والى هذه اللقطة تحديدا ليس هو الموضوع،بل الموضوع هو الحفر المعرفي للقطة النادي الليلي...ما الذي اضافته هذه اللقطة الى الفيلم؟
بمحض الصدفة،يلحق ماركو امرأة تحمل بالونا التي تقوده الى نادي ليلي مليء بالبلالين،والسؤال الأول الذي يطرح نفسه،هل ما يحدث في هذه اللقطة هو في الوعي أو في اللاوعي؟
ان ماركو فيري-كما قلنا-يضيف اللون الى هذه اللقطة،فهذا بالنسبة الينا يشير الى انها تحدث في عالم اللاوعي من دون الحاجة الى تحليل،ولكن هذه اللقطة عززت موضوع الهوس،أي اضافت الانقطاع التاريخي لسلسلة الهوس.
اللقطة تشبه الى حد ما عوالم فليني،خاصة لقطاته الفوضوية عن النساء....
ببساطة النادي الليلي هو المكون الهستيري لشخصية ماركو،فاللقطة عبارة عن هوس عشوائي في استخدام البالونات مع موسيقى صاخبة وكمية كبيرة من الفتيات التي تحلق من خلال هذه البالونات،لكن الشيء الملفت للنظر حقا،هو ان ماركو يصادف الفتيات الاربعة اللواتي التقى بهن سابقا عند صديقه الملتحي،بل يحاولن مجامعته بينما يهرب منهن في اللحظات الاخيرة مدعيا بانه بروفيسور محترم ولديه أمور اهم من ذلك،ثم يمشي تلك المشية المألوفة للرجل المتزن...
هذا اللاوعي ليس صدفة أبدا،وان يتهم صراحة من قبل تلك الفتيات بانه(مسعور جنسيا) هي النقطة الأهم في كل سلسلة الالتقاء،فالسعار الجنسي كاتهام هنا لايدفع الى التساؤل أبدا،بل هي الحقيقة التي يكتبها الوعي ويكشفها اللاوعي المكبوت بالحيز الاخلاقي أو الخجل،والذي هو ليس إلا أحد دوافع الكبت المهمة والرئيسية عند فرويد.
فما الذي تبقى لنقوله الآن...؟؟!
الحالة الغريبة التي قلنا عنها سابقا بانه لايلتفت الى النساء أبدا كانت خادعة،وهي حالة لم نلفت اليها اصلا في الفيلم الأول،لكنها اصبحت واضحة هنا الآن،فالمعطيات اصبحت ربما تشكل (تشكيل بناء معرفي متكامل) منحدر نوعا ما من النظريات الأولى من انتقاد روح العصر الى الغرق في موضوع جنسي فردي-انتقده فوكو ذات مرة-...إذا هل هذا الهوس يحفر في نظريات فرويد...؟
هل من الممكن أن كل ما يحدث هو فرويدي تماما...
طبعا...لأن نقطة اجهاد البالون هي النقطة التي لم يعد فيها ماركو قادر على كبت سعاره الجنسي...أي انه على وشك الانفجار،ونستطيع القول أن الحكاية أصبحت واضحة ولم تعد أكبر مما نقوله بكثير...
إذا سقطت البنيوية اسيرة الوحدة الفرويدية...
ومن ثم هناك لقطة يضع فيها ماركو حلوى على جسد جيوفانا ويبدأ بأكلها...أليست هذه اللقطة تشي بقوة الى فيلم مستقبلي سيحققه فيري متأخرا يدعى بفيلم اللحم...
إذا،ربما سقط الفيلم بالاحالات المنطقية لتسلسل التفكير الخاص بماركو فيري،أي بالوحدة مرة أخرى...
الفيلم رائع متكامل ولانعتقد بانه يحمل أكثر مما قلناه عنه،فكيف لم يلتفت التاريخ السينمائي الى مثل هذا الفيلم؟!
30/01/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف


.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول




.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس