الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية ممارسة الاختصاص التشريعي من المحافظات غير المنتظمة في اقليم

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 3 / 6
دراسات وابحاث قانونية


من المستقر في النظم الإدارية ان اختصاصات الهيئات اللامركزية ذات طبيعة إدارية بحتة، في حين يكون اختصاص الولايات ذات طبيعة دستورية تشريعية وقضائية، ففي فرنسا يذهب اتجاه الى تمتع الهيئات اللامركزية في ظل اللامركزية الإدارية بحرية واسعة لإدارة المرافق العامة المحلية، ولكن حريتها تقتصر على الصعيد الإداري من خلال اصدار قرارات في المسائل ذات الطابع المحلي وفي إطار الخضوع للأجهزة الرئاسية المختصة، باعتبار ان الهيئات المحلية ليس لديها برلماناً يختص بالتشريع، ويقتصر دورها على سلطة اصدار قرارات إدارية .
أما في مصر : فإن المادة (12) من قانون الإدارة المحلية رقم (43) لسنة 1979 المعدلة بالقانون رقم (50) لسنة 1981، قد حددت اختصاصات المجلس الشعبي المحلي للمحافظة بأن يتولى في حدود السياسة العامة للدولة (الرقابة) على مختلف المرافق والاعمال التي تدخل في اختصاص المحافظة والتي ليس من ضمنها اختصاص التشريع المحلي، كما لا تباشر المجالس المحلية للمحافظات اختصاص (الانشاء والإدارة) التي أنيط بالوحدات المحلية التي يرأسها المحافظ ممثل السلطة المركزية، وكل ما يملكه المجلس إصدار القرارات اللازمة لدعم ممارسته للاختصاصات المنصوص عليها في هذه المادة، وللمحافظ حق الاعتراض عليها.
وفي العراق : نجد أن المشرع العراقي قد خالف ما يعرف بقاعدة (الاختصاصات الخاضعة)، وفقاً لرأي الاستاذ جورج بيردو (G . Burdeau) ان الجماعات المحلية الإدارية ليس بمقدورها إلاّ ان تمارس اختصاصات محددة بصفة أساسية في إطار الوظيفة الإدارية التي تبدو كوظيفة ثانوية مشتقة وخاضعة، بمعنى أنها مشروطة بتدخل مُسبق من نشاط عام آخر أكثر سمواً ، إذ منح المشرع العراقي لمجلس المحافظة سلطة تشريعية بموجب المادة (2) الفقرة (أولاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل التي نصت على أن (مجلس المحافظة : هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الإتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الإتحادية)، ومن استقراء النص المذكور يمكن أن نسجل على مسلك المشرع العراقي الخروقات الدستورية والقانونية الآتية:
1- إن منح مجالس المحافظات اختصاصاً تشريعياً بموجب هذه المادة مخالف لتوجه المشرع الدستوري الذي تبنى نظام اللامركزية الإدارية لإدارة المحافظات ومنحها الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من إدارة شؤونها ولم يرد من ضمنها الاختصاصات التشريعية، وبذلك فإن النص على هذا الاختصاص فيه خرق لنظام اللامركزية الإدارية ولنصوص الدستور التي تبنته ،ولو أراد المشرع الدستوري منح هذا الاختصاص كان الاجدر ذكره بنصوص الدستور.
2- إن المحافظة وحدة إدارية ضمن حدودها، وليست إقليماً يتمتع باللامركزية السياسية فالمحافظة جزء من النظام اللامركزي ولا يمارس اختصاصات كالاختصاص التشريعي وان ممارسة مثل هذا الاختصاص فيه تعدٍ على اختصاص السلطة التشريعية الإتحادية ومساس بمبدأ الانفراد التشريعي ، وهذا ما نصت عليه المادة (122/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
3- لم يحدد المشرع المقصود بمصطلح (التشريعات المحلية)، والتشريع بمفهومه الواسع يشمل كل قاعدة قانونية عامة ومجردة مكتوبة تصدر من سلطة مختصة، ووفقاً لذلك فإن المشرع لم يقصد التشريع الفرعي (الأنظمة والتعليمات) فقط وانما قصد القانون والأنظمة والتعليمات، وهذا ما أكده المشرع في البند (ثالثاً) من المادة (7) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل التي نصت على أن من ضمن اختصاصات مجلس المحافظة (اصدار التشريعات المحلية والأنظمة والتعليمات لتنظيم الشؤون الإدارية والمالية بما يُمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الإتحادية)، وبذلك نجد أن المشرع قد جعل من المحافظة كمستوى ثالث في مجال الاختصاص التشريعي الى جانب السلطة التشريعية الإتحادية والأقاليم وهذا مخالف لأسس النظام الفيدرالي الذي يقوم على أساس تقسيم السلطات على مستويين وليس ثلاثة مستويات.
4- أعطى المشرع الاولوية لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف ما بين الحكومة الإتحادية والحكومات المحلية فيما يتعلق بإدارة الاختصاصات المشتركة المنصوص عليها في المواد (112 و113 و114) من الدستور، وهذا مانصت عليه المادة (2) الفقرة (سادساً) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل وفي هذا الاتجاه خرق لمبدأ سيادة القانون الاتحادي وتدرج القواعد القانونية التي تقضي بسمو القانون الاتحادي على قوانين الولايات أو الأقاليم والمحافظات، فضلاً عن ذلك ان الاختصاصات المشتركة المنصوص عليها في المادة (114) من الدستور تدار بالتشاور والتنسيق والتعاون مع الحكومة الإتحادية، وهذا يدفعنا للتساؤل عن جدوى ترجيح قوانين المحافظات على القوانين الإتحادية، وعن جدوى منح الاختصاص التشريعي للمحافظات طالما أنها تدار بنظام اللامركزية الإدارية وأن مباشرة مجلس المحافظة لاختصاصاته لا يتطلب سوى إصدار قرارات تنفيذية.
5- يرى بعض الباحثين ان ممارسة المجالس الإدارية لمهامها واختصاصاتها أمر لا يحتاج الى وضع قوانين ويمكن ممارسته عن طريق الأنظمة والتعليمات، ونحن نتفق مع هذا الرأي في كون مجالس المحافظات لا تحتاج عند مباشرة اختصاصاتها لاصدار قوانين، إذ بالرجوع لاختصاصات مجلس المحافظة المنصوص عليها في المادة (7) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل نجد أنها ممكن ممارستها دون إصدار قانون، ولا يحتاج الأمر لممارسة الاختصاصات سوى إصدار الأوامر الإدارية أو تنفيذ القوانين، وحتى فيما يتعلق بالنظام الداخلي لمجلس المحافظة لم يشر القانون الى إعداد وسن النظام بل أشار إلى اقرار نظام داخلي وهذا مانصت عليه المادة (7) الفقرة (رابع عشر) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل ، وقد أكد المشرع ما ذهبنا إليه عندما منح مجلس المحافظة صلاحية اصدار جريدة تنشر فيها كافة القرارات والاوامر التي تصدر من المجلس ولم يذكر القوانين وهذا مانصت عليه المادة (7) الفقرة (ثاني عشر) منه ، كما أن مجلس الدولة ذهب في رايه الاستشاري المرقم (1972/2009) في 25/10/2009 حول صحة قانون المولدات ذات النفع العام رقم (2) لسنة 2009 الصادر عن مجلس محافظة بابل الى نفي صلاحية مجالس المحافظات في أصدار القوانين لأن الدستور في المادة (121) منه خول الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية واصدار القوانين ولم يخول المحافظات غير المنتظمة في إقليم مثل هذه الصلاحية، فضلاً عن ذلك ان القانون لا يكون سنده في الاصدار قانون آخر، إذ لم يسبق ان صدر قانون استنادا لنص قانوني آخر منذ تشكيل الدولة العراقية وبالتالي فإن اقرار مثل هذا الاتجاه مخالف لاحكام الدستور ويتعارض مع ما استقر عليه فقهاء القانون ودول العالم في تشريعها للقوانين .
6- أما فيما يتعلق بإمكانية مجالس المحافظات من مباشرة صلاحية اصدار القرارات التنظيمية (الأنظمة والتعليمات) وهي قرارات تحتوي على قواعد عامة ومجردة تسري على جميع الأفراد الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت في القاعدة، وهي تعد تشريع ثانوي الى جانب التشريع العادي إلا أنه يصدر من الإدارة، ولا تستنفذ موضوعها بتطبيقها بل تظل قائمة لتطبق مستقبلاً فيمكن القول بإمكانية ذلك وفقاً للقواعد العامة التي تجيز للإدارة مباشرة هذا الاختصاص ، فوفقاً لانصار المعيار الشكلي الذي تزعمه الفقيه (كاريه دي مالبرج) فإن اللائحة (الأنظمة) لا تتمتع بالصفة التشريعية حتى وإن كانت عملاً تشريعياً من حيث الموضوع مثل اللوائح الاستثنائية، واللوائح المستقلة، ويرى أن اللائحة مقيدة بكافة القواعد القانونية التي تعلوها وفقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية باعتبارها عملاً إدارياً يصدر عن السلطة الإدارية ومصدراً استثنائياً للتشريع وليس مصدراً أصلياً، أو مظهراً للسلطة الآمرة العليا ، كما أن اختصاصات مجلس المحافظة لا تتضمن (إدارة أو إنشاء) للمرافق العامة وبالتالي تنتفي الحاجة لاصدار اللوائح (الأنظمة) التنظيمية لانشاء المرافق العامة أو الضبطية للحفاظ على الأمن والنظام العام بعناصره المختلفة، أما اللوائح (الأنظمة) التنفيذية فهي من اختصاص مجلس الوزراء استناداً للمادة (80/ثالثاً) من الدستور ويمكن تفويضها إلى مجالس المحافظات وفق قواعد التفويض، في حين نجد ان المحافظ يمارس صلاحية استحداث المرافق العامة كالجامعات والكليات والمعاهد واستحداث والغاء مراكز الشرطة، فضلاً عن كونه مسؤول عن الامن وحفظ النظام العام ولذلك منحه القانون سلطة مباشرة على الأجهزة الامنية المكلفة بذلك في المحافظة وهذا ما قررته المادة (31) الفقرات (سادساً) و(تاسعاً) و(عاشراً) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر