الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساعدوا العراق علي الانتقال من قوانين الغاب إلي قوانين العقل

العفيف الأخضر

2003 / 5 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



ضرورة انتقال عراق ما بعد صدام من قوانين الغاب إلي قوانين العقل.
 

 
 دخل العراق منذ 9 نيسان ( أبريل ) فترة انتقال صعبة، من حكم قوانين الغاب التي سادت منذ مذبحة 1958 التي أبيدت فيها الأسرة المالكة وصفق العرب من المحيط إلي الخليج لامرأة موتورة لأنها أكلت من كبد نوري السعيد الذي قتل سحلاً ثم استفحلت الغابية في ظل سادية صدام النادرة في حوليات الطغيان، إلي حكم قوانين العقل في عراق ما بعد صدام الذي يولد أمام أعيننا في الألم والدم واللايقين. لا معني لهذا الانتقال إن لم يكن انتقالاً من حكم فرد مصاب بباناراويا هاذية، لا تبالي بآلام البشر، لم يكن يشفي غليله إلا عندما يشرب الدم في جماجم ضحاياه، إلي حكم دولة يكون حاكمها أقل قوة من مؤسساتها. وهي دولة لم يعرفها تاريخ الشرق بعد.
 اجتياز العراق لامتحان فترة الانتقال بنجاح قريب من نجاح دول الكتلة الشرقية في امتحان الانتقال من دولة الكذب والرعب والطغيان إلي دولة ما بعد الطغيان التي تتقدم بخطي ثابتة إلي دولة القانون والمؤسسات، سيكون مؤشراً واعداً علي إمكانية نجاحه في الانتقال من الهمجية إلي الحضارة في تعامل الدول العربية الإسلامية مع مواطنيها التي مازالت تجلدهم في اليوم بألف سوط وتدوسهم في اليوم بألف قدم. الامتحان الأول والحاسم علي احتمال هذا الانتقال المأمول هو نجاح ضحايا صدام في معاملة زبانيته ومساعديه بما في ذلك هو نفسه لا بقوانين شريعة الغاب إياها في عراق الأمس، عراقه هو، بل بشريعة قوانين العقل في عراق الغد، عراقكم أنتم ضحاياه، الذي نشهد مخاضه العسير، ككل مخاض. هذا يتطلب منكم معاملة جلاديكم لا بمنطق الثأر العشائري الحيواني بل بمنطق القانون الوضعي الإنساني الذي يكفل، حتى لمجرم نادر في تاريخ الشرق مثل صدام، نفس الحقوق المكفولة لكل متهم : محاكمة علنية وعادلة.
 طالبت في رسالتي " إلي عقلاء العراق " ( إيلاف 12/4/2003 )، التي علق عليها مشكوراً د. شاكر النابلسي، بقطيعة عراق ما بعد صدام مع تراث العراق السياسي الدموي انطلاقاً من عدم تقديم صدام وزبانيته ومساعديه إلي القضاء العراقي لأن القضاء العراقي المستقل والنزيه مازال وعداً جميلاً برسم التحقيق بل تقديمهم إلي محكمة الجزاء الدولية. فوجئت مفاجأة سارة بمقال للحقوقي الفرنسي الشهير روبير بادنتير، صاحب مشروع إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا سنة 1981، نشره في الأسبوعية الفرنسية لو نوفل أويسرفاتير ( 30/4/2003 ) بعنوان : " طارق عزيز والآخرون : من سيحاكمهم ؟ " يتفق مع ما ذهبت إليه في رسالتي المذكورة من عدم وجود القضاء العراقي الذي تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة وعدم جدارة القضاء العسكري الأمريكي بمحاكمتهم للسبب ذاته، وبدوري أضيف لأن ذلك سيكون خطأ سايكولوجي جسيماً يضاف إلي جريمة تفرج القوات الأمريكية دون حراك علي نهب المتحف العراقي الذي لا يقل بشاعة عن تدمير طالبان لتماثيل بوذا العملاقة وحرق مكتبة بغداد الذي أعاد للذاكرة الجمعية ذكرى إلقاء هولاكو بمحتويات مكتبة بيت الحكمة سنة 1258 في مياه دجلة " حتى صار ماء دجلة أشكل " أي أسود من الحبر كما قال شاعر بغدادي في رثائها. يري الحقوقي الفرنسي مثلي أن محكمة الجزاء الدولية هي وحدها المؤهلة لمحاكمتهم... لكنه سرعان ما يضيف : قانون تأسيسها لا يسمح لها بذلك. إذ لا يحق لها إلا النظر في الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة فقط منذ 2001. لذا يقترح أن يبادرة مجلس الأمن الدولي إلي تشكيل محكمة خاصة لهذه الغاية. بدوري أدعم هذا الاقتراح العقلاني وأتمني أن يتبناه ضحايا صدام أنفسهم الذين يليق بهم، تعليماً لأجيال العراق الطالعة درساً في احترام حقوق الإنسان، أن يرددوا مع الجزائري بشير حاج علي : " قسماً لن نعذب الذين عذبونا ".
 محاكمة دولية علنية وعادلة قد تتيح لمعاوني صدام دفاعاً عن أنفسهم كشف وقائع وأسرار نظام طاغية بغداد التي ستساعد العراقيين اليوم وغداً علي تحصين مؤسساتهم حتى لا تعيد إنتاج وحش بارد مثل صدام. شهادتهم الثمينة لن تكون لها قيمة إلا إذا نطقوا بها أمام محكمة لا يرقي الهمس إلي استقلالها وحيادها.
 المطلوب ليس إعدام زبانية صدام ومساعديه أو إعدامه هو نفسه بل إعدام الأديولوجيا العظامية الدموية الهاذية التي حكموا بها العراق طوال 35 عاماً وانتقلت عدوى وبائها إلي بلدان أخرى في الشرق الأوسط. إليكم عينة من اعترافين لسعدون حمادي وطارق عزيز : في بداية السنة كان سعدون حمادي وابنه في ضيافة مثقف ليبي _ لم أستطع الاتصال به لاستئذانه في ذكر اسمه _ انهال أمامهما علي صدام نقداً وكان سعدون حمادي يدافع بحماس عن سيده. لكن ما إن غادر ابنه السهرة حتى قال لمضيفه : " زدني الآن له نقداً ". أراهن لو كان الأب هو الذي غادر السهرة أولاً لكان لابنه الموقف ذاته. أما طارق عزيز فقد نصحه الرئيس اللبناني أمين الجميل ذات يوم بطلب اللجوء السياسي من أمريكا فأجابه : " لعلك لا تعلم أن صدام لا يسمح لأي قيادي بمغادرة العراق مع أسرته للاحتفاظ بها كرهينة تباد علي آخرها بمجرد عدم عودته إلي العراق وأسرتي عزيزة علي ".
 لا شك أن هذين الاعترافين المهموسين سيكونان غيضاً من فيض من وقائع وأسرار أبشع حاكم دموي في تاريخ العراق والعالم العربي علي مر العصور. لأول مرة في التاريخ يعدم حاكم رفاقه في الحزب الحاكم بنفسه سنة 1977 ملقناً ابنه ( عدي عندما كان عمرة 12 عاماً ) مبادئ شريعة الغاب : " أما أن تكون هنا وتطلق النار أو أن تكون هناك مكانهم تطلق عليك النار " ولأول مرة في التاريخ يطلق حاكم النار علي وزيره خلال انعقاد مجلس الوزراء فيرديه قتيلاً ؛ ولأول مرة في التاريخ البشري المكتوب يدفع المشنوق في سجن أبو غريب [ بغداد ] رشوة لجلاده كي يضع الأنشوطة في الأعلى ليموت المشنوق بسرعة لأنه إن لم يدفع رشوة فسيضعها جلاده في الأسفل ليموت المشنوق ببطء. حتى اكثر خيال الروائيين تشاؤماً لم يخطر له مثل هذا المشهد علي خاطر. أما في عراق صدام حسين فهو واقعة تفقأ العيون. ومع ذلك صفق له قطيع المثقفين الذين شلت فاهمتهم عبادة " القائد الضرورة " أو البطل المنقذ وافتقاد أدمغتهم لخلية الفكر النقدي وجمودهم الذهني وجفاف ضميرهم الأخلاقي مثل عبد الإله بلقزيز ومحمد عابد الجابري من المغرب مثلاً لا حصراً.

إيلاف خاص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي