الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3

سعد محمد موسى

2021 / 3 / 7
الادب والفن


رقصة النار والكناغر في أولورو
انتبذ ساحر الصخور مكاناً على سفح جبل "أولجا" المطل على قبيلة "البيتجان"، التي لم تمانع من وجود الرجل الابيض المسالم، لا سيما بعد أن علموا بنزوحه من غابة الجبل.
انبهر ساحر الصخور بقدسية، وسحر "أولورو"، التي يتغير لونها ويتفاوت متوهجاً باللون الاحمر من شروق الشمس حتى مغيبها.
أما في موسم الأمطار، فيتفاوت لون الصخرة ما بين الفضيّ، والرمادي.
بينما الكناغر كانت تتقافز في الغروب حول الصخرة المقدسة وهي تحج حولها، جلب انتباه النّحّات وجود حجرة مستطيلة قريبة من الكوخ، فترآى في صلاتها موسيقى القلب، وملامح أكارا، فجلب المطرقة وأزاميل النحت، ثم حفر، ونحت، وكوّن منحوتة أخرى لفتاة الغابة، وبعد أن أنجز عمل التمثال خلال خمسة أيام، والتي عمدها بدموعه، وعرقه المتصبب فوق جسد المنحوتة، وهو يتخيلها، ويستحضر تفاصيلها، وملامحها بلهفة الوثنيّ الذي يخلق آلهته.
شعر النّحّات بسعادة تغمره، مما خفف عنه وحشة العزلة في جبل أولجا.
حين غادر ساحر الصخور غابة الجبل مثقلاً بالغياب، والعاطفة الجياشة المفعمة بالشوق ... بقي هنالك قلبه المشتعل بحرائق الغابة مصلوباً ما بين داره، وأطلال قبيلة أكارا.
ثم نقش أسم اكارا في طرف سبابته فوق الرمال الحمراء التي تحتضن المنحوتة لوعته، وحنينه فوق تضاريس الكثبان.

بعد عشر سنوات ونيف قضاها مع قبيلة البيتجان، وشعب "أنانغو"، الذين عاملوه وكأنه أحد أفراد قبيلتهم، تعلم منهم لغتهم، وطقوسهم، ورقص معهم حول النار، وتعلم النفخ على آلة الديدريجو أيضاً .
كانت منذ زمن بعيد تتعاظم في أعماق ساحر الصخور والناسك هياماً، ورغبة للحج الى هضبة التبت، والنيبال، والهند؛ لكسب المزيد من التجارب الروحية والمعرفية... أرادت روحه المتعطشة للتحليق بعيداً مثل طيور تغرس أجنحتها في خاصرة السحاب نحو عالم الرهبنة، والبوذية، والهندوسية في محاولة للتقرب من طلاسم، وتساؤلات كانت تلح في ذاته، والبحث عن سراب الروح الضائعة في الآفاق اللامتناهية!!

في الليلة الاخيرة، قبل أن يشد رحاله، تفقد ساحر الصخور منحوتاته، وطلب من صديقه الذي يعمل مرشداً للبعثات الاستكشافية، والسياحية، ومربياً للإبل من أصول أفغانية "كهلان بدر الدجى"، أن يهتم بالمنحوتات، لاسيما تمثال أكارا بعد رحيله.
تجمع كثير من أفراد قبيلة البيتجان، وأنانغو، وأقاموا احتفالاً لتوديعه على مقربة من صخرة أولورو، واضرموا النار هناك، وطافوا حولها.
في الصباح الباكر ركب كهلان بدر الدجى، وساحر الصخور مع ناقتيهما، وبرفقتهما كان جملاً يحمل فوق سنامه الماء، والطعام، والكلأ، وانطلقا نحو ميناء البواخر، والسفن باتجاه مدينة داروين إلى أقصى شمال استراليا على ساحل بحر "تيمور".
كان مربيّ الإبل عارف باتجاهات الصحراء، وعارفاً بالنجوم، والمجرات، ودرب التبانة، وكأنه يحمل بوصلة ذاتية يتحسس بها الاتجاهات.
جلب الإنكليز الإبل من أفغانستان بعد أن شحنوها في سفنهم الحربية المتوجهة نحو مستعمرتهم الجديدة استراليا.
كانت الجِمال مفزوعة، وهائجة في أقفاصها، وسط أمواج المحيط
برفقة مربيها الأفغان.
حين رست السفن المحملة بغنائم الشرق من نوق، وتوابل، وحرير إلى سواحل استراليا بعد عدة أشهر، تعالى رغاء الإبل الخائفة، فجفلت الكناغر، وأستفاقت الكوالا الوديعة الكسولة المتربعة فوق أشجار اليوكالبتوس من نومها الطويل، وكلاب الدنكَو الوحشية رفعت آذانها مستغربة، وهي تشارك صدمتها مع قبائل الابورجنيز الذين يشاهدون لأول مرة هبوط سفن الصحراء؛ التي جلبت للقيام برحلات استكشافية، لمناجم الذهب، والحديد، ولمعرفة أسرار تلك الجزيرة الشاسعة، فتكيفت الإبل بعد حين مع الصحراء الجديدة وتناسلت بسرعة.
كانت الإبل تتهادى بأحمالها، بعد أن حلّ الغروب، أناخ كهلان بالإبل، وعقر قوامهم بالحبال، ثم أنزل الحمولة، وأخذت الإبل قسطاً من الراحة، والكلأ، ثم أفترش البسط المصنوعة من وبر الإبل فوق الرمال، مع وسائد صوفية، ثم توضأ كهلان بدر الدجى من قربة الماء، وتوجّه صوب الكعبة مقيماً صلاة المغرب، ثم تناولا العشاء المكوّن من الخبز، ولبن النوق.
بعدها دار حديث السمر، وقبيل منتصف الليل خلدا إلى النوم بحراسة متناوبة، خشية من هجوم كلاب الدنكو.
كان بمعية كهلان بدر الدجى بندقية انجليزية "لي إنفيلد"، ورثها من أبيه الذي قدم مع جِماله منذ قدوم قوافل المستكشفين الإنكليز الأوائل إلى استراليا من تخوم كابول، وكان يعتز بها وترافقه في جميع رحلاته.
في الصباح الباكر سارت سفن الصحراء في رحلتها وسط أمواج الرمال وكثبانها، فقطع غناء كهلان صمت الصحراء وهو يطلق العنان لحدّائه الذي أطرب الإبل، فرفعت بأعناقها عاليا، وانتظم إيقاع خفوفها على ترانيم غناء الحادي الذي كان يمزج بغنائه ما بين العربية ولغته الام "البشتوية".
كان لصدى ترانيم حادي العيس شجن، وسحر ينساب إلى أعماق ساحر الصخور، وهو يرتحل بأخيلته نحو أكارا، وزهورها، وضحكاتها، وفراقها.
بعد أسبوع وصلت القافلة الصغيرة إلى مدينة داروين، فودّع حينها الرفاق بعضهم بعضا، وعاد كهلان بدر الدجى إلى موطنه أولورو، بينما بقي ساحر الصخور منتظرا السفينة التي ستبحر باتجاه تيمور الشرقية، ثم جزر جاوة وصولاً الى جاكارتا عاصمة اندنوسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم