الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البابا الابراهيمي وموت ماركس وابراهيم؟/7

عبدالامير الركابي

2021 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لم يسبق للعالم ان راى على مر تاريخه، لحظة انتقالية من نوع وبحجم ومنطويات اللحظة الراهنه مع كل مايكتنفها من غموض، ولا ثقة، واضطراب في الرؤى، والاضطرار للتعايش مع لاجدواها، ولا ثباتها، وهشاشتها، بحيث يمكن تشبيه الحاصل بلحظة ماقبل التاريخ، يوم كان التاريخ ابتداء، والكائن البشري يتلمس طريقة معرفيا، لعله يعقلن العالم والحياة التي وجد نفسه في غمرتها، ساعيا لادراكها كعتبه أولى على طريق التعامل معها،مع فارق جوهري متأت من كون العقل الحالي صار مع البدء المعاش الثاني الراهن ، محملا بعبء وجصيله ماقد تراكم لديه من خبرات وأفكار، وتجارب واستخلاصات، هو بصدد، ان لم يكن ملزما بان يلجا لها، ويحتمي بها، لابل ويسعى الى النفخ فيها، ومحاولة إعادة تصنيعها كوسيلة، لايجد بيده غيرها كي يضمن لنفسه نوعا من التوازن المضطرب، عديم الجدوى.
وتلعب وطاة الاعتياد والمصالح، وخلفيات النقص العقلي المزمن، والحدود التي يقررها الممكن تكوينا بالنسبه للكائن الحي مجتمعة، دورها في الحؤول دون الانتقال الى المنظور الانقلابي التحولي، وبالاساس قوة حضور الأحادية المجتمعية، ومايتصل بها وبضخامة الوهم الذي انتهت اليه مع حالة الغرب وحداثته المعاصرة، ومارافقها من توهمات القدرة اللانهائية، هذا والكائن البشري لم يسبق له ان فكر يوما باحتمال مؤقتيه وجوده ونمط حياته، ولم يذهب الى تطبيق السياقات التي اكتشفها، او تسنى له النظر فيها بخصوص تاريخ نشوئة وترقيه، ومراحل تحولاته، على وجوده الحالي، فاعتبر نفسه نهاية ومقصدا، هو جل ماارادته الطبيعة وقصدته من غاية، هي الأعلى والنهائية.
وبالاجمال وموضوعيا، فانه لم يكن يملك الوسيله الجاهزه المهياة، أي "العقل" الضروري لمنحة إمكانية التفكير بان الانتقال من مرحلة اللقاط والصيد، الى المجتمعية الانتاجوية، هو طور ومرحله لها مابعدها، وان المجتمعية ليست محطة نهائية، ولا ابدية، وانها مثلها مثل ماقد سبقها، مجرد مرحله من تاريخ النشوء والصيرورة، لها عقب ومنتهى وانبثاق، ومادامت مثل هذا الفكرة عن المجتمعية والوجود الانسايواني وغاياته غير واردة، ولم تحضر بعد، فان الأفكار والتصورات والرؤى تظل مادون "انسانيه"، محكومة لحدود الأحادية والبقائية التابيديه المقفلة، بدون مخارج، او مسارب تطل على المقرر والمكتوب للظاهرة المجتمعية كنهاية لازمة ضمن مقتضات الوجود وغاياته، هذا مع الفارق بين استمرار او هيمنه الوعي الأحادي المكتوب أصلا على العقل كطور من التاريخ التصيري القصوري ابان احواله وحقبة العادية، وبين مايصير ويتحول الى تازم مرضي خطر، عند اقتراب لحظة التحول والانقلاب، ساعة تلح مقتضيات ودوافع ومحركات الانقلابية، والانتقال، بينما تستمر ظلال الماضي حاضرة، مع انه ماعاد قابلا للحياة، او لتادية ماكان وظل يؤديه من دور مؤقت انتقالي، كان في حينه وفي الماضي ضرورة.
يالها من مصادفة، هي قمة ومنتهى التدبيرية الدلاليه الكونية، ان يأتي بابا الفاتيكان الى ارض إبراهيم باحثا عنه، في الوقت الذي يكون فيه إبراهيم قد غادر، وماعاد وجوده ممكنا، ولا لازما، بعد ان حقق غرضيته والمطلبوب منه. فالتحولية حين تصير على الأبواب، لايعود لمنظورات الأحادية، ولا لشكل تجلي "الغائية العليا الكونيه" الابراهيمي ضمن الاشتراطات الأحادية، بما هي مفهوم " الله" الواحد الاحد، من ضرورة او مسوغ، مايعني ان التحولية لا تنتهي عندها ومعها الأحادية الغربية فحسب، بل وتنتهي قبلها وكشرط لازم لتكريس التحولية، وانتهاء الأحادية على مستوى المعمورة، الابراهيميه النبوية، كما صيغت ابتداء نبويا واضطرارا، على اعتبارها الممكن من التعبيرية التحولية الكونية، ضمن اشتراطات سيادة المنظور الأحادي، وبما يتناسب ويتلائم مع مايقتضية ويفرضه من نوع مقاربه لمابعد أحادية.
يعني ذلك ان الابراهيمه هي منظور ضروري مؤقت هو الاخر، مثله مثل الاحادية بكل صنوف تجليها، ومنها وعلى راسها، الأعلى من بينها، الراهن الغربي الحديث، ففي الزمن الأحادي، وابان هيمنته وتوفره على أسباب الغلبة التامه، لايكون متاحا للازدواجية المجتمعية الدالة على التحول، وعلى منطويات مصير الظاهرة المجتمعية، ان تتجلى وتظل شاخصة وحية بصفتها الكونية اللاتحولية، او اللاتحققية، يوم يستعاض عن النقص في الوسائل المادية التحولية، ببناء "مملكة السماء على الأرض"، بما هي نوع مجتمعية تحولية مفارقة، مؤجلة اكوانية، لازمة الحضوربرغم اشتراطات اللاتحقق، وقبل أوان تحققها.
ومع اقتراب موت الغرب وماركس، يموت إبراهيم، ولايعود "الله" ممثلا استعماليا موقتا ونائبا عن "الغائية الكونيه العليا"، والانتقال الى "العالم الاخر"، يصير مهمة عملية، اقرب الى الخروج من استبداد الموت واندثار الجسد، بينما يشرع هذا بالتحول منذ اليوم الى مادة وحامل للعقل، انتهى دوره، والاهم ان مغادرته صارت ممكنه ومهمه أساس، ينكب عليها الكائن مابعد "الانسايوان"، شاقا طريقه نحو الاستقلال عن سجنه التاريخي الجسدي الارضوي. مايعني كما واضح، ان ماركس والغرب اذا ماتا، فانهما سيدفنان من دون ان يتركا عقبا ولاوريث، بينما موت إبراهيم سيكون إيذانا بالانتقال الى الابراهيمه الثانيه، ابراهيمه العلّة والتحول المنتظر، يغلق عندها ويطوى كتاب الطور النبوي الالهامي الحدسي، لصالح "الابراهيميه العلّية" و" قرآن العراق" المؤجل، فاتحة الباب نحو الطور التحولي المنتظر.
تنتمي زيارة البابا الحالية الى الماضي، وتاتي بصفتها واحدة من استدلالات الانتقالية الراهنه العظمى، يكون البابا خلالها قد أسس هو ومن سياتي بعده، ويقوم مقامه، للمباشرة الأكبر، في حال كانت الاشتراطات العقلية لدى المنتسبين للطور الابراهيمي المنقضي، ستسمح لهم اليوم وبعد "قران العراق" الوشيك الحضور، بان يروا مابين السطور، وتضاعيف الحقيقة الماثلة، حيث وجدت الأرض التي منها يخرج النطق الأكبر المفضي الى المجتمعية اللامجتمعية، والمؤدي الى العقل المتحرر من الجسد، والتقاء العقل بالحامل الكوني بديل الجسدي الارضوي، أي ان يدرك من بين اوليات التشكلية المجتمعية وخارطتها البيئية كما موزعه على الكوكب، بانها قد صممت من دون ان تترك مفتقرة الى البؤرة والمنفذ، يظل يعيش الراهن الأحادي بصفته مستقبلا، ويكون بابا مؤجلة الفتح، لحين نهاية الزمان، لكي تدل على طريق العبور، فعراق اليوم يتهيا للنطق، وللاعلان عن مقالته المطوية المؤجلة منذ سبعة الاف عام، والعالم من هنافصاعدا، وكما كان الحال ابان الابراهيمه الاولى النبوية الحدسية الالهامية، منقلب بدئي ثان، ذاهب الى تحول الكائن البشري وانتهاء زمن "الانسايوان".
من بين أولى الافتراقات التي يسجلها وسيتركها البابا قرب اور، تلك التي تقع بين "الحجر" والحدثية الموثقة، وبين ركام الرمزية، وسلسلة "الحقائق اللاارضوية خارج/ خارقة التوثيق" الأكثر حقيقية وبقاء من كل التوثيقيات، من نوع هل وجد موسى، ام انه قصة سرجون الاكدي الذي رمته امه في النهرفي جنوب العراق؟ وهل عيسى واحد، ام ثلاثة؟ وهل ذهب النبي محمد على ظهر البراق الى القدس؟ وهل مشي عيسى على الماء، واحيا الموتى، وطار الى السماء، وهل ليوسف من وجود في التواريخ والسجلات الفرعونيه؟ او ان موسى شق البحر؟ وان نبيا عاش في قلب الحوت؟ وان عشرة ملوك رافدينين، هم انبياء واردة أسماؤهم في التوراة؟ وان مزامير داود لها اصل في لقى اور؟ وان نوح عاش لخمسه قرون بانتظار الطوفان، وان سفينته ماتزال قابعة بقاياها في ارارات، وان النبي العراقي ادريس قبل إبراهيم، قد غادر ارض الرافدين الى مصر، أي كل المروية الأخرى اللاارضوية، المنفيه كما تجلت ابتداء في ارض سومر كرؤيا، ونوع منظور للعالم والحياة والوجود على الأرض، مقابل ومفارق للرؤى الأحادية التوثيقية الحجرية، بينما الحجر في ارض الرافدين، والمدن لاتخلف اثرا، بل مجرد مقابر مدن اذا ماقيست بالأرض الارضوية السكونية الحجرية الأولى، والاهرامات الضخمه الصلده.
لماذا وجدت في اصل المدن، تلك التي تهجر وتظل خالية من البشر، مدينه مثل "اريدو" مدينة الالهة في اقصى جنوب ارض سومر،لتتكرر لاحقا وبعد مئات، لابل الاف السنين في النجف، مدينة دولة اللادولة الانتظارية الالهية، وهل المدينة صنفان، والمجتمعية مجتمعيتان، سماوية مقابل الارضوية، مع غلبة للثانية، ام ان العالم محكوم لقوة الحجر والاهرامات والسكون الاجتراري التكراري، مقابل الاحتدام، والاختفاء المقارب للزوال تكرارا، وهل البشر ياترى"وحدة" بالفعل، برغم الاصرار على القول بوحدة جسديتهم بدل ازدواجهم ( العقلي / الجسدي)، وهل ايمانهم بالعموم "ارضوي"، ولماذا تظل البشرية تؤمن بغالبيتها القصوى بغير الملموس؟ والمافوق ارضوي، وبالمعجز والخارق اللاموثق، باعتباره هو الحقيقة، مثل رمزية بيت إبراهيم في اور؟ لاشك ان الامر يتعلق بمنهجيتين ورؤيتين تريد احداهما بلا توقف ان تلغي الأخرى بدون آهليه(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم بفت عباقرة "الباحثين" من "العراقيين" الافذاذ بالمناسبة، ان يدلوا بارائهم "العلموية" الوثوقية حول إبراهيم وبيته في اور، فكتبوا المقالات مشككين معتقدين لفهاهتهم العقلية، و اتباعهم الببغاوي، ان امر إبراهيم استثناء ضمن منظومة مايمثله من رؤية وسردية للكون والحياة، لاتخضع لوثوقيتهم "الحضاروية" الأحادية التي تريد فرض منظورها الجزئي على العالم، على اعتبار الدين براي اساتذتهم وسادتهم، هو مرحلة من الوعي بعد الأسطوري، وقبل الفلسفي، علما بان الفلسفه الاغريقية كانت سابقه على الدين الابراهيمي حين عمت قراءاته الكبرى، ومنها المسيحية التي انتشرت في اوربا أيام الإمبراطورية الرومانيه، وظلت باقية كما لم يحدث مع اية فكرة او نظرية من أي نوع، وعلى مرور التاريخ، من دون ان ينتبه احد الى الحقيقة المتصلة بها، القائلة بثنائية الرؤية والسردية البشرية، وازدواجها المتاتي من ثنائية وازدواجية مجتمعية أساس ومنطلق، هي التي تحكم مسار الظاهرة المجتمعية ومآلها النهائي، وليس علمويات التوثيقية الأحادية، المرتكزه فقط الى منطلق احادي جزئي لما يطلق عليه اسم "العلم" اعتباطا واكراها للحقيقة.
كمثال يراجع مقال عبدالسلام صبحي طه / اكذوبة العقل الخرافي : اثار اور وسومر والمسله الابراهيميه/ موقع الجديد/ مكرسا خرافيته الأحادية، وتنكره مع كل من يسمون انفسهم الباحثين في "الحضارة" العراقية من العراقيين الاتباع، المتماهين مع الغرب ورؤية الأحادية للتاريخ والنشاة البدئية البشرية السومرية الازدواجية، مع مسؤوليتهم المضاعفة التي يستحقون عليها الإخراج كليا من دائرة العلم والعقل، لانهم وهم في ارض الرافدين بالذات، ومنها منبتا ونشاة، لم يخطر لهم يوما ان يذهبوا الى الاستدراك على التاسيسات الغربية، فضلا عن ان توجد مدرسه عراقية بحثية اثارية، تفسر لنا خارج مفهوم "الدين وحاجة الانسان لضعفه للقوى العليا والخلودبعد الموت" لماذا في العراق، وفي الشرق الاوسط بالذات من دون غيره من العالم، وجدت الرؤية الثانيه التاريخيه المقابله، الباقية حاضرة على مستوى المعمورة، بينما الرؤية الأخرى العلموية والفلسفية، ومنها واخرها الطبقوية الماركسية، لم تصمد لامتحانات الحقيقة والزمن، ولا تعدت كونها أفكارا نخبوية، تتعاظم اليوم ازمتها القصوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو