الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة المتبادلة بين البيئة وصحة الإنسان

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 3 / 10
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في المركز الثقافي في لندن.

في هذه المحاضرة، سنتناول مناقشة نتائج تقييم النظام الإيكولوجي (البيئي) للألفية وكيف أن تغير المناخ وتصنيع الأغذية والاستخدام الحر للمواد الكيميائية والبلاستيكية الاصطناعية، يُحدث تغيرات في صحة البشر من ناحية، بل والأكثر من ذلك أنه يؤدي إلى إلحاق الضرر بسلامة كوكبنا الأرضي. كما ستتعرف على بعض اللمحات عن بعض الخطوات التي يمكننا اتخاذها من أجل البدء في تحسين صحتنا وصحة كوكبنا على السواء.
فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان إلى إجراء تقييم للنظام الإيكولوجي للألفية في عام 2000 م. وساهم أكثر من 2000 مؤلف ومراجع في جميع أنحاء العالم بمعرفتهم ووقتهم ورؤيتهم الثاقبة في هذه الوثيقة. وكان الهدف من ذلك هو تقييم آثار تغير النظم الإيكولوجية على الصحة العامة للإنسان ورفاهتيه. ومنْ ثَمَّ، إرساء الأساس العلمي للعمل اللازم لتعزيز حفظ النظم الإيكولوجية واستخدامها المستدام وإسهاماتها في رفاهية الإنسان.
وقد أشار تقرير تقييم النظام الإيكولوجي للألفية إلى الاستنتاجات المتمثلة في النقاط التالية:
* هناك نسبة لا تقل عن خمسة وعشرين في المائة من الثدييات و30 في المائة من البرمائيات مهددة بالانقراض.
* يجري استغلال ثلثي مصايد الأسماك البحرية الرئيسية استغلالاً كاملاً أو استغلالاً مفرطاً أو حتى يتم استنفادها.
* اختفت نسبة تسعون في المائة من الإجمالي الذي تشكله أكبر الحيوانات المفترسة التي كانت موجودة في المحيطات.
* يفتقر بليون شخص إلى إمكانية الحصول على المياه العذبة والنظيفة.
وخلص التقرير إلى أن النشاط البشري يفرض ضغطاً هائلاً على النظم الإيكولوجية للأرض. والجدير بالذكر أننا كبشر، لم يعد بوسعنا أن نتجاهل حقيقة أن صحتنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصحة وسلامة كوكب الأرض.
وقد نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريراً مثيراً للقلق والمخاوف لجميع البشر وكان ذلك في عام 2007 م. وسوف تشهد العديد من بلدان العالم زيادة مقدارها أربعة إلى ثمانية أضعاف في معدل أيام الموجات الحارة بحلول نهاية هذا القرن. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الإجهاد الحراري (أي الإجهاد بسبب ارتفاع درجات الحرارة) هو أمر سيئ بالنسبة لبني البشر، وقد يؤدي إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا على إثر ذلك؛ حيث أنه عندما تزداد درجة الحرارة عن مستوى معين، وتكون مصحوبة بمستوى عال من الرطوبة، يمكن أن تجعل الحياة مستحيلة بالنسبة للإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن تغير المناخ أمر لا يتعلق فقط بدرجة الحرارة؛ فكما ذكر تقرير فريق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن الانتقال للإقامة في المناطق التي يتعيَّن علينا فيها الاعتماد على السيارات واستخدام الصناعة الزراعية للأرض (أي الصناعة القائمة على الزراعة) قد أدى إلى حدوث اضطراب في نوعية الهواء الذي يتنفسه الإنسان وجودته.
وأسفرت هذه الممارسات أنه في خلال الفترة ما بين عامي 1960 م و1990 م، ازداد عدد الأشخاص العاملين خارج مدنهم وبلداتهم بنسبة تربو على 200 في المائة. وعلى الرغم من أنه يبدو أن هناك نية حسنة للانتقال خارج المدن كي تعيش في مناطق محاطة بالمزيد من الأراضي الخضراء والأشجار، إلا أن ذلك أدى إلى زيادة الأميال التي تقطعها المركبات المختلفة عبر الطرق بنسبة تصل إلى 250 في المائة من عام 1960 م إلى عام 1997 م. وأدى ذلك إلى حدوث زيادة هائلة في مستويات تلوث الهواء في جميع أنحاء العالم.
وفي الواقع، يُقدَّر أن تلوث الهواء الطلق في المناطق الحضرية يتسبب في وفاة 1.3 مليون شخص في جميع أنحاء العالم سنوياً، ويعاني الأفراد الذين يعيشون في البلدان المتوسطة الدخل من هذا العبء أكثر من غيرهم.
يُعد تلوث الهواء أحد أكبر العوامل المسببة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو ما يعرف مرض القلبي الوعائي؛ وتظهر الدراسات التي أجريت على الفئران أنه حتى الحيوانات التي تتبع نظام غذائي عالي الدهون ستكون على ما يرام من حيث تراكم البلاك (الترسيبات) في الشرايين، ولكنها تمرض ويتكون المزيد من البلاك - أي ما يقرب من ضعف كمية هذه الترسيبات- إذا ما جرى تغذيتها بنظام غذائي عالي الدهون جنباً إلى جنب مع التعرض لتلوث الهواء.
وفي عام 1996 م، أقيمت دورة الألعاب الأولمبية في مدينة أتلانتا (والمعروفة رسمياً باسم دورة الألعاب الأولمبية السادسة والعشرين) في منطقة وسط المدينة، وفي هذا الوقت اتُخذ قرار بالحد من استخدام السيارات في هذه المنطقة. وبالفعل انخفض استخدام السيارات بنسبة تصل إلى 22.5 في المائة، وفي وقت لاحق، لوحظ أنه قد تراجعت نسبة حالات دخول المستشفيات من المرضى بسبب مرض الربو في هذه المنطقة بنسبة تقدر ب 41 في المائة.
وجدير بالملاحظة أن الصناعات الزراعية تُعتبر من بين العوامل الأخرى التي تسهم في سوء نوعية الهواء؛ ففي عام 2006 م، ذكرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة أن إنتاج الثروة الحيوانية ساهم بنسبة تساوي 18 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم - وأن هذه النسبة تعتبر أكثر مما تنبعث جراء عملية نقل هذه المنتجات.
وخلصت دراسة أخرى مثيرة للاهتمام في عام 2006 م في جامعة شيكاغو إلى أن الشخص الذي يغير نظام غذائه من النظام الغربي التقليدي إلى اتباع حمية غذائية نباتية - وهو عبارة عن نظام غذائي بدون لحوم حيوانية أو بيض أو حتى حليب - وتكون بنفس عدد السعرات الحرارية سيمنع انبعاث ما يعدل 1485 كجم من غاز ثاني أكسيد الكربون.
كما أن تربية الحيوانات قد تؤثر أيضاً على صحة الإنسان بطريقة أخرى؛ حيث أنه في كثير من الأحيان، يجرى تربية الحيوانات في حقول التسمين والتي لا تتعدى كونها بعض الأماكن الضيقة، وذلك بدلاً من أن تُربى هذه الحيوانات في المراعي الواسعة المفتوحة وتتغذى على العشب بكل حرية. ومنْ ثَمَّ، لهذا السبب، تخضع هذه الحيوانات إلى حقنها بالمضادات الحيوية بشكل روتيني لمنع انتشار العدوى وليس لعلاج الحيوانات المريضة. لذلك، يمكن القول أن هذه الممارسات تُعد إساءة استخدام حقيقية للمضادات الحيوية.
فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن المضادات الحيوية تُعتبر معجزة طبية حقيقية، إذا جرى استخدامها عند الحاجة بالطريقة الصحيحة. لذا ينبغي على الجميع تناول المضادات الحيوية عندما يحتاجون إليها فقط، إلا أن ما يحدث في واقع الأمر أن استخدام المضادات الحيوية قد بات على نطاق واسع وبشكل متزايد.
وتستخدم الصناعة الزراعية ما يقرب من 71 في المائة من المضادات الحيوية المنتجة في الولايات المتحدة، ومن ذلك على سبيل المثال: هناك علاقة قوية بين المضادات الحيوية المستخدمة في الزراعة والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وقد تناول تقرير في عام 2000 م موضوع تفشي بكتيريا سالمونيلة (سالمونيلا) المقاومة للمضادات الحيوية الذي حدث في المملكة المتحدة. وقد جرى تتبع انتشاره في مزرعة لإنتاج الألبان حيث كان قد اُستخدم مضاد حيوي معين في الشهر السابق لحالة التفشي هذه. ووجد أن استخدام المضادات الحيوية في منتجات الألبان أدى إلى حدوث عدوى مقاومة لدى البشر.
دعت الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة، والجمعية الأمريكية للصحة العامة، والجمعية الطبية الأمريكية إلى فرض قيود كبيرة على استخدام المضادات الحيوية في إنتاج الغذاء الحيواني. كما أن كل هذه الجمعيات تدعو أيضاً إلى وضع حد لجميع الاستخدامات غير العلاجية للمضادات الحيوية في مجال الثروة الحيوانية.
وتكمن المشكلة الأخرى في أن الحيوانات يتم إطعامها نبات الذرة وغيره من الحبوب التي لديها نسبة عالية من أحماض الأوميجا 6، وهو ما أدي إلى أن هذه الحبوب تسببت في رفع معدل أحماض الأوميجا-6 إلى أوميجا-3. ولهذا السبب، تُعرف اللحوم - أي اللحوم الحمراء في المقام الأول - على أنها عامل مسبب لحدوث الالتهابات، مما يعني أنها يمكن أن تثير حدوث الالتهاب وتؤدي إلى تفاقمه داخل الأنسجة البشرية.

وفي عام 2009 م، نشر مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) التقرير الوطني الرابع المعني بتعرض الإنسان للمواد الكيميائية البيئية. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها كان قد أجرى قياساً لمعدل المواد الكيميائية في جسم الإنسان وخلصوا إلى وجود 212 مادة كيميائية في دم أو بول الأشخاص المشاركين في الدراسة. في حين أنه من ناحية أخرى، جدير بالملاحظة أنه لم تظهر بأي نسبة 75 مادة من ضمن هذه المواد على سكان الولايات المتحدة في الدراسات السابقة؛ وشملت هذه المواد الكيميائية الجديدة التي أظهرتها القياسات مادة الزرنيخ والبيسفينول A.
وتُعتبر مادة البيسفينولA (BPA) واحدة من بين السموم الأساسية الضارة بالبيئة؛ حيث أنها مادة كيميائية صناعية تُستخدم في صنع البلاستيك والراتنجات وذلك منذ فترة الستينيات، بل أنه في الغالب ما تستخدم هذه المواد البلاستيكية في صناعة الأوعية التي تُخزن بها المواد الغذائية والمشروبات التي يتناولها الإنسان، ومن ذلك على سبيل المثال: الأطعمة المعلبة وعبوات حليب الأطفال. لذلك أصبح أكثر ما يثير مخاوف المعنيين بالقطاع الصحي يتمثل في أن مادة البيسفينول A باعتبارها المادة المبطنة للعلب والزجاجات الخاصة بالأطعمة أنها من الممكن أن تتسرب إلى طعامنا.
وأظهرت نتائج الدراسات التي أجريت في المختبر أو على الكائنات الحية فيما يتعلق بمادة البيسفينول A ، فضلاً عن نتائج الدراسات الوبائية على نفس المادة عن حدوث تأثيرات سامة ومدمرة هرمونياً، ومحدث للطفرات وكذلك مسبب لمرض السرطان من هذه المادة على صحة الإنسان. وعلاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن تعرض الإنسان لـمادة البيسفينول A قد يزيد من خطورة الإصابة بفرط السمنة ومرض السكري ومرض القلب التاجي/ داء القلب الإكليلي. وأخيراً، يؤدي التحول البيولوجي لـمادة البيسيفينول A في الحيوانات والنباتات والكائنات الدقيقة (البكتيريا والفطريات والطحالب) إلى تكوين مستقلبات مختلفة تظهر أشكالًا مختلفة جراء ما في هذه المادة من مواد سامة مدمرة للخلايا البشرية.

*****
لمطالعة النص الأصلي لملخص محاضرة الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع الحوار المتمدن:

https://m.ahewar.org/enindex.asp?u=Mousab%20Kassem%20Azzawi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ