الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة القلق وسؤال الحرية في ديوان/ على استحياء: الكود الرابع بعد الألف للشاعر/ محمد عطوه قراءة أدبية من منظور نفسي

رشا الفوال
كاتبة

(Rasha El Fawal)

2021 / 3 / 10
الادب والفن


يعتبر عدد كبير من الباحثين أن القلق يتجلى بشكل سلبي في الكتابة الأدبية، في حين نرى أن القلق يعتبر محفزًا للإبداع؛ يرجع ذلك الى السياق الإجتماعي الذي يحيا فيه الكاتب ودور متغيرات الشخصية في التعامل مع أبجديات القلق، خاصة أن القلق يتسم بالإنفعال السالب بينما فعل الكتابة يُعد نشاطًا متساميًا في مواجهة القلق، ويوصف بأنه "خاصة الإنسان الأسمى في تفردها"(1)، وهناك قلة قليلة من الدراسات توصلت لوجود علاقة إيجابية بين القلق وفعل الكتابة، أو الإبداع عمومًا، اعتمادًا على كون"مرتفعي الإبداعية لديهم مستويات مرتفعة من القلق"(2)؛ فالإبداع(يختزل) القلق ولا ينفيه، باعتبار أن السعى الى(التوازن النفسي) وظيفة من وظائف هذا القلق الذي يعرف كحالة"وجدانية غير سارة، ذات طبيعة عابرة تتميز بمشاعر داخلية من الخوف والتوتر يصاحبها تحفيز أو استثارة"(3)
والقلق كــ(حالة) في ديوان"على استحياء: الكود الرابع بعد الألف" يدل على السواء النفسي؛ إذ أنه ييسر العملية الإبداعية، هُنا يمكن اعتبار(القلق الموجه-dir-eectional Anxiety ) نشاطًا معرفيًا ممتدًا بين سائر مستويات الوعي، يتجلى ذلك في إهداء القصائد إلى"كل الحالمين على استحياء بحياة شبه مكتملة"، ليبدأ الديوان ببداية يوم من الأيام بقصيدة"يسعد صباحك" وينتهي بقصيدة"تصبحي على خير"، علينا إذًا أن ندرك حقيقية القصائد وواقعيتها التي تنتمي للحياة الواعية/ والتي قد لا تكون مُرضيه على المستوى النفسي، إذ أنها غير مكتملة كما يرى، وكما سنرى أثناء التلقي، يبدأ الشاعر ديوانه بصوته(المفرد) واصفًا ذاته بالوضوح"واضح كما وشمه"/ "مجذوب ومتولي"/ "عربي على نوبي"، وواصفًا الحبيبة التي قد تكون الأرض أو الوطن"البسمة أرض خضار"، ثم ينتقل لحديث النفس عبر(المونولوج) في قصيدة"من صفحات كتاب نجوى" التي تضم سبعة مقامات هى(مقام الوصل) كبداية التاريخ المصري فيقول"يا نجوايا ياجنيه/ ياسارقاني من التواريخ/ وكاتباني على الجدران/ صور تماثيل لفرعونك"، ثم(مقام الشكوى) فيقول"أنا محني كطيف إنسان/ بيستنى الشجر يطرح فــ يتآمر، ويسرق ضلته مرة/ ويرهنها ميتين مرة لمبنى جديد على أرضي وينسى فــ حسبته فلاح/ زناتي خليفة للجازية اللي فرطاني نقط وحروف" دور السياق الإجتماعي كوسيط يتعهد القلق يدفعنا إلى تناول العلاقة بين القلق وعملية الكتابة؛ إذ لا فصل بين الذاتية والإجتماعية هنا، ثم(مقام الذكرى) فيقول"كأن يناير اتحول محطة موت/ تعيش حكاياته عن شابة خطفها الصوت لواد ميت في ماسبيرو ف عاش رسومات على الجدران/ وكانت لسه عرقانه بزحمة لحن يابلادي"، منه ينتقل الى(مقام العتاب) فيقول"عيونك دمعها كداب/ وصوتك لوحة بتزف خضار النيل/ وانا شايف مدى الرؤية بعين قنديل" ليعكس لنا القلق الذي تحول إلى حالة من النجوى فيقول" يا مين ماتكون/ ياشايل مني ومغوط في بير اللوم/ حاتهرب مني هالجألك/ وحاخد حقي من أرضك/ هانتعاتب ونتسامر ونتآمر على نجمة في عز العشق حانغني"؛ فالقلق عندما يصاحب شخصية دافعية يتجه نحو العملية الإبداعية، إذ لا يمكن أن يكون المبدع متحررًا من القلق، فينتقل الى(مقام الوجد) فيقول"أبويا قال وكان فلاح / أنا بيكي باكون أنضر/ وباتغندر وانا ماشي/ إذا مرت على عقلي تصاويرك"، في هذا المقام يمكننا اعتبار الكتابة الإبداعية عملية مركبة من عمليات نوعية عديدة، تحكمها متغيرات ترتبط بالتكوين النفسي للشاعر، ويمكننا الأخذ برأي "فرويد" الذي اعتبر الإبداع وسيلة يحقق بها الكاتب رضا متخيل لم يستطع تحقيقه في الواقع؛ لذلك يسهب في مناجاة ذاته في(مقام اليقين) فيقول" أنا كائن لمن لا يعرف السيرة/ كما جدي اللي مات مصري" وصولًا الى(مقام الشك) فيقول" ف مين قالك أنا مجنون!!/ سمعتك وانت بتقولها/ وانا باتلو عليك شِعري/ وتسأل مين قعد جنبك/ ومين نجوى اللي شغلانا/ وعامل منها أيقونه وشُغلانه"

أولًا: مجاوزة الذات لمواجهة الإبهام
لا نفصل عملية الكتابة الأدبية عن الكل النفسي للكاتب وخبراته وديناميات سلوكه وعلاقته بمجتمعه؛ فالشرط الأول لقيام الكاتب هى العلاقات، التي قد يكون القلق فيها علامة من علامات تفرد الذات؛ فالقلق والإبداع وجهان لعملة واحدة، والمبدع الذي(تتعارض) توقعاته مع(السياق الإجتماعي والثقافي) الذي يحياه تنشأ لديه القدرة على تغيير العالم بطريقة إبداعية عبر هذا التعارض، والقلق هنا يعتبر"وجهة داخلية للضبط والتقييم"(4)؛ لذلك نجد أن التردد والحيرة في اختيار توجه ما وصولًا لتحقيق الأهداف المرجوه من فعل الكتابة والذي يعرف بالتضاد بين عناصر البنية المعرفية تجلى في قصيدة"الليلة خسوف" عندما قال"إزاى مأذون من غير منديل كتبك زوجة وكتبني شهيد" وفي قصيدة"صور من كراكيب الروح" يقول"عشقاني ازاى وانا كلي ذنوب؟"/ مش لازم عيد ، السنه مرت"/ ماتقوموا نكمل أحلامنا على دكه فــ شارع متوارب على مخبز عيش"، ونلاحظ الفجوة التي صنعها القلق حيث وقع الشاعر في المنطقة الرمادية بين الرغبة في التخلص من القلق والحاجة الى تعويض عدم الإكتمال في قصيدة"آيات ما بعد العسر" فيقول"عايز تموت؟ اقبل بها كل الشروط، جسدك تابوت عاشق كفن، لونه اكتفى بالصوت يرفرف بالبكا على فص توت"، وكأن سد الفجوة يعتمد على التدابير التي برع الشاعر في اتخاذها، إلا أننا في مقابل تلك(الفجوة) نجد(الوفرة في التشتت والإنتباه)، تلك التي تحولت الى سقم نفسي عمل على تدعيم القلق فيقول"جسدك مسافر عبر روحك للتوحد بالتراب، الدنيا رحلة م البكا لحد استلامك للكتاب"، نجد أيضًا أن الإبهام أو خفوت الملامح كان له دورًا قويًا في تحريك القلق على مستوى اللغة في قصيدة"على استحياء" فيقول"كان مفروض نكون مع بعض ع الممشى/ لكن إرادتنا خانتنا/ فــ متنا فــ بعض وبعدنا على استحياء" فتكون(المواءمة) في الإبهام هى الحل الأمثل للتخلص من قلق اللحظات فيقول"أنا لا رفضت أحلامك ولا دست العشم قراريط بتوب أبيض"؛ فالإبهام أو عدم وضوح أجزاء المجال دفع الشاعر الى حالة من التوتر تهدف الى تحقيق التوازن، المجاوزة النفسية هُنا تعبر عن الرغبة في الإرتفاع على القلق من أجل اختزاله

ثانيًا: سؤال الحرية ومستويات الوعى
انطلاقًا من كون العلاقة بين القلق والإبداع علاقة منحنية؛ فالمقصود من هذة القراءة محاولة رصد ماتحلى به الشاعر من قلق، أو من الإستثارة؛ فالمواقف الإجتماعية التي تم كشفها من خلال القصائد لم تخل من التهديد والإزعاج، فعل الكتابة هنا يعتبر محاولة من محاولات الخروج عن المألوف عبر القلق، ذلك أن السياق المجتمعي يريد الإبداع ويكبحه في نفس الوقت، والقلق يعتبر آلية لاختزال ذلك التضاد عن طريق(الضبط) و(الإنتقاء) وصولًا الى(الإعلاء)، يتضح ذلك في قصيدة"من يوميات دفتر سيرة أحوال" فيقول"الشارع كان ساكت هس/ كان الشارع حاسس إني باسبح جوا عنيكي وباحلم/ فجأة الشارع كله اتغير/ أرجع تاني لنفس الشارع/ والعب بعد الناس ماتسلم شبابيك بيتها/ نفس اللعبة ونفس الدور"(الكبت الإبداعي) هنا وظيفي يشابه إلى حد كبير فكرة(التخمر) كمرحلة من مراحل الإبداع وحضور(الآخر) الإجتماعي في القصائد ينم عن درجات متفاوتة من الوعى الإبداعي؛ ذلك الوعى الذي جعل الجماعة السيكولوجية تتحول الى(رموز) وتوقعات، فيقول" الجميز اصطاد عصفور/ بيحرضه يكتب منشور/ ع الضلة اللي بتستر عرضي"، ويقول في قصيدة"بنت استخارت ربها" " اتنين تلاته بيركبوا المراجيح وبيعلنوا ثورة" الإبداع هنا يعتبر بمثابة توظيف إنساني للقلق من خلال الحركة المرنة بين التوازن النفسي وعدم التوازن، والكتابة تصف عملية إنسانية تتضمن حاجات قوية، فإذا"شعر الكاتب بالتعارض بين قيمه والقيم السائدة في السياق الإجتماعي يبدأ القلق"(5)، يدلل الشاعر على ذلك عندما يقول في قصيدة"مجرى العيون": " نُص اللي عشته كان قلق/ والباقي حبة ذكريات أو قول وجوه/ عاشوا فــ عيوني وعشتهم ثم ارتحلت"، ليبدأ(سؤال الحرية) القائم على(الإمتلاء) لمواجهة(هلع العزلة) فيقول في قصيدة"محمد دياب" " أنا كنت م الركاب ونزلت من بدري، يا مأمنين الثغر والله ما أدري، هو اللي خان يونس ولا الحيتان فاجرة؟"، ويقول في قصيدة"مجرى العيون" " كم حد عشته وعشت فيه، وفــ وسط جلمه كح مات، شفت فــ عزاه نفسي وانا نايم مسجى ع الورق أو ع البساط أو فوق وتحت المغسلة"، ويقول في قصيدة"من يوميات دفتر سيرة أحوال" "ليه الأرض دى بايعه صباحها بتعميرة ومزة لسفروت؟" ويقول في قصيدة" من ملفات الجراب والمحارب" "مين يقول الشاري أشطر م اللي بعد الفوضى هلل ثم نام؟/ شايل العزلة فــ مشنه"، وتبدأ مفردات(الإستقلال) لمواجهة(هلع العجز) فيقول في قصيدة"خللي راس الحلم فوق" "خللي طوبك كله أديا ولا شناوي لجدارك لو تعللي / عتبة راسية فــ حضن دارك تبقى حصن"، حتي يُنهي الشاعر مناجاته لذاته من خلال(المجاوزة) لمواجهة(جزع العدم) عبر المفردات الحسية فيقول في قصيدة" تصبحي على خير": " مسكون الليلة بصوتك/ مسكون الليلة بحس مشاعرك/ مسكون الليلة بقربك/ مسكون الليلة بحضنك/ مسكون الليلة بلمسة إيدك/ مسكون الللية بشوقي المتغاظ من عقلي/ مسكون الليلة بروحك"؛ ذلك أن الأنا السوية عنصر مهم في الإبداع، و(مجاوزة الذات) سر من أسرار قلق الشاعر الذي صاغه في قصائد اتسمت بمفرداتها الحسية، والتي رغم اعتمادها على نقاء الطبيعة وطهارتها أصرت على اختزال القلق في شكل أسئلة تكررت من أجل استثارة وعى المتلقي ودفعه لحالة من(التسامي) وصولًا للتوازن النفسي المنشود كمهمة من مهام العملية الإبداعية وتحقيقًا لآثارها في النفس التي أتعبها تعدد الرؤى وتناثر السياقات

المراجع:
1_ سيد عثمان(2000)، "الذاتية الناضجة: مقالات في ما وراء المنهج"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، صــ219
2_ Carlsson, I.(2002). Anxiety and Flexibility of defense related to high´-or-low Creativity, Creativity Research Journal,14(3&4) 341
3_ Kokotsaki, D.,& Davidson, J.W.(2003) Investigating musical performance anxiety among music college singing students: A quantitative analysis, Music Education Research, 5(1), 45
4_ William, K.(1986). The effects of state and trait anxiety on creativity. Doctoral dissertation, Hofstra University.
5_ Middents, G. J.(1970). The relation of Creativity and anxiety. Journal of Religion and Health, 9(3). 260








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا