الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان: مقدّمة موجزة

حيدر جليل خلف

2021 / 3 / 10
حقوق الانسان


مقدّمة
تُشكِّل حقوق الإنسان مجموعة من القواعد التي تحكم معاملة الأفراد والجّماعات من قبل الدّول والجّهات الفاعلة غير الحكومية على أساس المبادئ الأخلاقية فيما يتعلّق بما يعتبره المجتمع أساسيًا للحياة الكريمة، وتمَّ دمج هذه المعايير في النظم القانونية الوطنية والدّولية، والتي تُحدِّد الآليات والإجراءات لمساءلة المكلَّفين بالمسؤولية وتوفير الإنصاف للضّحايا المزعومين لانتهاكات حقوق الإنسان.
بعد مناقشة وجيزة لاستخدام حقوق الإنسان في الخطاب الأخلاقي والقانوني والمناصرة وبعض الخلفية التاريخية لمفهوم حقوق الإنسان، سوف يبحث هذا المقال في التوتّرات بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة، والتحدّيات التي تواجه عالمية حقوق الإنسان، وتعداد الحقوق المعترف بها من قبل المجتمع الدّولي، والوسائل المتاحة لترجمة التطلُّعات السّامية لحقوق الإنسان إلى واقعٍ ملموس.

حقوق الإنسان في الأخلاق والقانون والنشاط الاجتماعي
هناك العديد من المناقشات النظرية حول أصول ونطاق وأهمية حقوق الإنسان في العلوم السّياسية والفلسفة الأخلاقية والفقه، وبشكلٍ تقريبي، فإنَّ التذرُّع بمصطلح "حقوق الإنسان" الذي يُشار إليه غالبًا باسم "خطاب حقوق الإنسان" أو "حديث حقوق الإنسان"، يستند إلى التفكير الأخلاقي (الخطاب الأخلاقي)، أو الأعراف المسموح بها اجتماعيًا (الخطاب القانوني أو السياسي) أو الاجتماعية التعبوية (خطاب المناصرة)، وهذه الأنواع الثلاثة من الخطاب ليست بأي حال من الأحوال بديلة أو متسلسلة ولكنَّها تُستخدم جميعًا في سياقات مختلفة، اعتمادًا على من يتذرَّع بخطاب حقوق الإنسان، ومن يتوجَّه إلى مطالبهم، وما يتوقّعون تحقيقه من خلال القيام بذلك، وترتبط هذه الأنواع الثلاثة للخطاب ببعضها البعض بمعنى أنَّ التفكير العام القائم على الحُجج الأخلاقية والتعبئة الاجتماعية القائمة على أجندات المناصرة تؤثِّر على المعايير والعمليات والمؤسَّسات القانونية، وبالتالي فإنَّ أنماط الخطاب الثلاثة تًساهم في أن تصبح حقوق الإنسان جزءًا من الواقع الاجتماعي.

حقوق الإنسان كاهتمامات أخلاقية
تشترك حقوق الإنسان في الاهتمام الأخلاقي بالمعاملة العادلة، المبنية على التعاطف أو الإيثار في السِّلوك البشري ومفاهيم العدالة في الفلسفة، ويَعتبر الفيلسوف والخبير الاقتصادي أمارتيا صن أنَّ "حقوق الإنسان يُمكن اعتبارها مطالب أخلاقية في المقام الأول، مثل الادِّعاءات الأخلاقية الأخرى التي تتطلب القبول، وهناك افتراض ضمني في إصدار تصريحات بشأن حقوق الإنسان بأنَّ الادِّعاءات الأخلاقية الأساسية ستبقى مفتوحة ومستنيرة في التفكير الأخلاقي"، لذا فإنَّ تعبير "حقوق الإنسان" هو غالبًا ما لا يتمُّ تمييزه عن المفهوم الأكثر عمومية للحقوق، على الرغم من أنَّ "الحق" في القانون يُشير إلى أي استحقاق يحميه القانون، قد تكون صحته أو شرعيته منفصلة عن وضعه القانوني باعتباره استحقاقًا، ويمكن أن يعتمد الأساس الأخلاقي للحق على مفاهيم مثل القانون الطبيعي، والعقد الاجتماعي، والعدالة كإنصاف، والمعاقبة، وغيرها من نظريات العدالة، وفي كل هذه التقاليد الفلسفية، يُنظر إلى الحق على أنَّه استحقاق للأفراد، إمّا بحكم كونهم بشرًا أو لأنَّهم أعضاء في مجتمع سياسي (مواطنون).

ومع ذلك، وبموجب القانون، فإنَّ الحق هو أي مصلحة محمية قانونًا، بغض النظر عن العواقب الاجتماعية لإنفاذ الحق على رفاهية الأشخاص بخلاف صاحب الحق على سبيل المثال، حق الملكية لمالك العقار في إخلاء المستأجر، والحق من الأعمال لكسب الأرباح، ولتجنب الالتباس، من المفيد استخدام مصطلح "حقوق الإنسان" أو ما يعادله "حق أساسي"، "حرية أساسية"، "حق دستوري"، للإشارة إلى حق ترتيب أعلى، مُعرَّف بشكلٍ رسمي ويحمل التوقّع بأنَّ لديه ذات طابع قطعي وبالتالي تسود على الحقوق (العادية) الأخرى وتعكس القيم الأساسية للمجتمع الذي يتبناه.

تُحدِّد التعاليم الأخلاقية والدِّينية ما يرغب المرء في قبوله باعتباره حقًا من حقوق الإنسان، وعادة ما يتمُّ التذرّع بمثل هذه المبادئ في المناقشات حول القضايا الحالية مثل الإجهاض، وعقوبة الإعدام، والهجرة، مثلما كانت حال العبودية وعدم المساواة على أساس الطبقة أو الجنس أو العرق في الماضي. وقد اشتق فلاسفة التنوير مركزية الفرد من نظرياتهم عن حالة الطبيعة، وقام المتعاقدون الاجتماعيون، وخاصة جان جاك روسو، بتكريس سلطة الدَّولة على قدرتها على تحقيق التمتُّع الأمثل بالحقوق الطبيعية، أي الحقوق المتأصِّلة في كل فرد بغض النظر عن المولد أو الوضع، لقد كتب في مقال عن أصل اللاّمساواة بين الرّجال أنّه "يتعارض بوضوح مع قانون الطبيعة، وإن القلّة المتميِّزة يجب أن تنغمس في الفائض، في حين أنّ جموع الجائعين بحاجة إلى ضرورات الحياة".

كان من المهم التركيز على مفهوم الفرد العالمي ضمن منظمة "حقوق الإنسان"، وقد كان هذا هو الذي انعكس في التفكير السِّياسي لإيمانويل كانط وجون لوك وتوماس باين ومؤلِّفي إعلان الاستقلال الأمريكي (1776) والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن (1789). ويمثل التنوير بالنسبة للغرب تأكيدًا للمنهج العلمي مع الإيمان المرتبط بالتقدُّم البشري وصياغة حقوق الإنسان، والتي تحدِّد الحرِّية والمساواة التي تمَّ الحكم على شرعية الحكومات الحديثة على أساسها من الآن فصاعدًا، وقد شكَّك كارل ماركس والكثير من المفكرين الاشتراكيين في الطابع "البرجوازي" للتفسير المحدود لحقوق الإنسان الفردية وشدَّد على مصالح المجتمع وقيم المساواة.

تمَّ تعريف الأساس الأخلاقي لحقوق الإنسان باستخدام مفاهيم مثل ازدهار الإنسان والكرامة والواجبات تجاه الأسرة والمجتمع والحقوق الطبيعية والحرّية الفردية والعدالة الاجتماعية ضدَّ الاستغلال على أساس الجِّنس أو الطبقة أو المستوى، وكل هذه الحجج الأخلاقية لحقوق الإنسان هي جزء من الخطاب الأخلاقي، وكان التوتر بين الليبرالية السياسية والمساواة الديمقراطية، بين لوك وروسو، بين الحرَّية والمساواة، بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، جزءًا من الغموض الفلسفي والسّياسي لحقوق الإنسان منذ بداية العصر الحديث.

أمَّا إذا كان خطاب حقوق الإنسان أخلاقيًا وفلسفيًا بشكلٍ أساسي أو بالأحرى قانونيًا وسياسيًا بشكلٍ أساسي، فهذه مسألة خلافية أخرى. يكتب صن، "على الرغم من أنَّ حقوق الإنسان يمكن أن تُلهم التشريع، وغالبًا ما تفعل ذلك، فإنَّ هذه حقيقة واضحة، وليست سمة أساسية لحقوق الإنسان"، ممّا يعني ضمناً قيمة متأصِّلة لمفهوم حقوق الإنسان، بغض النظر عمّا تمَّ تأسيسه في القانون، وقد يختلف الوضعيون القانونيون ويعتبرون القانون تأسيسيًا وليس إعلانًا لحقوق الإنسان.

حقوق الإنسان كحقوق قانونية (القانون الوضعي التقليدي)
ينظر "الوضعيون القانونيون" إلى حقوق الإنسان على أنَّها ناتجة عن عملية رسمية لوضع القواعد والمعايير، والتي نعني بها صياغة رسمية للقواعد التي يُحكم بموجبها المجتمع الوطني أو الدولي، في حين أنَّ "الحقوق الطبيعية" مستمدة من النظام الطبيعي أو الأصل الإلهي، وهي حقوق غير قابلة للتصرُّف وغير قابلة للتغيير ومطلقة، يتمُّ الاعتراف بالحقوق القائمة على "القانون الوضعي" من خلال عملية سياسية وقانونية تؤدِّي إلى إعلان أو قانون أو معاهدة أو معيار آخر أداة، وقد تختلف هذه بمرور الوقت وتخضع للاستثناءات أو القيود المصمَّمة لتحسين احترام حقوق الإنسان بدلاً من فرض معيار مطلق، ليصبحون جزءًا من النظام الاجتماعي عندما تعلنهم هيئة موثوقة، ويصلون إلى درجة أعلى من العالمية على أساس مشاركة كل أمة تقريبًا في عملية وضع القواعد، وهي عملية قائمة على القانون ولكنَّها تعكس التسوية التاريخية والتحوّلات التي ربما غفلت عن التفكير في المقبول الأخلاقي والقانوني للعبودية أو التعذيب أو التمييز الجنسي والعنصري على مدار معظم تاريخ البشرية.

إنَّ نتاج ما نجا من "التدقيق المفتوح والمستنير(حسب أمارتيا صن) لا يوجد في كثير من الأحيان في المجلات والندوات حول الأخلاق والنظرية المعيارية بل في نهاية العملية السياسية أو التشريعية التي أدَّت إلى اعتماد القوانين والمعاهدات المتعلِّقة بحقوق الإنسان، مثل الإلغاء الحديث نسبيًا للرِّق والتعذيب والتمييز على أساس العرق أو الجنس.

إنَّ "الشرعة الدّولية لحقوق الإنسان" تتألف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) لعام 1948، ومعاهدتين مُلزمتين قانونًا، فُتح باب التوقيع عليهما في عام 1966، وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب المعاهدات الإنسانية الأخرى، مثل معاهدات حقوق الإنسان للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، تشكِّل المصادر الأساسية والنقاط المرجعية لما ينتمي بشكلٍ صحيح إلى فئة حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان كمطالبات اجتماعية
قبل كتابتها في نصوص قانونية، غالبًا ما تنبثق حقوق الإنسان من ادِّعاءات الأشخاص الذين يعانون من الظلم، وبالتالي فهي تستند إلى المشاعر الأخلاقية، التي تُحدُّدها ثقافيًا أنظمة المعتقدات الأخلاقية والدينية السّياقية، ومعروف أنَّ الثورة على الاستبداد تقليد قديم وليس حديث العهد، وكانت من إحدى المبادرات الشهيرة للتعبئة الاجتماعية من أجل حقوق الإنسان هي الرد على الإدانة الجائرة للكابتن دريفوس في عام 1894 كجاسوس للألمان، مما دفع إميل زولا إلى الإعلان في كتابه الشهير أو مقاله "أنا اتهم J Accuse" نداء حماسي للعمل أدَّى إلى إنشاء (الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان Ligue française des droits de l homme) في عام 1897، والعديد من الاتِّحادات المماثلة التي أصبحت فيدرالية عام 1922 في الاتِّحاد الدَّولي لرابطات حقوق الإنسان (الآن يُعرف بالاتحاد الدولي لحقوق الإنسان)، التي ولدت نظيرتها في الولايات المتَّحدة عام 1942، الرابطة الدولية لحقوق الإنسان ، التي تعمل الآن في نيويورك باسم الرابطة الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدّولية (تأسَّست عام 1961)، ولجنة حقوق الإنسان في موسكو (تأسَّست عام 1970)، وهلسنكي ووتش (تأسَّست عام 1978 وتوسَّعت إلى منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 1988) وكانت من بين المنظمات غير الحكومية الأكثر فعالية، وشهدت أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا إنشاء مجموعة غير عادية من جماعات حقوق الإنسان في الثمانينيات والتسعينيات، والتي انتشرت بعد نهاية الحرب الباردة.

ظهرت هذه المنظمات غير الحكومية كحركات اجتماعية حفَّزها الغضب من سوء معاملة السّجناء، واستغلال العمال، وإقصاء النساء والأطفال، والأشخاص ذوي الإعاقة، أو كجزءٍ من النضال ضدَّ العبودية، والنظام الطبقي، والاستعمار، والفصل العنصري، أو العولمة المفترسة، وغالبًا ما تتذرَّع حركات التغيير الاجتماعي هذه بحقوق الإنسان كأساسٍ لمناصرتها، وإذا كانت النظريات السَّائدة للفلسفة الأخلاقية أو القوانين الموجودة لحقوق الإنسان لا تعالج مخاوفهم، فإنَّ عملهم موجَّه نحو تغيير النظرية والصيغ القانونية، ولم تساهم المنظمات غير الحكومية في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فحسب، بل ساهمت أيضًا في إسقاط الفصل العنصري وتحويل التكوين السياسي والقانوني لشرق ووسط أوروبا واستعادة الديمقراطية في أمريكا اللاتينية منتصف القرن العشرين فيما يتعلق بحق تقرير المصير للشعوب، ومنع التعذيب والمعاقبة عليه، وحماية الفئات الضعيفة، ومؤخرًا، المعاملة المتساوية للأقليات الجنسية وحماية المهاجرين.

إنَّ الدعوة إلى حقوق الإنسان في خطاب المناصرة هذا لا تقل شرعية عن الأنماط القانونية والفلسفية للإعلان وغالبًا ما تكون مصدر إلهام للأخيرة، ونقلاً عن أمارتيا صن مرَّة أخرى، حيث يقول "إنَّ التذرّع بحقوق الإنسان يأتي في الغالب من أولئك الذين يهتمون بتغيير العالم بدلاً من تفسيره، والجاذبية الهائلة لفكرة حقوق الإنسان قدمت الرَّاحة لأولئك الذين يعانون القمع الشّديد أو البؤس الشَّديد، دون الحاجة إلى انتظار تنقية الهواء".

أعرب الدبلوماسي البريطاني السابق وأستاذ القانون فيليب ألوت عن الإمكانات التحويلية لحقوق الإنسان عندما وجد أنَّ هناك مجالاً للتفاؤل على أساسين، الأول يتمثل في ضرورة وأهمية التفكير في فكرة حقوق الإنسان كفكرة لا يمكن إغفالها ولا يمكن الاستغناء عنها، وقد يمكن استبدالها لكن ليس إلا بفكرة تحتويها وتتفوَّق عليها وتُعطي نتائج أفضل منها، أمّا الأساس الثاني فيرتكز على فكرة أنَّ هناك أفراد عنيدون ومجتمعات غير حكومية نشاطها واضح وله أثر كبير وهم يمثلون فكرة حقوق الإنسان ويدعون لها بوضوح رغم أنَّهم ليسوا جزءًا من العلاقات الدَّولية ولكنَّهم بالتأكيد جزء من عملية جديدة لتشكيل الواقع الدولي الضاغط، ويُؤكد أنَّ فكرة حقوق الإنسان هذه أو رمزيتها يجب أمَّا أن تخيف الحكومات وتُغيِّر الواقع أو أنَّها لا تساوي شيئًا، وإذا كانت فكرة حقوق الإنسان تُطمئن الحكومات، فهي أسوأ من لا شيء، وباختصار، إنَّ قوَّة الحركات الاجتماعية المستوحاة من حقوق الإنسان لا تثري مفهوم حقوق الإنسان فحسب، بل تُساهم أيضًا في تغيير المجتمع الدَّولي.

معالم تاريخية
يمكن رؤية السِّياق التاريخي لحقوق الإنسان من مجموعة واسعة من وجهات النظر، وفي ظل خطر المبالغة في التبسيط، سأذكر أربعة مناهج لتاريخ حقوق الإنسان.
يتتبَّع النهج الأول الأصول الأعمق للمفاهيم الدينية والفلسفية القديمة عن التعاطف والإحسان والعدالة والقيمة الفردية واحترام جميع أشكال الحياة الموجودة في الهندوسية واليهودية والبوذية والكونفوشيوسية والمسيحية والإسلام، وتوجد بوادر لإعلانات حقوق الإنسان في قوانين حمورابي القديمة في بابل (حوالي 1772 قبل الميلاد)، وميثاق كورش الكبير في بلاد فارس (حوالي 535 قبل الميلاد)، ومراسيم أشوكا في الهند (حوالي 250 قبل الميلاد)، والقواعد والتقاليد من أفريقيا ما قبل الاستعمار وأمريكا ما قبل الكولومبية.

يتتبَّع آخرون حقوق الإنسان الحديثة إلى ظهور نظريات القانون الطبيعي في اليونان القديمة وروما واللاهوت المسيحي في العصور الوسطى، وبلغت ذروتها في التمرّدات في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، وفلاسفة التنوير والإعلانات التي أطلقت الفرنسية والأمريكية الثورات، جنبًا إلى جنب مع تحرّكات القرن التاسع عشر ومطالبات حقوق العمال وحركات منح المرأة حقَّ التصويت.

الاتِّجاه الثالث هو تتبُّع حقوق الإنسان حتى تنصيبها في ميثاق الأمم المتَّحدة لعام 1945، كرد فعل على الهولوكوست والاعتماد على الحرِّيات الأربع للرئيس روزفلت وتأثير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على الدساتير الوطنية والسِّياسات الخارجية اللاحقة والمعاهدات والإعلانات الدّولية.

وجهة النظر الرابعة هي التاريخ التعديلي الحديث للغاية الذي يعتبر حقوق الإنسان هامشية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وهي مهمَّة فقط كنموذج مثالي وحركة بدأت في السبعينيات كبديل للمناخ الأيديولوجي السائد.

يرجع الكثير من الدراسين، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، إلى نظرية وممارسة حقوق الإنسان الحديثة من عصر التنوير والتأثير التحويلي للثورتين الفرنسية والأمريكية في القرن الثامن عشر وتحرير الشعوب المقهورة من العبودية والهيمنة الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأكَّد لين هانت في مقال بعنوان "الأصول الثورية لحقوق الإنسان" أنَّه نشأت معظم النقاشات حول الحقوق في القرن الثامن عشر، ولم تكن هناك نقاشات أكثر وضوحًا أو إثارة للانقسام أو تأثيرًا في أيِّ مكان ممَّا كانت عليه في فرنسا الثورية في تسعينيات القرن التاسع عشر، وظلَّت الإجابات التي أُعطيت بعد ذلك عن معظم الأسئلة الأساسية حول الحقوق مناسبة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، واتَّبع واضعو إعلان الأمم المتَّحدة لعام 1948 عن كثب النموذج الذي وضعه الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لعام 1789، بينما استبدلوا مفردة "Human" بمفردة "Man" الأكثر غموضًا.

وتعليقًا على انفصال الثورة الفرنسية عن الماضي، كتب يورغن هابرماس أنَّ هذا "الوعي الثوري وَلَّد عقلية جديدة، تشكَّلت من خلال وعي زمني جديد، ومفهوم جديد للممارسة السياسية، ومفهوم جديد للشرعية"، على الرغم من أنَّ الأمر استغرق أكثر من قرن بعد الثورة الفرنسية لتشمل هذه العقلية الجديدة النساء والأشخاص الخاضعين للعبودية، فإنَّ الوعي بأنَّ "حقوق الإنسان" يجب أن تمتد لتشمل جميع البشر قد جادل بقوَّة في نفس الفترة من قبل ماري ولستونكريفت للدفاع عن حقوق المرأة، ومن قبل جمعية إلغاء تجارة الرَّقيق، التي تأسَّست عام 1783.

كان تقييم كل فرد من خلال الحقوق الطبيعية قطيعة مع التحديد السَّابق للحقوق والواجبات على أساس التسلسل الهرمي والوضع، وترقَّت مفاهيم التقدَّم البشري وحقوق الإنسان في القرن التاسع عشر، عندما غيَّرت الرَّأسمالية والثورة الصناعية الاقتصاد العالمي وولّدتا ثروة هائلة على حساب الشعوب المستعمرة والعمال المضطهدين، تقدَّمت حقوق الإنسان ولكن بشكلٍ رئيسي للذكور المالكين في المجتمعات الغربية، ومنذ القرن التاسع عشر، تقدَّمت حقوق الإنسان للشعوب المستعمرة السابقة، والنساء، والأقليات المستبعدة، والعمال، لكنَّ الفجوة لا تزال قائمة بين نظرية حقوق الإنسان التي تنتمي إلى الجميع، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللغة أو الدِّين أو الرَّأي السياسي أو غيره، والأصل القومي أو الاجتماعي، والطبقة الاجتماعية، والملكية، والميلاد أو أي وضعٍ آخر، وواقع عدم المساواة والتمييز.

كانت الحرب العالمية الثانية الحدث الحاسم لتدويل حقوق الإنسان، وفي عام 1940، كتب هربرت جورج ويلز H.G Wells مقال حقوق الإنسان أو ما الذي نكافح من أجله؟ وأعلن روزفلت عن "الحرِّيات الأربع" (حرية الكلام والعبادة والحرِّية من العوز والخوف) في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1941؛ ونصَّ ميثاق الأمم المتَّحدة في عام 1945 على التزام جميع الأعضاء باحترام حقوق الإنسان ومراعاتها، وأنشأ لجنة دائمة لتعزيز إعمالها؛ حدَّدت محاكمة الأطباء النازيين مبادئ أخلاقيات علم الأحياء التي تمَّ تدوينها في قانون نورمبرغ في عام 1946؛ ومحاكمات نورمبرغ في 1945-1946، من بين 24 من أهم القادة الأسرى في ألمانيا النازية، حدَّدت المسؤولية الجنائية الفردية عن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان. وكان لكل من هذه الأحداث المرتبطة بالحرب العالمية الثانية تداعيات كبيرة على حقوق الإنسان اليوم، وفي أعقاب الحرب مباشرة، تمَّ اعتماد النصوص الأساسية لحقوق الإنسان: اتفاقية الإبادة الجماعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، واتفاقيات جنيف في عام 1949 بشأن حماية ضحايا النزاع المسلح، تليها في عام 1966 العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان، وعشرات من نصوص حقوق الإنسان الأمميَّة والإقليمية حول قضايا مثل التعذيب وحقوق الطفل والأقلِّيات والتمييز ضدَّ المرأة وحقوق الإعاقة، إلى جانب إنشاء إجراءات التحقيق والمساءلة على المستوى الحكومي الدولي، وعادت المسؤولية الجنائية الفردية عن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان للظهور - بعد توقف الحرب الباردة - في المحاكم المخصَّصة لرواندا ويوغوسلافيا السَّابقة وأخيراً في المحكمة الجنائية الدولية.

التوترات والخلافات حول حقوق الإنسان اليوم
لفهم كيف أنَّ حقوق الإنسان هي جزء من الأجندة العالمية، علينا أن نسأل: (أ) لماذا تقبل الدول حتى فكرة التزامات حقوق الإنسان عندما يفترض أن تكون ذات سيادة، وبالتالي تفعل ما تريد داخل أراضيها؟ ثم نستكشف (ب) ما هي القائمة الحالية لحقوق الإنسان المقبولة عمومًا؟ قبل أن نسأل (ج) ما إذا كانت تتوافق مع القيم الأساسية لجميع المجتمعات أم أنَّها مفروضة من الخارج لأسباب أيديولوجية؟ وأخيرًا، سوف نفحص (د) كيف تحوّلوا من قول إلى فعل، من طموح إلى ممارسة؟

أ- لماذا تقبل الدول ذات السِّيادة التزامات حقوق الإنسان؟
مبدأ سيادة الدَّولة يعني أنَّه لا يمكن لدولة أخرى أو منظمة دولية التدخُّل في عمل الدَّولة لتبنِّي وتفسير وفرض قوانينها في نطاق سلطتها القضائية، هل مبدأ عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول يعني أنَّها حرَّة في انتهاك حقوق الإنسان؟ إلى جانب مبدأ عدم التدخُّل، عند الانضمام إلى الأمم المتَّحدة، تعهدت الدول نفسها "باتخاذ إجراءات مشتركة ومنفصلة بالتعاون مع المنظمة لتحقيق الأغراض المنصوص عليها في المادة 55"، والتي تشمل تعزيز "الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحرِّيات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدِّين".

لذلك، فإنَّ سيادة الدَّولة متوازنة مع الاهتمام المشروع للمجتمع الدَّولي بحقوق الإنسان في جميع البلدان، وتختلف طريقة تفسير هذا التوازن باختلاف نظريات العلاقات الدولية، بالنسبة لأولئك الذين ينتمون إلى المدرسة الواقعية (وهي نظريَّة تركِّز على الحكومات باعتبارها جهات فاعلة مستقلة وذات سيادة في الشؤون الدولية، وتسعى لتحقيق مصالحها الوطنية من خلال إبراز القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، دون قيود من أيِّ سلطةٍ عليا أو حكومة عالمية)، فنادرًا ما تخضع البلدان لأي قيد للسماح بفحص دولي لأدائها في مجال حقوق الإنسان، وبالنسبة لليبراليين الأمميين، فإنَّ المؤسَّسات والقيم العالمية، مثل حقوق الإنسان، فإنَّ لها أهمية أكبر، على الرغم من أنَّ النظام الدَّولي لا يزال قائمًا على سيادة الدَّولة، وتعلِّق النظريات الوظيفية أهمية على الاتحاد السياسي التدريجي، بدءًا من التعاون الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة من خلال المنظمات الإقليمية، ومع نمو شبكات الاعتماد المتبادل هذه، تنتقل السُّلطة السِّيادية إلى المؤسَّسات الدولية، في ظل النظرية البنائية للعلاقات الدَّولية، تحدِّد الأفكار، مثل حقوق الإنسان، الهيكل الدولي، والذي بدوره يُحدّد مصالح وهُويات الدّول، وبالتالي، يمكن للأعراف الاجتماعية مثل حقوق الإنسان، بدلاً من الأمن القومي، تشكيل السِّياسة الخارجية وتغييرها تدريجياً. باختصار، كما يجادل ريتشارد فولك وآخرون، أفسحت السِّيادة المطلقة المجال لمفهوم "السيادة المسؤولة"، والتي بموجبها تكون السِّيادة مشروطة بالتزام الدَّولة الواضح بمعايير حقوق الإنسان الدنيا والقدرة على حماية مواطنيها.

تعمل هذه النظريات الواقعية والليبرالية الدولية والوظيفية والبنائية على طول سلسلة متصلة من المقاربات التي تتمحور حول الدولة في أحد طرفيها (حيث تسود المصالح الوطنية على أي دعوة لحقوق الإنسان العالمية)، إلى الكوزموبوليتانية في الطرف الآخر (حيث الهوية مع الحقوق المتساوية لجميع الناس يجب أن تخضع لسيادة الدولة)، ومن الناحية العملية، فقد قبلت الدّول الالتزامات باحترام وتعزيز حقوق الإنسان بموجب ميثاق الأمم المتَّحدة ومختلف معاهدات حقوق الإنسان، مهما كانت دوافعها، ونتيجة لذلك، ظهر نظام أصبحت فيه حقوق الإنسان تدريجياً جزءًا من المعايير المقبولة في سلوك الدولة، رغم أنَّ هذا التوجُّه يعمل بشكلٍ فعال في بعض المجالات وأقل من ذلك في مجالات أخرى، ولفهم هذه الظاهرة، من المفيد جدا فحص المجموعة القادمة من معايير حقوق الإنسان المعترف بها.

ب- كيف نعرف الحقوق المعترف بها على أنَّها حقوق إنسان؟
في حين أنَّه من المشروع الاعتماد على الحُجج الفلسفية أو أجندات النشطاء للمطالبة بأيِّ قضية اجتماعية عالمية كحق من حقوق الإنسان، فمن المفيد أيضًا تحديد الحقوق المعترف بها رسميًا على هذا النحو. يوجد المصدر الأكثر موثوقية للمحتوى الأساسي لحقوق الإنسان الدولية في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والتي تعدِّد ما يقرب من خمسين اقتراحًا معياريًا بُنيت عليها وثائق إضافية لحقوق الإنسان، وَسَّعَت عشرات المعاهدات الإقليمية ومعاهدات الأمم المتَّحدة من نطاق حقوق الإنسان المعترف بها، بما في ذلك المجالات المتخصَّصة مثل حماية ضحايا النزاعات المسلّحة والعمال واللاجئين والمشرَّدين والأشخاص ذوي الإعاقة.

تُعدِّد الشّرعة الدّولية لحقوق الإنسان خمسة حقوق جماعية، وأربعة وعشرين حقًا مدنيًا وسياسيًا (CPR)، وأربعة عشر حقًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا (ESCR)، كما أنَّها تُحدِّد سبعة مبادئ تشرح كيفية تطبيق الحقوق وتفسيرها.

تشمل الحقوق الجماعية المدرجة في الشرعة الدّولية لحقوق الإنسان حقين للشعوب (تقرير المصير والسَّيادة الدّائمة على الموارد الطبيعية) وثلاثة حقوق للأقليات العرقية والدينية واللغوية (أي الحق في التمتُّع بثقافته الخاصَّة، وممارسة دينه، واستخدامه لغته).

وتشمل الحقوق المدنية والسِّياسية خمسة حقوق تتعلَّق بالسَّلامة الجَّسدية (الحق في الحياة، التحرُّر من التَّعذيب، التحرُّر من العبودية، التحرُّر من الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، والحق في المعاملة الإنسانية أثناء الاحتجاز). وتتعلَّق خمسة حقوق أخرى باستقلالية الفرد في الفكر والعمل (أي حرِّية التنقل والإقامة؛ حظر طرد الأجانب؛ حرُّية الفكر والضّمير والمعتقد الديني؛ حرية التعبير؛ والحق في الخصوصيّة). وتتعلّق أربعة حقوق أخرى بإقامة العدل (عدم السجن بسبب الديون؛ المحاكمة العادلة - التي تم تعداد 16 حقًا إضافيًا لها - والحق في الشخصية بموجب القانون؛ والحق في المساواة أمام القانون). وهناك ستة حقوق مدنية وسياسية أخرى تتعلَّق بالمشاركة في المجتمع المدني (حرّية التجمّع؛ حرّية تكوين الجمعيات؛ الحق في الزواج وتأسيس أسرة؛ حقوق الأطفال؛ الحق في ممارسة دين؛ و- كاستثناء لحرية التعبير- تشكل حظر الدعاية الحربية وخطاب التحريض على الكراهية). والمجموعة الفرعية الأخيرة من هذه الحقوق هي الأربعة المتعلِّقة بالمشاركة السِّياسية (أي الحق في تقلد المناصب العامة؛ التصويت في انتخابات حرَّة؛ الترشّح لمنصب؛ والمساواة في الوصول إلى الخدمة العامة).

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المُعاد تأكيدها في الشَّرعة الدَّولية لحقوق الإنسان تشمل أربعة حقوق للعمال (الحق في كسب العيش من خلال العمل الذي يتم اختياره وقبوله بحرِّية؛ الحق في ظروف عمل عادلة ومواتية؛ الحق في تكوين النقابات العمالية، والحق في الإضراب). وتتعلَّق أربعة أخرى بالحماية الاجتماعية (الضمان الاجتماعي، ومساعدة الأسرة والأمهات والأطفال، ومستوى المعيشة اللائق، بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن، وأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية). أمَّا الحقوق المتبقية هي الحقوق الستّة المتعلّقة بالتعليم والثقافة (الحق في التعليم الموجَّه نحو التنمية الكاملة لشخصية الإنسان؛ التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي؛ توافر مستويات أخرى من التعليم؛ المشاركة في الحياة الثقافية؛ وحماية الحقوق المعنوية والمادية للإنسان، والحق في التمتُّع بفوائد التقدُّم العلمي).

وتمُّ تلخيص هذه الحقوق في القائمة أدناه:
قائمة حقوق الإنسان
1- الحق في تقرير المصير.
2- السِّيادة الدَّائمة على الموارد الطبيعية.
3- الحق في التمتُّع بالثقافة.
4- الحق في ممارسة الدِّين.
5- الحق في التحدُّث بلغة الشَّخص.

الحقوق المدنية والسّياسية (CPR)
1- الحق في الحياة.
2- عدم التعرُّض للتعذيب.
3- التحرُّر من العبودية.
4- عدم التعرُّض للاعتقال أو الاحتجاز التعسُّفي.
5- الحق في المعاملة الإنسانية في الحجز.
6- حرُّية التنقل والإقامة.
7- حظر طرد الأجانب.
8- حرُّية الفكر والضمير والمعتقد الديني.
9- حرِّية التعبير.
10- الحق في الخصوصيَّة.
11- عدم تغييب الدين.
12- المحاكمة العادلة (مقسَّمة إلى 16 حقوق معدود).
13- الحق في الشخصية بموجب القانون.
14- المساواة أمام القانون.
15- حرِّية التجمُّع.
16- حرِّية تكوين الجمعيات.
17- الحق في الزَّواج وتكوين أسرة.
18- حقوق الطفل.
19- الحق في ممارسة الدين.
20- تحريم الدعاية الحربية والكراهية.
21- الحق في شغل المناصب.
22- حق التصويت في انتخابات حرَّة.
23- المساواة في الوصول إلى الخدمة العامَّة.

أخيرًا، تتضمن المبادئ السبعة للتطبيق والتفسير مبادئ:
(1) الإعمال التدريجي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (يجب على الدّول اتخاذ تدابير هادفة نحو الإعمال الكامل لهذه الحقوق).
(2) التنفيذ الفوري لـ CPR (على الدول واجبات احترام وضمان احترام هذه الحقوق).
(3) عدم التمييز المطبق على جميع الحقوق.
(4) وسيلة انتصاف فعالة لانتهاك CPR.
(5) المساواة في الحقوق بين الرّجل والمرأة.
(6) حقوق الإنسان قد تخضع لقيود واستثناءات وأنه لا يجوز استخدام الحقوق الواردة في العهود كذريعة لتخفيض معيار قائم إذا كان هناك معيار أعلى بموجب القانون الوطني.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ESCR)
1- الحق في كسب العيش من عمل يتم اختيارُه وقبوله بحرِّية.
2- الحق في ظروف عمل عادلة ومرضية.
3- الحق في تكوين النقابات والانضمام إليها.
4- الحق في الإضراب.
5- الضَّمان الاجتماعي.
6- مساعدة الأسرة والأم والطفل.
7- مستوى المعيشة اللّائق (بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن).
8- الحق في التمتُّع بأعلى مستوى ممكن من الصَّحة البدنية والعقلية.
9- الحق في التَّعليم من أجل التنمية الكاملة لشخصية الإنسان.
10- التَّعليم الابتدائي المجاني والإلزامي.
11- توافر مستويات أخرى من التعليم.
12- المشاركة في الحياة الثقافية.
13- حماية الحقوق المعنوية والمادِّية للمبدعين وصُّناع الثقافة.
14- الحق في التمتّع بفوائد التقدُّم العلمي.

بالإضافة إلى التجميع التقليدي لحقوق الإنسان في الفئتين الرئيسيتين لحقوق الإنسان (CPR و ESCR)، يتمُّ أحيانًا التذرُّع بفئة ثالثة من "حقوق التضامن" أو "حقوق الجيل الثالث"، بما في ذلك الحق في التنمية، البيئة والمساعدات الإنسانية، ولقد تمَّ التشكيك في أسباب فصل الحقوق الأساسية عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على سبيل المثال، غالبًا ما يُزعم أنَّ تلك الحقوق مطلقة وغير قابلة للتغيير، في حين أنَّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نسبية ومستجيبة للظروف المتغيرة، ومع ذلك، يتمُّ الإعلان عن جميع الحقوق على أساس توقِّع أنَّها ستكون ذات قيمة دائمة ولكن في الواقع ظهرت جميعها عندما كانت الضغوط الاجتماعية قوية بما يكفي لتحدّي علاقات القوّة وتوسيع القائمة، ونضع في الاعتبار، على سبيل المثال، أنَّ التعذيب كان وسيلة مقبولة للحصول على اعتراف، وأنَّ العبودية كانت تُمارس على نطاق واسع ومقبولة على مدى قرون، وأنَّ النساء عُوملنَ كمتاع في العديد من المجتمعات ولم يحصلنَ على حقوق سياسية إلاّ في القرن الماضي، وبالتالي، فإنَّ هذا الحال ليس سمة دائمة للمجتمع.

جيم - هل حقوق الإنسان واحدة للجميع؟
يُعتبر الادِّعاء بأنَّ حقوق الإنسان عالمية هي نفسها بالنسبة للجميع لأنَّها متأصَّلة في البشر بحكم كون جميع البشر بشرًا، وبالتالي فإنَّ حقوق الإنسان مشتقة من الطبيعة، ومن هنا جاء مصطلح "الحقوق الطبيعية"، يُشير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى "الكرامة المتأصِّلة والحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرُّف لجميع أفراد الأسرة البشرية كأساس للحرِّية والعدالة والسَّلام في العالم"، وفي هذا يُوضّح إعلان الاستقلال الأمريكي أنَّ "جميع البشر خُلقوا متساوين، وأنَّ خالقهم منحهم حقوقًا معيَّنة غير قابلة للتصرّف"، فيما يُشير الإعلان الفرنسي لعام 1789 إلى "حقوق الإنسان الطبيعية وغير القابلة للتصرّف والمقدَّسة".

هناك أساس آخر للقول بأنَّ حقوق الإنسان عالمية، وهو الارتكاز على اعتمادها رسميًا من قبل جميع البلدان التي صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو صادقت على معاهدات حقوق الإنسان، ويدَّعي أنصار النسبية الثقافية أنَّ حقوق الإنسان تستند إلى قيم يتمُّ تحديدُها ثقافيًا وتختلف من مجتمع إلى آخر، بدلاً من كونها عالمية، أحدهما هو ما يُسمى حجة "القيم الآسيوية"، والتي بموجبها تُعتبر حقوق الإنسان فكرة غربية، والتي تتعارض مع الطريقة التي يوفّر بها القادة في المجتمعات الآسيوية احتياجات شعوبهم دون جعل الفرد هو السَّامي، وإعطاء الأولوية بدلاً من ذلك لقيمة الانسجام المجتمعي وخير الجماعة، وهناك وجهة نظر ذات صلة ترى أنَّ مفهوم حقوق الإنسان هو أداة من أدوات الإمبريالية الغربية المستخدمة لإخفاء الطموحات السياسية والاقتصادية والعسكرية للدِّول الغربية ضدَّ تلك الموجودة في العالم النامي أو الثالث هو حجة "صراع الحضارات" القائلة بأنَّ الغرب الليبرالي فقط، من بين ما يقرب من سبع حضارات في العالم، قادر على إعمال حقوق الإنسان لأنَّ الحضارات الأخرى تفتقر إلى الإحساس الكافي بالفرد وسيادة القانون.

إنَّ توافق حقوق الإنسان مع النظم العقائدية والأديان المتنوعة له تداعيات جيوسياسية خاصَّة فيما يتعلَّق بالإسلام، على سبيل المثال، التي تنقسم الآراء حولها وكانت ذات اهتمام كبير منذ "الربيع العربي" في عام 2011، حيث دفعت القيم الإنسانية وقيم حقوق الإنسان الشعوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للإطاحة بالديكتاتوريات الرَّاسخة، مع نتائج متباينة للغاية، وظهور منظمات إرهابية متطرِّفة تدَّعي التصرُّف وفقًا لتفسيراتهم للإسلام.

وقد تناول المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان (فيينا، حزيران 1993) المسألة العامَّة المتمثلة في الموازنة بين المطالب العالمية والثقافية مع هذه الصيغة التوفيقية:
جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة، ويجب على المجتمع الدولي أن يعامل حقوق الإنسان بطريقة عادلة ومتساوية، وعلى قدم المساواة، وبنفس القدر من التركيز، بينما يجب أن تؤخذ في الاعتبار أهميَّة الخصائص الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية، فمن واجب الدّول، بغض النظر عن أنظمتها السياسية والاقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان والحرِّيات الأساسية.

ومع ذلك، فإنَّ هذا البيان يُجسِّد سمة مهمة لحقوق الإنسان اليوم، وهي أنَّها عالمية ولكن يجب أن تتحقّق في سياق القيم السائدة في كل مجتمع، ولفهم التحدِّي الذي يمثله هذا السياق بشكلٍ كامل، نحتاج إلى دراسة الوسائل والأساليب التي يتمُّ من خلالها وضع حقوق الإنسان المقبولة عالميًا موضع التنفيذ.

د- كيف تُوضع حقوق الإنسان موضعَ التنفيذ؟
تتمُّ دراسة حقوق الإنسان تقليديًا في سياق عالمي من خلال أولا: عمليات وضع المعايير، والتي تؤدِّي إلى معايير عالمية لحقوق الإنسان، وثانيا: عمليات إنفاذ المعايير، والتي تسعى إلى ترجمة الأهداف الجديرة بالثناء إلى ممارسات ملموسة، وثالثا: بالإضافة إلى ذلك، هناك تحدِّيات مستمرَّة وجديدة لفعالية هذا النظام المعياري.

أولا - عملية وضع القواعد والمعايير
تُشير عملية وضع القواعد والمعايير إلى اتخاذ قرار رسمي ينتج عنه اعتراف رسمي بحقوق والتزامات محدَّدة في مجتمع معيَّن ويوضّح ما هو متوقَّع لإعمال الحقوق في الممارسة، تبدأ العملية النموذجية لوضع القواعد والمعايير في حقوق الإنسان الدَّولية فيما يتعلَّق بقضيَّة اجتماعية بالتعبير عن القلق من قبل أحد المندوبين في اجتماع لهيئة سياسية والضغط من أجل المشاركين في رعاية القرار، والذي يتمُّ اعتمادُه في النهاية من قبل تلك الهيئة، بمجرد أن تكون القضية على جدول الأعمال، يجوز لهيئة سياسية بعد ذلك التكليف بإجراء دراسة، ممَّا يؤدِّي في النهاية إلى صياغة إعلان، ثمَّ اتفاقية، والتي يجب التصديق عليها ودخولها حيِّز التنفيذ وربَّما يتبعها اعتماد بروتوكول اختياري ينصُّ على إجراءات الشكاوى.

مرَّت جميع قضايا حقوق الإنسان الرَّئيسة، مثل التعذيب، وحقوق المرأة، والتمييز العنصري، وحالات الاختفاء، وحقوق الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، بهذه المراحل، التي استمرَّت من عشر إلى ثلاثين عامًا أو أكثر، هذه هي الطريقة التي توسَّعت بها مجموعة معايير حقوق الإنسان بشكلٍ كبير من الشَّرعة الدَّولية لحقوق الإنسان إلى المجموعة الحالية من عدَّة مئات من المعاهدات العالمية والإقليمية، في أعقاب عملية ذات صلة، تمَّت معالجة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضدَّ الإنسانية في معاهدات أخرى تدعو إلى مقاضاة الجناة جنائياً.

ثانيا - عملية إنفاذ المعايير
إنَّ تعريف حقوق الإنسان لا يكفي؛ يجب اتِّخاذ تدابير لضمان احترامها وتعزيزها والوفاء بها، في النظام القانوني المحلي، والقانون مُلزم وتستخدم المحاكم والشرطة القوَّة لإجبارها على الامتثال، في النظام الدَّولي لحقوق الإنسان، لا يتمُّ التعامل مع القانون بنفس الطريقة تمامًا، ويُشير مصطلح "الإنفاذ"، على سبيل المثال، إلى الامتثال القسري، وهو أمر نادر الحدوث، بينما تركِّز معظم الجهود على "التنفيذ"، أي مجموعة واسعة من الإشراف والمراقبة والجهود العامَّة لجعل أصحاب الواجبات مسؤولين، ينقسم التنفيذ أيضًا إلى تعزيز (أي تدابير وقائية تسعى إلى ضمان احترام حقوق الإنسان في المستقبل) والحماية (أي الاستجابات للانتهاكات التي حدثت في الماضي أو التي لا تزال جارية)، ويمكن تلخيص وسائل وطرق التنفيذ في ثلاثة أشكال من التعزيز وخمسة أشكال من الحماية.

الأولى أن يتمُّ تعزيز حقوق الإنسان من خلال تنمية الوعي ووضع المعايير والتفسير وإنشاء المؤسَّسات الوطنية، يُعدُّ الوعي بحقوق الإنسان شرطًا أساسيًا للعمل وفقًا لها ويتقدَّم من خلال نشر المعرفة (مثل المنشورات والحملات الإعلامية) والتثقيف في مجال حقوق الإنسان على جميع المستويات. والثانية هي وضع المعايير، وصياغة نصوص حقوق الإنسان، حيث لعبت لجنة الأمم المتَّحدة لحقوق الإنسان، التي تأسَّست عام 1946، دورًا مركزيًا حتى تمَّ استبدالُها في عام 2006 بمجلس حقوق الإنسان، والعديد من الهيئات الأخرى في منظومة الأمم المتَّحدة، مثل لجنة وضع المرأة، ووكالات الأمم المتَّحدة المتخصِّصة (مثل منظمة العمل الدولية واليونسكو)، فضلاً عن المنظمات الإقليمية (مجلس أوروبا، ومنظمة الدول الأمريكية، والمنظمات الأفريقية، الاتِّحاد وجامعة الدول العربيَّة ورابطة أمم جنوب شرق آسيا) اعتماد ورصد النصوص الدّولية الأخرى لحقوق الإنسان، أمَّا وسيلة التنفيذ الوقائية أو الترويجية الثالثة هي بناء المؤسَّسات الوطنية، والتي تشمل تحسينات في القضاء ومؤسَّسات إنفاذ القانون وإنشاء هيئات متخصِّصة مثل اللجان الوطنية لحقوق الإنسان ومكاتب أمين المظالم.

تتضمَّن حماية حقوق الإنسان شبكة معقَّدة من الآليات الوطنية والدَّولية لرصد الدّول والحكم عليها وحثّها وإدانتها وإكراهها، فضلاً عن توفير الإغاثة للضحايا، يتمُّ رصد الامتثال للمعايير الدَّولية من خلال إجراءات تقديم التقارير والشكاوى لهيئات معاهدات الأمم المتَّحدة ولجان ومحاكم حقوق الإنسان الإقليمية، يُطلب من الدول تقديم التقارير - غالبًا ما تسترشد بالمعلومات المقدَّمة من المنظمات غير الحكومية - والتي تفحص التقدَّم والمشاكل بهدف توجيه الدّولة المبلَّغة للقيام بعمل أفضل، يقوم مجلس حقوق الإنسان أيضًا بإجراء مراجعة دورية شاملة (UPR) لجميع البلدان، بغضِّ النظر عن التّصديق على المعاهدة، وتسمح العديد من الإجراءات الاختيارية للأفراد والجماعات (وأحيانًا الدول الأخرى) بتقديم التماس إلى هذه الهيئات لتحديد الانتهاكات، تستخدم الهيئات شبه القضائية (مثل لجنة حقوق الإنسان أو اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب) أشكالًا مختلفة لتقصي الحقائق والتحقيق وإصدار آرائها حتى تتمكَّن الحكومات من اتخاذ إجراءات للوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.

تُشير "الإجراءات الخاصَّة" إلى مجموعات العمل التابعة للأمم المتَّحدة والخبراء المستقلين والمقرِّرين الخاصِّين أو الممثلين المكلّفين بدراسة البلدان أو القضايا، بما في ذلك معالجة حالات الانتهاكات المزعومة، والذهاب في مهمَّة إلى البلدان والمؤسَّسات، وتقديم تقرير عن النتائج التي توصّلوا إليها وطلب التعويض من الحكومات، والمقررون "الموضوعيون" مكلَّفون على وجه التحديد بدراسة قضايا مثل الاختفاء القسري والإعدام بإجراءات موجزة والتعذيب والنفايات السامَّة والحق في الصَّحة والغذاء الكافي والسّكن، واعتبارًا من عام 2015 كان هناك حوالي 41 "ولاية مواضيعية"، بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك 14 "ولاية قطرية" تغطي بيلاروسيا وكمبوديا وجمهورية إفريقيا الوسطى وكوت ديفوار وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وإريتريا وهايتي وجمهورية إيران الإسلامية ومالي وميانمار والأراضي الفلسطينية والصومال والسودان الجمهورية العربية السورية.

الوسيلة الثانية للحماية هي الفصل في القضايا من قبل محاكم ذات صلاحيات كاملة، والمحكمة الدّولية الرّئيسة هي محكمة العدل الدّولية التي يمكنها فقط الفصل في القضايا بين الدول التي توافق على إحالة نزاعها إلى المحكمة، والمحكمة الجنائية الدولية التي يمكنها محاكمة الأفراد بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، وكذلك المحاكم الإقليمية، وهي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (مفتوحة أمام الأشخاص داخل 47 دولة عضو في مجلس أوروبا)؛ محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (مفتوحة أمام 25 دولة طرف - 23 طرفًا نشطًا - في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان)؛ والمحكمة الأفريقية للعدل وحقوق الإنسان (مفتوحة أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والأفراد والمنظمات غير الحكومية المعتمدة من أعضاء الاتحاد الأفريقي البالغ عددهم 54 الذين صادقوا على بروتوكول إنشاء المحكمة، وعددهم 30 في عام 2016).

يُشير الإشراف السّياسي إلى أعمال الهيئات المؤثّرة المكوَّنة من ممثلي الدّول، بما في ذلك القرارات التي تحكم سياسات وممارسات الدول، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتَّحدة، والجمعية العامة للأمم المتَّحدة، ولجنة وزراء مجلس أوروبا، وجمعية منظمة الدول الأمريكية، قرارات مهمَّة من الناحية السياسية تُدين الحكومات لانتهاكها حقوق الإنسان وتطالبها بتصحيح الوضع. وغالبًا ما يقدِّمون تعويضات للضحايا، كما تتابع اللجان البرلمانية واللجان الوطنية لحقوق الإنسان، وكذلك المنظمات غير الحكومية المحلية والدَّولية، تحقيقاتها بمطالب التغيير شديدة الصياغة وذات الأهمية السّياسية، قد يبدو هذا الشكل من العقوبة بلا أسنان لأنَّه لا يتم دعمُه بالقوَّة القسرية؛ ومع ذلك، من الناحية العملية، تأخذ العديد من الحكومات على محمل الجد تصريحات مثل هذه الهيئات وتبذل جهودًا كبيرة لتجنّب مثل هذه "التسمية والتشهير" السياسي، بما في ذلك من خلال تحسين أدائها في مجال حقوق الإنسان.

الوسيلة الثالثة للاستجابة لانتهاكات حقوق الإنسان هي الإغاثة أو المساعدة الإنسانية، وتوفير الغذاء والأغطية والخيام والخدمات الطبية والمساعدات الصحية وأشكال أخرى من المساعدات لإنقاذ الأرواح وتحسين صحة الأشخاص النازحين قسراً، غالباً نتيجة لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، ويخضع اللاجئون والمشرّدون داخليًا لحماية المفوضية الساميَّة للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي تنشر كميات هائلة من المساعدات، جنبًا إلى جنب مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمة الأمم المتَّحدة للطفولة، صندوق (اليونيسف)، وبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومكتب الأمم المتَّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ووكالات أخرى، فضلا عن المنظمات غير الحكومية الرئيسية مثل أوكسفام، كير، ولجنة الإنقاذ الدَّولية.

أخيرًا، استخدام الإكراه متاح فقط لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يمكنه استخدام سلطاته بموجب الفصل السّابع من ميثاق الأمم المتّحدة لفرض عقوبات، وقطع الاتصالات، وإنشاء محاكم جنائية مخصَّصة، والإذن باستخدام القوَّة من قبل الدِّول الأعضاء، أو نشر قوَّات الأمم المتَّحدة لوضع حد لتهديد السِّلم والأمن الدَّوليين، والذي فسَّرته في بعض الأحيان على أنَّه يشمل انتهاكات حقوق الإنسان، وكانت اعتبارات حقوق الإنسان جزءًا من استخدام الفصل السّابع في كمبوديا وهايتي والصومال والبوسنة والعراق وأماكن أخرى.

هذه الوسائل القويَّة لحماية حقوق الإنسان معقَّدة ويمكن أن يكون لها عواقب صحيَّة ضارَّة، كما كان الحال مع العقوبات المفروضة حول هايتي والعراق في التسعينيات، إذا تمَّ استخدامُه بشكلٍ صحيح، يمكن أن يكون إجراء الفصل السابع أساسًا لتنفيذ "مسؤولية الحماية"، وهي عقيدة تمَّ تبنّيها في قمَّة الأمم المتَّحدة لعام 2005 والتي تؤكِّد مجددًا على دور المجتمع الدّولي في منع ووقف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضدَّ الإنسانية عندما فشلت حكومة وطنية في القيام بذلك، تمت الإشارة صراحة إلى مسؤولية الحماية (R2P) في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمنطقة البحيرات الكبرى والسودان وليبيا وكوت ديفوار واليمن ومالي وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وسوريا.

ثالثا - التحدِّيات المستمرة والجديدة لإعمال حقوق الإنسان
لا يكفي اعتماد المعايير وتنفيذ إجراءات المساءلة للقضاء على الأسباب العميقة للحرمان من حقوق الإنسان، وتتعلّق أبرز التحدّيات التي تواجه فعالية حقوق الإنسان على المستوى العالمي بالاعتماد على الدَّولة لتحمُّل مسؤولية تصحيح أساليبها؛ القضايا الهيكلية للاقتصاد العالمي التي تفضّل تعظيم الأرباح بطرق لا يكون لآليات حقوق الإنسان فيها سوى سيطرة أو تأثير ضئيل أو معدوم؛ والظروف الثقافية القائمة على النظام الأبوي والطبقة والطائفة والعرق، والتي لا تتغيَّر إلا ببطء بمرور الوقت مع تغيّر علاقات القوة والعقليات، وفي جميع هذه المجالات، تعتبر حقوق الإنسان سياسية إلى حدٍ كبير بقدر ما تكون ذات صلة حقيقية بحياة الناس، فإنَّها تتحدَّى الدَّولة والاقتصاد السِّياسي والتقاليد الثقافية، في الوقت نفسه، يقدِّمون إطارًا معياريًا للأفراد والجماعات للتنظيم من أجل التغيير، بحيث يتم قياس شرعية الدَّولة من خلال أداء حقوق الإنسان، ويتمُّ تحرير الاقتصاد السِّياسي من التفاوتات الاقتصادية الجسيمة والتفاوتات الاجتماعية، ويتمُّ الحفاظ على الهُويَّة الثقافية والاعتزاز بها بطرق تتفق مع القيم السَّائدة للاستقلالية الفردية والحرية، وعادة ما يتمُّ دعم النداءات الموجهة إلى حقوق الإنسان في إحداث مثل هذا التغيير، على الأقل بشكلٍ خطابي، من قبل مجتمع الدِّول، وبطرق أكثر وضوحا وفعالية بشكل تدريجي، من خلال شبكات التضامن التي غيَّرت المجتمعات بشكلٍ عميق في الماضي، وهذه هي الطريقة التي تمَّ بها القضاء على ممارسات مثل العبودية والفصل العنصري والاستعمار والاستبعاد من جميع الأنواع، وبالمثل، فإنَّ التدهور البيئي والفقر والإرهاب والحكومة غير التمثيلية والتمييز القائم على التوجُّه الجنسي ومجموعة متزايدة من التحدِّيات الأخرى في القرن الحادي والعشرين ستستمر في اختبار قيمة حقوق الإنسان كدليل معياري ومؤسَّسي للسّياسة والممارسة.

الخُلاصة
بدأنا بالسؤال عمَّا إذا كان يجب النظر إلى حقوق الإنسان من الناحية القانونية فقط ورأينا أنَّ هناك ثلاثة أنماط على الأقل للخطاب فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان: القانوني والفلسفي والمناصرة، وأن هذه العناصر الثلاثة متداخلة فيما بينها، على الرغم من أنَّ الناس قد انتفضوا تاريخيًا ضدَّ الظلم لآلاف السنين وجعلوا احترام الكرامة جزءًا لا يتجزّأ من التفكير الأخلاقي والدّيني، في حين أنَّ تعداد مدوّنات حقوق الإنسان العالمية له تاريخ أقصر بكثير، يرجع تاريخه في المقام الأوَّل إلى القرن الثامن عشر، وخاصَّة لحظة افتتاح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في جعل حقوق الإنسان سمة واضحة للنظام القانوني الدّولي بعد الحرب العالمية الثانية، وقد درسنا ما تعنيه كلمة "عالمية" في عالم تتعارض فيه الأيديولوجيات والأديان والمعتقدات والقيم، وراجعنا محتوى المقترحات المعيارية المقبولة على أنَّها تنتمي إلى هذه الفئة من "حقوق الإنسان العالمية"، مع إصدار ملاحظة تحذيرية بشأن الفصل بينها إلى فئتين رئيسيتين للغاية.

وأخيرًا، درسنا العمليات التي يتمُّ من خلالها الاعتراف بمعايير حقوق الإنسان ووضعها موضع التنفيذ وأشرنا إلى العديد من التحدِّيات التي تواجه القرن الحادي والعشرين.
في العقود القادمة، يمكننا أن نتوقَّع سدَّ الثغرات في الآلية المؤسَّسية لأفريقيا وآسيا، وفي جعل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية متساوية حقًا في الأهمية مع الحقوق الأساسية للإنسان، وكذلك في توضيح معايير حقوق الإنسان في مجالات مثل التوجُّه الجنسي والتقدُّم في العلوم والتكنولوجيا، مع صقل وسائل وأساليب تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ومع ذلك، من غير المرجَّح أن تتغيَّر القيمة الأساسية للتفكير والعمل في مجال حقوق الإنسان؛ فقد خدمت وستظل بمثابة مقياس لشرعيَّة الحكومة، ودليل لتحديد أولويات التقدُّم البشري، وأساسًا للإجماع حول ما هي القيم التي يمكن تقاسمُها عبر الأيديولوجيات والثقافات المتنوِّعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية