الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشكلانية الديمقراطية ووهم تمثيل المستضعفين

مصطفى مجدي الجمال

2021 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


أشرح فكرة هذا المقال بواقعة حدثت منذ اثنتي عشرة سنة.. وكثيرًا لا تتضح الأفكار المجردة إلا بإعطاء أمثلة من الممارسة العملية.. حتى لو ضربنا المثل بواقعة صغيرة فإنها ربما تكون كاشفة لأبعاد أعمق وأبعد.

كانت ندوة قبيل انتفاضة يناير 2011 في سياق الغضب الشعبي العارم على نظام مبارك، وفي ذروة الضغط "النخبوي" من أجل دمقرطة الحياة السياسية، مع القليل والخجول من الضغط من أجل الدمقرطة الاجتماعية والثقافية. وكالعادة وقتها كان عنوان الندوة الفكرية مقترنًا بكلمة "المجتمع المدني وكذا..."..

كان معظم المشاركين من "النجوم" في حركة "كفاية" و"الجمعية الوطنية من أجل التغيير". وتطرق النقاش إلى ماهي البنود التي يجب أن يشتمل عليها دستور ديمقراطي ومدني... برزت في النقاش بقوة فكرة "التمييز الإيجابي" للفئات الضعيفة والمقهورة والمهمشة، باعتبارها الدواء الأنجع لهيمنة القوى اليمينية والظلامية على المؤسسات التمثيلية..

وسرعان ما دخل النقاش فيما يشبه "المزاد" للنسب التي يجب إعطاؤها لتلك الفئات.. النساء، الشباب، الأقباط، المعاقين، العاملين بالخارج، الأكاديميين....الخ.

وكنت في الحقيقة أقرب إلى "النغمة النشاز" في النقاش. وبدأت مداخلتي بأن فاعلية "المجتمع المدني" تتحقق أولاً بنضال هذا المجتمع على المستوى القاعدي، من أجل أن يضع الأحكام الدستورية الملائمة لكل فئات الشعب، وليس بوضع نصوص مسبقة قد تكون أكبر من منسوب إنجازات ذلك المجتمع المدني.

ثم تطرقت جانبيًا إلى الخلاف المستمر حول تعريف ما هو "المجتمع المدني"، ونبهت إلى خطورة اختزال هذا المفهوم في المنظمات غير الحكومية (الجمعيات الأهلية) ثم اختزال الأخيرة في المنظمات الحقوقية الممولة غالبًا من مصادر غربية. وهي منظمات بحكم غربية التمويل تروج لاختزال الديمقراطية في الليبرالية السياسية، بل وتحرف الأخيرة نحو فكرة المحاصصة التي تجزيء صفوف المناضلين من أجل الديمقراطية، وتكرس هذا كله في مستهدفات شكلية بل وأقرب "للفستفالية". وعمومًا هذا موضوع جانبي عند مناقشة التمكين والتمييز الإيجابي للفئات المستضعفة.

قلت إن التركيز على المكاسب السياسية فقط في الديمقراطية لن يؤدي حكمًا إلى نقل المجتمع والدولة نقلة حضارية وتقدمية للأمام. وأكدت أن الديمقراطية السياسية محور واحد من عدة محاور للنضال الثوري التاريخي الذي يجب أن يشمل أيضًا في السياق المصري الراهن: السيادة الوطنية، والتنمية الشاملة، وتقليل حدة الاستغلال الرأسمالي (المعروفة بالعدالة الاجتماعية) والتثوير الثقافي لصالح قيم المواطنة المتساوية والعلم والعمل والتسامح..

وتطرقت أيضًا إلى التصور القاصر، الميكانيكي والخطي وأحادي الجانب، الذي يعتبر الليبرالية السياسية ضمانة أكيدة لأن تتابع حلقات النضال الثلاثة الأخرى تتابعًا مؤكدًا وراء إنجاز الديمقراطية السياسية بما فيها محاصصات التمييز الإيجابي.

ثم انتقدت سطحية المبالغة في انتظار النتائج التقدمية من التمييز الإيجابي، لأن تلك المطالبة تتجاهل الوضع التنظيمي لقوى المعارضة ومستوى جماهيريتها، خاصة مع تجاهل أن القوى الرجعية (الدولتية والدينية واليمينية عمومًا) تملك الكثير من كوادرها المدعية تمثيل ذات الفئات المطلوب تمييزها إيجابيًا.

وأضفت أنه لا يجوز أن يقتصر التمييز الإيجابي على إدخال نصوص تشريعية، وإنما هو يتحقق أساسًا على أرضية النضال الشعبي العام والفئوي الخاص من خلال إفراز طبيعي لكوادر ديمقراطية وتقدمية عضوية من صلب تلك الفئات المستضعفة والمنكشفة، ومن خلال نضالاتهم نقابيًا وسياسيًا ومجتمعيًا.

ثم ألقيت بآخر أوراقي.. وذكرت الكثير من المتأثرين بالليبرالية (بمن فيهم يساريون) بنقدهم العنيف لعبد الناصر لأنه أدخل "بدعة" أن يكون نصف المجالس التمثيلية من العمال والفلاحين، وأن التمثيل الفعلي لهذه الفئات كان لأغنياء الفلاحين ولكثير من المهنيين والبيروقراط والقيادات النقابية الصفراء.. أي أن التمييز الإيجابي في عهده لم يثمر عن تمثيل عمالي وفلاحي حقيقي، فبأي منطق يتصور البعض أن نصوصًا للتمييز الإيجابي للفئات المستضعفة في ظل موازين القوى السائدة يمكن أن يحدث نقلة ديمقراطية حقيقية؟

ران صمت مبهم على الحضور بعد مداخلتي.
ولم يعقب أحد بشيء.

والآن.. انظروا فقط إلى تمثيل تلك الفئات في المجالس التمثيلية في السنوات الأخيرة. بل إن أولئك الممثلين يتراخون حتى في الدفاع عن مصالح فئاتهم (المثل الأوضح هو موقف الأعضاء النساء من تشريعات وسياسات مناهضة لحقوق المرأة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل| المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: نؤيد


.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت عيادة صحية تؤوي نازحي




.. غارة جوية للاحتلال تستهدف عيادة الرمال بشارع الوحدة غرب قطاع


.. رسائل القسام من الكمائن الأخيرة في جباليا




.. لحظات وداع صحفي استهدفه الاحتلال بشمال قطاع غزة