الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعتذر عن غفلتي

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 3 / 12
الادب والفن


كأنّ الماضي هو اليوم ، بل إنّ اليوم أسوأ لأنّه أنتج أجيالاً من الببغاوات، وربما كنّا نحن أجيال الأجداد مجموعة من تلك الببغاوات ، فحفظنا شعارات لا نعرف معناها ، وقرأنا لكتّاب قبضوا ثمن كتابتهم ، وصفقنا لشعاراتنا، امتلآ داخلنا حماساً، اعتقدنا أننا نسير باتجاه الحقيقة المطلقة، وكلّما سرنا خطوة إلى الأمام نسير " خطوتين إلى الخلف" حسب عنوان مؤلف لينين الذي كان في صدر مكتبتي أتفاخر به، لكن للأمانة التاريخية لم أقرأه ، كنت أقرأ لإحسان عبد القدوس ، ونزار قباني ،ومحمود درويش ، بينما كان اليسار يصف نزار قباني بأنّه مجرد زير نساء يعيش في باريس، و محمود درويش بتابع لياسر عرفات، وياسر عرفات ليس مهتماً بالقضّية كما السوريين! كنت أقرأ بالسّر حتى عن نفسي ، خفت أن تلوّثني القراءة، لكنّني أرغب أن أفهم نفسي، فقد بكيت مع شجرة اللبلاب ، و أذهلني مسلسل عروة بن الورد على سبيل المثال.
هل يمكن لشاب أن لا يفكّر بالشهرة، و المال . كنت أجيد الكتابة، و بخاصة الشّعر حيث أنّ أغلب أبناء جيلي كتبوا الشعر، و انتظرت أن أحصل على أمر ما يجعلني أستمر، من خلال المحاولة و التّجربة و القراءة حول هذا الموضوع أو ذاك، لم يكن يومها أنترنت ، وكان علينا قراءة ما بين السّطور، فهمت أمراً هامّاً غيّر مجرى رؤيتي . رأيتهم يقفزون، مع أنّهم يحملون نفس انتمائي السياسي ، لكن أيديهم تصل أكثر منّي . قال لي أحد الرّفاق يومها وكنا نتحالف في الانتخابات الحزبية : بأنّني لن أصل لسبب بسيط هو أنّه ليس لدّي غطاء، كما قال لي: " البعث يحكم الدّولة، ونحن نتحكّم بالثقافة، أغلب رفاقنا يؤلفون الكتب، و لهم ولاءهم.
توصلت لقناعة -بعد الثورة المعلوماتية- أنّه لا بأس أن تعارض كلامياً إن كنت محميّاً ، فقد كان يحضر شتائم مظفر النوام للحكام في صالات دمشق أعلى مستوى من السلّطة ويصفقون له، نحن أيضاً نصفّق عن بعد، كما أن نزار رحل إلى صدام، وياسر عرفات، وتزوّج من رشحها له ياسر عرفات ،، ثمّ وصفها بالمرأة القوية ، وكانت المكافآت تنهال عليه من صدام وغيره، كما أن محمود درويش ألّف بعض الآيات في مدح صدام. بغطاء من النّظام .
عندما قرأت لسيلفا بلاث ، التي تزوجت تيد هيوز ، وكلاهما واسع الثقافة-التي تعني العلم و المعرفة- لكنها غادرت حياته ثم انتحرت عندما علمت بخيانته ، لكنّ هذا لم يقلل شأن كتاباته وشعره، وموقف الدّولة الإنكليزية منه، ولا شك أنّ لديه إبداعاً . منذ ذلك الوقت تعلّمت أنّه لا بأس أن يقرأ ويعجب بكتابة شخص ما حتى لو كان ضمن سلطة ما كنزار ومحمود درويش، لديهما أشعار جميلة .
قرأت على صفحة مدينتي أن عيسى الماغوط يصفي خلافات عائلية عندما تحدّث بالحقيقة عن أخيّه، و أنا أقول العكس: إنّه يفرّغ ما كبته كي لا ينفجر من الغيظ من مجتمعه الذي يقدّس من تقدّسه السّلطة ، وقد تحدّث بحقيقة تاريخية هامة للسوريين ، وليس للعرب، فقلة من العرب يعرفون عن الكاتب شيئاً. ليس مجتمعه الخاص ، بل المجتمع السّوري في معظمه حتى بعض السجناء السياسيين يتحدّثون عن عظمة المخرج الفلاني، وأهمية الكاتب الفلاني مع أن غطاء النّظام ساهم في بنائهم، وهنا علينا أن لا ننفي دورهم الشّخصي الذي قد يكون متألّقاً في بعض نواحيه، لكن أن نجعلهم أصناماً نعبدهم فهذا أمر جلل!
انضممت إلى رابطة الكتّاب السّوريين الأحرار مؤخراً بناء على دعوة أحد الأصدقاء . لفت نظري قلّة عدد المتابعين ، فقد كان لدي موقع الكتروني أوقفته لعدم توفر السيولة ، يتابعه 35 ألف ، وفيه عشر كتاب من جميع أنحاء الوطن العربي، حاولت أن أقرأ ما يكتب على صفحات الرابطة، فإذ هو قصّ لصق عن القدس العربي ، و للكاتبة غادة السّمان الأولوية في كلّ مرة. إذا كنت أقرأ لغادة على القدس العربي، فلماذا أذهب إلى الرابطة؟
إنّني لا أنقد. أتحدّث عن أمر واقع، وفي مرّة بكيت عندما قرأت مقالاً لسجين سياسي مليء بالقومجية، سألت نفسي: أليست هذه أفكار الأسد الأبّ؟
الذين كانوا يحكمون الثقافة -حسب قول رفيقي الشيوعي- هم أنفسهم يحكمونها في الخارج و الدّاخل ، وشعرة معاوية موجودة ، فهم سوف يمجدون كلّ الأشخاص علّ بعضهم ينال شرف الحكم فيعيدون السيرة من أوّلها.
كلمة أخيرة عليّ أن أعترف بها، وهي رأي شخصي : أنّ ما من أحد نال شهرة إلا ضمن تغطية النّظام، و ليس بالضرورة أن يكون النّظام السّوري فقط، بل النّظام يعني فيما يعنيه جميع المتنفذين في مفاصل الدولة، وهم أنفسهم يتنافسون ، ولكل شخص فيهم جماعته.
ربما كنا جيلاً مغفّلاً ، وربما أنا فقط من كنت كذلك، فنحن نحمل نفس الانتماء لكن أحدنا يذهب إلى السّجن، و الآخر يحصل على منصب . بالنسبة لي: أعتذر عن غفلتي. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان درويش صيرفي: أعطيت محمد عبده 200 دانة حتى تنتشر


.. بأنامله الذهبية وصوته العذب.. الفنان درويش صيرفي يقدم موال -




.. د. مدحت العدل: فيلم -أمريكا شيكا بيكا- كان فكرتي.. وساعتها ا


.. مين هو أعظم مطرب قام بالتمثيل في السينما المصرية من وجهة نظر




.. عوام في بحر الكلام - مدحت العدل: من حسن الحظ أنك تقابل فنان