الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغريب.

عبداللطيف الحسيني
:(شاعر سوري مقيم في برلين).

2021 / 3 / 12
الادب والفن


هذا ليسَ أنا , بل عتماتُ حياتي جمهرَكم حولي لأقفَ خطيباً عليكم معتلياً دكّةً ترابيةًّ , مهلهلَ الثياب والقول والملامح , مُتلعثماً لا يدري ما يتفوّهُ به , غيرَ أنّه يظنُّ بأنّ السماءَ ستنخفضُ لأقواله , والأرض ستزلزلُ بواطنَها , أوأنّ الأرضَ ستحتلُّ السماء الأولى ليبقى هذا الواقفُ وحدَه يسردُ حكايتَه لفراغ جهات الأرض كلها :
أعدْ لطفولتي نبضَها وكلَّ دُماها المذهّبة كتلك التي رأيتُها لابن جارنا أو كتلك التي رأيتُها في كتبي المدرسّة , وكانت يدي تلعبُ بها قبلَ عيني , ذاك الطفل الذي كنتُه تُطرَدُ عينُه و تُلصقُ به البذاءَةُ و يُشتم شكلُه وطريقةُ مشيه , يُعَاب عليه حين يأكلُ أوحين يجوع أوحين ينام جائعاً أو حين يغسل وجهه في الصباح أو لم يغسلْه , ما على ذاك الطفل الذي كنتُه إلا أنْ يغتسلَ بدمعه الفيّاض , لكنّه يُشتمُ حتى بدمعه , إنْ قالتْه عينُه المُرقرقةُ دمعاً أحمر .!
أيّةُ يدٍ لم تصفعْه , فلتتقدّمْ إليه لتجدَ أمامَها وجهاً ملطّخاً بكلّ ذكرياته المريرة ؟
ذاك الطفلُ الذي كنتُه كيفَ دَفَنَ طفولتَه الميّتةَ ؟ كيفَ دفن طفلٌ ميّتٌ طفولتَه الميّتة .؟
- أعدْ لشبابي مراهقتَه وشهوةَ حياة الدنيا لأجعلَ من الأرض التي يمشي عليها السفهاءُ مَرَحاً .. جنّةً , ومن سخف القول غابةً من البسمات .
أعدْ إليّ شبابي كي ألبسَ ثوباً مشجّراً وأضعَ في عنقي سلسلةً مذهّبةً و أنقش على زنديّ وشومَ الحبّ و قلباً يخترقُه سهمٌ أسود , وأنتعلَ حذاءً مطاطيّاً وأقف في زاوية الشارع لأصفّرَ لكلّ فتاة ذاهبة أو قادمة , أوألوّح لها بمنديل أحمر معطّر أوأرسل لها قبلة على الهواء بميوعة .
أعدْ إليّ شبابي كي أدفنَ بقايا حياتي الكهلة قبلَ أنْ أتوكّأ على عصايَ وترتجف يدي ويغطّي عينيّ العماءُ, قبلَ أنْ يناولني حفيدي علبةَ الأدوية مُمتعضاً من بؤس حالي وسعالي , وقبل أنْ تناديني نفسُ الزاوية التي طُردتُ منها في الطفولة والشباب , وأقبع فيها مُنادياً كلَّ مَنْ يمرّ بي ولأترجّاه كي يدفنني دون ندم .
عبداللطيف الحسيني.:شاعر سوري مقيم في مدينة هانوفر الألمانيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا