الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زفة العرس 1965(ماركو فيري):نظريات في طبيعة العلاقة

بلال سمير الصدّر

2021 / 3 / 13
الادب والفن


قد يكون الكلام عن هذا الفيلم مبالغا فيه،بالنسبة للحبكة السهلة والتي تبدو(سخيفة احيانا) التي يقدمها ماركو فيري في هذا الفيلم،هذا ان نظرنا الى الفيلم للوهلة الأولى،على ان هناك شيء يختفي خلف هذه الحبكة،وبالذات يختفي خلف الكلمات،تجعل من الفيلم ضبابيا ومعتما،واحيانا نعتقد بان الفيلم ينادي بأفكار عشوائية مضطربة ومشوشة لا نستطيع ان نستشف منها ما الذي يريد ان يقوله هذا المخرج بالضبط...هذا كما قلنا بأن الفيلم يبدو للوهلة الأولى يبدو سهلا وبسيطا اذا تركنا الغاز مخرجنا الكبير خلف ظهرنا.
هنا الموضوع مختلف قليلا وان كان مكررا،فنحن نتحدث بالعادة عن حبكة مشوشة ومضطربة،أو كوميديا مقنعة بالسواد أو غير هادفة،ولكن تبدو أفكار هذا الفيلم ان سقناه في مسار نعتبره صحيحا كما تقول الحبكة بالضبط-لاحظ ان الفيلم من كتابة ماركو فيري أيضا-كوميديا مبالغ فيها بالفعل،تدعو احيانا الى عشوائية جنسية غير مقبولة كفكرة،وأحيانا تدعو الى مرجعية اكثر أيديولوجية تدعو للتحرر الجنسي،بل إلى حرية جنسية أقرب الى الشيوعية،بل يعتقد أن الفصيلة البشرية المميزة ستتطور الى زمن حرية اجتماعية غير مسبوق.
دعونا نوضح أكثر...الفيلم ليس اشكاليا بتاتا على انه يستحق المشاهدة ولكن لايتسحق التوقف عنده مطولا،على ان غرابته لا تتوقف على غرابة افكاره،بل هو استهجانها من ناحية فكرية أصلا...فهو يدعو الى حالة طبيعية أكثر،حالة تختلط فيها الحضارة بالعودة المسيرة الى العالم القديم السحيق،وهو هنا تراوده الافكار الكانيبالية التي كنا قد تحدثنا عنها سابقا،أو دعونا نقول ان بذور الكانيبالية فيري ربما تبرز هنا تماما...على ان الفيلم لاينعت بافلام الاشكاليات الكبرى على الاطلاق...
دعونا نخوض في الحبكة،ربما نحصل على شيء مما أراد أن يقوله فيري بالضبط...؟
،والفيلم ان كان يشير الى الزواج،فهو متعمق أكثر،ويتحدث عن (Ugo Tognazziالفيلم من تمثيل (
طبيعة العلاقة الزوجية الحميمة بين الرجل والمرأة،وبالذات ومن دون مواربة العلاقة الحميمة،وهذا لايخرج عن طور ماركو فيري الذي يحدثنا عن هذه العلاقة ولكن من زاوية غريبة تبرز فيها الاشكالية والتساؤلات،فهو ينظر الآن الى الاسرة كتشكيل عائلي لتشكيل اكبر هو التشكيل الاجتماعي..اي عن التكوين البشري.
وعلى نمط الجزئيات،يبدأ الفيلم بجزئية الزواج من كلبين،وهنا يبدأ التساؤل...هل هذه القصة حقيقية...
أي أن،هل ماركو فيري يطرح قصة-حتى لو كان ظاهرها كوميدي ساخر-عن زواج رسمي لكلبين لدرجة ان بطل الفيلم-كل الجزئيات بطلها الممثل المذكور-وجد كل شيء حتى شهادة وفاة زوجته السابقة ولكنه لم يجد شهادة نسب كلبته ذات الأصل السويسري....
بالتأكيد،ستحمل هذه القصة على الكناية،وعلى الرمز العميق البعيد في التكوين البيولوجي الطبيعي البشري،بل هو انتقاد مبطن لهذه الطبيعة التي حددت من قبل صاحبها،أي من قبل الانسان نفسه بمحددات وموانع تخص المجتمع والدين....
هنا الموضوع ليس عن تفاهة بشرية حقيقية تعمد الى تزويج كلبين بطريقة رسمية تماما مشابهة للطريقة البشرية من حيث الظروف الشرطية مثل العقد والرضا والقبول،بل هو عن جملة واحدة قيلت في نهاية هذه الجزئية عندما تتم شروط الزواج الحقيقية-تكامل العلاقة الكلبية بالجماع-يبدا الاحتفال ويعلق أحدهم:
مثل المخلوق البشري تماما...
فيرد آخر:أفضل..أفضل بكثير من البشر...أنهم يتبعون طبيعتهم فقط
إذا هل على الانسان-إذا أردنا فهم هذا التهكم الواضح-أن يرتد الى طبيعة كما ترتد الحيوانات الكلاب منها تحديدا....في الحقيقة هذا التشكيل وكنايته-زواج الكلبين-هو تشكيل جمعي بامتياز
هنا على الانسان حرفيا،أن بلاحق غريزته بشكل طبيعي،أي أن يلبي نداء الغريزة من دون محددات أو ارتباطات من نوع خاص...هل هذا التكوين سيكون خاضع لمشايعة مرغوبة ومقوبلة في نفس الوقت...ولكن حتى لو نكص التاريخ فالزواج-حتى لو كان اشكال متعددة-هو فكرة راسخة قديمة قدم التاريخ نفسه،وفكرة القدم نفسها تغنينا-اختصارا-عن الخوض في اصل الفكرة أو اصل نشوئها أو تاريخها الفعلي التقريبي...هذا ان فهمنا هذه الجملة بمعناها الحرفي كما ظهرت،على ان ماركو فيري لن يلحقها بجملة اخرى تعطيها الواقعية،أو القبول أو الرفض...وكأن ماركو فيري سيوضح ما يريد قوله فيما هو قادم
إذا مقدمة(يتبعون طبيعتهم فقط) لها شروحات قادمة تجعلنا لانقبل هذه الفكرة،أو نرفضها بناءا على الشروحات القادمة،ولكنها على الأقل اصبحت تخضع لمفهوم وجهة النظر،أو العبارة المتكونة تاريخيا ولكنها بقيت في مسار غير مطلق...أي العبارة الاشكالية
تتحدث الجزئية الثانية عن اعراض امرأة عن زوجها ربما بسبب اجهادات الحياة،وهي تضع القالب المقولب المعروف الكامل:أنت..أنت يا عزيزي لاتفهم شيئا عن النساء،أنت لازلت تعتقد بأن المرأة تستطيع ان تفعل الحب من دون أي استعدادات فقط مثل البقرة...
إذا كان ما يحدث هنا،هو مقارنة أو توضيح بين المقطوعة الأولى والمقطوعة الثانية،فهذا ما يدعى بانتهاكات الطبيعة وانتقاص التلقائية،على ان كلمة القديم،تحمل الانطباع التاريخي المكون(المقياسي) لطبيعة العلاقة بين الجنسين...هناك اختلاف عقلي في المحدد بين الطبيعة الحيوانية والبشرية.
وهنا نقول بأن الفيلم لازال صغيرا،لا يقول أي شيء مقنع ذو ارتباط حقيقي بالمشكلة،أو بالاشكال سوى الأداء الاستثنائي للممثل.
ثم هل هناك ربط(عشوائي) غير تكميلي بين الحرب،ومن ثم الموت والجنس...؟
النهاية كانت حاسمة،أن يغط كلاهما في النوم بعد ان يذكر دانتي ويستعيد فرانك ذكرياته عن الحرب المليئة بالموت.
الجزئية الثالثة تتحدث عن عائلة من مستوى ثقافي أعلى،لها محدداتها الخاصة حول طبيعة العلاقة التي نستطيع ان القول انها مليئة بالتحضيرات،ويدور نقاش اشبه بالعصف الذهني من قبل فئة مثقفة حول اسباب المشكلة ،على ان ماركو فيري ينادي بالطبيعة كنموذج انساني وليس حيواني بحيث انه يقول،ان فعل الغواية حتى لو كان غير تلقائي أو غير محسوب،مع المكملات الشهوانية،هي اهم من اي خطاب يدعي الاستثنائية أو الثقافة فوق الطبيعية.
ربما ينزح ماركو فيري نحو علاقة أكثر حيوانية واقل عقلية لتحقيق التفوق الزوجي...عملية أقل تعقيدا
الجزئية الأخيرة،هي جزئية مستقبلية حول تصور لطبيعة العلاقة بين الأزواج....على نمط النظرية العلمية البيولوجية(الوثائقية).
العالم منظم وفقا لتسلسل زمني تحركه محفزات بناءة،أٌقنعت بالمشاركة في مسار تاريخي،ديني،زمني،لإعادة انتاج حتى المجموعة الدقيقة الأساسية:الأسرة
الاسطورة،محركة العالم:عدم المساواة كحافز للتقدم
ما ذا سيبقى من فكرة الزواج عام 1984-تاريخ مستقبلي للعالم حيث ان تاريخ انتاج الفيلم 1965-؟
في رأيي(السرد وثائقي على لسان الراوي) القليل،أو لا شيء،أعتقد أن اي مفهوم للحياة الجنسية الطبيعية سيختفي تماما في زمن الحرية الاجتماعية غير المسبوقة،وهنا سنصل الى مجتمع مثالي يوتيوبي،مجتمع من دون اي نظريات نفسية سواء كانوا فرويديين أو ادليريين-المؤمنون بنظريات ادالر-أو يونغيويين-نسبة الى كارل يونغ...
اذا في زمن المشايعة الجنسية،في الألفية الثالثة،سنكون تخلصنا تماما من الكبت الجنسي،وأن يطلب رجل من أي أمراة المشاركة فهو أمر عادي،بل ان يطلب رجل من رجل آخر زوجته هو امر عادي جدا...
هذا العالم-حسب رؤية الفيلم-مختلط بين عالم روماني قديم،نظريا المرأة عارية فيه لأنها ليست خاضعة لأي أحد أولا،وثانيا لأن مشكلة الكبت الجنسي قد حلت تماما فلاداعي إذا ان تستر المرأة نفسها...
كلام مثير للضحك...لن يحدث هذا على الاطلاق
ولكن ماذا عن مشكلة التواصل مع الآخر...؟
الحلول مطروحة أيضا في هذا العالم المستقبلي،لأن الرجل سيتزوج من دمية والعكس صحيح،وهنا ستنكسر تماما فكرة اختلاف وجهات النظر،ولا يوجد شيء مطلقا اسمه (التماشي مع الاختلاف)،وليس هذا فقط...فأنت تستطيع التخلص ان تتخلص من الدمية في حال شعرت بالملل منها حتى لو حمل هذا التصرف طقوسا اشبه بالجنائزية او التصفية بالمفهوم الديني القديم...
ولكن التضحية هنا ليست في صالح اله...بل هي في صالح اقفال هذا الاشكال التكويني بين الرجل والمرأة
هو يحاكي دميته على انها زوجته ويحاول اكلها في النهاية...يبدو ان فكرة الأكل(الكانيبالي) من قبل الرجل خاصة للمرأة كانت تدور في ذهن ماركو فيري مبكرا....
الارتباط الى درجة الاتحاد لايحدث الا بهذه الطريقة
إذا في المستقبل سنتزوج من دمية لحل مشكلة عدم التفاهم...اختصارا للآخر...
أليست هذه حالة بيولوجية غريبة...؟
بلال سمير الصدّر
18/02/2021
اقتباس من رواية اللصوص(ويليام فوكنر):
...لأن البغل أذكى من ان يرهق قلبه بالركض مسافة ميل طلبا للمجد كما يفعل الحصان.
لذلك اصنف البغال في مرتبة تلي متربة الجرذان في الذكاء،بعد البغال تأتي القطط،ثم الكلاب واخيرا الخيول.هذا ان كنت تقبل تعريفي للذكاء...وهو كما أراه المقدرة على مجابهة البيئة،أي الاستسلام للبيئة وقبولها كما هي،مع المحافظة على شيء من الحرية الذاتية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال