الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الحال التي آلت إليها قوى اليسار الفلسطيني: ولكن، هل الأماني تكفي؟!

سميح محسن

2021 / 3 / 13
القضية الفلسطينية


عندما أكتب عن الحال التي آلت إليها قوى اليسار الفلسطيني فإنني أكتب بقلب موجوع، وليس بقلم المتشفي لأنني ابن أحد مكوناته على مدى أربعة عقود، ولا أزال. وخلال تلك العقود كنت أنأى بنفسي عن ممارسة أيّ فعل سياسي مباشر لأنني حرصت على أن أحصّن فضائي الخاص، وكنت أردّد على مسامع رفاقي عندما كان يُطلب مني الترشح لأيّ هيئة حزبية قولاً واحداً: "أنا كاتب وليس لدي أي طموح سياسي فردي"، وأوكد هذا القول الآن.

في مرات قليلة جداً، بل ونادرة، ما كتبت مقالاً حول شأن سياسي مباشر بعدما تركت حقل العمل الصحفي، وما دفعني للكتابة اليوم في شأن سياسي هو بعض التسريبات حول شروط بعض قوى اليسار لتشكيل قائمة انتخابية واحدة، وكذلك بعض ما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي حول ذلك، مِن مُطالبٍ لتشكيل هذه القائمة، إلى مُهَدّدٍ بــــ (فضح) مَن يعرقل تشكيلها، وأخشى من حدوث معركة إعلامية بين مكونات اليسار الفلسطيني، وترك الساحة للحزبين الحاكمين اللذين يتسابقان على إحداث المزيد من التغوّل في الحكم.

لستُ مطلعا تماماً على ما دار، وما يدور من حوارات بين قادة قوى اليسار. ولكن، ومن خلال ما يمكن قراءته بين سطور ما يكتبه بعضهم، فإنّ الخلاف ليس على برنامج انتخابي، سياسي واقتصادي واجتماعي، وإنما على عدد، وتوزيع الأماكن في القائمة، وهناك من يُفَسِّرُ ذلك بأن المسألة ليست مسألة عدد مقاعد، وإنما هي أبعد من ذلك، ويستخدم المثل الشعبي القائل: "إذا ما بدك اتجوز بنتك غلّي مهرها".

لا يمكن استخلاص رأي يُعتدُّ به بمعزل عن توفر المعلومات الدقيقة، والمؤكدة، ولكن من الواضح أن هناك حالة تعثّر في تشكيل القائمة التي ينشدها المحسوبون على قوى اليسار، الأعضاء والأنصار على حدٍّ سواء. وهؤلاء "المحسوبون" يعيشون حالة من الحسرة على ما آلت إليه حال تلك القوى. وهم يدركون حجم الأزمات الداخلية التي تعصف بها، وتراجع تأثيرها في الساحة السياسية والاجتماعية الفلسطينية، ولكن الأمل يحدو بهم لأن يتمكن اليسار من تشكيل قائمة واحدة، قائمة على برنامج سياسي واجتماعي يترجم مفهوم يساريتهم، ويضعون حدّا للثنائية المؤثرة في الساحة الفلسطينية. كما أنهم يعتقدون أيضا بأنّ أمام قوى اليسار فرصة ذهبية تُمَكِّنها من العودة إلى حالة تأثيرها السابقة، والتي خبت في العقود الأخيرة، سواء فيما يتعلق بإدارة ملف المشروع الوطني، أو إدارة البلاد.

في حال تم تشكيل هذه القائمة على برنامج سياسي واجتماعي منحاز للطبقة التي تعتقد قوى اليسار أنها تمثلها، ومنحاز لتطلعات شعبنا في التحرر، وبناء دولته المدنية التي تقوم على أسس الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، ووقف تغوّل السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وضم ديمقراطيين آخرين من خارج أطرها، فإنها بذلك تُحْدِثُ حالة استنهاض في صفوفها، وصفوف أنصارها، وقد تعيد إليها من اختلف معها، وبذلك قد تُحدِثُ قدراً ما من التغيير يفتح الطريق أمامها للبناء عليه في المستقبل.

وعند الحديث عن الاصطفاف، فهناك مكون من مكونات الشعب الفلسطيني لا يمكن إغفال قوته وتأثيره، ألا وهو المجتمع الأهلي. صحيح أن منظمات المجتمع الأهلي لا تناضل من أجل الوصول إلى السلطة، لأنها ليست حزباً سياسياً يتطلع إلى ذلك، وإنما هي قوة تعمل على إحداث تأثير إيجابي في المجتمع، وتتقاطع رؤاها مع رؤى قوى اليسار في العديد من الأهداف التي تناضل من أجل تحقيقها كبناء الدولة المدنية الديمقراطية، القائمة على العدالة والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، ومبدأ الفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، ووقف تغوّل السلطة التنفيذية، وهي قوة لها تأثيرها في حال وجدت تياراً سياسياً جامعاً يدافع عن هذه الحقوق.

في اعتقادي أنّ هناك أرضاً مهيأة لإحداث هذا التغيير إذا تم تغليب الصالح العام على المكاسب الفردية، وسماع أصوات الشارع. فالحكومة أثبتت فشلها الذريع في إدارة أزمة جائحة كورونا من شعار "إبقوا في بيوتكم" مروراً بالانصياع إلى مصالح رأس المال على حساب الصحة العامة، وصولاً إلى فشلها في الحصول على اللقاحات، وحجم الفساد الذي رافق توزيع ما تم الحصول عليه، وانتظار المساعدات الخارجية لتأمينها، مع العلم بأن الرسوم التي تتقاضاها وزارة الصحة مقابل إصدارها شهادات الخلو من الإصابة (150 شيكل مقابل كل شهادة)، وكذلك المبالغ المتعلقة بمخالفات الصحة كفيلة بتغطية تكاليفها.

وأما السلطة التنفيذية فقد تطرفت في تغولها، سواء على اختصاص واستقلال السلطتين التشريعة والقضائية، أو على استقلالية عمل منظمات المجتمع المدني، والنقابات المهنية والإتحادات الشعبية، أو استمرار تغولها على الحريات العامة. ألا يكفي هذا للالتقاء حول برنامج انتخابي للوقوف في وجه هذا التدهور الخطير في إدارة شؤون البلاد والعباد؟!

ليس لدي أي شكوك بأن قوى اليسار لديها القدرة على قراءة الواقع، وتشخيص أسباب أزماتنا، وبشكل أدق وأعمق من أي قراءة يقوم بها الآخرون. كما لا أشك بأن لديها من الأماني ما يكفي لإحداث تغيير جوهري في إدارة البلاد، ولكن هل الأماني تكفي؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو