الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنانيتنا على حقيقتها

وليم نصار
مؤلف موسيقي ومغني سياسي

(William Nassar)

2021 / 3 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


لم يكن لبنان، ومنذ نشأته على يد قوى الاستعمار، دولة حضاريّة متقدّمة على شقيقاتها من الدول العربية. ولم يكن الشعب اللبنانيّ على مدار الأيّام، شعبًا عبقريًّا مثقّفًا متميّزًا ومتفرّداً بين سائر شعوب دول المشرق كما كان يُشاع.

لبنان ومنذ الأزل، بلد من بلدان العالم الثالث، يحتلّ أدنى الدرجات في سلّم التخلّف الاجتماعيّ والمعرفيّ والاقتصاديّ، وعلى الرغم من ذلك، ترى اللبناني يعيش في بذخ وبحبوحة مزيفة، ولا يرى حرجًا في الاستدانة ليلتقط صور "سيلفي" في سهرة أو مطعم.

شاع عن لبنان أنّه بلد الحريّات والديمقراطيّة، لكنّ أحدًا لم يمتلك الجرأة للقول أنّ اللبنانيّ يمارس الديمقراطيّة إذا كانت تخدم طائفته والفصيلة الحزبية التي ينتمي إليها، وإذا كان الأمر خلاف ذلك، لا يجد حرجًا في إشعال حرب أهليّة.

أمّا في مسألة الحريّة التي خدعنا الكوكب الأرضيّ بها، فإنّنا تبنينا أسوأ ما أنتجته الحريّات الغربيّة للتفاخر بها على الآخرين من شعوب المنطقة، ولغبائهم صدقوا أننا نمارسها فتغنّوا بالحريّة اللبنانيّة عندنا.

فالحريّة التي يتباهى بها اللبنانيّ، وهذا ليس حكرًا على فئة دون سواها، بل يتشارك بها السنيّ والشيعيّ والمارونيّ والأرثوذكسيّ واليمينيّ واليساريّ والسوريّ القوميّ والكتائبيّ والقوّاتيّ، هي حرية الشتم والتنمّر والتخوين والارتهان للخارج وتشويه الآخر وشيطنته.

يتباهى اللبنانيّ بإلمامه باللغات الأجنبيّة، لكنّه يستخدم تلك اللغات في اللف والدوران والشطارة، ليس فقط في حياته اليوميّة الخاصّة، بل في كافة مناحي الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وحتّى الدينيّة والأخلاقيّة.

يتبجح لبنان بأنه بلد الانفتاح والتسامح، لكنّ الحقيقة أنّه المستنقع النتن للعنصريّة في أبشع صورها في التعامل مع غير اللبنانيّين، ولن أكون مجانبًا الحقيقة إذا قلت حتّى بين اللبنانيّين أنفسهم.

يتباهى لبنان بطبيعته الخلّابة، ولتسويق تلك الكذبة غسلت الدولة أدمغتنا منذ الطفولة بالأغاني والقصائد المدرسيّة التي تتغنى بهذا الجمال الذي فضّله الله على جنته ... لنكتشف أن هذا الوطن هو الأكثر تلوّثًا في المنطقة، مياهه موبوءة، وأرضه مدفن لبراميل النفايات النوويّة والكيمائيّة السامّة.

يهوج اللبنانيّ ويموج في المغتربات لتسجيله رقمًا قياسيًا في موسوعة غينيس عن أكبر صحن فتوش، أو أكبر سندويشة شاورما، ويعتبر أطول حلقة دبكة أو أوسع جوف لاحتساء العرق إنجازًا تاريخيًّا يستحق إدراجه في كتب التربية الوطنية ... لكنه، لا يخجل من نفسه لتسجيل القوميّات والاثنيات الأخرى إنجازات علميّة وأدبيّة وموسيقيّة إلخ ...

لبنان، الذي كانت دول المنطقة، وحتى العام 1975، تتباهى بالتخرج من مدارسه وجامعاته، هو نفسه لبنان اليوم الذي يتساوى فيه المتعلّم والأميّ في المعرفة، وأحيانًا يتفوّق الأميّ على الخرّيج بالخبرة الحياتيّة. كما أنه أصبح مصدراً للشهادات المزوّرة التي أوصلت حامليها إلى مناصب حكوميّة وإداريّة وسياسيّة.

لبنان، ناشر الحضارة في العالم، والذي يتباهى في كتب التاريخ بلبنانيّة قدموس وهانيبعل وأدونيس وعشتروت، هو نفسه لبنان مخترع الكبتاغون وزارع المخدرات ومصدّرها.

"لبنان الكرامة والشعب العنيد"، هو نفسه الشعب الذي صفّق وهلّل وهتف: للاحتلال العثمانيّ، ومن ثم الفرنسيّ، فالسوريّ والفلسطينيّ والإسرائيليّ، ومؤخّرًا الإيرانيّ والأمريكي، ولا يزال يتغنّى بالكرامة.

يقول المثل الشائع: "لو شاف الجمل حردبتو ... كان وقع ونقصفت رقبتو". فمتى يرى اللبنانيّون حقيقتهم القبيحة فيبادرون إلى معالجتها قبل أن "تنقصف رقابهم"؟
***
د. وليم نصار مؤلف موسيقي شيوعي ومغني سياسي.
موقعه الرسمي: https://williamnassar.com









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت