الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا أيها الصادق الأمين!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2021 / 3 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


صديقي الأعزّ والأوفىَ الدكتور محمد رفيق السيد خليل صعدت روحه مساء أمس 13 مارس 2021 إلى بارئها بعد رحلة نجاح وإنسانية استغرقت 72 عاما!
كيف تجرأ فيروس الكورونا أن يقترب من أحد أفضل الجراحين والأطباء في مصر؟
صداقتي به تمتد لستين عاما كان فيها نِعْمَ الصديق والأخ والمُعلـّم، من الاعدادي في رأس التين بالاسكندرية مرورا بهجرتي في أقصى الشمال، لكن بعض الذكريات تظل ملتصقة في الروح لا تبرحها حتى يرحل صاحبُها فتخجل من أنْ ترحل معه.
كان جرّاحا لا مثيل له، ونقيبا للأطباء بالاسكندرية(سابقا)، ورئيسا لأتيليه الاسكندرية، وفنانا، وأديبا، وشاعرًا، وقارئا نهما حتى أنه في عيادته في محطة الرمل كنتَ تدخل عليه فتجده بين الكشف على مريض وانتظار الآخر يقرأ مثلا في كتاب هيروغليفي أو شعر جاهلي أو بيان سياسي.
كانت والدتي(رحمها الله) إذا مرضتْ فلا يستريح جسدها العليل إلا بين يديه.
أحد أصدقائنا العباقرة في اللغة العربية ذهب لمحاضرة أدبية لعله يكتشف خطأ ولو صغيرا في لغة الدكتور رفيق العربية، فلم يعثر إلا على لسان عبقري.
كان موسوعة في الطب؛ فيصف لك الداء والدواء قبل أن تجلس أمامه، ويُجري عمليات جراحية فتشعر أن الملائكة تساعده دون أن يدري.
كنا نؤدي الصلاة بين الحين والآخر منذ ستين عاما خلف والده، رحمه لله، إمام مسجد سيدي نصر الدين القريب من مسجد أبي العباس المرسي فتهب علينا نسمات رقيقة، وننطلق بعدها إلى حياتنا الأخرى، الشباب والثقافة والكتاب والسينما.
لا أبالغ إنْ قلت: لو بعث اللهُ نبيا من قومنا لكان الصادق الأمين.. الدكتور رفيق.
كان أمينا لجمعية الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط؛ فلم يعرف في حياته فارقا ولو قيد شعرة بين مسلم وقبطي، ولو خُلــِـق التسامح رجلا لكانه!
زارني هنا في أوسلو مرة واحدة، وكنت كلما سافرت إلى ثغرنا.. إسكندريتنا؛ ألتقيه فأجد أننا اقتربنا فكريا من بعضنا البعض.
لست وحدي الذي خسره فهي خسارة الآلاف، أعني خسارة الاسكندرية، أقصد خسارة مصر كلها، وأتذكر أنني كتبت مقالا منذ سنوات تمنيت فيه أن يصبح الدكتور رفيق وزيرا للصحة لتتغير خريطة هذا الجهاز من جذوره.
غريب أن فيروس كورونا لم يرتعش أو يتردد أو يتراجع وهو يهاجم الجسد النبوي الضعيف لإنسان كان الأعلى علما ومعرفة وثقافة ولسانا وإنسانية وشفقة ورحمة، وكان يبدو من تواضعه أنه الأقل من المحيطين به.
كان يعمل كأنه اليوم الأخير في حياته، وأحيانا تأتيه طائرة خاصة ليجري عملية جراحية في بلد آخر، ويعود في نفس اليوم.
عشرات من النساء اخترن بعد الولادة أن يتشرف الوليد باسم رفيق.
كان مرض السرطان يخشى مبضعه، ففي الحياة العامة السرطان هو السيد، وفي غرفة العمليات فإن الدكتور رفيق هو المهيمن على كل خلية سرطانية هددت حياة مريض من مرضاه.
الصادق الأمين،
سيأتي 26 نوفمبر هذا العام بدونك، وسيأتي يوم القيامة فتكون أنتَ في الصفوف المتقدمة مع الأنبياء والمُرسلين والمتسامحين.
شكرًا لأنك لم تكن صديقا فقط؛ إنما مُعلــّم لنا جميعا، أصدقائك من رأس التين حتى يوم رحيلك.
سنفتقدك كثيرا، وسيكون أطباء مصر أيتاما بدونك، وستبكيك اللغة والثقافة والكتاب والأتيليه والفنون والآداب والطب والسياسة الوطنية والتسامح القبطي/الإسلامي الذي وضعت بصماتك عليه وسيترعرع عندما يأذن الله.
من لم يعرف الدكتور رفيق فهو نصفُ يتيم!
أخي رفيق، من قال بأن الله توقف عن إرسال الأنبياء والرُسل؟
نلتقي في الجنة بإذن الله لنكمل أحاديثنا التي لم تسعها ستون عاما من الصداقة!
يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر