الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين البيئة وصحة الإنسان من منظور الطب الشمولي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 3 / 14
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في المركز الثقافي في لندن.

بالمقارنة مع نموذج الرعاية الصحية في الدول الغربية، فإن علم الطب الشمولي يتبع نهجاً شاملاً إزاء علاج الأمراض والوقاية منها؛ حيث أننا إذا ما نظرنا إلى جسم الإنسان كشجرة كاملة النمو تستخدم العناصر الغذائية الموجودة في التربة كي تنمو وتزدهر، فإن ذلك يعني أننا بمقدورنا أن نحدد ما يعتري هذه الشجرة (أو بالأحرى جسم الإنسان) من أمراضٍ وذلك عن طريق تحليل محتويات هذه التربة؛ أي من خلال العناصر التي تستهلكها والعوامل البيئية التي تحيط بك.
يعتبر إجراء العمليات الجراحية وإعطاء الأدوية هي السمات المميزة للطب في الدول الغربية، ويمكن بالتأكيد أن يكون هذا النهج نهجاً فعالاً. حيث أن نهج الطب الغربي يعد مثالي في رعاية الحالات الحرجة. على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من نوبة قلبية أو إذا كنت قد تعرضت لحادث سيارة، فأنت بحاجة إلى الوصول إلى أفضل منشأة طبية غربية حديثة.
ومع ذلك، فإن الطب التقليدي يقف عاجزاً في التعامل مع بعض التخصصات المهمة بشكل خاص والتي منها على وجه التحديد: الطب الوقائي أو الوقاية من الأمراض وكذلك رعاية الأمراض المزمنة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه يُجرى تدريب العاملين في المجال الطبي بشكل رئيسي على أن يكونوا سريعي الاستجابة. بالإضافة إلى ذلك، فهؤلاء المتخصصين معنيين بمراقبة سبب الأمراض وغالباً ما يتخصصوا في علاج أجزاء معينة فحسب من جسم الإنسان. ومن ذلك على سبيل المثال؛ يُتوقع من أخصائيي أمراض القلب معالجة الأمراض التي ترتبط بالقلب فقط؛ بمعنى علاج الأعراض، والتعامل مع المشاكل الصحية فور حدوثها، ثم يلي ذلك وضع خطة علاج مناسبة للمرضى.
ومن الجدير بالإشارة أن هناك سبب وجيه لهذا النوع من التدريب الموجه للعاملين في المجال الطبي؛ حيث يجرى تعليم الأطباء على توجيه سؤالاً واحداً إلى المرضى وهو كالتالي: «ما هي الشكوى التي تعاني منها بشكل أساسي؟» ومن هذا السؤال يتضح لنا أنه يجب بالفعل أن يكون لدى المريض شكوى بعينها. ومنْ ثَمَّ يستمع الأطباء إلى الشكوى الرئيسية للمريض، ويُقومون بإجراء فحصاً جسدياً له، وكذلك إجراء بعض الفحوصات، ويتوصلون بسرعة إلى التشخيص. وبمجرد معرفة التشخيص الصحيح، يقررون بعد ذلك العلاج المناسب لحالة هذا المريض.
وجدير بالملاحظة أن التدريب الأساسي للأطباء في مجال الطب التقليدي في الدول الغربية ينطوي على التوصل بسرعة إلى التشخيص؛ حيث إن التشخيص السريع يؤدي حتماً إلى العلاج السريع، علاوة على أن العلاج بشكل سريع من شأنه أن ينقذ الكثير من الأرواح. وهكذا، فإن هذه العملية تتيح للأطباء السيطرة على المشكلة الأساسية.
إلا أنه من ناحية أخرى، تنشأ المشاكل عندما يأخذ الأطباء هذا النموذج من طب رعاية الحالات الحرجة ويطبقونه على المشاكل الصحية المزمنة طويلة الأجل؛ وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النموذج لا يفيد بشيء بالتأكيد في منع حدوث المرض. وبدلاً من ذلك، يجرى تعليم الطبيب على المضي مباشرة إلى تعيين التشخيص الصحيح - من أجل تسمية هذا المرض - وكذلك بغية تحديد الدواء أو الإجراء اللازم في أسرع وقت ممكن.
عندما يطبق الأطباء النموذج الخاص بالأمراض الحادة لعلاج حالات الأمراض المزمنة، فإنهم يفتقدون بذلك معرفة الكثير من المعلومات التي قد تنبههم إلى سبب المشكلة الصحية للمريض؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان المريض يعاني من الصداع وحدد الطبيب تشخيص هذه الحالة وقدم له الوصفة الطبية بدون معرفة قصة المريض الكاملة، فإن الطبيب سيفتقد التعرف على الجوانب الأساسية للإلمام بحياة ذلك الشخص المتمثلة في النقاط التالية: من هو هذا الشخص ومع من يعيش وما هي نوعية الطعام الذي يأكله، وما هي دواعي سروره وفرحه وإلام تحدو آماله، وما هو نظام التمارين الرياضية الذي يتبعه، وما هي الأدوية التي يتناولونها لعلاج الأمراض الأخرى إن وجدت. ومن الناحية الاجتماعية، فإن الطبيب بذلك لا ينظر عملياً عند تحديد التشخيص ما إذا كان هؤلاء المرضى أشخاص متزوجين أم لا، أو أنهم ينتمون إلى مجتمع ما، أو أنهم يستمدون القوة من نظام معتقداتهم أم لا.
ومن هنا يتضح لنا أن نتيجة استخدام هذا النموذج الخاص برعاية الحالات الحرجة ستتمثل في أنه سيتم إيلاء القليل من الاهتمام إلى قصة المريض بنظرة شاملة (أي الاهتمام بكل ما يرتبط بالرعاية الصحية الكاملة لهذا الشخص لفترة طويلة). حيث أن الأطباء باستخدام هذا النموذج يكونون على بينة من الشكوى الرئيسية للمريض وأعراض المرض الحالية فحسب، ولكن قصة المريض الكاملة غير مفهومة بالنسبة لهم. وذلك لأن كل شكوى رئيسية يجرى تشخيصها تشخيصاً منفصلاً ويتم التعامل معها بمعزل عن جميع الشكاوى الأخرى وذلك لأن الأطباء مدربون على النظر إلى كل تخصص على حدة.
وفي هذه الحالة ينتهي الأمر بالأطباء بأفضل تسمية يمكن تسميتها وهي «مجرد معرفة المرض ووصف الدواء له فحسب»؛ حيث يرتبط كل مرض يشخصه الأطباء بوصفة علاجية أو العملية الجراحية اللازمة لأن ذلك هو ما يمتلكونه من أدوات خاصة بهم بين أيديهم. وتكمن مشكلة هذا النهج في أن المريض ينتهي به الحال بكيس مليء بالأدوية.
فعندما يتعلق الأمر بالوقاية والعلاج من المرض، فإن الطبيعة تقدم أفضل الحلول؛ لذلك، عليك الآن أن تفكر في نفسك كأنك شجرة لديها بعض التحديات التي عليها مواجهتها؛ وتأمل التربة التي عليك أن تعيش بها؛ ومن ثم، قد يمكنك حينها أن تحدد بعض الملامح الخاصة بك من أوراق هذه الشجرة (أو جسمك كإنسان) وقد تشير هذه الأوراق إلى الإصابة بـ: «الاكتئاب» أو «مرض السكري» أو «ارتفاع معدل الكوليسترول في الدم» أو «حرقة الفؤاد/حرقة المعدة». والجدير بالذكر أن بعض الناس لديهم الكثير من الأوراق المصابة في هذه الشجرة (أو بالأحرى جسم الإنسان).
لذلك، عليك أن تتخيل أن جذع شجرتك هذه ما هو إلا الجينات الوراثية الخاصة بك — أي التركيب الجيني الخاص بك. ومنْ ثَمَّ، فكر في ماهية هذه التربة ومكوناتها، لأن ذلك هو الذي من شأنه أن يحدد ما إذا كانت هذه الشجرة ستثمر فاكهة سليمة أم فاسدة وذلك وفقاً للحالة الخاصة جداً من التفاعل بين جيناتك الوراثية والبيئة التي تعيش بها، فالتربة التي تنمو فيها شجرة جسمك تتمثل بالأساس في البيئة التي تعيش فيها.
حيث أن مكونات هذه التربة تتفاعل مع جذع هذه الشجرة — أي مع الجينوم الخاص بك — وتقوم بتحديد ما إذا كانت أوراق تلك الشجرة النامية (أو بالأحرى جسم الإنسان) سوف تكون سليمة أم فاسدة. وتشمل مكونات هذه التربة الهامة العناصر التالي ذكرها:
*نظام التغذية الشامل متمثلاً فيما يلي: ما هو نوع البروتين الذي تأكله؟ ما هي نوعية الكربوهيدرات التي تختار تناولها؟ وهل تأكل الدهون النافعة أم الدهون الضارة؟
*نظام التغذية الجزئي (الدقيق): ويتمثل هذا النظام في الفيتامينات والمعادن، مثل فيتامين (د) والزنك والسيلينيوم.
* وهل تتنفس الهواء النقي وتشرب المياه النظيفة.
* النشاط البدني: هل تمارس رياضة المشي كل يوم؟ هل لديك برنامج روتيني لممارسة الرياضة؟
* هل تنام نوما عميقاً في الليل.
* السموم البيئية.
فبالإضافة إلى العناصر الأساسية المكونة لجسم الْإنْسَان، فإن التربة الخاصة بك لديها مكونات أخرى لها نفس القدر من الأهمية وهي تتمثل في النقاط التالية: كيف يمكنك أن تعيش حياتك؟ ما هو شعورك من الناحية العاطفية والعقلية والروحية؟ هل أنت شخصية غاضبة وعدائية؟ هل تتسم شخصيتك بالمرونة؟ هل تؤمن بالهدف من حياتك؟ من أين تستمد قوتك؟
وتتمثل أفضل طريقة تداوي بها شجرتك الخاصة في رعاية وتقوية التربة الخاصة بك؛ ولكن من الأهمية بمكان بيان أن لا يحتاج الجميع إلى نفس هذه العناصر الأساسية كلها في نفس الوقت؛ حيث أن هناك بعض الأشخاص الذين سيحتاجون إلى التغذية بينما يحتاج آخرون إلى ممارسة الرياضة، في حين قد يحتاج البعض الأخر إلى تقليل مقدار الضغط النفسي الذي يعانون منه.


*****
لمطالعة النص الأصلي لملخص محاضرة الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع الحوار المتمدن:

https://m.ahewar.org/enindex.asp?u=Mousab%20Kassem%20Azzawi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا


.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق




.. حزب الله وإسرائيل.. تصعيد مستمر وتحذيرات من حرب مفتوحة| #غرف


.. أهالي جباليا في غزة يصلون العيد بين الركام




.. البيان الختامي لمؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا يدعو الجميع لإح