الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة أم كلثوم (المقهى) بين الموصل وبغداد والعودة الى الموصل

فاطمة الظاهر

2021 / 3 / 14
الادب والفن


سيرة ذاتية
الحاج عبد المعين أحمد الموصلي صاحب (مقهى أم كلثوم) في شارع الرشيد في بغداد

يعتبر الحاج عبد المعين أحمد الموصلي من أهم الشخصيات العراقية الذي عمل جاهداً طوال فترة حياته في أرشفة وتوثيق التراث الغنائي العراقي والعربي القديم ، أن أغلب البغادة يعرفون جيداً مقهى (أم كلثوم) في شارع الرشيد قرب ساحة الميدان ، حيث أسست هذه المقهى في بداية العام 1962 على يد الحاج عبد المعين الموصلي (عاشق أم كلثوم) ، فما هي قصتة ؟
ولد عبد المعين احمد الرحاوي (أبو منذر) في محافظة الموصل منطقة المكاوي في العام 1925 لعائلة موصلية تهوى الأستماع الى الغناء العربي الأصيل ، أمتلك والده جهاز الكرامفون والذي كان الوسيلة الوحيدة للأستماع ، كما كان والده من المولعين بالغناء الطربي المصري ، وقد وعى عبد المعين وهو صبي صغير على هذه الأجواء البيتية التي يملؤها أصوات سلامة حجازي والمنيلاوي والصفتي وهم يؤدون روائع الأدوار المصرية التي لحنها كلاً من عبد الرحيم المسلوب ومحمد عثمان وعبدة الحمولي وإبراهيم القباني وغيرهم الكثيرين.
أضافة الى أستمتاعه في الأستماع للغناء الطربي العربي فهو أبن الموصل ، والمعروف عن الموصل أزدهارها بحفلات المقام العراقي التي كان يحيها سيد أحمد عبد القادر الموصلي (1877-1941) والملقب (بأبن الكفر) بسبب سرعة غضبه وشتمه الا انه كان شديد العطف على الفقراء والمحتاجين ، والذي لم يكن غناءه مقتصراً على المقامات العراقية فقط وإنما كان يؤدي الموشحات والأدوار والطقاطيق لسلاطين الغناء الطربي المصري حتى سجل البعض منها على أسطوانات ، وكذلك حفلات سيد اسماعيل الفحام (1905- 1990) والذي أخذ المقام عن معلمه سيد احمد عبد القادر الموصلي ويعتبر بمثابة خليفته في قراءة المقام العراقي
كان عبد المعين الموصلي يرافق والده وهو صبي صغير لحضور مثل هذه الحفلات للمقام العراقي الموصلي والتي كانت تقام عادة في المقاهي ، التي تتحول ليلاً الى ما يسمى (بالجالغي) حيث تقدم فيها تمثيليات فكاهية مرتجلة ومقامات وأغاني بمصاحبة جوق موسيقى، وتقدم أحياناً مسرحيات طويلة مثل مسرحية (يوم بؤس ويوم نعيم) عن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة.
وخلال تجواله في مسيرة الغناء العربي الكلاسيكي ، أستمع ولأول مرة الى صوت أم كلثوم في أغنية ( هلت ليالي القمر) نهاية الأربعينات ( حسب روايته) وأعجب بصفاء ونقاء صوتها العذب وبأدائها المقتدر العالي وأحساسها الذي فعل فعله بالحاج عبد المعين الموصلي ، وتحول الى شغف دفعه الى أن يبحث ويجمع كل أسطواناتها وتتبع كل أخبارها الفنية الذي تحول فيما بعد الى عشق كبير ، ومع تراكم السنين أصبح يحتفظ بكل جديد لها ولكل المطربين الكبار المصريين والعرب والعراقيين وأصبح يبحث وبدأب عن كل ماهو نادر من أعمالهم ليضيفه الى مكتبته الصوتية التي أتسعت وكبرت مع السنين لتصبح فيما بعد أرشيفا نادرا للغناء العربي وأكبر مكتبة صوتية شخصية في العراق أعتباراً من سنوات الستينات حتى وفاته في العام 2004.

أمتلاكه لهذه المكتبة الضخمة شجعه الى تأسيس مقهى بأسم ( أم كلثوم) في أربعينيات القرن الماضي في مدينة الموصل في منطقة باب الطوب وأستمر العمل فيها وأدارتها على مدى سنوات يبث فيها أغنيات أم كلثوم فقط.

كان للحاج عبدالمعين أخ وحيد يعمل تاجر خضروات في بغداد مما شجعه للأنتقال الى بغداد ليشتري بيتاً في منطقه الاعظمية - راغبة خاتون مصطحباً معه عائلته المكونة من ثلاثه بنات وأربع صبيان وكذلك أصطحب معه والده ووالدته ، وفي نفس العام قام بتأسيس مقهى جديد بنفس الأسم ( مقهى أم كلثوم) في بغداد وذلك في العام 1962 والتي كانت في أول الامر في باب المعظم مقابل وزارة الدفاع ثم نقل المقهى الى شارع الرشيد قرب ساحة الميدان .

ونتيجة لخبرته الطويلة في أدارة مقهى (أم كلثوم) في الموصل أستطاع وخلال فترة وجيزة أن يجعل من مقهاه الواسعة المساحة ذات الديكورات البغدادية القديمة والتي تقع في أقدم وأعرق شارع في بغداد ( شارع الرشيد) أشهر مقهى في بغداد حيث وضع نظاماً لم يكن متبعاً في باقي المقاهي في بغداد وقد تفرد به ، لقد منع لعب الطاولي (النرد) والدومنو والأراجيل في المقهى معتمداً على بث أغنيات أم كلثوم فقط ، الجلوس في المقهى كان للأستماع وشرب الشاي والقهوة فقط ، لذا تجد تزاحم الرجال من المثقفين والمستمعين الجيدين وبالذات من عشاق سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم من الشباب وكبار السن يردون المقهى للأستماع لكل ما غنته أم كلثوم من قصائد الشيخ أبو العلا محمد الى أدوار داود حسني وطقاطيق الدكتور احمد صبري النجريدي وطقاطيق وأغنيات محمد القصبجي وزكريا أحمد وباقي الأغنيات التي لحنها لها السنباطي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وغيرهم ، كان رواد المقهى يأتونه من كل صوب ومن كل أنحاء العراق بعد كل حفلة شهرية لأم كلثوم والتي كانت تبث من محطة صوت العرب من القاهرة وكذلك بعد حفلاتها السنوية والتي كانت تغني فيها أغنية جديدة كما كان متعارف عليه حيث كان لها كل سنة أغنية جديدة تقدمها لجمهورها التواق لسماع كل ما هو جديد من صوتها العذب

كان الحاج عبد المعين يحرص كل الحرص على تسجيل جميع حفلات ام كلثوم الشهرية والسنوية ساعة بثها ليكون أول من يعيد بثها في مقهاه ، ولم يقدم في مقهاه من المطربين والمطربات سوى صوت أم كلثوم ، وتبث أغنياتها تتابعاً حسب طلبات رواد المقهى ، فكل ينتظر دوره في الأستماع لأغنيته المفضلة من كوكب الشرق ، فقد عمل قائمة جدارية ليكتب فيها كل زائر من زوار المقهى الأغنية التي يرغب في الأستماع اليها وينتظر ليأخذ دوره في الأستماع وأحياناً يطول أنتظاره لساعات مستمعاً لطلبات الأخرين قبل أن يصل دوره في الأستماع الى أغنيته المفضلة.

في العام 1968 سافر الحاج عبد المعين الموصلي الى القاهره ليسجل حفلة السيدة أم كلثوم الشهرية أضافة الى مجموعة من أغنياتها الأخرى ، كان متاحاً له حضور حفلتها الشهرية بحكم معرفته بالأستاذ جلال معوض مقدم حفلات أم كلثوم إلا إنه فضل أن يستأجر شقة في القاهرة ليسجل حفلتها عبر أذاعة القاهرة عن طريق الراديو في البث المباشر ، وعاد محملاً بتسجيلات جديدة ليمتع بها رواد مقهى أم كلثوم.
في عام 1975 بعد وفاه السيده ام كلثوم عاود السفر ثانيةً الى القاهرة ليجمع كل ما يمكن جمعه من تسجيلات وأسطوانات كوكب الشرق أم كلثوم وأثناء تواجده في القاهرة وصله خبر وفاة زوجته فأضطر الى قطع سفرته والرجوع الى بغداد محملاً بعدد كبير من الأشرطة لغناء أم كلثوم وغيرها من المطربين القدامى ومن يومها بقي في بغداد ولم تسنح له الفرصة في زيارة القاهرة ثانيةً رغم شوقه وشغفة للقيام بزياراتٍ متعددة الى القاهرة للتواصل مع المطربين والفنانين وجمع ما يمكن جمعه من الأعمال الغنائية.

لقد مرت على الحاج عبد المعين العديد من الظروف الصعبة التي تحملها بصبر وجلد ، أولها وفاة زوجته في العام 1975 وهو لا يزال شاباَ ولديه من الأبناء والبنات بحاجة الى رعاية الأم ، فتزوج من أخت زوجته التي كانت نعمة الزوجة في رعايته ورعاية أولاده وبيته ، وفي العام 1979 توفي أبنه زهير غرقاً في نهر دجلة في الموصل بعد أن كان قد جهز أوراقه للسفر الى اليابان لأكمال دراسته الجامعية كمهندس ميكانيكي (رحمه الله) ، وفي العام 1985 توفي أبنه الثاني شامل وكان من ذوي الأحتياجات الخاصة في حادث دهس في بغداد وكان من أعز الأبناء الى قلب أبيه ويحبه حباً شديداً ولم يتبقى له غير أبنه البكر منذر وأبنه الأوسط نوفل وهو ذا ميول رياضية ويعمل حتى يومنا هذا مدرباً لرياضة المصارعه.

أستمر عبد المعين بأدارة مقهاه حتى سنوات التسعينات وكان قد أتخذ معه شريكاً لأدارة المقهى وهو (أبو مروان) ، في سنوات التسعينات كان الحاج عبد المعين قد بلغ من العمر مبلغه بالأضافة الى أمراض الشيخوخة ، أضطر حينها الى ترك المقهى الى شريكه ليديرها بنفسه وبنفس النظام المتبع وتفرغ هو لتكملة مشوار تأسيسه لمكتبته الموسيقية التي أنشأها في دار سكنه الخاص ، حيث خصص غرفة كبيرة تبلغ مساحتها 5 متر عرضاً في 5 متر طولاً وبأرتفاع 4 أمتار ، ملئها بالأشرطة والصور وأجهزة التسجيل .
كانت الغرفة تضم مجموعة من الدواليب الأرضية والتي تشغل 3 جدران يخزن فيها بعض الأشرطة التي لم يتم تضنيفها وتوثيقها أو ترقيمها ، فلا يضع شريطاً على الرفوف إلا بعد أن يصنفة ويرقمة وتكتب عليه كل تفاصيل محتوى الشريط ليأخذ مكانه في الرفوف ضمن مجموعته لكي لا يصعب عليه الوصول الى الشريط المطلوب بسرعة البرق ، أما الجانب الرابع من الجدار فقد وضع تخت (قنفة كبيرة) تسع لثلاثة أشخاص لجلوس الضيوف ، ثم يأتي فوق الدوليب مجموعة من أجهزة التسجيل (ريل أو بكرة) نوع (أكاي وفيليبس) يصل عددها الى 4 وأحياناً تجد 6 مسجلات منها بالأضافة الى مسجل لشريط الكاسيت ، ثم يأتي فوق الدواليب مجموعة من الرفوف التي تملأ جدران الغرفة مرتبة عليها الأشرطة حسب أسماء المطربين وبلدانهم ، يعلوها على الجدار مجموعة كبيرة من صور المطربين والمطربات العراقيين والمصريين ، وهي صور نادرة منها صور ( نجم الشيخلي والقندرجي وخيوكة والقبانجي ويوسف عمر ناظم الغزالي سليمة مراد وصديقة الملاية وجليلة العراقية وبدرية انور ومسعودة العمارتلي ومائدة نزهت عفيفة اسكندر وغيرهم الكثير يصعب حصرهم) وكذلك صور المطربين العرب ومنهم المصريين على وجه الخصوص منهم ( الصفتي والمنيلاوي وسلامة حجازي وعبدة الحمولي وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ونجاة علي ولوردكاش ونادرة وماري جبران وسكينة حسن وغيرهم الكثير جداً) لربما تزيد عن 100 صورة تحتل جدران الغرفة الأربعة بأربعة صفوف فوق بعضها ، وهنالك بعض الصور التي كانت مرسومة باليد وعندما سألته أن كان متأكداً من أن الصورة لذلك المطرب قال لي : انه لم يجد صورة له فيضطر أن يبحث عنه فيجد له صورة صغيرة في جريدة مع خبر وأحياناً يعتمد على صورته الموثقة في هوية الاحوال المدنية للمطرب أو أية هوية اخرى كهوية نقابة الفنانين أو غيرها فيكلف أحد الرسامين لرسمها بالألوان وبالحجم الكبير ، لاحظ عزيزي القارئ أن هذه المكتبة الصورية كانت في وقت ليس فية أنترنت وإنما أعتماده الكامل في الحصول على هذه الصور بالبحث ومتابعة الجرائد والمجلات ، وقد لفت نظري أن بعض أدراج الدواليب تحوي على مجموعة قيمة جداً من الكتب القديمة رغم أنه لم يكن يقرأ ولا يكتب ، ولكنه يعرف جيداً محتويات تلك الكتب وعندما أستفسرتً منه عن ذلك قال : أكلف كل يوم أحد أحفادي للقراءة لي في تلك الكتب ، ومن تلك الكتب كتاب ( الموسيقى الشرقي للموسيقار كامل الخلعي – اصدار سنة 1925 ) وكتاب ( مجموعة الأغاني الشرقية الحديثة للموسيقار كامل الخلعي – أصدار سنة 1921) ومجموعة أخرى من الكتب عن سيدة الغناء العربي أم كلثوم وقد أهداني كتاب بعنوان ( النصوص الكاملة لجميع أغاني كوكب الشرق أعداد خليل المصري ومحمود كامل تقديم ومراجعة أحمد شفيق أبو عوف) وهو واحداً من الكتب القيمة لأحتواءه بالأضافة الى النصوص الكاملة ، حوى الكتاب على قالب الأغنية وأسم المؤلف او الشاعر – اسم الملحن – وتاريخ تسجيل الأغنية ) أضافةً الى بعض التفاصيل المهمة الأخرى.

تعرفت على الحاج عبد المعين الموصلي في العام 1992 ومن خلال زيارة مكتبته في بيته أنتابني حينها شعور غامركأنني عثرت على كنز ثمين ، لأنني وجدت كل ما كنت أفتقده من زمن الطفولة وأنا أستمع لتلك الأعمال الغنائية التي سمعتها في صغري من راديو جدي والتي تبث من أذاعة بغداد وراديو أخي الكبير الذي كان معتاداً على الأستماع لمحطة صوت العرب من القاهرة ، لم أصدق عيني وآذاني في الأستماع لتلك الأعمال الراسخة في مخيلتي وكأنها أعادت لي حياتي الماضية كلها ، كنت أزوره بشكل شبه يومي في مكتبته المنزلية للأستماع الى نوادر الأعمال الغنائية وقد ألتقيت بالعديد من الفنانين الذين يأتون لشراء بعض الأعمال التي تهم أختصاصهم خاصة قراء المقام وبعض الأصدقاء من الأطباء والمهندسين وأختصاصات أخرى يأتون لشراء ما يلبي ذائقتهم في الأستماع ، ثم أغادره محملة بعدد من البكرات المسجلة لأساطين الطرب العربي.

في أحدى الزيارات طلبت منه أن يسجل لي المجموعات الكاملة لكل مطرب بدأ من المطربين المصريين القدامى وصاعداً ، فأستطعت أن أجمع على مدى ثلاث سنوات ما يقارب 500 شريط (بكرة ) لجميع المطربين العراقيين والمصريين القدامى ومنها تسجيلات الأستاذ محمد القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 أضافةً لأغلب قراء المقام العراقي القدامى والمطربين والمطربات العراقيين والمصريين وبعض المطربين من تونس والمغرب وسوريا ولبنان ، لقد تعلمت الكثير والكثير بخصوص الفن الغنائي من خلال التسجيلات والكتب التي يمتلكها الحاج عبد المعين أضافة لكل ما يتعلق بتلك السنوات الماضية لهؤلاء المطربين الكبار فهي ليست تسجيلات فقط وإنما هو عصر فريد ملئ بالعلوم الفنية الموسيقية والغنائية.
حصيلة تجربتي هذه مع الحاج عبد المعين كانت واحدة من روافد صقل ثقافتي الموسيقية والغنائية التي أضافت لي أساس متين لتلقي معارف موسيقية أخرى ، لقد كان حالي كحال المنقبين عن الآثار يبدأون حفراً في السطح وكلما أكتشوا لقية أثرية تزداد لديهم الرغبة والفضول في اكتشاف طبقات أعمق حتى يصلوا الى كنز من الآثار الذي يروي شغفهم العلمي ويشعرهم بالرضى والسرور

في عام 1997 قرر الحاج عبد المعين العودة الى مدينته الأم مدينة الموصل حاملاً معه مكتبته الغنائية الضخمة ، بسبب مرض زوجته الثانية بمرض سرطان الثدي وقد أجرى لها عدة عمليات دون جدوى مما أضطره الى بيع منزله في بغداد والرجوع الى الموصل ليسكن في منطقة البورصة في باب سنجار ، ثم توفيت زوجته الثانية وقد أصابه الحزن الشديد ولكنه كان صابراً على رحيلها ، وأصبح بمعية أبنته أم بكر وحفيده سعد منذر وزوجته يقدمون له الرعاية اللازمة وهو رجل كبير يبلغ من العمر 74 عاماً يعاني من بعض أمراض الشيخوخة ، قامت أبنته بتزويجه من سيدة فاضلة قدمت له الرعايته الواجبة على أكمل وجه ولم تفارقة طوال ساعات اليوم بعد أن أجريت له عملية فتق تكللت بالصحة والنحاج بفضل الله ورعاية زوجته له وتماثله للشفاء التام

في العام 1999 قام أبنه الكبير منذر بمساعدته في أعادة تأسيس مقهى جديد له في الموصل ، فأنشأ له (منتدى أم كلثوم) في عمارة الشواف في الموصل وبدأ يعاود نشاطه في العمل في المنتدى بعمل سهرات غنائية كل يوم خميس ، كما كانت حفلات بيت المقام العراقي في الموصل تقام في منتداه . وقد رحب المجتمع الموصلي التواق للغناء الطربي الأصيل بهذا المنتدى وبعودة الحاج عبد المعين الموصلي اليهم ولكن هذا كله لم يكن بنفس قيمة المقهى ورودها في بغداد اذ كان يقول لحفيده سعد الذي كان يدير المنتدى ليلاً تناوباً مع جده: " أن عدد رواد المقهى في بغداد أفضل كثيراً من عدد رواد الموصل) ( وأعزوا سبب ذلك الى أن المجتمع في بغداد مجتمع واسع كون بغداد عاصمة العراق وجاذبة لكل من يزور العراق أن كان من المحافظات أو من خارج العراق وكذلك فأن مقهى أم كلثوم في شارع الرشيد مقهى مهمة ولها سمعتها ومكانتها التراثية الكبيرة ومقصد للعديد من رواد المقاهي في بغداد) ، يقول الأستاذ سعد :" كان الشغل ضعيف جدأجدا ورواد المنتدى قليلون في الموصل" الى الحد الذي لم يستطع تغطية تكاليفه وأيجاره الشهري , مما أضطره الى غلق المنتدى وبيعه في عام 2002 وكذلك بيع بيته الكبير ليشتري بيتا صغيرا في شارع المركز قرب جامع النبي يونس عليه السلام ليقضي بقية حياته فيه.
وقد أهتمت وسائل الأعلام في الموصل به أذ أجري له لقاء في جريدة أم الربيعين وكذلك أجروا له لقاءاً تلفزيونياً بث من قناة أم الربيعين .

وبعد دخول الاحتلال الى بغداد حزن حزناً شديداً على المدينة التي أزدهرمشروعه وذاع صيته فيها، وبعد 6 اشهر من الاحتلال أصيب بوعكة صحية وأدخل على أثرها الى المستشفى فاقدا الوعي بسبب أصابته بالجلطة الدماغية , ولكنه تشافى وتعافى منها ، لكنه عاد وأنتكس في العام 2004 وفي الشهر السابع (تموز / يوليو) من نفس السنة أصيب بجلطة ثانية تم نقله الى المستشفئ ولكن الأجل أستعجله بعد ٣ ايام من دخوله المستشفى ، رحم الله الحاج عبد المعين الموصلي فقد كان انساناً صبوراً ومحباً يقدم المساعدة لكل من يقصده ، علاوةً على ذلك فقد وثق الأعمال الغنائية لجميع المطربين العرب وقراء المقام العراقي وأفاد العديد من المهتمين والدارسين بهذه المكتبة التي كانت مصدراً للأرتقاء بالذائقة الفنية للمتلقين العادين ومرجعاً للأكاديمين والباحثين في الغناء العربي والعراقي.

لقد كان المرحوم الحاج عبد المعين الموصلي عملياً صاحب مشروع يوجهه شغفه بالأصالة وحفظ التراث فهو على الرغم من كونه رجلاً أمياً ( لا يكتب ولا يقرأ) ولكنه أنجز مشروعاً كبيراً بالتوثيق عجزت عن أنجازه مؤسسات، وأبتكاره لمنصة بث من خلال مقهى أم كلثوم يكفيه وورثته أن مشروعه ما زال قائماً ( مقهى أم كلثوم) كأثر يشير الى خلوده وحضوره في المشهد الثقافي العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألف شكر
طلال الربيعي ( 2021 / 3 / 14 - 22:05 )
ألف شكر على مقالتك الرائعة والجميلة!


2 - من اروع مقاهي بغداد والعراق
طلال السوري ( 2021 / 3 / 15 - 11:07 )
تحية للأخت الكاتبة ..مقالك ليس فقط شيق وإنما هو مفيد جداً ..لقد كنت محظوظ في مرحلة شبابي الاولى وأنا أصل الى بغداد الجميلة ويحط ركابي لمقهى أم كلثوم في تموز عام 1973 , كانت مقهى نظيفة وهادئة ولا توجد فيها رائحة دخان السجائر وفيها المبردات وهواءها المنعش مع صوت أم كلثوم الساحر وكان الزبائن من المثقفين وخاصة اليساريين والشيوعيين ورجال الفنون والآداب..الحقيقة كنت بمنتهى النشوة وأنا أستمع لكوكب الشرق وارتشف الشاي الساخن الطيب ..كان شوية أغلى في هذا المقهى لكنه منعش والجلسة فيها ممتعة ..الف شكر على كل ما تفضلت به من كلمات عن هذا المقهى ورحم الله صاحب المقهى الذي كان حينها موجوداً في ذلك الزمان ..


3 - سؤال
منير كريم ( 2021 / 3 / 15 - 14:10 )
تحية لك وشكرا على مقالك الجميل
هل انت تمتين بصلة الى استاذ الرياضيات الاسبق واصل الظاهر ؟
اجمل التمنيات


4 - شكرا
قاسم علي فنجان ( 2021 / 3 / 15 - 15:46 )
كل الشكر والامتنان على هذه المقالة الرائعة حقيقة كان توثيق ممتاز ورحلة طويلة وذكريات جميلة
الذكر الطيب للراحل خالد الذكر عبد المعين الموصلي ولك خالص التقدير

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟