الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الفصل الأول من كتاب تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر للباحث محمد الأمين البزاز

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2021 / 3 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


محمد أمين البزاز الباحث والمؤرخ المغربي، ولد شمال المغرب تحديدا بمدينة أصيلا سنة 1942م. ونشأ وترعرع بها، وتابع فيها دراسته الابتدائية والثانوية. ثم التحق بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط سنة 1964م. استمر على منوال الجد والمثابرة في تحصيله العلمي حتى حصل على دراجات وشواهد علمية أكاديمية، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا ثم نال شهادة الدكتوراه.
اشتغل الباحث أمين البزاز استاذ التعليم الثانوي، ثم أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط. يعتبر من أوائل الباحثين والمؤرخين المغاربة الذين اهتموا بالبحث والتنقيب في الحقل التاريخي، وما عرف بالتاريخ الاجتماعي عموما، وتاريخ الأزمات على وجه الخصوص ، فأصدر عددا من المقالات والكتابات العلمية في هذا المجال أثرت الخزانات المغربية، وأضافت لها قيمة علمية مضافة من بينها: دراسات في تاريخ المغرب، المجال الصحي بالمغرب 1792ـ 1929م.، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين 18 و19. وغيرها. توفي أمين البزاز سنة 2012م.
هذا عن الكاتب، أما الكتاب الذي نحن بصدد قراءته فهو تحت عنوان " تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب خلال القرن الثمن عشر والتاسع عشر" فهو كتاب من الحجم المتوسط، صادر عن كلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة محمد الخامس بالرباط ـ المغرب ضمن ننشوراتها لسنة 1992م. يتكون الكتاب من 433 صفحة. قسمه الكاتب إلى مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. إضافة إلى اللائحة البيليوغرافية.
ويعتبر هذا الكتاب من بين المراجع المهمة التي لا يستغني عنها أي باحث مهتم بالبحث في تاريخ الأزمات بالمغرب. وهذا الأمر أكده المؤرخ جرمان عياش بشهادته التي أوردها في تقديمه لهذا الكتاب.
ففي المقدمة صرح الباحث بأسباب ودواعي اختياره هذا البحث، وركوبه المغامرة في نبش التاريخ السلبي للمغرب، وهو تاريخ ممتليء بالأزمات والكبوات والصرعات الطاحنة مع الأوبئة. وفي وقوفه على أبرز المحطات الحرجة التي نشأ عنها الخراب والدمار. يقول إنه وقف عندها لملء فجوات ومساحات فارغة من تاريخ المغرب. ولفتح مجال جديد للبحث في حقل التاريخ الاجتماعي، أي النظر إلى التاريخ من الأسفل، عكس جمهرة من الباحثين الذين توجهت اهتماماتهم وعنايتهم فقط إلى الوقائع الحربية والسياسية معتبرين إياها جوهر الماضي. كما تركز اهتمامهم على فترات الازدهار، والانتصارات المشرقة للمغرب. كما حبذ الربط بين هذين الحقلين، في نسق يجمع بين السياسي والديموغرافي والاقتصادي في منظومة متكاملة موحدة. كما وضح أيضا أنه اهتم بهذا الشأن منذ سنوات مضت من خلال انجازه لدراسة مفصلة. ليبين الاعتبارات التي جعلته يختار تحديدا القرنين 18 و19م. كما عرض في مقدمة الكتاب أيضا الخطة التي اتبعها في انجاز الكتاب. وقام بعرض ونقد مجموعة من المصادر والمراجع والوثائق التي اعتمدها في الدراسة.
أما الباب الأول الذي عنونه ب" المغرب بين المجاعة والطاعون والحروب الأهلية 1721ـ 1826. فقبل أن يفتح ملف الأوبئة، وضع مدخلا صغيرا قام فيه بعرض الأحداث السياسية والاقتصادية التي كان عليها المغرب في تلك المرحلة. كما قام بدراسة أنثروبولوجيا وطبونميا أحوال المغرب ومناطقه. وذلك من خلال رصد العلاقة بين الإنسان والأرض، والقانون الديموغرافي الذي يميز طبيعة السكان، ويحدد أنشطتهم الاقتصادية كمصادر الإنتاج، وطبيعة الغذاء المعتمد كوجبات أساسية لسكان المغرب آنذاك. إلا أن الإشكالية التي واجهته هي الاحصائيات لمعرفة عدد السكان، لأن نظام الحالة المدنية لم يظهر إلا سنة 1912م. الشيء الذي جعله يستند إلى الإحصائيات التي اعتمدها بعض المؤرخين، ولا يؤكد على صحتها أو ضعفها.
في الفصل الأول الذي عنونه ب" مجاعتا (1724ـ 1721) و (1737ـ 1738م.). وطاعونا منتصف القرن 18م. وقد قسم هذا الفصل إلى قسمين: القسم الأول عالج فيه إشكالية المجاعة التي دمرت البلاد، وأفنت كثيرا من العباد بالمغرب في بداية القرن 18م. ففي 1721و1724 شهد المغرب المجاعة الأولى في هذا العصر. فقبل وفاة المولى إسماعيل السلطان الحاكم في المغرب آنذاك بأربع سنوات، انتشرت فوضى عارمة في المجتمع، بسبب القحط والجفاف والمجاعة، بل أكثر من ذلك، توالت أربع سنوات كاملة من الجفاف، كان سببها انحباس الأمطار، علما أن الانتاج الاقتصادي معتمد بالأساس على الزراعة المعيشية المسقية بالأمطار، إضافة إلى تربية المواشي ... وقد سمى الكاتب هذا النوع من النشاط بـ "اقتصاد الكفاف". ومعلوم أن هذه الظروف نتج عنها ارتفاع أسعار المنتوجات الغذائية، وخاصة أسعار الحبوب ...الشيء الذي جعل ملامح مدينة فاس تكاد تندثر، بعدما أغلقت المدينة أبوابها، وخلت بيوتها من السكان فقراء كانوا أو أغنياء. وقد عانى الرعايا اليهود مثل باقي سكان المغرب البؤس والجوع والفقر الكثير. فوصلت حصيلة الخسائر في صفوفهم 2000 ضحية ، ولتفادي الهلاك لجأ 1000منهم لاعتناق الديانة الإسلامية كحيلة لجلب عواطف المغاربة ليساعدوهم على التخلص من الجوع.
وفي ظل هذا المشهد المأساوي الذي عانته الإنسانية في المغرب، كان من الصعب على الباحث أمين البزاز أن يحدد الخسائر التي كبدتها هذه المجاعة المغرب والمغاربة. وذلك لعدم وجود إحصائيات سكان المغرب عموما والملاح خصوصا. لكن ما كان متؤكدا منه أنها تسببت في نزيف ديموغرافي كبير. وقد استشهد الكاتب على ذلك برواية القادري الذي يقول إن سنة 1721م. عرفت بعام الصندوق لشدة المجاعة، ومعناه أن العجين أي الخبز كان يحمل إلى الفرن في الصندوق لكثرة من يتحاطحنون عليه في الطريق. ووصلت الحال ببعض الناس في فاس إلى أكل الموتى من بني آدم والجيف من الحيوانات والطيور. ولم ينقذ اليهود المغاربة من هذه المأساة إلا المساعدات التي كانت تأتيهم من إخوانهم البرتغاليين. لكن المغاربة من غير اليهود عانوا كثيرا، الأمر الذي دفع بعضهم إلى امتهان الاسترقاق، أي بيع أنفسهم أو أبنائهم أو نسائهم رقيقا.
مرت المجاعة الأولى، وبدأت الأوضاع تستقر نوعا ما، وبدأ المغرب يسترجع أنفاسه، ويسد رمق جوعه، لكن سرعان ما عادت المجاعة الثانية أشد وأنكى، وذلك ما بين سنتي 1737ـ 1738م. فعانت البشرية من جديد من المجاعة والبؤس والأمراض. وعدم القدرة على مواجهة قساوة الطبيعة. تحدث الباحث محمد أمين البزاز عن مظاهر هذه المجاعة ومنها انتشار هدير الموت مع نهاية 1737م. كان الناس يتساقطون صرعى جوعا في أزقة مدينة فاس ومكناس، مما جعلهم يفرون ويتشتتون في الآفاق. كما انتشرت ظاهرة اللصوصية، وكثر قطاع الطرق بشكل كبير سواء في المدن أو في القرى. واستمرت الوضعية على هذا النحو إلى أن قام الناس بزراعة الحبوب وحصادها، وبدأ انفراج الأزمة. لكن التجار الأوروبيين استغلوا هذه الفرصة، حيث عرفت مراسي الرباط وتطوان حركة واسعة، بتوافد السفن عليها، الشيء الذي أعطى الفرصة لنقل الحبوب واستيرادها من الخارج. لكن أصحاب هذه الحركة واجهتهم عدة صعوبات ومنها انعدام الأمن في سبل نقل هذه الحبوب، خاصة وأنها كانت تحمل فقط على الدواب. ومما ساعد السكان على الخروج من المجاعة عودة الأمطار الغزيرة التي أنقذت الموسم الفلاحي الجديد، فعاد الأمل الى قلوب الناس بعد يأس طويل.
لينتقل الباحث إلى الحديث عن طاعون منتصف القرن 18م. وقسم الكلام عنه إلى قسمين: القسم الأول ناقش فيه الطاعون الأول ( 1742ـ 1744م.) في هذه الفترة ضرب الوباء كل من تونس والجزائر ومصر، ثم انتشر على الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط. لكن السؤال الذي يطرح هنا هو كيف دخل هذا الوباء إلى المغرب؟ وفي إطار البحث عن السبب، وجد أن بعض المصادر المغربية يفهم منها أن الطاعون ظهر في المغرب بعد اضطرابات جوية عنيفة، ذكر هذا ابن الحاج. ص.53. ولكن البعض الآخر قال إن التجار الأجانب هم الذين أدخلوا الطاعون إلى المغرب، وأن جنود الوحدات المقاتلة هم الذين لعبوا دورا مهما في نشره. أولا، على طول محاور تنقلاتهم، وثانيا بعد عودة بعضا منهم إلى مواطنهم الأصلية.ص.55. وهكذا ساهمت الحروب والتخريب الذي نتج عنها، وأعمال النهب، وتفشي الخوف، واشتداد الغلاء، وانتشار الجوع خاصة في مدينة فاس التي تعرضت إلى المجاعة الطاحنة، ساهم كل هذا في تجدد تشتت سكان مدينة فاس في عدة مدن بحثا عن لقمة العيش. فهذه العوامل ساهمت طوال زمن الوباء في نشره، إلى أن عرف امتدادا جغرافيا واسعا.
أما الطاعون الثاني (1747ـ 1751م.)، فإنه كان امتدادا لسابقه، لكنه هذه المرة أخذ منحى معاكسا للأول، حيث بدأ من الجنوب، عكس السابق الذي نشأ في الشمال. ليختم الباحث هذا الفصل بحصيلة عن النتائج التي خلفها الطاعون من دمار، ونزيف ديموغرافي، قد يكون أكثر بكثير من خسائر الحروب؛ حيث قدم مجموعة من الإحصائيات المتعلقة بالموتى الذين خلفهم الطاعون والمجاعة. فزعزعت هذه الخسائر كيان الدولة، وخلفت أثارا وخيمة في هيكلتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مستشهدا بروايات بعض المؤرخين كالزياني والقادري.
وفي الأخير، يمكن القول إن الباحث أمين البزاز كان أكاديميا في طرحه هذا الموضوع، محاولا وضع إطار منهجي له بتقسيمه إلى فصول، ووضعه تصميما محكما له مما جعل فصول الكتاب ومباحثه متساوية. وقد استطاع أن يفكك ويحلل أهم الروايات التي عرضها مستشفا منها الإحصائيات والأرقام التي اعتمدها في الحصيلة. كما كان ذكيا في استعماله للمفاهيم والمصطلحات التي ميز بينها لكي لا يقع القاريء في الخلط، فتلتبس عليه الإشكالية، ويصعب فهمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و