الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام ... آخر همسة .. وغروب الآلهة ؟

داود البصري

2003 / 5 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

{ شلون القراءة شي على شي ؟ } .. بهذه العبارة المقتضبة والساذجة والتي تخفي ورائها كل مرارات الهزيمة والرحيل والإنحدار والتلاشي أنهى صدام خطبته الإنهزامية التي لم تبثها الفضائية العراقية ، بل تناقلتها وكالات الأنباء الدولية كدليل على إستمرارية صدام في الحياة وعدم مصرعه ، وتنقلاته المستمرة باحثا عن الأمن والأمان ممنيا النفس بعودة قادمة لعرش ضاع وتلاشى في خضم سنوات العبث والدمار الطويلة والكارثية التي هيمن فيها وأسرته على حكم العراق بالحديد والنار ، وتركه هاربا بعد أن أشاع الخراب والدمار في كل جزء من أجزائه ونجح بإمتياز في جعل بلاد الرافدين ودرة العرب الإسلام عطشى مستلبة تنادي القريب قبل البعيد ، وتندب حظها العاثر ، ولم يخلف البعث المهزوم وقائده الهارب بعد كل عقود الهيمنة سوى مقابرا جماعية ، وسجونا سرية تحولت لقبور ، وقبور بلا شواهد ، وشهداء بلا هوية ، وثكالى وأرامل وأيتام ومشردين يفترشون الخارطة العراقية ويتوزعون على نتؤاتها وزواياها ، ترى كم كان سيتغير الزمن والمصير وخارطة الأحداث لوكان صداما قد إستمع لصوت العقل ولو لمرة واحدة يتيمة في حياته ؟ وكم كانت الصورة ستختلف لو رضي صدام بالإنسحاب السلمي من السلطة وجنب نفسه وبلده وشعبه كل هذا الدمار المعاش ، وكل صور المستقبل الغامضة ، وكل المآسي التي حدثت أو التي ستحدث ؟ ولكنها عقلية الطغيان ، ونفسية الفرد القائد / الإله الذي جعلته سنوات الهيمنة الطويلة يتصور أنه قد تحول لإله لايمس ، ولضرورة لاغنى عنها ، ولرمز لايضارع! ولم يكن كل ذلك سوى تصورات مريضة لحاكم مريض خلق منه الإستبداد وعدم المعارضة فرعونا جبارا يتصور أن الكون يسير بإرادته ، وأنه فوق حقائق القوة ، وأن الأوهام من شأنها أن تخلق منه البطل القومي المنتظر في ظل منظومة الكذب الشامل المحيطة به والتي تغذي تصوراته المريضة المبنية على الزيف والدجل والإنقطاع عن الواقع المعاش ! ، ولقد كان منظر صدام وهو يسجل آخر بياناته الهزيلة مثيرا للشفقة وهو يتعثر بالكلمات ، ويطلب العون والمشورة من المصور ومن خادمه ويسأله عن رأيه في قراءته للخطاب وكأنه تلميذ في السنة الأولى من الإبتدائية وليس رئيسا لعقود طويلة ، ومشروع زعامة قومية عربية مفترضة تكرست ونهبت طاقات العراق لترسيخها ولم تنجح؟ .. فهل تكون النهاية بمثل هذه الصورة الهزلية السوداء؟.. فما سمعناه لم يكن خطابا بل كان همسا لقائد عاجز وفاشل يحاول التعلق بأهداب شعارات يعلم هو قبل غيره مقدار زيفها وتهاويها كتعليقه الدائم والذي يفضح أكثر مما يستر بقوله الدائم :{ عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر }!! بينما هو لايستطيع الدفاع عن بيته ونسائه وممتلكاته ؟ فهل بهذه الطريقة البائسة العجفاء تدار الأوطان وتساس الشعوب ؟ وهل يعبر التهاوي السريع لسلطة ماتأسست إلا على القوة عن تجربة ثرية وغنية لحكام عرب آخرين من أن قوتهم مهما عظمت في إضطهاد شعوبهم وكسر إرادتها إلا أنها لاتعني شيئا أمام صراع القوة الحقيقي ؟ فلماذا إذن كل هذا التجبر ، وكل ذاك الطغيان ؟ ولماذا توضع الشعوب في موازين تصرفات قادة غير مسؤولين لتدفع الأجيال البريئة أثمانا باهظة لسياسات حمقاء ليست مسؤولة عنها ؟.

يقينا أن مصير صدام حسين سيظل نموذجا ثريا لحكومات وأنظمة عربية أخرى إستوعبت الدرس المأساوي العراقي جيدا! لتتقبل التغيير السلمي ، ولتمارس لغة الحوار الدبلوماسي ، ولتبتعد عن التلويح بالقوة، وكما حصل لنظام الرئيس بشار الأسد في دمشق الذي لانشك في  إنه إستوعب الدروس التي فات على صدام حضورها! ، وفرمل مواقفه وأقواله قبل أن يلوت وقت مندم .. وساعتها لايفيد البكاء ولا العويل ولاتنفع الشعارات الرنانة! ... لقد غربت وإلى الأبد في منطقتنا العربية شموس ( الحكام الآلهة) .. وباتت معالم التغيير واضحة وجلية ومفروضة للأسف من الخارج بعد أن فشلت كل صور شعوبنا النضالية بترشيد تلك الآلهة الصماء التي تتكفل الآلة الأميركية الجبارة وحدها اليوم بتطويع من كان يتصور أنه عصي على التطويع ... لقد كانت قراءة صدام الأخيرة خاطئة ككل قراءاته السابقة؟ ولكنه وهو مشرد وطريد اليوم سيعلم بأن العالم العربي قد تغير .. وبأن الأوثان الحاكمة قد إنسحبت لمتاحف التاريخ الطبيعي؟ ... فهل تستحق شعوبنا هذا النوع من التغيير فقط ..؟

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا