الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبذة تاريخية عن مقاومة ابناء الكاظمية ضد انقلاب 8 شباط 1963

محمد رضا عباس

2021 / 3 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


مازلت اتابع ما ينشر عن اخبار الانتفاضة الشعبية التي انطلقت عقب الإعلان عن بيان رقم 1 يوم الجمعة الثامن من شهر شباط عام 1963 في العراق. لقد قرات الكثير عن اخبارها ولكن هذه الاخبار لم تعط المساحة الكافية لأخبار انتفاضة مدينة الكاظمية، واعتقد انه ليس من العدل والانصاف اغفال هذا الموضوع، ولا بد ان يضع اسم هذه المدينة الكريمة في كتب التاريخ انصافا لمعاناة من كان ضحية هذا الانقلاب، والذي ذهب ضحيته الالاف من خيرة أبناء الشعب العراقي باسم العروبة والقومية.
لقد كان عمري آنذاك خمسة عشر سنة، عندما انقطع بث إذاعة محطة بغداد صباح يوم الجمعة لفترة وجيزة، ومن ثم خرج صوت مرتبك يقول لقد تم القضاء على الطاغية عبد الكريم قاسم، ومن بعدها قراءة بيان " رقم واحد" , والذي اصبح معروفا عند العراقيين بعد هذا العام . وحال سماع أبناء المدينة هذا الخبر، أغلقت المحلات التجارية أبوابها، وبدأت تجمعات الشباب تنتظم في شوارع المدينة، وهم ينظرون بدهشة الى طائرات الميك الروسية وهي تقصف وزارة الدفاع في بغداد.
لقد كان الاعتقاد السائد، انه لا امل لنجاح هذا الانقلاب نظرا لشعبية الزعيم الراحل وخاصة بين الطبقات الفقيرة، وقد تسربت اخبار تقول ان تظاهرات ضخمة قد خرجت في بغداد تدعم الزعيم الراحل وتندد بالانقلاب وتطالب بالسلاح من اجل حماية الثورة، الا ان الزعيم رفض الطلب، وطمئنهم ان قطاعات عسكرية قادمة للقضاء على الحركة الانقلابية.
التجمعات الشبابية في الكاظمية تحولت الى تظاهرات توجهت الى مركز شرطة الكاظمية في منطقة الشوصة، الا ان الشرطة ردت على المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي مما أدى الى جرح عدد من المتظاهرين واستشهاد اخر، وهو اخ عنتر الحمال، وعنتر مازال حيا ومعروفا من قبل اغلب أبناء الكاظمية.
لم تنام الكاظمية ليل 8 شباط لكثافة أصوات الكلاشنكوف والمدافع، ولم يدخل الجيش العراقي المدينة الا بعد ثلاث أيام، بعد ان تموضع في شارع المحيط، الشوصة، وباب الدروازة , ولكنه لم يستطع دخول الاحياء السكنية بسبب عنف مقاومة شباب المدينة . لقد شاهدت بأم عيني المسلحين وهم لا يحملون الا سلاحهم الشخصي، ولكن مقاومتهم للجيش كانت عنيفة وباسلة.
بقيت احياء المدينة محاصرة، وقطع منها الكهرباء والماء، وبدء طعام اهل المدينة ينضب وهم في شهر رمضان، فاضطروا الى استعمال مياه الابار واشعال الاخشاب للتدفئة في تلك الأيام الباردة من شهر شباط والتي كانت مصحوبة بزخات مطر. وفي اليوم الخامس من عمر الانقلاب استطاع الجيش بدخول الاحياء السكنية نحو فضوة الشيخ ال ياسين بعد ان اقصفت الدبابات البيوت المؤدية الى الفضوة وبالتحديد دار المرحوم سليم دروش ودار أخيه المجاور له. كان الجيش الذي دخل فضوة الشيخ بقيادة العقيد نصرت عبد الكريم. وبعد ان احتل الجيش فضوة الشيخ بدون مقاومة خرج السكان من بيوتهم، ولا انسى ان احدهم كان صاحب شارب كثيفة، وهو ابن بائع مرطبات في باب الدروازة , وحال ان شاهد العقيد نصرت عبد الكريم هذا المواطن بشاربه دعاه بانه شيوعي استاليني وان يذهب حالا بحلقها والا قتله . وبالفعل دخل هذا المواطن داره ليخرج بعد دقيقة واحدة وهو حليق الشارب. وفي هذه الاثناء سمعنا خبر اعدام الشهيد سعيد متروك على حائط اعدادية الشعب القريبة من منطقة البحية .
لقد ساعد دخول الجيش الى احياء مدينة الكاظمية جماعة المغفور له الشيخ محمد الخالصي , وهي جماعة شديدة العداوة مع الحركة الشيوعية في المدينة ومتهمة بقتل اكثر من مواطن بسبب معتقده السياسي , وأصبحت اكثر ضراوة وتسليحا بعد انقلاب 8 شباط واصبحوا عين الانقلابيون في مدينة الكاظمية .
لقد القى القبض على معظم سكان الكاظمية بعد ان دخل الجيش لها ، وخاصة الشباب منهم حتى ضاق بهم توقيف مركز شرطة الكاظمية فاضطرت القوى الأمنية بتحويلهم الى اعدادية الكاظمية القريبة من تانكي (خزان)ماء الكاظمية بجانب كازينو ال كنعان. وأخيرا، قرروا تقديم 28 شابا الى المحكمة العسكرية الخاصة بتهمة مقاومة الانقلاب وانضمامهم الى الحزب الشيوعي العراقي، وكان من بين هؤلاء حسب ما أتذكر، الأستاذ المغفور له عبد الرسول محمد امين، والمغفور له ناظم لا أتذكر اسم والده، وصباح أخو أبو سطاي بائع السمك المقلي في باب الدروازة.
وهنا انقل قصة محاكمة الشباب البلغ عددهم 28 فردا، حرفيا من لسان المرحوم عبد علي محمد امين، اخ المرحوم عبد الرسول، حيث قال لي انه استطاع جمع 1000 دينار عراقي (في ذلك اليوم المبلغ كان يكفي لشراء بيت من أربع غرف) من اجل الاجتماع مع المدعي العام للمحكمة العسكرية راغب فخري. وبالفعل تم مقابلته، وقال للزائرين له انه مستعد بالطلب من المحكمة بتخفيض حكم الإعدام الى المؤبد اذا وافق المتهمون بإعلان البراءة من الحزب الشيوعي العراقي والتنديد بفهد (مؤسس الحزب الشيوعي العراقي) وبالينين زعيم الثورة الروسية ومؤسس دولة الاتحاد السوفيتي. وفعلا توجه ذوي المتهمين الى ابناءهم في السجن ونصحوهم بما طلب منهم المدعي العام راغب فخري، الا ان المتهمين قد رفضوا رفضا شديدا لهذا الطلب وطردوا ذويهم وفضلوا الموت على البراءة، وهكذا حكم المحكمة عليهم بالإعدام شنقا حتى الموت.
وفي ليلة تنفيذ حكم الإعدام بالشباب المتهمين قام ذوي المحكومين ووجهاء البلد بالاتصال بالمرحوم الشيخ محمد الخالصي والذي كان له مكانة خاصة لدي الانقلابيين، وطالبوه بالتدخل لإنقاذ ابناءهم من الموت. وبالفعل استجاب المغفور له الشيخ الخالصي واتصل بعبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية آنذاك وطالبه بإلغاء حكم الإعدام، وقد استجاب له رئيس الجمهورية وخفضه الى الحكم المؤبد، وبعد خمسة سنوات تم إطلاق جميع المعتقلين وسط افراح أهلهم واحبائهم، ولكنهم خسروا كل شيء ولم يكن معهم الا حب العراق. ولكن النظام الجديد ابى الا ان يترك جرح عميق في قلوب ال موسى، لقد كشف كتاب صدر بعد تشرين 1963 عن مصير شهيد العراق والكاظمية وبطل العراق في كمال الاجسام الشهيد ناصر بن جودي صمد، وكان والده مخللاتي، حيث ذكر الكتاب ان الشهيد ناصر قد مات في غرفة التعذيب، وبسبب قامة الشهيد الطويلة، فقد قام جلاوزة النظام بتقطيع جسده حتى يكفيه التابوت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام