الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجاهة المنطق في منطق المواجهة وضده

فيصل علوش

2006 / 7 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


منطق جديد إزاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي برز في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب. فها هو وزير عربي يعلن جهاراً نهاراً وبالفم الملآن، أنه مرفوض جملة وتفصيلاً الانجرار وراء «عناصر غير منضبطة وغير مسؤولة» تدفع وتورط الدول العربية بـ«مغامرات غير محسوبة» تضر بالمصالح العربية و«تتيح لإسرائيل وأطراف أخرى من خارج الوطن العربي العبث بأمن الدول العربية».
وإذا أردنا الابتعاد عن إغواء استخدام أحكام القيمة والتراشق بألفاظ ونعوت التخوين أو المديح والتهليل، وحاولنا تلمس الأسباب والسياقات التي أفضت إلى بروز مثل هذا المنطق، لأمكننا التوقف عند النقاط التالية:
1ـ لا ريب أن مثل هذا المنطق ليس جديداً تماماً، حيث يمكن عطفه مثلاً على الجدل الذي أثير في السنوات الأخيرة حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي واستخدامه كيافطة مخادعة لتمرير الكثير من السياسات والمواقف. بما يخدم بعض الأنظمة ودوام بقائها وإمساكها بدفة الحكم، كاللجوء إلى القمع والعمل الدائم بقانون الطوارئ والأحكام العرفية.
بيد أنه لأول مرة يعلن هذا المنطق عن نفسه، على لسان مسؤول عربي ومن على منبر رسمي، بهذا الجلاء والوضوح ومن دون أي حرج أو لبس. مستنداً إلى أن وجاهة منطقه باتت تتحصل بالدرجة الأولى من ضعف وتهافت المنطق الآخر، منطق المواجهة والمقاومة، الذي ما أنفك يفترض أنه من الصحيح والواجب «ألا يعلو صوت فوق صوت المعركة» بصرف النظر عن طبيعة هذه المعركة وحيثياتها، والذي ما أنفك يفترض أيضاً أن على الجميع المسارعة، طوعاً أو كرهاً، إلى منحها (المعركة) كل أسباب الدعم والمساندة، بصرف النظر عن مستوى الإجماع الذي يمكن أن تحظى به، داخلياً في البلد المعني (لبنان)، خصوصاً إذا قامت على مصادرة قرار الحرب والسلم والعبث به، أم على المستوى العربي (لننظر مثلاً أن الانقسام الحاصل في هذه الحرب لم يكن قائماً في حرب 1973، أو اجتياح 1982) ناهيك عن مكانها وتوقيتها والأطراف التي لها مصلحة فيها أو يمكن أن تخدمها ….الخ
من أسف، أن «عملة» هذا المنطق باتت عتيقة في الزمن الراهن ولم تعد رائجة أو قابلة للصرف، كما كان عليه الحال من قبل، هذا أقله في نظر أصحاب المنطق الجديد ومؤيديهم. فلسان حالهم يقول: «مهما كانت قداسة القضية، التي تراجعت كثيراً أصلاً، فإنها لم تعد منفصلة عن الثمن المدفوع».. أفليس من حق المواطن اللبناني العادي أن يتساءل مفجوعاً، وبمنطق واضح وبسيط، «إلى متى سيبقى لبنان يدفع وحده ثمن الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟!».
2ـ وجاهة هذا المنطق تتأتى كذلك من شبهة ارتباط المقاومة، أو هذه المواجهة تحديداً، بأجندة إقليمية غير خافية في نظر كثير من العرب، على الرغم من أنها تحاول تسويغ موجباتها تحت يافطة تحرير الأسرى ودعم الفلسطينيين في غزة.
شبهة الارتباط هذه تتصل كذلك بنتائج الحوار الوطني اللبناني والخلافات القائمة حول سلاح الحزب ودور المقاومة في المرحلة الراهنة واحتمال وجود نية مبيتة لخلط الأوراق وإعادة ترتيب الأولويات. هنا يتساءل كثيرون! هل يمكن فرض التزام الدفاع عن المقاومة ومواجهاتها على جميع الأطياف خاصة في بيئة تعددية كالبيئة اللبنانية؟ أم أن المنطق يقتضي القول: إن مثل هذا الالتزام إما أن يأتي طوعاً أو لا يأتي. هنا تنبثق أهمية الحاجة لوجود تفاهم مسبق على عمل المقاومة ومداها وأهدافها. إذ ليس ثمة وجود لمقاومة خالصة ومنزهة تقوم لوجه الله تعالى فحسب.. فالمقاومة لا يمكن فصلها في أي حال عن النزوع والتوق إلى السلطة والإمساك بها، ولو صح غير ذلك، لعفّت «حماس» عن مغنم الحكومة!.
3ـ وجاهة المنطق الجديد تُكتسب من كون المقاومات القائمة هنا أو هناك، في العالم العربي، تنمو ويقوى عضدها، على حساب وجود الدولة ذاتها، وبما يمكن أن يؤدي إلى إضعافها أو تفكيكها وتفتيت مؤسساتها، أو حتى تقسيمها..
مع ملاحظة أن تلك المقاومات تفتقر عموماً إلى الصفة الوطنية الجامعة وإلى برنامج وطني موحد، ولا تحوز غالباً على إجماع الرأي العام حتى وهي في ذروة نشاطها وفعاليتها، على عكس حركات المقاومة الوطنية التي شهدتها بلدان عديدة، سواء في العالم العربي، أم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، والتي كانت بعيدة كل البعد عن النزوعات والولاءات الطائفية أو الدينية. هذا فضلاً عن تناول صدقية الأطراف الداعمة لهذه المقاومات والحليفة لها، وطبيعة الوظيفة والأهداف المتوخاة من وراء هذا الدعم.
لكن، وبالمقابل فثمة الكثير من النقاط والعوامل التي تطعن في المنطق الجديد ووجاهته، خصوصاً إذا ما نظرنا إليه من زاوية المراجعة النقدية الواجبة لأحوال العرب ومدى الدرك الذي وصلوا إليه في الانحطاط، بعيداً عن الانفعال أو ردات الفعل الطارئة، عنيفة كانت أم باردة، على هذا الحدث أو ذاك.
فقد يصح، في المنطق النظري المحض، أن نحمل مسؤولية الأوضاع المتردية التي يعاني منها العالم العربي إلى «السياسات غير المدروسة، والقرارات المرتجلة والانفعالية، التي تجيء نتائجها كارثية دائماً، وتقود إلى المأساة تلو المأساة».
بيد أنه يصحّ التساؤل أيضاً، خصوصاً حين يصدر الكلام السابق من موقع عربي رسمي، عن السياسات البديلة التي كان يمكن أو من الواجب اتخاذها، وكان يمكن أن تشكل مثالاً يقتدى به. لكنها لم تتخذ.
فإذا كان قد آن الأوان حقاً «للمصارحة مهما كانت جارحة، وللمكاشفة مهما كانت مؤلمة» وللتداول الجاد في منهجية فعالة وإستراتيجية جديدة للعمل العربي «توفر له أسباب النجاح وتجعله جزءاً من الحل بدلاً من أن يكون جزءاً من المشكلة» فإن هذا يستوجب مراجعة كاملة، تتوافر فيها كل أسباب الجرأة والصراحة اللازمة للمراحل السابقة من العمل العربي والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه وعليه، بدءاً مما فعلته الأنظمة العربية في داخل بلدانها ولشعوبها الصابرة (التنمية، البنى التحتية، الخدمات، الحريات...). وانتهاء بالقضايا القومية، خصوصاً المتعلقة منها بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، بغية الوصول إلى حّل عادل ومقبول، أقله حتى لا يبقى ساحة مفتوحة لأطراف «مغامرة وغير منضبطة» تلعب وتعبث به كما تشاء. هل فكّر النظام العربي الرسمي يوماً بتوظيف كافة طاقاته وإمكاناته وقواه في سبيل إنهاء هذا الصراع ووضع حد للعنجهية والغطرسة الإسرائيلية؟
هل سُخّرت مثلاً في سبيله ذات الأموال والإمكانات وأشكال الدعم التي قدمت لـ «الجهاد» في أفغانستان؟!
في هذا الصدد، وعبر المنطق المحض ذاته، يجدر بنا أن نعرّج قليلاً على مسألة «المقاومة» وارتباطاتها، فـ «الجهاد» أو «المقاومة الأفغانية» لم تفلح ولم تنجح أبداً لولا ارتباطاتها الإقليمية والدولية المعروفة، وأجندة تلك «المقاومة» لم تنفصل يوماً عن «أجندة» الأطراف الحاضنة والداعمة لها. ولا أظننا نجانب الصواب إن قلنا «لا وجود لمقاومة بمعزل عن حاضنة وأطراف تمدها بأسباب الوجود والانتصار». فلكي يستقيم الحديث إذن عن «شبهة الارتباط» والأطراف الداعمة للمقاومة اللبنانية أو الفلسطينية لا بد من الخوض في نقاش المصالح والأهداف العربية، ومدى تقاطعها أو تعارضها مع مصالح وأهداف تلك الأطراف؟
وما يجدر تثبيته هنا أن التدخل والدور المتاح للأطراف الإقليمية (إيران) مثلها مثل أي دور خارجي، لا يتحصل إلا على خلفية الضعف والعجز العربي الداخلي، والفراغ الذي يخلّفه ذلك في ساحة الفعل السياسي في هذه الدولة أو تلك. فرد الأطراف الخارجية أو الإقليمية عن الداخل العربي، أو إضعاف قدرتها على الفعل والتأثير فيه يلزمه أولاً توفير أسباب المناعة والحصانة الداخلية على الصعيد العربي العام، وفي كل ساحة قطرية على حدة، وهذا يحتاج أول ما يحتاج إلى إطلاق الحوار الوطني والديمقراطي العام في كل ساحة من تلك الساحات، الحوار الذي لا تنقصه المكاشفة والمصارحة، تحت مظلة وطن واحد للجميع لا امتياز فيه لأحد على أحد، ولا وجود فيه لسادة وعبيد!.
إن تمادي إسرائيل في عدوانيتها وصلفها ضد العرب، وإطلاق يد القوى الإقليمية والدولية لتسرح وتمرح في مياديننا العربية، ما هو إلا انعكاس وتعبير، من غير رتوش، عن مستوى الحال الذي وصلنا إليه. يبدو إذن ما يجري بمعنى ما وكأنه منطقي!. فهل في هذا أي وجاهة منطقية؟!.#








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24