الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذاكرة امراة اسمها حياة

صلاح حسن رفو
(Salah)

2021 / 3 / 16
أوراق كتبت في وعن السجن



مقاطع متفرقة لقصص كثيرة

خفٌ ضائع يطيرُ في اروقة الظلام المحمل بذراتٍ هواءٍ رطبة لتلك القاعة الطويلة، الخف المقطوع يرتطمُ بوجه ذلك الطفل البصراوي الناعس ليث،اخته امل تشتكي كالعادة بحسرة من الرامي المعروف:" الله يخليك"...ارحمنا من رميات احذيتك غير المتقنة في هذا السجن الموحش والتي تزيد هموماً على همومنا المتراكمة. يقـهقـهُ جردو في سره وهو يبحث عن اية ردة فعلٍ لكي يركض او يهرب او يتعارك مع ايٍ كان، اي شيء يغيرُ من هذا النظام الرتيب، وهذا السكون المميت لنسوةٍ كسولات، مريضات، ينمنَ طول النهار، او يبدئن بالأنين والنواح بصوتٍ مبحوح.
قصة عائلة الفتاة امل واخواتها الصغار ليث وثائر وامها وجدتها ليست فيها اية غرابة كقصصنا تماماً، فوالدها متهمٌ بأنتمائه لحزب الدعوة الاسلامي، وهاربٌ الى ايران ولأجله يسخر الحراس بين الحين والاخر من جدتهم العجوز بقولهم:" الايرانيين كم تومان ينطون لأبنج؟!".
هذه العائلة ترافقها الشابة رجاء واخيها الصغير النحيف الممزق الثياب، الصدفة السيئة جعلت منهما في ضيافة بيت خالهم ابو امل ليحتجزهما الامن مع تلك العائلة، ورغم زعم رجال الحكومة بأن خروجهم من السجن مسألة وقت، الا انهم اذاقوا مر العذاب والانتهاك والانتظار في مديرية الامن لأربعة اشهر متتالية لحين مجيئهم اخيراً لهذا السجن.
لم تمر سوى دقائق معدودة من نداءٍ امل او شكواها واذا بجردو يرمي نعاله الثاني لا على التعيين من اجل عركةٍ جديدة او فوضى محتملة، تشتكي النساء من جديد لدى سيفي والدة جردو لافعالِ ابنها الشنيعة و المتكررة، تنهض سيفي من قيلولتها الطويلة لتعنف ابنها وتخبره بعيونٍ مازحة وبلغة كوردية لا يتقنها الا نحن: ما دمت لم تؤذي بحذاءك او افعالك اولاد الشيخة _تقصدني_فلا مشاكل كبيرة بيننا ولا عقوبة تنتظرك سوى صراخي المفتعل ، لكن اعلم ان اغضبتها فقد اغضبتَ جميع اوليائنا واسلافنا الصالحين، غضبها سيُطيل فترة بقائنا هنا وسيعقد كل حلول السماء لحريتنا يابني. في خضمٍ اندهاش وتجاوبِ جردو مع حديث والدته اضحك انا بسخرية في سري كثيراً من كلامِ سيفي الطيبة وايمانها الراسخ، رغم علمها المسبق بعدم قدرتي على مساعدة نفسي على النهوض والاعتناء بأطفالي من شدة الانهيار والبؤس، الا انها ما زالت مؤمنة بأقدارنا التي كتبها لنا اسلافنا منذ نشأة الخليقة. اطفالي المساكين التي تقوم العمة شيرين وابنتها هدية النشطة الرقيقة كالنسمة بالاعتناء بهم واللعب معهم معظم الوقت. تغسل العمة ابني الوحيد وتجفف جسده وتلبسه وتقبله وتشم تحت عنقه وتسأله السؤال المعتاد: ماهذه الراحة الزكية التي تنبعث منك، انها تشبه رائحة شخصٍ اعرفه. ياترى رائحة من... رائحة من، لا اتذكر؟ّ!.يرد اورديخان بكل ما للاطفال من عفوية: انها مثل رائحة ابنك مسطو!، فتقبله العمة شيرين مع دموع دافئة تسبح بحيرة على وجنتيها، نعم انها رائحة مسطو.
بعد هذه الاحداث بأقل من سنة كان مسطو احد الانصار الشيوعيين والابن الوحيد للعمة شيرين قد وقع في كمين بالقرب من قرية دوغات التابعة لقضاء القوش ليردوه قتيلاً. لم تسمح الحكومة ان تقام له دار عزاء. جُلبَ جثته بعد وفاته بأشهر و دفنَ ابن شيرين بصمت وسرية. ذلك الشخص الذي رائحة جسده تشبه رائحة الاطفال الابرياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية




.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور