الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراء في كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمان الكواكبي

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2021 / 3 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعتبر عبد الرحمان الكواكبي أحد أعلام والرواض ومفكرين النهضة العربية خلال القرن 19م. وأحد مؤسسي بوادر الأولى للفكر القومي العربي رغم أنها بوادر خجولة الى حد ما، عاش ما بين ( 1855ـ 1902م.) ترعرع وتربى في سوريا وفيها تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الكواكبي ثم انفتح في تكوينه العلمي على علوم عدة، حيث درس الآداب والعلوم والحساب والقانون وشيء من الفلسفة .... حاول أن ينوع في دراسته حيث جمع بين العلوم الدينة و الدنيوية أيضا. ولهذا كانت ثقافته واسعة. تجول الكواكبي في عدة بلدان العربية والافريقية والاسيوية مما أعطت له خبرات وتجربة في الحياة ونظرة خاصة على الواقع. امتهن الكواكبي الكتابة الصحافة في جرائد وصحف عدة، وطرح مجموعة من القضايا المجتمعية للأمة العربية بصفة عامة وشؤون المسلمين على الوجه الخصوص، ترك الكواكبي ارثا علميا مهما في الفكر والوعي الذي يتجلى في نشره لعدة كتبه. حيث عرف باستمراره في النضال بالكتابة ضد الاستبداد وخاصة السلطة التي تمثل في نظره لاستبداد السياسي.
من بين الكتب التي عرف بها الكواكبي هو كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، بسبب طرح من خلاله قضايا مهمة وأفكار نهضوية واصلاحية التي وضعها كأرضية مهيئة في سياق إصلاحي الذي شهده الغرب أندك وهذا الانفراد الذي طرحه على شكل قضايا شكلت منعرجا ونقطة فصل في الفكر العربي بين الفكر التقلداني وانخراط في مسلسل الحداثة. حيث أصبح كتاب طبائع الاستبداد مرجعا مند قرن ونيف من الزمان في تبيان علاقة بين الحاكم والمحكوم في الدولة الإسلامية. مرت سنوات على نشر الكتاب ولازلنا نواجه في واقعنا الحالي وخاصة الواقع العربي على وجه التحديد كل ما طرحه الكواكبي من أفكار ووقائع وقضايا كأنه كان يستشرف المستقل بكل تفاصيله أو يقرأ الغيب مستضيئا بسنوات الاستبداد العثماني التي كانت البلاد العربية تئن من وطأته. فحقا كان عبقريا بلا شك في اختياره وطرحه لمواضيع جريئة تستوجب من الانسان أن يكون سياسيا حازما وحربائيا.
كتاب طبائع الاستبداد صغير الحجم لكن غني من حيث المعرفة إنه كتاب نقدي من أجل فضح عيوب الاستبداد وهي عيوب كثيرة وضخمة جدا على أصعدة كثيرة، ناقش فيه الاستبداد بتفصيل، حيث بدأ بتأصيله من ناحية اللغوية والاصطلاحية ليبن معناه حيث يقول في تعريفه لغة " هو غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة " أما في الإصلاح السياسي فقد يختلف عن الأول حيث يقول" هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعته" ص. 15 . ثم وسع دائرة النقاش باتساع ميادين الاستبداد حيث ربط هذا الأخير بالدين والعلم والمجد والترقي والتربية والأخلاق والمال لينتهي بطرح سؤال بمحاولة إيجاد الحل لتخلص منه وكدلك البديل، بعد أن وضع أصبعه على مكامن الخلل ومجالات الذي ارتبط بها مرتكزا على الاستبداد السياسي معتبرا إياه هو الأشد والأنكى من كل الاستبدادات التي ذكرها في كتابه كاملا. لأن من مظاهر و الأصل في التخلف الشعوب وانحطاطها هي الاستبداد السياسي المتمثل في النخبة الحاكمة التي تستغل الجهل والأمية الشعب التي تعيش في كنفه حيث يتصرف الحاكم في شؤنها على هواه وليس على مقتضى الشرع والقانون وما تستوجبه الحكمة. فهذا الأمر غير انساني وغير أخلاقي ولا يجسد أمة الفكر والحرية بل يمثل أنموذج المجتمع البدائي منتقدا في هذا المسلسل الاستبدادي أمور عديدة، لكن من بين الأمور التي رفضها الكواكبي هي جهالة وأمية الشعب التي تفتح للحاكم باب السطو على الشعب وفرصة كاملة للممارسة الاستبداد عليهم. حيث ميز بين نوعين من الاستبداد: الأول الاستبداد العمودي الممارس من هرم السلطة (الحاكم على الشعب)وحيث يقول" المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه ولا بشريعتهم..." والثاني الاستبداد الأفقي هو الاستبداد الشعب فيما بينه. فالمستبد مستبد يبقى عدو الحق وعدو الحرية وقاتلهما.."ص.18. فدائما المستبد لا يرى لنفسه حاجزا ولا يضع لنفسه حدا.
ثم ينتقل الكواكبي في حديثه إلى الاستبداد الديني ويرى أن فيه تشابك وعلاقة تكامل مع الاستبداد السياسي لأن هذا الأخير أنبت في رحيم الاستبداد الديني وجاء كنتيجة حتمية له. فالحاكم المستبد يستعمل الدين كوسيلة التحكم في الراعية من خلال تجنيد قساوة وكبار كهنة ورجال الدين وتسليحهم بفن الخطابة ليرهبون بها عوام ناس الذي يفتقرون لأبسط درجات العلم وشروط دنيوية للمنطق الحياة، بتخويفهم بعقاب الله والأخرة وضرورة أحقية طاعة الحاكم وعدم خروج من ولائه. بل أكثر من يروجون لعامة الناس نوع من البراباكوندا السوداء على الحاكم أنه يتحلى بصفات القداسة والنبوة والألوهية والعظمة والجبروت. فاختلطت صفات الله مع صفات الحاكم في أدهان الراعية. حيث أعطى الكواكبي في هذا الصدد سلسلة من أمثلة على هؤلاء على مر العصور. ما استرسل حديثه في فضح وإظهار الاستبداد بمناحي ارتباطه إلى أن وصل الى الاستبداد والعلم حيث قال أن الحاكم يعي أن العلم نور كشافا مبصرا قوة لإنسان ولهدا يرفضه للعامة لأنه بواسطته قد يدركون سير خطاه وتبديد ظلامه. ولهذا يكون الحاكم رافضا علم وعالم إلا من يتملقون له من علماء أو العلوم التي لا ترفع على عينهم غشاوة الغباء كالعلوم الدينية المتعلقة بالميعاد. فقد فعل تشخيص في سبيل الفضح وتسل وتأليب الناس وجعلهم يستشعرون بألم الاستبداد حتى أنه يقول أن الأمة التي لا تستعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية. استمر على هذا المنوال وعلى نفس النهج والطريقة في فضح كل أنواع الاستبداد التي أدرجها في كتابه على شكل فصول التي شرحها بشكل مفصل مدقق وبعبارات واضحة، والتي سنقف عنها في المحاضرة حيث لم يسعفن الأمر أن أقف عندها في هدا المقام وهي الاستبداد المجد والأخلاق .
وفي النهاية يبقي كتاب الكواكبي مشروعا اصلاحيا، يرى فيه الكيفية المثلى للخلاص من الاستبداد وتناول شروط لثورة ناجحة التي لا تذهب بمستبد لتأتي بأخر كما أنه استشرف المستقبل يسود فيه العلم وتنكسر فيه شوكة المستبدين. متبنيا ثورة سلمية حيث يقول في هدا الصدد "ومبنى قاعدة أن الاستبداد لا يقاوم بالشدة، إنما يقاوم بالحكمة والتدري هو: أن الوسيلة الوحيدة الفعّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس" ص.116 وأضاف لاحقا الاستبداد لا ينبغي أن يقاوم بالعنف: كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصدًا، نعم، الاستبداد قد يبلغ من الشدة درجة تنفجر عندها الفتنة انفجارًا طبيعيٍّا، فإذا كان في الأمة عقلاء يتباعدون عنها ابتداءً، حتى إذا سكنت ثورتها نوعًا وقضت وظيفتها في حد المنافقين.ص.119. فالكواكبي دعا إلى عدم استخدام العنف ويؤمن بالسلمية أي استعمال وسائل سلمية يكن أفضل بالنصيحة والرشد... ولكن أيضا يتفهم بانتقال إلى مجابهة عنف بعنف أقوى إدا خالف ما اتفق عليه الأمة.
ليختم كتابه بنوع من الأمل وأمنية وتطلع والطموح ومبتغى وبشرى في صدره بقوله" وإني أختم كتابي هذا بخاتمة بشرى، وذلك أن بواسق العلم وما بلغ إليه، تدل على أن يوم لله قريب. ذلك اليوم الذي يقل فيه التفاوت في العلم وما يفيده من القوة، وعندئذ تتكافأ القوات بين البشر، فتنحل السلطة، ويرتفع التغالب، فيسود بين الناس العدل والتوادد، فيعيشون بشرًا لا شعوبًا، وشركات لا دولا." ص.121.
حكم الشخصي على الكتاب
فالكتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد فهو كتاب غني حاول أن يبدع في وصف الاستبداد ووضع صورة متكاملة وشاملة في ذهن القارئ وتوعيته بمخاطره مستعملا لغة سهلة واضحة وأدبية وايحائية أحيانا. لكن كانت تغلب عليه لغة الخطابة من خلال استدلاله بآيات من القرآن بحكم تكوينه المخضرم بين أداب وشعر والعلوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر