الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسامة العيسة في روايته -جِسْرٌ على نهر الأردن- : يبوح بتباريح جندي لم يحارب.. ويسرد لحرب انتهت قبل أن تبدأ

عزيز العصا

2021 / 3 / 16
الادب والفن


أسامة العيسة في روايته "جِسْرٌ على نهر الأردن" :
يبوح بتباريح جندي لم يحارب.. ويسرد لحرب انتهت قبل أن تبدأ

عزيز العصا
معهد القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس
http://alassaaziz.blogspot.com/
[email protected]
أسامة العيسة؛ روائي فلسطيني حائزٍ على جائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2015 عن رواية “مجانين بيت لحم-2013”. وقد سبق هذه الرواية رواية "المسكوبية-2010" التي حازت على الجائزة العربية للإبداع الثقافي في العام 2013. ثم رواية "قبلة بيت لحم الأخيرة في طبعتها الثانية في العام 2016"، ورواية "وردة أريحا-2017". وأخيرًا، رواية "جِسْرٌ على نهر الأردن-2018".
أي أننا أمام إنتاج غزير لهذا الروائي الذي أتبع جائزة الشيخ زايد العالمية المذكورة أعلاه بتكثيف إنتاجه بمعدل رواية سنويًا. وأما العمل الأدبي الذي نحن بصدده لـ "أسامة العيسة"؛ فهو روايته "جِسْرٌ على نهر الأردن" في طبعتها الأولى، الصادرة عن "مكتبة كل شئ" في حيفا، في العام 2018، وهي تبدأ بغلاف أمامي يحمل سيميائية مشبعة بالحرية والرغبة للانطلاق إلى عالم أرحب وأوسع. ولأنني أعرف "تمامًا" "يوسف أبو طاعة"؛ صاحب العدسة الذي التقط صورة هذا الطائر المتحفز للانطلاق فوق للمياه، فإنني أدرك لماذا اختارها صديقي الروائيّ "أسامة" الذي أعرفه أيضًا حق المعرفة وهو يبحث عن الرمزية العالية وتستهويه الفضاءات الواسعة، ليسبح فيها ناقدًا مصححًا للمعوج من مسارات الوطن.
ولعل في العنوان الفرعي الذي حمله الغلاف متاحًا للقارئ ينبئ عن سرديّة تؤرخ لحرب لم تتم؛ لأنها "تباريح جنديّ لم يحارب". والتباريح هنا هو المعنى المخفّف لمصطلح "شدائد"، فهي عادة ما تسبق الشوق أو الحب، كأن نقول: "تباريح الشوق" أو "تباريح الحب" وهي أشكال من عذابات المحبّ وآلامه وآهاته. أما يوسف سند (أبو خالد) صاحب "التباريح" الذي يعلن عنه العيسة منذ الصفحة الأولى من هذه الرواية، فإنه صديقي الذي أعرفه حق المعرفة، وأدرك ما خلف تباريحه من شدائد وويلات وأزمات.
وبين الغلافيْن سرد روائي يتوزع على (287) صفحة من القطع المتوسط، تحتضن سرديات توزعت على جانبيّ الجسر-النهر: (20) محطة سردية غرب الجسر، على مرحلتين يفصل بينهما (12) محطة سرديّة شرق الجسر. ولكل محطة سرديّة موضوعها الكامل الذي يحمل فكرة وبداية ونهاية.
تقوم الثيمة "القضية" الروائية الرئيسية، لرواية "جِسْرٌ على نهر الأردن"، كما رأيتها، على وصف المقدمات والنتائج لحرب الخامس من حزيران في العام 1967م، وما جرى في تلك الحرب من أحداث سوف تبقى تحمل أسرارًا لم يبُح بها أحد حتى اللحظة. وقد جاءت الأحداث على لسان راوٍ عاش الأحداث وعايشها، وقد سردها بنكهة لا تخلو من الواقعية والوصف الدقيق لمجرياتها.
هناك بنيتان للرواية، هما: البنية المكانية؛ تمحورت على جانبي نهر الأردن عبر الجسر؛ انطلاقًا من بلدة إرطاس الفلسطينية الواقعة في محافظة بيت لحم وصولًا إلى المدن الأردنية: الكرامة، وعمان والسلط والزرقاء... الخ، مرورًا ببيت لحم وأريحا والعوجا. وأما البنية الزمانية، فهي تتمحور حول الخامس من حزيران من العام 1967م؛ قبله وما فيها من مقدمات أدت لما جاء بعده من حرب أودت بما تبقى من فلسطين وأجزاء من سوريا ومصر والأردن، وصولًا إلى انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني من الأراضي الأردنية.
كعادته، قام الروائي أسامة العيسة ببناء الشخصيات والأحداث، وفق عمل روائي رصين؛ يجمع بين الواقع والخيال بنصٍّ جاذب للقارئ. أي أنه وظّف الفنتازيا والخيال كأدوات للوصل بين أحداث واقعية، وأسماء حقيقية للأماكن والأشخاص. ولعل في رمزيّة "الفأر الشَّوكيّ الذَّهبيّ" الذي قام بمهام متعددة ومختلفة كنقل الكبسولة من الأسير مثالًا حيًا على ذلك الارتباط الوجدانيّ والعاطفي بل والمصيريّ بين الفلسطيني وأرضه وما ينبت فيها وما يعيش عليها من كائنات تشكل جزءًا من سردية هذه العلاقة.
وأما النص، فقد جاء بلغة عربيّة سهلة وواضحة، احترم فيه الكاتب احتياجه من الترقيم الذي منحه جمالية منقطعة النظير. كما تم توظيف التّفاصيل لخدمة السّرد وتوضيح الغامض من القول، باستخدام الأدوات اللّغويّة المتعدّدة من التّصوير والاستعارات والكنايات والبلاغة، واضطلع الوصف في هذه الرواية بوظائف متعدد، يكثّفها لطيف زيتوني (2002: 172)( ) بالتالية: الوظيفة المعرفيّة؛ بتقديم معلومات ذات أهمية علميّة أو ثقافية( ). والوظيفة السّرديّة؛ بتزويد ذاكرة القارئ بالمعرفة اللّازمة حول الأماكن والشّخصيّات، وتقديم الإشارات الّتي ترسم الجوّ أو تساعد في تكوين الحبكة. والوظيفة الجماليّة؛ الّتي تعبّر عن موقع الكاتب (السّارد) داخل نظام الجماليّة الأدبيّة. والوظيفة إيقاعيّة؛ لخلق الإيقاع في القصّة: إذ إنَّ قطع تسلسل الحدث لوصف المحيط الجغرافيّ الّذي يكتنفه يولّد تراخيًا بعد توتّر، وقطع تسلسل الحدث في موضع حسّاس يولّد القلق والتّشويق، وبالتّالي التّوتّر. وهذا ما يلمسه القارئ عند الانتهاء من محطة سردية والتوجه للسردية التالية.
أما الأبعاد التي تتكئ عليها الرواية، فقد وجدتُ فيها تكثيفًا واضحًا للبعد المعرفيّ الذي أورده الكاتب على لسان بطل الرواية، الذي شكّل وجوده الدائم في الغالبية العظمى للسرديّات خيطًا روائيًا متينًا لم ينقطع حتى النهاية. كما أن البعد التأريخي كان حاضرًا، من خلال التواريخ الدقيقة للأحداث، وما يتصل بها من أماكن حقيقية كإرطاس، وبيت لحم، وعمان، والعوجا... الخ –حتى أنه أورد المسافات الدقيقة بينها-، والأسماء الحقيقية لأبطال تلك الأحداث كالملك حسين ووصفي التل وجمال عبد الناصر وأبو علي إياد وشارون وغيرهم.
لأنه لكل قارئ مراميه من قراءة النص، وله صنارته الخاصة التي تسعى لالتقاط ما يراه من لآلئ، فقد وجدتُ في هذا النص العديد من اللآلئ المعرفية والتاريخية الأكثر مرارة في النص، منها:

1) بين النكبة والنكسة، ورغم اتفاقيات الهدنة، لم تتوقف اعتداءات دَوْلَة إسرائيل الفتية عن اقتحام ما تبقى من أرضنا غير الْمُحْتَلَّة، تقتل وتهدم المنازل، وتشكلت فرقة سموها 101 بقيادة شارون، اقتحمت قبية، وشرفات، وحوسان، ونحالين، وخربة أُمْ الريحان في جنين وغيرها، وخلفت القتل والدمار واليأس والغضب. وعندما يتظاهر للاحتجاج، يواجَهُ بقوى أمنية تحاربه بشراسة( ).
2) يوم الاثنين في 5 حزيران 1967م على السَّاعَة التاسعة والنِّصْف تمامًا، أُطلقت أوَّل قذيفة على العدو، وبعد فترة وجيزة غادر الجيش أماكنه( ).
3) اكتشف الجميع أنهم لم يكونوا جاهزين لتلك الحرب، ولعل في السخرية المرّة التالية ما يلخّص لموقف: ماكو طائرات في الأُرْدُن..!!؟ ماكو دبابات في الأُرْدُن.. !!؟ ماكو ماكو..كلّ شيء ماكو وبماذا كنتم ستحاربون..!!؟( ). وتأتي الإجابة على تلك الأسئلة-التساؤلات من الملك حسين: الحرب جاءت مبكرة، لم نكن في جاهزية كاملة، كنّا نحتاج إلى عامين كي نحدث توازن مع قُوّات العَدُوّ( ).
4) نتيجة الحرب التي انتهت قبل أن تبدأ: تدمير 800 منزل، وتشريد لا يقل عددهم عن 12 ألفًا من أبناء الشعب الفلسطيني أصبحوا لاجئين-نازحين( ).
في تلك الأجواء من الهزيمة والإحباط للجيوش العربية وللنظام العربي الرسمي، ووفق الرواية، انطلق العمل الفدائي، وانضم بطل الرواية لحركة فتح التي كانت قد انطلقت رصاصتها الأولى وسقط شهيدها الأول في 01/01/1965م( ). لينتهي أمره إلى غربيّ النهر، ثم السجن، ثم الاستقرار في قريته إرطاس.
الخاتمة
هذا هو أسامة العيسة الروائي، الذي أخاله وقد نذر نفسه "كروائي" أن يستمر في كتابة الروايات ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية، في أجواء "فنتازية أو واقعية" من العاطفية والوجدانية التي تعمق ارتباط الإنسان الفلسطيني بأرضه وقضيته، ورفضه لظلم الغرد وقهره أيًا كانت هوية الظالم أو انتماؤه.
وأما ما تشترك فيه هذه الرواية مع روايات العيسة الأخرى، بل تتكامل معها، فهو ذلك الجانب الذي لا ينفك كاتبنا من الإشارة إليه وتوظيفه في نصوصه الروائية، وهو ما يتعلق بالعلاقة الإسلامية المسيحية التي يلتحم فيها يوسف السّرياني الشجاع مع جاره يوسف المسلم. لا سيما عندما التحم اليوسفيْن معًا في الدفاع عن شرف "الفلسطينيّات" أمام صلف أحد الجهلة.
كما أن في رواية أسامة هذه نكهة تراثية كنعانية الجذور، تؤكد على العمق الحضاري لفلسطين بمواقعها المختلفة، والذي أخذت فيه "إرطاس" موطن رأس بطل الرواية النصيب الأكبر.
قبل أن نغادر، أهنئ الروائي أسامة العيسة على هذه الرواية التي تشكل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينية بشكل خاص والمكتبة العربية بشكل عام. وأوصي بتوفيرها في المكتبات المدرسية والجامعية والمكتبات الوطنية بشكل عام؛ لكي تكون في متناول المعلمين والطلبة والباحثين، كأنموذج لتوظيف الأحداث ذات الصلة بالرواية الوطنية في أعمال روائية يتزاوج فيها الخيال الروائي مع حقائق الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، لينجبا روايات تترك أثرًا عميقًا في القارئ الباحث عن متعة الخيال ودقة المعرفة.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 26/0904/2019م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب