الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الكيف إلى الحشيش..تطور صناعة القنب الهندي في المغرب

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2021 / 3 / 16
الصناعة والزراعة


يعتبر اقتصاد الكيف في المغرب موروثا من التاريخ الطويل والمعقد لمنطقة الريف. منذ الستينيات، أفضى هذا النوع من الاقتصد إلى ظهور صناعة حشيش مهمة، خضعت في السنوات الأخيرة لتحديث كبير سواء على مستوى زراعة القنب الهندي أوتقنيات الإنتاج.
يطرح هذا التحديث المستمر لصناعة الحشيش أسئلة أكثر مما يأتي به من اجوبة، خاصة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والتوازنات البيئية والاستقرار السياسي في المنطقة. لا يزال مستقبل الريف وفلاحيه يعتمدان بلا شك على اقتصاد القنب الهندي وتطور قوانين المخدرات المغربية والدولية.
كان المغرب لسنوات من أوائل منتجي ومصدري الحشيش في العالم، رسميا بعد أفغانستان وربما قبل لبنان والهند ونيبال، المنتجين العالميين الآخرين الذين لم تتم دراسة إنتاجهم إلا قليلاً ولم يعرف منه إلا النزر القليل، من قبل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. من المحتمل أيضا، ومن المنطقي تماما، أن يكون المفرب أحد أكبر مناطق الحشيش في العالم. لكن إذا كان المغرب بلا شك أحد أوائل منتجي الحشيش في العالم، فهو بلا شك الأخير في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وبالفعل، فإن الحظر العالمي، وأحيانا الحروب، كل ذلك كان لصالح المنتجات اليونانية والمصرية والسورية. في غضون ذلك، أصبحت ألبانيا مؤخرا منتجًا رئيسيًا للقنب الهندي.
تطور إنتاج الحشيش المغربي جزئيا كنتيجة لظهور المغرب كوجهة مميزة للهيبيين في الستينيات، وطيلة المدة التي استغرقتها حرب لبنان (1975-1990)، ولكن أيضا نتيجة لسياق الريف القومي، حيث أن الريف منطقة في شمال المغرب فرض عليها حظر زراعة الكيف منذ عام 1954. وبعدما استؤنفت في منتصف أو في نهاية الستينيات، لم يكن إنتاج الحشيش المغربي قد وصل إلى ذروته، لا سيما وفقا للإحصائيات التي أجراها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في عام 2003، عندما تم حصاد حوالي 3070 طنا من الراتنجات من 134000 هكتار (1.48٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد).
منذ ذلك الحين، انخفضت محاصيل القنب الهندي، أولا إلى 72500 هكتار (في الواقع، المنطقة التي يُحتمل حصادها، بعد القضاء القسري على 15.160 هكتارا من قبل السلطات المغربية) في عام 2005 (1066 طنا من الحشيش)، تاريخ آخر مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
إذن، وفقا لتقديرات مغربية أحادية الجانب هذه المرة، ما يصل إلى 47500 هكتار في 2010 و 2011 و 2012 و 2013 (لن نفشل في ملاحظة الثبات المفاجئ في العدد لمدة أربع سنوات)، استنادا إلى نفس المصدر.
ترافق الانخفاض المفترض في الإنتاج (من 3080 طنا إلى 760 طنا، أي 75٪) رسميًا مع انخفاض المساحات المزروعة (مرة أخرى – 75٪ بين عامي 2003 و 2010-2013). ولكن إذا كانت المساحة المزروعة بالكيف قد تناقصت بالفعل في المغرب، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تأكيد أهمية هذا التخفيض. وربما أكثر من المحتمل أن يتم التقليل إلى حد كبير من إنتاج الحشيش، الذي تم استقراؤه بطريقة ميكانيكية على أساس المساحات المزروعة (هي نفسها تقدر دون معرفة كيف)، كما يشير إلى ذلك الانخفاض الطفيف في الكميات المضبوطة على المستوى الدولي.
مهما كانت الحالة، لا يزال القنب الهندي يحتل مساحات شاسعة في الريف، على مرأى ومسمع من الجميع، على الرغم من أن السياق المغربي يختلف اختلافا كبيرا عن سياق الإنتاج الأفغاني غير القانوني للأفيون والكوكا في كولومبيا. في الحقيقة، المغرب لا يخوض نزاعا مسلحا يمكن ان يدعو إلى التشكيك في قدرة المغرب على فرض السيطرة السياسية على الإقليم، وبالتالي يكون سببا لانتشار زراعة الكيف في هذه المناطق من شمال البلاد بطريقة مكشوفة وغير قانونية. وبالتالي، فإن الزراعة غير القانونية للقنب تنبع إلى حد كبير من الوضع الراهن الذي كان قائما بالفعل، قبل حصول المغرب على الاستقلال، بين الدولة وقرى الريف، إذ شكل تغاضي السلطات عن هذا النوع من الإنتاج الزراعي بديلاً عن تخلف المنطقة من ناحية، وضامنا للسلام الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى.
شهد المغرب تطور زراعة القنب وإنتاج الحشيش على نطاق تجاري (الزراعة النقدية الأحادية) خاصة منذ الثمانينيات على الرغم من عدم شرعيتها وكون البلاد من الدول الموقعة على مختلف اتفاقيات الأمم المتحدة بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية (1961، 1971، 1988)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (2000).
لكونها غير قانونية، فإن المساحات المزروعة بالكيف تتقلص كثيرا أو قليلا، تبعا للامتدادات أو الانقباضات التي يتعرض لها هذا النشاط على مر السنين، ونظرا لتقلبات الطقس، وحملات الإبادة القسرية، والفساد وسياسة غض الطرف التي تنهجها الدولة في تعاملها مع منطقة الريف الجبلية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط ​​من طنجة في الغرب إلى وادي ملوية والحدود الجزائرية شرقا.
من خلال التذكير السريع بالتراث التاريخي الاستعماري وما بعد الاستعماري للريف، يمكننا بعد ذلك استحضار الطريقة التي أدى بها السياق السوسيوقتصادي والسياسي (الفقر، والعزلة، والفساد، وما إلى ذلك) للمنطقة إلى تحقق تنمية محلية إلى حد ما (حسب الفترة) لزراعة القنب الهندي غير المشروعة. كما سنرى، فقد استمر اقتصاد القنب في الريف لعدة عقود، بعد أن قاوم سياسات وبرامج المخدرات غير الفعالة أو حتى التي تؤدي إلى نتائج عكسية. في الوقت الذي واجهته أزمة الحشيش في السوق الأوروبية وتراجع المساحات المزروعة بعد عام 2005، عرف اقتصاد القنب المغربي منذ عام 2010 عملية تحديث تم تجاهلها إلى حد كبير، سواء من قبل السلطات المغربية أو من قبل الهيئات الدولية، وهي عملية لا تدرك إلا وتثير أسئلة جديدة تتعلق بالتوازنات البيئية والاجتماعية والسياسية في منطقة هشّة من نواحٍ مختلفة.
في السياق الجغرافي والتاريخي، تبقى منطقة الريف معزولة نسبيًا عن بقية اجزاء المغرب، نظرًا لتضاريسها الجبلية، وانتمائها سابقا للمحمية الإسبانية (1912-1956)، ومستوى التنمية والتجهيزات المنخفض للغاية، ولطالما كان الريف “منطقة” حاجزية، ذات كثافة سكانية عالية تنتشر على شكل تجمعات مستقرة بين الجبال في بحث دائم عن موارد إضافية.
ونظرًا للطابع القومي لمنطقة الريف التاريخية، فقد كانت على نحو تقليدي هدفا لسياسة الدولة التصالحية، بل ضحية لإهمال اقتصادي معين، وهو ما يفسر جزئيًا تسامح الدولة إزاء الزراعة غير المشروعة للقنب الهندي.
لفهم ظهور زراعة القنب وإنتاج الحشيش في المغرب، من المهم مراجعة التاريخ المضطرب لمنطقة الريف وكيف أصبحت منطقة الإنتاج الحصرية في البلاد. يقال إن النبات ظهر في المغرب العربي في القرن السابع الميلادي أثناء الغزوات العربية، قبل أن تتم زراعته حول كتامة، في بلاد صنهاجة، في قلب الريف، خلالالقرن الخامس عشر.
لم يصرح السلطان مولاي الحسن الأول (1873-1894) رسميًا بزراعة القنب الهندي للاستهلاك المحلي في خمس دواوير أو قرى قبائل كتامة وبني سدات وبني خالد، إلا بعد ذلك بوقت طويل، في القرن التاسع عشر، للمساهمة في تهدئة المنطقة.
بعد تقسيم الإمبراطورية المغربية إلى محميتين من قبل فرنسا وإسبانيا، سمحت الأخيرة، التي تشمل حمايتها الريف، بزراعة الحشيش لعدد قليل من القبائل بهدف السيطرة على المنطقة، بما في ذلك سلطة مقاومة كل تأثير خارجي هائل، مما يعني في الواقع بعض التنازلات
. وفي عام 1920، قام محمد بن عبد الكريم الخطابي، أمير الريف، هذا “الأمازيغي القائد لقاعدة المقاومة”، على حد تعبير روبرت مونتاني، عالم الاجتماع المسؤول عن شؤون السكان الأصليين، بتوحيد القبائل البربرية في الريف وتجنيدها لمقاومة الهيمنة الإسبانية.
هكذا هزم محمد بن عبد الكريم الخطابي الجيش الإسباني وأسس جمهورية الريف (1923-1926) بهدف إنشاء دولة قوية قادرة على تحديث المنطقة. كان هذا القائد المقاوم هو الوحيد الذي نجح في منع زراعة واستهلاك الحشيش في الريف، على اعتبار أنهما يندرجان ضمن ممارسات من وجهة نظره تتعارض مع مبادئ الإسلام.
في الحقيقة، منذ عام 1926 وعودة فرض السلطة الإسبانية على الريف، امتدت منطقة جديدة للتسامح مع زراعة الكيف شمال فاس، حول كتامة، من أجل السماح للقبائل بالتكيف مع النظام الجديد. تم تقليص هذه المنطقة على الفور وألغيت رسميًا في النهاية في عام 1929، لكن الإنتاج استمر مع ذلك عند مستويات عالية.
أما بالنسبة للمحمية الفرنسية، فقد تم حظر الزراعة المطورة للقنب الهندي في جنوب البلاد بشكل تدريجي، بعد أن وقعت فرنسا في مؤتمر جنيف (1925)، الذي نظمته عصبة الأمم، اتفاقية الأفيون الدولية المتعلقة بالخشخاش والكوكا، وكذلك القنب الهندي. وفي عام 1932، تم حظر زراعة القنب رسميًا بموجب ظهير أو مرسوم ملكي.
اما المحاصيل المزروعة من أجل شركة التبغ والكيف حول القنيطرة، في كنطقة الغرب، ومراكش، في الحوز تحديدا، فلم يعد مسموحا بها. استفادت هذه الشركة، وهي شركة متعددة الجنسيات برأسمال فرنسي في الأساس، من تجاوز الحدود الإقليمية للمنطقة الدولية لميناء طنجة، حيث كان مقرها مناسبًا للغاية ، وبالتالي استمرت زراعة القنب في المنطقة الفرنسية حتى حظرها في عام 1954.
في ذلك الوقت، مباشرة بعد حصوله على الاستقلال في عام 1956، وسع المغرب الحظر ليشمل المنطقة الإسبانية وتسبب ذلك في ظهور استياء شديد في قلب الريف، مما أجبر الملك محمد الخامس على الاستسلام للتسامح مع ثقافة القنب الهندي لصالح الدواوير الخمسة التاريخية لقبائل كتامة، بني سدات وبني خالد.
إن زراعة القنب الهندي، التي أصبحت راسخة الآن في الريف، موروثة جزئيًا من تاريخ المنطقة الطويل والمعقد، المكون من العنف والتنافس والتسامح والخلاف. على الرغم من عدم شرعيتها، استمرت زراعة الحشيش حتى أنها شهدت تطورًا حقيقيًا في الريف، خاصة في عهد الحسن الثاني (1961-1999) ومحمد السادس (منذ 1999).
إن “الحرب على المخدرات” التي أعلن عنها الحسن الثاني في سبتمبر 1992 لم تغير شيئًا، كما أظهر تحقيق الأمم المتحدة الأول في عام 2003 من خلال التأكيد على أهمية إنتاج الحشيش المغربي وأيضا من خلال إظهار ضمنيًا أن السياسات التي تهدف إلى حظر الإنتاج ومباشرة المتابعات القضائية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في الريف من خلال السماح للمناطق المزروعة بالقنب بالتوسع فشلت فشلا ذريعا.
في السياق السوسيوقتصادي الحالي، لم تتطور زراعة القنب الهندي في المغرب إلا مؤخرًا. في الحقيقة، حتى الثمانينيات، كانت المحاصيل ضئيلة وظلت محدودة جغرافيًا: أقل من 10000 هكتار تزرع سنويًا، في قلب الريف، خلال السبعينيات . بعد ذلك، لعبت عدة عوامل في تحديث الزراعات، خلال الثمانينيات، من بينها الأزمة الاقتصادية المطولة في الريف (ضعف التنمية البشرية في المغرب وخاصة في منطقة الريف)، والتطور غير الكافي للتحديث ومكننةالزراعة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى العزلة الجغرافية التي تعاني منها، وعدم قدرة الهجرات على تعويض الأزمة.
لكن الطلب الأوروبي على الحشيش، الذي ظهر خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لعب على الأرجح دورا لا يستهان به في زيادة المساحات المزروعة بالقنب الهندي وفي وفي تطوير الحشيش المغربي.
على أي حال، فإن الطلب الأوروبي هو الذي حول صناعة الكيف التقليدية، وهي خليط يتكون من ثلثين من الحشيش النباتي وثلث من التبغ الأسود، إلى حشيش أكثر حداثة (يدخن ممزوجا بالتبغ الأشقر) .
وما أن صبح المغرب خلال الستينيات، إحدى الوجهات المفضلة للهيبيين، شهد تطور إنتاج الكيف باتجاه إنتاج الحشيش. حتى ذلك الحين، كان مدخنو الحشيش الأوروبيون يحصلون بشكل أساسي على الراتنجات من الشرق الأدنى وآسيا: لبنان، تركيا، أفغانستان، باكستان، الهنود والنيبال.
وتبعا لذلك، كان الريف، وبشكل أوسع، المغرب، قادرين بالطبع على الاستجابة للطلب الأوروبي المتزايد، ولكن ربما ذلك ما حفزه أيضا على زيادة العرض بانتظام.
كما أتاح تطوير زراعة القنب في الريف التغلب على بعض القيود الاقتصادية والبيئية في المنطقة. خصوصا وأن منطقة الريف تعد بالفعل من المناطق الأقل ملاءمة للزراعة في المغرب. التضاريس جبلية، والمنحدرات شديدة الانحدار والتربة فقيرة. هطول الأمطار غير منتظم هناك وقليل جدًا يتم تعويضه من خلال تطوير محدودة جدًا للري
تركت هذه العوامل مجتمعة الريف الأوسط غارقا في بداوته وسكانه على هوامش التنمية الاقتصادية التي شهدتها، مثلا، الواجهة الأطلسية للبلاد وخاصة منطقة طنجة.
حتى المكاسب السياحيةح التي يتمتع بها المغرب كانت تفتقر منذ فترة طويلة إلى منطقة الريف، التي لا تزال إلى حد كبير، وعلى الرغم من إمكاناتها الكبيرة، معزولة عن دوائر المدن الكبرى والأطلس والصحراء. ومع ذلك، لا بد من استثناء السياحة المغربية الساحلية (المضيق الفنيدق، واد لاو، الحسيمة) والسياحة الريفية الدولية في شفشاون.
هناك عامل يفاقم من تخلف الريف ويتمثل في الكثافة السكانية والنمو الديموغرافي القوي للغاية، بمعدل هو من بين أعلى المعدلات في المغرب: في المتوسط ​​ يبلغ عدد سكان المنطقة ثلاثة أضعاف عدد السكان في كل كيلومتر مربع (124) من بقية البلاد (37).
إن زيادة الضغط على الأراضي في بعض المناطق الوسطى من الريف ونقص الفرص الاقتصادية تجعل تطوير إنتاج القنب الهندي أكثر أهمية لأن الزراعات الأخرى قليلة المردودية أو لا يتم تطويرها.
في منطقة ذات اقتصاد متخلف للغاية، يمثل اقتصاد القنب الهندي منفذاً، لا سيما من خلال متطلبات العمالة الموسمية الكبيرة التي ينطوي عليها هذا النشاط الزراعي المكثف. شهدت المنطقة، التي عانت من أزمة الحشيش منذ أوائل التسعينيات (إنتاج رديء الجودة وسمعة سيئة للغاية في أوروبا)، في الآونة الأخيرة، انتعاشًا في جاذبية إنتاجها واقتصادها غير القانونيين.
هذا، وقد تزامنت عودة المهاجرين الريفيين الذين تضرروا من الأزمة المالية لعام 2008 (خاصة في إسبانيا) إلى بلادهم مع الانتعاش الأخير لزراعة القنب (أصناف تعطي غلالا وفيرة) وإنتاج الحشيش (راتنجات أكثر قوة وجودة أفضل) في الريف. وانتقل تحديث.صناعة القنب الهندي العالمية التي انتشرت من الولايات المتحدة وأوروبا (هولندا وإسبانيا) إلى المغرب حيث يشارك العديد من القاعلين الاقتصاديين الأوروبيين بشكل متزايد. ف
وإذا كان هذا الارتفاع في الإنتاج قد أتي في الوقت المناسب لمزارعي الحشيش في الريف الذين كانوا يكافحون من أجل بيع إنتاجهم، فإنه هدد أيضًا بالتشكيك في التوازن الهش لنمط الإنتاج الريفي. كما أن زراعة القنب الهندي، وهي بديل حقيقي للتنمية ولعجز النشاط الزراعي والرعوي عن تلبية متطلبات العديد من الأسر الريفية، قد وصلت في جميع الأحوال إلى حدودها الديمغرافية والاقتصادية والبيئية.
بيد ان الاستغلال المفرط للبيئة يشكل خطرا متمثلا في حدوث أزمة بيئية، خاصة وأن زراعة أنواع هجينة من القنب الهندي المتعطش جدا للماء تشكل تهديدا متزايدا لخزانات المياه الجوفية في المنطقة (زيادة الأراضي المروية، خاصة حول باب برد).
في السياق الزراعي بشكل أساسي للريف، فإن مستقبل الزراعة الأحادية للقنب الهندي يحتمل بلا شك ظروفا عصيبة للمنطقة من خلال تهديدها بأزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، أو حتى بأزمة سياسية.
بين عامي 2003 و 2005، أدى نشر تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى عدم إنكار إنتاج المغرب للحشيش، وقبل كل شيء، مدى زراعة القنب الهندي، وهو ما يشهد على عدم وجود سيطرة سياسية وإقليمية للدولة. في منطقة الريف، أصبح القنب الهندي منذ فترة طويلة بديلاً للتنمية والعمل الإقليمي من قبل الدولة. من الواضح أن مشاريع التنمية التي تم الاضطلاع بها في شمال المغرب، ولا سيما في الريف في عهد الحسن الثاني، لم تكن كافية لوقف التوسع في زراعة الكيف في الريف، بل على العكس تماما.
وهكذا، فإن مشروع التنمية الاقتصادية والقروية للريف الغربي، الذي انطلق عام 1965 (الأمم المتحدة / منظمة الأغذية والزراعة) باعتباره “أول مشروع متكامل في المنطقة الجبلية منذ الاستقلال” (محاربة عوامل التعرية، ورفع مستوى المعيشة، وتقليل الهجرة من خلال إنشاء البنية التحتية الأساسية لإخراج منطقة الريف من العزلة وضمان أسس تنميتها الاقتصادية والاجتماعية)، كانت له نتائج متباينة للغاية، إن لم تكن ذات نتائج عكسية. بعد ذلك بوقت طويل، في عام 1996 بالتحديد، تم إنشاء “وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال” لوضع برامج بديلة لزراعة القنب الهندي استجابة للضغوط الدولية وخاصة الأوروبية.
تعمل وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، التي تشارك في استطلاعات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في الريف (2003-2005)، الآن على تحسين الوصول إلى المناطق الشمالية بمد الطرق وتحسين استخدام مواردها الطبيعية وأنظمة إنتاجها. بعد مرور أكثر من عشرين عاما على إنشائها وعلى الرغم من الإنجازات الملحوظة في مجال التنمية الإقليمية، من الصعب تقييم تأثير الوكالة على تقليص المساحات المزروعة بالقنب وإنتاج الحشيش، ونادرا ما تتم مناقشة القنب في وثائقها على أي حال.
عند توليه العرش في يوليوز 1999، بادر الملك محمد السادس إلى إجراء تغيير في العلاقات التي تقيمها السلطة المركزية مع الريف والريفيين، وهو تغيير مندمج في عملية انتقال ديمقراطي ومصالحة بدأت على المستوى الوطني. وهكذا، فإن عملية المصالحة الوطنية التي انطلقت في عام 2004 في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة جعلت من الممكن الاعتراف رسمياً بتعسف الدولة بشكل عام، وبالعنف الذي ارتكب في إطار سياسة القمع التي انتهجها الحسن في مواجهة ثورات الريف في 1958-1959 و 1984.
وهكذا دعت هيئة الإنصاف والمصالحة إلى اعتماد ودعم العديد من برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لصالح العديد من المناطق ومجموعات الضحايا في إطار جبر الضرر الجماعي، ولا سيما في منطقة الريف التي كان تهميشها وعزلتها، حسب شعور المواطنين ، مرتبطين بانتهاكات مرتكبة في الماضي.
بعد الزلزال الذي ضرب منطقة الحسيمة يوم 24 فبراير 2004, زار محمد السادس يوم 25 مارس 2004 هذه المدينة المنكوبة ليلقي من هناك خطابا تاريخيا ذكر فيه جلالته أنه كان يأمر الحكومة ببلورة مخطط تنموي مهيكل ومندمج على المدى المتوسط والطويل. “من أجل جعل منطقة الريف قطبا تنمويا حضريا وقرويا في منطقة الشمال، مندمجة بشكل كامل النسيج الاقتصادي الوطني.
أخيرًا، في عام 2005 ، أطلق الملك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل التعويض عن التأخير الذي أظهره المغرب في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأمم المتحدة، وبالتالي من أجل العمل على “الارتقاء بـفئات من السكان ومناطق معينة أكثر تأثراً بالفقر من غيرها . تم اتخاذ إجراءات مختلفة في شمال المغرب ولا سيما في منطقة الريف: تطوير ميناء طنجة (المنطقة الحرة)، وفتح وسط الريف (الطريق الدائري المتوسطي واختراقاته) وتحسين المحاور الطرقية، وتحقيق التنمية القروية (إعادة التحريج والتشجير ، الزراعة المائية الصغيرة والمتوسطة، المحاصيل البديلة ، إلخ) ، وكهربة المناطق الريفية، وأخيرا، دعم وتنمية السياحة.
ومع ذلك، في نهاية عام 2010، كانت زراعة القنب الهندي بالتأكيد أقل انتشارًا مما كانت عليه في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها مع ذلك لا تزال تغطي ما لا يقل عن 45000 هكتار في أقاليم شفشاون والحسيمة وتاونات، حيث تم تحديث التقنيات الزراعية جارية (أصناف عالية الغلة وتأنيث ، الري ، زراعة الصفوف، تقنيات الإنتاج الحديثة والمتنوعة). وبالتالي، فإن هذا الحفاظ على اقتصاد القنب في المنطقة يشهد على الأقل إلى حد معين على إخفاقات مشاريع التنمية التي تم تنفيذها على مدى عقود في منطقة الريف، وعلى أنها كانت قليلة جدا، أو تعاني من نقص التمويل، أو سيئة التصميم، أو منسقة بشكل سيئ، أو حتى محدودة في تأثيرها من خلال العوائق المؤسسية والإدارية المختلفة.
وكان الفساد والتسامح قد سمحا بلا شك إن لم يكن شجعا على تطوير ثقافة مربحة مثل ثقافة القنب في منطقة فقيرة وغير ساحلية مثل منطقة الريف حيث تقل فرص الشغل ما يحد بشكل كبير من البدائل الاقتصادية، حتى لو انخفض الفقر إلى حد كبير في العقود الأخيرة. من المسلم به أن الإجراءات القمعية في مواعيدها كانت تُنفَّذ في كثير من الأحيان بقسوة إلى حد ما، وبالتالي العنف (الاستئصال القسري والآلي، ولكن أيضا، في مناسبة واحدة على الأقل، وقعت يوم 29 يونيو 2010 في بوليزيم، ليس بعيدا عن شفشاون، حيث تم القضاء على المحاصيل عن طريق الرش الجوي لمبيدات الأعشاب. لكن هذه الأعمال ليست عنيفة فحسب، بل إنها، في حالة الرش الجوي، مدمرة أيضا للمحاصيل الغذائية (التي تتنافس مع تلك الموجودة في محيط الغرب وسايس المروية) ؛ إنها تؤدي إلى نتائج عكسية إلى حد كبير لأنها تزيد من الفقر والتفاوتات المحلية التي تعد على وجه التحديد أحد الأسباب الرئيسية للجوء إلى زراعة القنب.
في الوقت نفسه، أي منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهدت منطقة الريف تحولًا تدريجيًا في صناعة الحشيش من خلال تحديث زراعة القنب (إدخال مكثف للأصناف عالية الغلة ثم اعتماد تقنيات الري الحديثة وزرع الدفيئة والمحاصيل الصفية) وإنتاج الحشيش ومشتقات أخرى أكثر حداثة من الحشيش كالزيت المستخرج بفضل اعتماد عمليات وأدوات أكثر حداثة. ولكن لا يوجد تقدير رسمي أو أي برنامج إنمائي (ولا حتى خطة المغرب الأخضر، التي يتم تمويلها بشكل خاص من قبل وكالة التنمية الفرنسية) قد أخذ في الاعتبار حتى الآن الاستبدال الواسع النطاق لأصناف القنب ذات العائد المرتفع إلى التقليدي. الصنف المغربي (الكيف) في حين أن هذه الأصناف الجديدة تنتج ما يصل إلى ثلاثة أضعاف (2 ٪ في المتوسط ​​للكيف وما يصل إلى 7 ٪ للخردلة، أكثر أنواع اليذور الهجينة المزروعة على نطاق واسع في عام 2013).
إن التحديث السريع والواسع النطاق الذي نشهده الآن في الريف يفسر بالتأكيد التناقض الموجود منذ سنوات بين الإنتاج المقدر للحشيش وحجم المضبوطات الدولية. إن استبدال الكيف الهجينة يمكن أن يفسر بالفعل سبب انخفاض إنتاج الحشيش المغربي إلى أقل مما تم طرحه في التقديرات المستقرأة ، في حين أن المساحات المزروعة قد تقلصت بالفعل. يفسر استخدام الأصناف الهجينة أيضًا الزيادة السريعة والمهمة في متوسط ​​مستوى THC (رباعي هيدروكانابينول) في الراتنج المغربي، كما لوحظ في المضبوطات في مختلف دول الاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، فإن الزيادة الكبيرة في مستويات التتراهيدروكانابينول من راتنجات القنب المضبوطة في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في فرنسا، تشير منذ عدة سنوات إلى أن إنتاج الحشيش المغربي يخضع لتحولات معينة ظلت غير مبررة حتى الآن. في الواقع، أظهر تحليل جزء من العينات المضبوطة في فرنسا زيادة في متوسط ​​مستويات رباعي هيدروكانابينول من 8٪ خلال الثمانينيات والتسعينيات إلى 10٪ في عام 2007 ، و 12٪ في عام 2011 ، و 16٪ في عام 2012 وأكثر بنسبة 17٪ في عام 2013. (بحد أقصى 39٪ مسجلة في فرنسا).
بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للبيانات التي نشرها المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان، زادت أيضا مستويات رباعي هيدرو كانابينول (THC) لراتنج القنب المضبوط في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، ولا سيما في إسبانيا وهولندا (على التوالي 15٪ و 16٪ في 2011) .
وعلى الرغم من أن التقرير العالمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2011 أشار إلى هذه الزيادة في مستويات رباعي هيدروكانابينول في بعض البلدان، إلا أنه في عام 2018 لم تتوصل الوكالة إلى أي استنتاج أو حتى افتراضات.
في هذه الحلقة الخامسة والأخيرة، سوف نحاول الإجابة عن هذا السؤال: كيف شكل القنب الهندي تحديا بيئيا وسوسيوقتصاديا بالنسبة للمغرب؟ لكن التحديث الحالي يثير أيضًا تساؤلات لأنه حول الوضع الاقتصادي لصناعة الحشيش التي تغيرت تكاليفها وفوائدها بشكل عميق دون علم معظم المراقبين. ومن المؤكد أن هذه البيانات الاقتصادية كانت معروفة على الدوام بشكل سيئ (تكاليف الإنتاج غير معروفة، على وجه الخصوص)، حتى عندما تم إنتاج الحشيش المغربي بطريقة تقليدية من الصنف المحلي للقنب الهندي، المزروع حصريا في إطار الزراعةالبورية.
النتائج مكلفة من حيث البذور المستوردة (من هولندا وخاصة إسبانيا) ومعدات الري (الآبار والخزانات وأنظمة الري بالتنقيط، وغيرها)، لها تأثيرات غير متوقعة على ربحية الصناعة التي تنخفض ​​فيها الجودة المحلية (نوعية الحشيش الرديئة منذ التسعينيات) والمنافسة الدولية (إلغاء التجريم والتشريعات الجزئية في أوروبا منذ بداية الألفية إلى عام 2010).
بعيدا عن الأثر البيئي الذي سيحدثه تبني أصناف القنب التي تستهلك الكثير من المياه (التي يتم ضخها دون أي تفكير في ترشيد استغلال المياه الجوفية في المنطقة) على المدى القصير أو المتوسط ​​في منطقةالريف (خاصة وأن الكيف، مقاوم للإجهاد المائي، في طور التهجين وبالتالي الاختفاء)، فإن أهمية نماذج التنمية الاقتصادية التي تهدف إلى إيجاد بدائل لاقتصاد القنب هي التي تثير الآن أسئلة.
كيف السبيل، حقا، للتنافس مع اقتصاد لا يعرف المرء آخر تطوراته وبالتالي الفوائد الصافية لفلاحي الجهة؟ إلى أي مدى تظل برامج التنمية التي تهدف إلى تقديم بدائل لاقتصاد القنب المتعثر ذات صلة في السياق غير المتوقع لإحياء صناعة الحشيش؟
في نهاية المطاف، تبقى زراعة الحشيش في المغرب وريثة لإرث طويل ومعقد لا يمكن لأي شخص أن يتجاهله خصوصا عندما يريد تقديم أي حل للوضع، سواء كان ذلك حظرا صارما، أصبح قابلاً للتطبيق من خلال سياسة التنمية المعدلة، أو تقنين زراعة القنب الهندي كحل جزئي للتخلف الضارب أطنابه بجهة الشمال.
والواقع أن الزراعة غير القانونية للقنب تنبع في جزء كبير منها من الوضع الذي ظل، منذ حصول المغرب على الاستقلال (1956)، قائما بين الدولة وقرى الريف، وسياسة غض الطرف التي نهجتها السلطات كبديل عن التخلف (خاصة في الريف الأوسط) الذي لا تتصرف ضده أو لا تتصرف بما فيه الكفاية، من ناحية، وضمانا للسلم الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى، ويبقى المزارعون معرضين للمتابعات والمطاردات والتهديدات بشكل متزايد.
من المعقول، بكل تأكيد، أن نفترض أن الحشيش قد ساعد في استقرار اقتصاد منطقة تقع على هامش التنمية الوطنية.
ومع ذلك، لا تزال جبال ووديان الريف تواجه بشكل مطرد الهشاشة الكبيرة على مستوى توازنها البيئي، وفقدان المهارات الزراعية التقليدية والضغط الدولي الذي يتطلب، حتى فيما يتعلق بالمغرب (مصالح القوى التجارية والاستراتيجية الغربية)، الإلغاء التام لاقتصاد القنب الهندي الذي يظل النشاط الاقتصادي الرئيسي لواحدة من أفقر المناطق وأقلها استقرارا في المغرب.
تبعا لذلك، فإن التحدي الذي يمثله القنب الهندي في المغرب هو التنمية الاقتصادية المستدامة لإحدى أفقر مناطق البلاد التي يتعرض استقرارها الاجتماعي والاقتصادي للتهديد بشكل منتظم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقال لم يتعرض لما حدث مؤخرا
عبد الله اغونان ( 2021 / 3 / 16 - 23:10 )
فقد ناقش البرلمان قضية الكيف وقرر الإستفادة منه علميا في صناعات معينة
مما اثار نقاشا سياسيا تسبب في صراع داخل حزب عتيد
الحيثيات والتائج غير معروفة لحد الآن

اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل