الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صنع الله ابراهيم 1970، لحن الرجوع الاخير

مهند طلال الاخرس

2021 / 3 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


1970 رواية لصنع الله ابراهيم تقع على متن 250 صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدارات دار الثقافة الجديدة بمصر سنة 2019.

الرواية بطلها جمال عبد الناصر وهي تتناول العام الاخير من حياة الزعيم الراحل وبحيث تتحدث عن اهم وابرز الاحداث والمحطات المفصلية في مصر والوطن العربي سنة 1970، حيث تتناول الرواية عرض لطبيعة الاحداث السياسية والاجتماعية والفنية التي كانت طاغية في تلك الفترة مع استرجاع بتقنية الفلاش باك لبعض الاحداث السابقة والمهمة والتي تشكل تكاملا مع النص مع التركيز على ابرز محطات جمال عبد الناصر مثل تأسيس الضباط الاحرار وحرب النكسة والاستنزاف وصراع مراكز القوى وحرب اليمن وعدوان 1956.

الرواية سلسة وخالية من التكلف والتعقيد وجائت بلغة بسيطة، وكُتبت الرواية استناداً إلى تقنية اليوميات السردية، إلى جانب لجوء الكاتب للتوثيق والاعتماد على ارشيف كبير لمواد توثيقية كثيرة داخل النسيج الروائي.

وتستعرض رواية صنع الله إبراهيم حياة مجموعة من الأبطال العاديين وتكشف عن المكانة التاريخية والوجدانية للرئيس عبدالناصر، رغم أن مؤلفها تعرَّض للاعتقال خلال الفترة الناصرية.

وعلى لسان راوي واحد ومن خلال حوارات داخلية تأخذ شكل لوم النفس والعتاب يتم استعراض الاحداث وتناول وجهات النظر المختلفة منها، ومن الجميل واللافت للنظر ان وجهات النظر كانت صادقة وصريحة وتحمل العتاب لعبد الناصر في الكثير منها، وتتوقف امام اهم القرارات التي اخطأ باتخاذها عبد الناصر، ابتداء من قرار سحب قوات الطواريء، الى صراع مراكز القوى مع الضباط الاحرار، ومع شيء من التفصيل في حكاية المشير عامر، والى خطاب التنحي، ومسألة الاشتراكية، والتعددية الحزبية والمشاركة الديمقراطية وغيرها.

تبدا الرواية في اليوم الاول من يناير عام 1970 بإستعراض اول حدث في رزنامة ذلك اليوم:" غارة اسرائيلية على مدينة اربد الاردنية تخلف احد عشر قتيلا اردنيا بينهم ستة اطفال"، "المقاومة الفلسطينية ترد بعمليات نوعية في الجليل"، وتنتهي الرواية عند يوم التاسع والعشرين من نفس العام وهو يوم رحيل عبد الناصر عن الحياة، وما بين تلك الايام رزنامة من الاحداث نجح الكاتب في استعراضها من خلال تحديد اليوم وتاريخه وكأنه يغرف الاحداث من رزنامة الايام المعلقة على حيطان كل بيت او طاولة كل مكتب، انها مفكرة جمال عبد الناصر الخاصة والتي ارخ لها المواطنون والمحبون ورجال السياسة على حد سواء، وبحيث شكلت هذه الاحداث والمحطات ذاكرة المحبين والكارهين على حد سواء ومنها جميعا تشكلت مسيرة جمال عبد الناصر.

عند نهاية احداث يوم التاسع والعشرين واعلان وفاة عبد الناصر نجح صنع الله ابراهيم وبكل جدارة في نقلنا لاحداث ذلك اليوم وتبعاته، حتى ظننا بأنه يقوم بمهمة الصداحون في عزف لحن الرجوع الاخير.

رزنامة هذه الرواية المليئة باليوميات والاحداث المقتصرة على سنة 1970 نجح الكاتب في انتقاء المهم منها والمتفق مع رؤيتة ومع معتقداته، لكن الاهم في هذا الانتقاء انه كان موضوعيا لحد كبير ونجح بتصوير الظرف المكاني والزماني لتلك السنة من خلال اغراقنا باحداثها البارزة لا سيما المتعلقة بالصراع على مراكز النفوذ بين مجموعة الضباط الاحرار وظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصناعية وحتى الفنية وحرب الاستنزاف على جبهة القناة وسيناء وعلى الجبهة الاردنية بمساعدة فتح وقوات العاصفة.

تتصاعد احداث الرواية من خلال تصاعد الاحداث التي تتناولها وتصل الذروة عند الحديث عن حرب الاستنزاف وهذا الامر كان يستوجب من الكاتب طرح الموضوع بكل جبهاته المشاركة فيه، وهذا بالذات ما دفع بالكاتب الى افراد مساحات كثيرة من رزنامة الاحداث لحوادث ايلول المؤسفة التي جرت في الاردن بين المقاومة الفلسطينية من جهة والنظام الاردني وجيشه من جهة اخرى.

تلك الاحداث التي تبدأ بوادرها مع رزنامة الايام الاولى للرواية وتستمر بالتصاعد والتكاثف حتى تتجاوز الصفحة 200 وحينها تصبح يوميات واحداث ايلول الاسود تحتل صفحات الرواية حتى النهاية، تلك النهاية التي التي حاول عبد الناصر جاهدا تجنيب العرب عموما والثورة الفلسطينية خصوصا نتائجها الكارثية والمدمرة على الانسان العربي والقضية الفلسطينية.

تنهتي احداث الرواية عند توقيع اتفاق المصالحة بين الاردن والثورة الفلسطينية برعاية عربية وبجهد مضني من عبد الناصر، جهد كلف الكثير، كلف الثورة الفلسطينية اهم جبهة لها في مواجهة العدو وهو ما تبعه بعد اقل من عام خروج قوات الثورة الفلسطينية من الاردن نهائيا.

ولأن المأساة في الحالة العربية ولكي تكتمل فصولها لا تأتي مصائبها فرادا، كان حريا على سنة 1970 تأكيد حضورها المأساوي في تاريخ الامة وفي سطور الرواية، اذ كان لا بد من ان يموت البطل عبد الناصر تزامنا مع انكسار وافول انبل ظاهرة في التاريخ ظاهرة الثورة الفلسطينية، وهذا يستقيم مع مقولته الشهيرة :"الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى، واضاف ياسر عرفات في حينها: ولتنتصر".

لم تغب حتمية النصر عن عبد الناصر، كان يعرف حتما ثمن ذلك النصر، لكنه كان يعي موازين القوى جيدا ويدرك قسوة الجغرافيا والتاريخ على الفلسطينيين؛ كان يعي جيدا ان على الثورة الفلسطينية ان تبقى اولا حتى يشتد عودها ويتجذر، اما النصر فهو نتيجة حتمية للبقاء.

صنع الله ابراهيم في هذه الرواية او النص بقي وفيا لمبادئه وسيرته الاولى فهو من اكثر الروائيين العرب تجريبا وتجديدا، وهو الحافظ للتاريخ المغرم بالتوثيق وتقديم المعرفة حتى وان اثقل التاريخ والتوثيق نصوصه واخرجها من نطاق تصنيفات ومسميات الفناها.

زبدة القول؛ صنع الله ابراهيم من القلائل الذين يملكون قلما ذو وقع واثر، وهذا الاثر بالذات كأثر الفراشة لا يزول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو