الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كازا بلانكا

عذري مازغ

2021 / 3 / 16
الادب والفن


ــ منين انتم؟ (من أي مدينة انتم)
ــ من كازا بلانكا، يحكي لي صديقي المتغرب في بلباو حول جيرانه الجدد من المغرب ثم يسترسل: "كازا بلانكا لا تعني تلك الهالة الحضارية التي لأصحاب المدن، في البداية، فرحت كثيرا ان أسكن مع أبناء بلدي، سنتقاسم الملح والنكت وسنشترك حتى في الاكل الجماعي ونعيش اجواء مبارات كرة القدم في الصالون جماعة وسنكسر جدار الوحدة والفردانية تجنبا لهذه العزلة اللئيمة، في البداية بدوا طيبين وهم كذلك حتى الآن، احدهم يتجنب الحديث كثيرا والآخر يستحسن الحديث، لكن بالجلوس معهم بدت الأمور تتغير في قناعاتي وبدأت تتأكد تلك الخلفيات التي لي حول أبناء كازا، يقول لي صديقي، كانت كازا عنده معلمة من العنف المتدفق، أصحاب فوضى وتنمر، وتظهر خصوصا في جمهورهم الكروي المتفرق في المساندة الكروية: كازاوي رجاوي وكازاوي ودادي وهي عبارتان تلبس ملامحهم المحروقة بالهم والبطالة اليومية... كان حين ينقل لنا المذياع مبارات كرة القدم التي تجري بين الرجاء والوداد ينقلها وكأن هناك بركان يتهيأ للإنفجار، يتحول كل شيء فيها إلى مجرد مبارة، يعني تلك الحياة المعقد في الدار البيضاء من البطالة وازمة المواصلات وازمة الصحة وازمة السكن وغلاء المعيشة.. كل هذا الغضب الدفين في أعماق الناس يتفجر فقط في تمريرة كرة قدم، يا للعبث! ...
" في يومهما الأول كانا مترددان ولا يعرفان ما ذا يقدمان وماذا يؤخران برغم أن السيدة التي اكترت لهم البيت شرحت لهم كل شيء حول المطبخ والنظافة واستعمال الحمام، كنت تركت عنقودين من العنب فوق مائدة المطبخ، احدهما كامل بحباته العنبية والثاني بقي منه شيء قليل، لكن عندما تنبهت إليه وجدته "طار" فخمنت في نفسي: هذه علامة سيئة ذكرتني بأبناء معلم من مدينة مكناس نقل ليعلم أطفالنا التربية والتعليم في إحدى ضواحي ميدلت، وكان اطفاله حالة عجيبة للسكان، يدخلون بساتين الجيران وينزعون كل ثمار الأشجار وهي غير ناضجة، وذات يوم، عندما بدأت براعم التين تظهر، غزا هؤلاء الأطفال عليها كالجراد، حاول احد الجيران تنبيه المعلم المتمدن بخطورة أكل التين وهو غير ناضج، لكن جاره الآخر نهره من ذلك، قال لصديقه: "دعهم يأكلونه اخضر وسيتعلم أبوهم ان يمنعهم بعد ذلك عندما تتقطع شفاههم وتتورم أصابعهم بحليب التين، سيتعلمون قليلا من قانون طبيعة البادية".
" وجدت جيراني حائرين، فسألتهم عن حاجتهم في المطبخ، بدوا مترددين فقطعت عليهم ترددهم: أواني الطبخ توجد بهذا الصندوق، الأطباق هنا، والكؤوس هنالك، الملاعق والفرشاة هنا في درج مائدة الاكل، هذا الصندوق خاص بي وهذا لجارنا الإفريقي وهذا الفارغ لكم تضعون فيه أشياءكم، ثم توجهت إلى الثلاجة أخبرتهم ان المكان الفارغ مخصص لهم كجيران جدد ثم أخبرتهم كيف يشتغل المطبخ، لاحظت انهم يتركون مصباح الحمام دن إطفاء، ولما ولجت إلى داخله كانت المفاجأة اكبر: شعرت باندفاع أهوج يدفعني نحو المطبخ، إنه في حالة قابلة للإنفجار، مليء بغازات بطونهم بشكل لو دخلت والسجارة معي سينفجر بدون شك، اخبرتهم ان يطفؤوا المصابيح ويتركوا الباب مفتوحا حتى إذا أراد احد أن يقضي حاجته سيعرف ان لا احد بالداخل فالناس تخجل أن تطرق باب الحمام إذا كان أحد بالداخل، تفهموا الأمر وأكدوا أن ملاحظتي حق، لكن مع ذلك لم يتخلصوا من عادتهم، لا زالوا يغلقون الباب، ولا زالو يتركون المصباح وعلي أنا أن احضر في كل مرة معقما كيميائيا لتعقيم الحمام كلما أردت الدخول لقضاء حاجتي... في المكان الذي نضع فيه المنشفة في الحمام كان هناك عش معلق تركت فيه خصيتي صاحبه أثارها التي لا تمحى حتى ولو بالمواد الكيميائية القاطعة ...
" في الجمعة زارتني حبيتي الإسبانية لنقضي سويا أيام العطلة ، كانت تحمل في حقيبتها شيئا ثقيلا فاعتقدت انها أتت بقنينة نبيذها المفضل حيث سنقضي ليلة حمراء، سألتها هل سنخرج لتناول شيء ما في المقهى ام انها حسمت الأمر بشراء النبيذ، ابتسمت في وجهي ثم قالت:
ــ سنخرج بالفعلن فنحن لم نهيء شيئا للعشاء، أما مايبدو لك نبيذا في حقيبتي فهو سائل معقم سنستعمله حين نأخذ لنا حماما ، لقد أخبرتني بأن جيرانك يضعون سراويلهم الداخلية مكان المنشفة، إنه امر مقزز حقا ! كان صديقي يتكلم وفي كل مرة يقف يفكر ثم يعود مرة أخرى إلى البدايات:
"أخبرتهم أن المطبخ يجب استعماله بشكل مرتب ونظيف بشكل يسمح للآخرين استعماله دون حاجة إلى ترتيب فوضاهم، قلت لهم: نحن المغاربة يجب أن لا نمنح للإفريقي ولن نعطيه الفرصة في ان يتكلم عنا أو ينتقدنا...يجب غسل الأواني ووضعها لتنشف وحين تنشف أعيدوها إلى مكانها لكي تتركوا المكان لجيرانكم ... مع مرور الوقت بدت كل هذه النصائح ثرثرة عادية، في ذات مساء، كانا يهيئان عشاءهما، انتظرت حتى طبخ أكلهم لكي أهيأ كأس شاي صحراوي، سألتهما عما إذا كانا يريدان كأسا من الشاي بعد العشاء، اجاب أحدهم بالإيجاب، ولكن قبل أن يأخذه، دخل بيته ليأخذ فرشاة الأسنان وتوجه مباشرة إلى حيث نغسل الأواني وبدأ ينظف أسنانه، هزتني قشعريرة غاضبة ولم اتمالك نفسي: إذهب إلى الحمام يا صديق لغسل أسنانك فهذا المكان لغسل الاواني وليس للنظافة الذاتية وكلنا يضع الأطباق والاواني هناك قبل غسلها، اعتذر ثم توجه للحمام، لكن لم تمضي لحظة حتى فعلها رفيقه أيضا، كأنه لم يسمع توبيخي، راودتني الشكوك ـ يقول صديقي ــ حول ما إذا كانا بالفعل من سكان الدار البيضاء، فسألهم للمرة الثانية :أين تسكنون بالدار البيضاء؟
ــ نحن في الأصل من آسفي حيث ولدنا بها، لكن عشنا طفولتنا ودراستنا بالدار البيضاء
ــ تعرفون جمعة اسحيم، قضيت فيها بعض الشهور
ــ آه نعم، هي قريبة جدا من المنطقة التي ولدنا فيها، ثم سألتهم عن باب مراكش بالدار البيضاء فبدا من ردة فعلهم انهم لا يعرفونه ليتداركو أنه حي شعبي بالدار البيضاء.. ثم التفا حول باب مراكش بتعميمات تلاقفوها مني حين تكلمت عن الحي الذي أعرفه أكثر برغم أني لم أسكن ولم اقضي حتى عطلة قصيرة بالدار البيضاء
"في اليوم الموالي، عند استيقاظي من النوم، وجدت المطبخ فوضى من الفتاة والأواني "المغسولة" وغير المغسولة وضعت بشكل عشوائي لأبدأ يومي بميزاج سيء، اعدت ترتيب المطبخ من جديد، واعدت غسل بعض الاطباق والاواني من جديد وتركت المطبخ نقيا لعلهم سيتداركون الأمر ، لكن دون جدوى وبعد توالي الأيام وقرب شهر رمضان فكرت في الهروب .."
انتهت رواية صديقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
حسين علوان حسين ( 2021 / 3 / 17 - 08:36 )
االعزيز عذري مازغ الورد
تحية عراقية حارة
تحويل اليومي العادي إلى أدب هو فن صعب لا يجيده غير الموهوبين .
رائع
الهروب هو أسرع حل و ليس الأفضل حيث يمكن أن تقع في برائن من هو أسوأ .
أفضل حل هو أن تسكن امرأة عندكم لتتولى هي تقريع المارقين بعصبها الحريرية .
استمتعت بالنص .
كل الحب .


2 - عاش من شافك
عذري مازغ ( 2021 / 3 / 17 - 10:08 )
تحية للجميل حسين
-عاش من شافك- يقولها المغاربة عادة لشخص غاب غيبة طويلة كشكل من اشكال التساؤل حول الأحوال
شكرا لمرورك الجميل الذي دائما يثير حماستي في الكتابة ويشجعني على الإستمرار
نعم الهروب هو الحل خصوصا إذا كان المهاجر جديدا وبدون اوراق إقامة حيث من الصعب عليه أن يجد سكنا
دمت رائعا كما انت

اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي