الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس بالمال وحده يحيا لبنان

مفيد مسوح

2006 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


ليس بالمال وحده يحيا لبنان
د. مفيد مسوح

هدئت قليلاً وأنا أصغي إلى خبر تخصيص العربية السعودية بأمر من ملكها مبلغ نصف مليار دولار أمريكي مساعدة نقدية لإعادة إعمار لبنان، الذي دمَّرت بيوته ومرافقه وهجَّرت من لم يقتل من أهله الغزوةُ الهمجية الإسرائيلية، والتي مازالت تصبُّ حقدها الأعمى على لبنان شعباً وحضارة. وطمأنني قليلاً الخبر الثاني الذي يفيد بتخصيص مبلغ مليار دولار أمريكي لدعم استقرار العملة اللبنانية بإيداعه في المصرف المركزي، فمبلغ كهذا من شأنه أن يقطع الطريق على تجار الحروب وسماسرة العملة في لبنان وما يجاورها وعلى شركائهم المراهنين على ورقة الاقتصاد اللبناني الضعيف وعلى الأحوال المعيشية المتدهورة لأبنائه عاملَ ضغطٍ يرمي بلبنان إلى حفرة الاستسلام للمخطط القذر الذي تديره أيادٍ خارجية متنوعة تقامر به دفعاً للأنظار الموجَّهة إلى سياساتها العدوانية والاستفزازية للمجتمع الدولي والقائمة على توتير الأجواء وتكريس القمع والإرهاب والاستهتار بأبسط المعايير الدولية لحقوق الإنسان والاستئثار بمقدَّرات البلدان وتسخيرها للمصالح الخاصة أو لدعم آيديولوجيات الانعزال والتخلف.
إننا نرى الآن هيئات إنسانية عالمية وقد هبَّت تنظم حملات لجمع التبرعات والمساعدات بأشكال مختلفة للمصابين والمهجَّرين من ديارهم وقراهم وللحكومة اللبنانية ومؤسساتها لإعادة بناء مادمَّرته الغارات الجوية والبحرية والبرية الإسرائيلية من مرافق تستحيل بدونها الحياة ويستحيل تقديم العون لمن هم بحاجة إليه. وسمعنا أيضاً عن مساعدات حكومية عاجلة قامت بها بعض الدول وعن برامج إعلامية مفتوحة للتبرع على الهواء مباشرة في خطة لتحفيز أصحاب الضمائر ممن لهم القدرة ولديهم القناعة بجدوى المساعدة وضرورتها.
وإذ تُثلج هذه المبادرات القلوبَ المحترقة حزناً وتُهدِّيء العقولَ الغاضبة من انعدام العدل ومن استمرار حالات الاضطهاد والقهر، فيدفع الأبرياء الفقراء على الدوام ثمن السياسات العدوانية والثقافات الرجعية والمغامرات الهوجاء وخطط تصفية الحسابات واستعراض العضلات، نجد أنه لا بدَّ من التفكير مليَّاً بما هو أبعد من الحاجة للمال ينتظره لبنان وشعب لبنان بفارغ الصبر.
دون أن نغفل حقيقة تضمُّن هذه المساعدات بعداً أخلاقيَّاً ومعنويَّاً يتمثل بالتعاطف والمؤازرة الأخوية والإنسانية، نرى أنفسنا أما قضية أعمق بكثير مما وصفه البعض مؤمِّلاً منكوبيَّ لبنان بمساعدة مَن هم وراءَنا مِن أصدقاء وحلفاء لا يتأخَّرون في دعمنا لإعادة إعمار ما تهدَّم بعد أن نحقِّق النَّصر المؤزَّر! إنها قضية الخسارة الحضارية والخطر من تكرار تعرُّض لبنان لأحداث جسام تفتته وتعيده إلى الوراء وتعطِّل إمكاناته فيجد نفسه خارج التاريخ والحضارة_ وهو البلد الذي صنعهما، وخائفاً مهمَّشاً_ وهو الذي كان رمز الحضور، ويائساً مكتئباً انعزالياً_ وهو ساحة التفاؤل التي لا حدود لانفتاحها طبيعةً رائعة وشعباً معطاءً وأدباً هو أدب الحياة السعيدة الحرَّة الكريمة المتطوِّرة.
إن ما يحتاجه لبنان ويحتاجه شعبه هو حريته الحقَّة وسيادته الفعلية والذي يتطلب كأول الشروط كفَّ الجهات الخارجية عن التدخُّل بمكوِّناته السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية والعبث بهذه المكونات عن طريق الاختراق الثقافي والأمني وشراء الذِّمم والولاءات ضماناً لاستمرار أقنية ووسائل التدخُّل والعبث. ولا بدَّ للمجتمع الدولي ولمن يبادل لبنان الصداقة النزيهة من تشديد الضَّغط على تلك الجهات للتوقف عن هذه الممارسات الأنانية والتي لا تقلُّ عدوانية وحقداً عن الغارات العسكرية الإسرائيلية، لأنها في نتيجتها تضعف لبنان وتحرمه من سيادته ومن فرص حماية أمنه واستقراره.
وما يحتاجه لبنان من أهله التضامن والوحدة والترفُّع عن مستويات الاختلاف التناحري وإلغاء أسبابه الدينية أو الطائفية أو العشائرية أو الولائية لآخرين، والتحالف من أجل إنقاذ الوطن وحماية شعبه وحضارته وإعلاء مصلحته فوق المصالح الذاتية أو التجمعية.
وكما يتوخَّى لبنان من أبنائه الصمودَ وصدَّ العدوان بكلِّ ما يستطيعون وعدم السَّماح لمشاعر الانكسار والتشاؤم من السيطرة عليهم، يطالبهم، حقَّاً، بالتحلِّي بالوعي الكامل لحقيقة ما يحيط بهم ومن يحيط بهم والانتباه إلى خطورة التشرذم والتبعية والولاء لجهات ذات برامج لا تصبُّ في مصلحة لبنان الوطنية. وإذا كانت لإسرائيل مطامع في لبنان، وهي لا تخفي حقدها التاريخي عليه شعباً وثقافة ومكانة حضارية، فإن لأصحاب الآيديولوجيات الرجعية الانعزالية القادرين، حتى الآن، على التأثير على أحداث لبنان ومصيره، مطامع ليست أقل خطورة وهي أيضاً مبنية على أساس من الحقد والشعور بالنقص والدونية مغطَّى بالتعالي والعنجهية.
لئن كان الخبز الذي حَرم العدوانُ الإسرائيلي أطفالَ لبنان منه، ومازال، قد أمَّنته مساعداتُ بعض الحكومات والهيئات والأشخاص، فإن لبنان الوطن .. لبنان الحضارة .. لبنان الشعب العنيد .. لا يحيا بالخبز وحده .. إن لبنان الحضاري لن يحيا إلا بالحرية .. التي دفع ثمنها دماً غالياً.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم