الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال الفعل السّياسيّ في تونس / هزلت حتّى سامها كلّ مفلس

الطايع الهراغي

2021 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


" وليـس جميـلا عِرضه فيصونــه // وليـس جميــلا أن يكـون جميـلا
ويكـــذب مــــا أذللتــه بهجـائــه // لقد كان من قبـل الهجــاء ذليــلا "
-- أبـــــو الطيّـــــــب المتنبّـــي --
ليس غريبا أن تجمع كلّ المتابعات وكلّ المقاربات على كارثيّة الأزمة التي تتخبّط فيها البلاد منذ عشر سنوات : استقواء على شبح الدّولة بالتّدّثّـر بعباءة أكثر من حصانة ،نحر للمفاهيم بتكميم الأفهام. فهل هو موسم اغتيال العقل وإقامة الحداد على الفعل السّياسيّ في تونس؟. الأزمة مستفحلة إلى درجة بات من المستحيل إنكارها حتّى من قبل الذين صنعوها واستماتوا في مراكمة وتكريس مقوّمات انغلاقها وانسدادها وتأبيدها في ما يرقى إلى مستوى التّـشفّـي والثّـأر من طموح التّونسسيّين في تحقيق ما حلموا به بعد الإطاحة ببن علي. أقــلّ الدّلائل فظاعة تفضح سرياليّة المشهد: اغتيال العقل واستعداء المنطق مترجما في المغالبة بين رئيس الحكومة ورئيس الدّولة . الأوّل يقسم بأغلظ الأيمان مثنى وثلاثا ورباعا بأنّه جنديّ محكوم عليه أن لايفــرّ من سوح القتال، والثاني طلّق الحكومة طلاقـا إنشائيّـا لسبب ظاهـره رفـض قبـول أداء اليميـن لوزراء تحــوم حولهـم شبهات وباطنه الإطاحة بالحكومة عبر دفعها إلى الاستقالة. أيّا كانت المآلات والاحتمالات--احتمالات افتراضيّة--[تراجع الرّئيـس /استقالة الحكومة/ فبركـة إقالتـها / تبدّل قســريّ للتّحالفـات ]فــإنّ المشهـد السّياسيّ قـد حُكِـم عليه بالموت السّريـريّ والتّعفّـن الأبـديّ.فهـل يعنـي الاتّفـاق فــي التّوصيف -- لأنّ الـواقـع الدّامغ والعنيد فـرض التّسليـم به وليـس الاقتنـاع-- اتّفاقــا فـي تحديــد الأسبـاب والمخــارج؟.كثيرة هي الدّلائل التي تجزم بما يناقــض ذلــك بعــد أن حُشِــر الواقــع السّياســيّ فــي أسوإ غرفـة للإنعــاش. .........................................................................................................
** الخلــط بيـــن الأسبــاب والنّتائــج. . حصـر الأزمة– التـي يعتبرها البعض مـن بـاب التّخفيف تعثّـرا – واختزالهـا فـي طبيعة المرحلة الانتقاليّة التي تلت ثورة 14 جانفي تدليل على عقم في الفهم ، إن لم يكن فعلا سياسيّا مخطّطـا ومدروسا ومغالطة مقصودة ومحسوبة لحجب العوامل الأساسيّة المولّدة للأزمة والمتحكّمة فيها ولتبرئة الأطراف التي تملّكت كلّ موجبات الفشل والتّعطيل وبرعت فيه براعتها في إعادة إنتاج ورسكلة أسوإ ما في نظام بن علي من قتل الحياة السّياسيّة بتعفينها وتحريفها . ذلك أنّ المراحل الانتقاليّة تملي بالتّعريف إرساء سياسات انتقاليّة مدروسة وناجعة ، تقطع بالضّرورة مع السّياسات المنتهجة في الفترات السّابقة باعتبارها سياسات افتضح فشلها فوقع رفضها والثورة عليها ، وتسرّع في احتواء الانفلات الذي يصاحب كلّ التّحوّلات -- فما بالك بالثّورات – مع الوعي بأنّ الانفلات أيّا كانت فداحته ليس سببا. إنّه مخاض و نتاج طبيعيّ لوضع انتقاليّ بملابساته الموضوعيّة. والحال أنّ العلاجات التي مورست خلال العشر سنوات لم تتجاوز سياسة الإشراف السّيّء على التّصريف اليوميّ للأعمال وبأكثر الأشكال بدائيّة . تغيّر الطّاقم الحاكم واستُبدِل بطاقم جنيس متعطـّـش للتّسلّط ومصاب بمرض الانتقام من الدّولة ،علاقته بالحكم علاقة ثأريّة وهوس تتغلّب فيه لهفة الهدم على ضرورة البناء واقتناص الفرصة على صناعة الفرص. فكيف ستتغيّـر السّياسات ؟. الانفلات الذي يصاحب كلّ الثّورات نتيجة وليس سببا، وتحويله إلى مبرّر هو تستّر على الأسباب الحقيقيّة للأزمة بقدر ما هو ترجمة لطفوليّة سياسيّة تغيب فيها الإرادة والتّبصّر ويستفحل فيها التّجريب سمة كل تفكير سياسيّ أعرج لم يتجاوز مرتبة الهواية ويرفض أن يتخطّاها.عندما يُحوّل الانفلات إلى سبب رئيسيّ يُفتح الباب واسعا أمام التّذرّع باسترجاع هيبة الدّولة والحنين إلى تغوّلها وسطوتها كما تكشفه سياسات الباجي ( هيبة الدّولة واسترجاع مجدها ) وسياسات الجبالي وعلي العرّيض في اعتماد ترويع هو النّسخة الوفيّة لسّياسات بن علي وبطانته. وكما كرّسته بفظاعة حكومة المشيشي مجازا وحكومة النهضة فعلا في مناسبات متكرّرة لعلّها ضرب من التّدرّب على القبضة الحديديّة ، كما تكرّس في التّعامل مع الاحتجاجات الشّعبيّة ومجابهتها وفي عسكرة محيط البرلمان وفـي الطّـريقة التي بها وقـع فـضّ اعتصــام الاحتجـاج علـى انتصاب فرع جمعيّة الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين. أمّا الانسداد السّياسيّ المجسّد في"النّــزال" الكاريكاتوريّ بين رئيس البرلمان وشيعته وحلفائه وساكن قرطاج وبطانته ومريديه فترجمة أمينة لِما آل إليه الوضع في تونس من تدمير لكلّ ما ظل صامدا من الأوجه الإيجابيّة للمجتمع التّونسيّ باعتماد سلـوك لا علاقــة لــه بعالـم السّياسـة حتّـى فـي بعدهـا البدائــيّ: عنــاد صبيانـيّ/ احتـراب / تمتـرس / تجييــش/ استهتـار بأبجديّـات الدّرجــة الصّفــر لمتطلّبـات البروتوكــول السّيـاسـيّ والإداريّ والمدنيّ كمـا يكشفـه التّحصّـن بفـنّ التّراســل والتّرسّــل عــن بعــد بيــن مؤسّســات الدّولة تشريعيّها وتنفيذيّها. . ............................................................................................................
**الــــمنــاعـــة القــطيعـــيّــة
تصرُّف حزام رئيس البرلمان -- وليس حزام المشيشي ولا حزام الحكومة -- تصرّف قطيعيّ ، مكوّناته مستجيرة بدولة الفقيه ومسلّمة موضوعيّا بحكومة الإسلام السّياسيّ ومستظلّة بها .وقد شجّعها في وعلى ذلك السّلوك الأرعن لمؤسّسة الرّئاسة التي لا تميّز بين الأهواء الذّاتيّة والنّزوع الفرديّ والتّقليعات النّرجسيّة والأحلام المجنّحة وبين والمسؤوليّـة الاعتباريّـة لأوّل مسـؤول فـي الدّولـة وإكراهـات الفعـل السّياسيّ الذي يتطلّب وجوبا الإذعان للأنـا الجمعـيّ ومقاومة جموح الأنـا الفـرديّ أي القطع مـع العاطفيّ الثّــأريّ الآنـيّ لصالـح العقلـيّ والصّالـح العـامّ درءا للمفاسـد إذا استحـال جلب المنّافع بتعبيرالفقهـاء. أمّـا سلـوك المتدثّريـن بعبـاءة الرّئيــس والمعتصميـن فـي خيمته علـى شاكلة الفرقـة النّاجيـة احتمـاء بها من غوائل الـزّمان – زمان النّهضة -- فدليـل إضافيّ على بؤس السّياسة - وليس فقط السّياسة البائسة- عندما تنخـرط فـي تزكيّات لامشروطة بل ومذلّـة، أقصـى اجتهادهـا شـروح تبسيطيّـة لفتـاوى الرّئيـس في مجابهة خصومه والتّباهـي بتقديم واجب الـولاء لسماحته والبـراء مـن المارقيـن علـى سلطانه والكافرين بحوزته. ويبلــغ التّمــاهــي ذروته فــي التّسليـم العجائــزيّ لا فقــط بالأهليّة الأحـاديّـة للرّئيـس فــي " قــراءة " الدّستـور بـل فـي قـداسـة مـا يرتـئيـه مـن تأويـل. والحـال أنّ الدّستور الذي قضّـت " الأمّـــة " سنـوات فــي تدبيجـه و وُصِـف مــرارا وتكرارا بأنّـه مـن أرقــى الدّساتيـر ( العبارة بالضّبط من أحسن الدّساتير) وتبارت كـلّ الفــرق فـي التّغنّــي بمحاسنه رغــم أنّـه ، ككـلّ وثيقة ، ميثاق ، عهد، في غياب المؤسّســات الملتزمة ببنوده والقوى السّياسيّة التي من مصلحتها الدّفاع عنه بتفعيله قد يتحوّل إلــى مجــرّد مرجـع يتيـح التّذمّـر من الخـروقـات والمـروق والتّباكــي، ولـم لا التّنديد بعدم تكريـــس ما ورد فيــه ؟ ويقــف شــاهدا علــى التّباعــد بيــن ما هــو منصـوص في الدّ ستور وما هو مكرّس على أرض الواقـع لغيــاب آليّات الإلـزام والمتابعة أحيانا ولاستحالتها أحيانا أخرى ، لأنّهـا مرتبطة بطبيعـة الحكم وبنظــام الحكم وبهويّـة الفريـق الحاكـم ؟ المسالـة سياسيّـة بالأســـاس وليســت قــانونيّــة. فالقانون ضمانة مـن ضمانات، وليـس الضّمانــة ، ولا نعــدم فــي التّاريــخ ، وفــي تاريخنــا بالــذّات أمثلـــة علــى دوس دساتيــر اعتقــد واضعــوها أنّها تشكّـل منعـة خاصّـة في المجتمعات التي لم تتوطّــن فيها الدّيمقراطيّة بعدُ. وبمـا أنّ الفعــل السّياسيّ في تونس لا يخلو من بدع تنهض دليلا على ترهّـل الذاكرة و ارتهان الفكـرالسّياسـيّ للّحظة فسرعان ما طارت السّكــرة وحضــرت الفكرة فأصبح الدّستــور، الذي كان يوما ما حجّة على كلّ مكابر عنيد، كومــا مــن الفخــاخ والألغــام وسبــب كلّ العقــم السّياســيّ. واستتباعا تبارت جلّ الأطراف في الكشف عن هجانة النّظام السّياسيّ وإليه أرجعت ترهّــل الحيــاة السّياسيّــة وتعطّــل المشهد السّياسيّ وتعفّنه ما دام يفرز بالضّرورة فسيفساء تحول دون إنتاج أغلبيّة تستطيع تطبيق برامجها – بقطع النّظر عن طبيعة هذه المشاريع – .الحلّ إذن يتمثّل في الاهتداء بمصباح علاء الدّين السّحريّ، اعتماد نظام العتبة. فمن سيكون الرّابح الأوّل ؟ هو حتما اليمين المتربّع على الجهاز التّنفّسي للإدارة والمؤسّسات -- حكومة وبرلمانا ورئاسة-- .وهو عمليّا فتح الباب على مصراعيه أمام صنّاع الأزمة لإدارة الأزمة وإعادة إنتاجها عبر الاستفراد بالتّمكّن من المؤسّسة التّشريعيّة مدخلا للتّنفّذ في سائر دواليب الدّولة. . .................................................................................................
المراحل الانتقاليّة تتطلّب منطقيّا إجراءات وتحصينات وآليّات تضمن تواجد " الأقلّيّات السّياسيّة " لا إقصاءها . وماذا عن النّظام الرئاسيّ الذي تحنّ إليه عديد الأطراف ؟ أليس إدانة للنّظام البرلمانيّ-- بقطع النّظر عن الوعي بذلك من عدمه-- ؟ ألم يكن النّظام البرلمانيّ مطلبا وردّا على فظاعة النّظام الرّئاسيّ ؟ ألم يثبت النّظام الرّئاسيّ في المجتمعات الهشّة كارثيّته ؟ أليس الاتّفاق (التّوافق ) علــى أفضليّــة التّمثيل البرلمانيّ مــردّه هاجــس المخاوف -- المشروعة-- من عودة نظام الاستبداد ؟ فهل زالت هذه الأسباب ؟ وهل ثمّة دليل يتيم على أنّ اعتماد النّظام الرّئاسيّ سيكون بوّابة الإقلاع والإنهاء مع الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة أساسا ؟ هل المسألة مسألة تجريب (من باب نجّرب لنرى) وبعدها لكلّ حادث حديث ؟.الواقع أنّ الأمر أخطر بكثير لأنّه لا يتعلّق بمفاضلة بين نظامين أيّهما أصلح وأفيد للمرحلة الحاليّة ، والمنطلق ليس البحث عن أنجع السّبل لإخراج البلاد من عنق الزّجاجة .الخطورة تتمثلّ في الاحتكام إلى سياسة قوامها ردّ الفعل ( غير المحسوب وغير المبرّر ) و تقوم في أحسن الحالات على التّغليب الكلّيّ للمصلحة الآنيّة الحينيّة لكلّ طرف سياسيّ انطلاقا من وضعه الدّاخلي ورهاناته الحزبيّة . فحزب النّهضة مثلا رهانه في الأمد المنظور على المؤسّسة البرلمانيّة ، وسيظلّ رهانه على مؤسّسة الرّئاسة ثانويّا ، ومن مصلحته تقليم أظافر" الكيانات الصغرى " بالقانون ( نظام العتبة ) . بقيّة الأحزاب تخلط بين تهمّشها ومحدوديّة تمثيليّتها والحسم في جدوى التّمثيل البرلمانيّ. الإشكال كلّ الإشكال يكمـن في تحويل المسألة إلى معضلة نظريّة ( للأسف بدون وعي وبدون تمثّل لمقتضيات " المناظرات "). المسالة بوضوح : ماذا نريد من / و بالنّظام " الفلانيّ " لتونس في المرحلة الحاليّة المتّسمة بجبل من التّحديّات ؟ ماهو النّظام القادر على حلّ المعضلات المتراكمة والمعلّقــة الآن وليس فــي المطلق، نظـام يقــرّ بالمكاسب المجتمعيّة التي راكمتها الحركة التّقدميّة ويضمن عدم الارتداد عليها ويرسم سبل تدعيمها وتحسينها بتحصينها. . ................................................................................................ ** في الدّوس على المفاهيم. . يبدو أنّ طبيعة الجدل الدّائر حول جملة من المسائل السّياسيّة مردّه الخلط بين المفاهيم . من صراع الأفكار تولد الحقيقة. هذا إذا تعلّق الأمر فعلا بتصارع أفكار. ما اختلفنا. ولكنّ حرّيّة التّعبير والتّفكير لا يجب أن تكون مدخلا ومتّكأ لتبرير وتمريرالخيانات على أنّها وجهة نظر، وليست تهجينا للقيم، والدّيمقراطيّة عندما تصبح بوّابة لإرساء الهجانة والهرسلة والتّعفين المقصود المقاد بعقليّة استئصاليّة تتحوّل إلى إرهاب فكريّ تدميريّ. ومع ذلك فلا مجال ولا معنى للكفر بحرّيّة التّفكير . فمساوئها -- إذا سلّمنا جــدلا بذلك -- أقلّ بكثير من مآثرها خاصّة في المجتمعات التي لا زالت تتدرّب على السّلوك الدّيمقراطيّ والذهنيّة الدّيمقراطيّة وتكتوي بتمثّــل عذاباتهـا و" مآسيهــا "أمــلا فـي توطينهــا، إذ ليــس يتبدّل ما في الأعيان (الواقع)حتّـى يتبدّل ما في الأذهان( الفكر والمفاهيم والعقليّات).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس