الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التَّمحور حول الذَّات والانبعاث في القصيدة - احتاج لدبوس - للشاعر العراقي البابلي عبد الله حسين

غانم عمران المعموري

2021 / 3 / 19
الادب والفن


تنطوي تجربة الناص من مرجعيات فلسفية ومعارف ثقافية فكرية ومنطقية بالإضافة إلى تمكنه من أدواته الشعريه عن طريق درايته بالفنون البصرية الحسية مما يجعل العديد من نصوصه الوجيزة تُلامس ملامح التشكيل المتخيل الذي يجعله في مضمار تفاعليّ واقعي مع المجتمع الذي يعيش فيه لذلك جاء النسق الداخلي مبني على أساس جمالي يعتمد اللمحة والوهّج البصري والفكرة التأملية التي تُلهب نار التشوق في الصورة الشعرية المتشظية إلى صور عديدة متناسقة البنيان عن طريق صهرها فنياً في بوتقة واحدة تُعبْر عن مقاصده وعندما تقرأ " احتاج لدبوس " لينقلنا الشاعر من العالم التخيلي إلى واقع ملموس وكأنك تمسك وتتحسس دبوس بمرامي شعورية تجعلك تُفكر قبل الولوج إلى النص كيف توخز رأسك بدبوسٍ ؟ وهل تحتاج فعلاً في وقت من الأوقات إلى وخْزةِ دبوس؟ يسترسل الناص بتكرار لفظي وكأنه جواباً لفعل الوخْز " رأسي الذي نفخته الريح وصياح جارنا اليومي, وكوابيس الحروب التي تدخله كل يومٍ دون خروج "
بعد تكرار كلمة " رأسي " الناص يبعث في قصيدته إيقاعاً لافتاً مُثيراً للقارئ، لشَده ا إلى الشيء المكرر، لأنها تترك أثراً ينعكس على رؤية القصيدة وبنيتها الفنية, يُدخلنا الناص إلى عالم الحياة الواسعة بما فيها من تناقضات واختلافات في الرأي وتعدد الأحزاب والتيارات الفكرية المختلفة وهذا ما كان يقصده الشاعر من " نفخته الريح " ليبدأ معنا رحلة المُعاناة الشاقة التي يعيشها الفرد العراقي وغيره من أفراد العالم العربي الذي دخل عالم أفلام الرعب والأكشن ومغامرات علي بابا والأربعين حرامي حتى صار لكل حرامي أولاد وأحفاد وزَجوا الأبرياء في حروب طائفية طاحنة التي تدور أخبارها على طاولة طعام العائلة العربية وتمضغها مع الخبز وتشربها مع الشاي...
أستمر الناص في رحلته التأملية المبنية على المزاوجة بين معطيات الواقع الذي يتحسسه بكل جوارحه والمتخيل وفقاً لأفق اللا متوقع انطلاقاً من الذات المُعبأة بالألم والإصرار على جلد الواقع المرير ومستنداً في تشكيل الصورة الشعرية على بلاغة السرد والغرابة والمفارقة والدهشة في الإنتقال من صورة إلى أخرى كما في :
أحتاج لبالونٍ
ليطير ويطير معه رأسي لأبعد مدى
تاركاً جسدي في الأرض
لجأ الشاعر إلى تكرار كلمة " أحتاج " لدفع حركة الصورة الشعرية من الرتابة والسكون إلى الدينامية والحيوية ضمن إيقاعها حيث أن ” التكرار يستطيع أن يعين المتلقي في الكشف عن القصد الذي يريد الشاعر أن يصل إليه، فالكلمات المكررة،ربما لا تكون عاملاً مساهماً في إضفاء جو الرتابة على العمل الأدبي، ولا يمكن أن تكون دليلاً على ضعف الشاعرية عند الشاعر،بل إنها أداة من الأدوات التي يستخدمها الشاعر لتعين في إضاءة التجربة، وإثرائها وتقديمها للقارئ الذي يحاول الشاعر بكل الوسائل أن يحرك فيه هاجس التفاعل مع تجربته، إن حرص الشاعر على إحياء تجربته في نفوس المتلقين يجعله يتحرز في اختيار الأسلوب الأكثر ملاءمة”(1).
يكشف لنا الناص الواقع المأساوي الذي يعيشه الفرد في ظل واقع فوضوي متفكك فكرياً واجتماعياً واقتصادياً بحيث يتمنى أن يترك جسده المُثَّقل بالهموم ويطير لعله يرتاح من هول ما يجتاحه من آلام .

أحتاج ورقةً كبيرة
أكتبُ عليها كل أسماء الموتى
لأقرأ لهم سورة الفاتحة قراءة واحدة
أحتاج رواية
أغوص في أحداثها وابقى مدفوناً هناك بين طيات أوراقها

نقل لنا الناص بصورة واقعية عِبْر تشكيل فني ما يدور في رأس كل فرد قد مرت به وعاشها بنفسها فهو بذلك أيقظ الحس الوطني والشعور بالإنسانية من خلال مُحرك فعال وله أثر بالغ في نفس المتلقي حيث يرى الباحث والناقد سعد الساعدي " إنَّ اتساق النص ( الإنبعاث ) وانسجامه من خلال ترابط مرتكزاته الثلاث يكشف الدلالة ويوسع مديات ادراك المتلقي ( الناقد والمشاهد) اضافة إلى إمكانية دقة الوصول للمغزى الحقيقي وهدف الانبعاث المنتج ..." 2.
أحتاجني احياناً
أحتاجني أنا
قبل أن أسقط من مرتفعٍ عالٍ, أنا الذي أُصيب بكسرٍ في الخاطر
وخدوش في النفس.
يرجع الشاعر مرة أخرى إلى رداء الذَّاتيَّة باستعمال ضمير المتكلِّم (أنَا ) تعبيراً عن خلجات نفسه والآلم القابع فيها حيث أن كل ما يدور حوله في المجتمع الذي يعيش فيه تعود أثاره النفسية على احساسيه وكيانه ...
وإليكم نص القصيدة :
احتاج لدبوسٍ
اوخز به رأسي, رأسي الذي نفخته الريح وصياح جارنا اليومي, وكوابيس الحروب التي تدخله كل يومٍ دون خروج
أحتاج لبالونٍ
ليطير ويطير معه رأسي لأبعد مدى
تاركاً جسدي في الأرض
أحتاج ورقةً كبيرة
أكتبُ عليها كل أسماء الموتى
لأقرأ لهم سورة الفاتحة قراءة واحدة
أحتاج رواية
أغوص في أحداثها وابقى مدفوناً هناك بين طيات أوراقها
أحتاجني احياناً
أحتاجني أنا
قبل أن أسقط من مرتفعٍ عالٍ, أنا الذي أُصيب بكسرٍ في الخاطر
وخدوش في النفس.




المصادر
1- ربابعة،موسى، 1990- التكرار في الشعر الجاهلي،دراسة أسلوبية، مؤتة للبحوث والدراسات،م5، ع1،ص170. وانظر الخرابشة، علي قاسم،2008- الإبداع وبنية القصيدة في شعر عبد الله البردوني،ص242.
2-سعد الساعدي , نظرية التحليل والارتقاء , مدرسة النقد التجديدية , دار المتن 2020 , ص88.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي