الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أمريك-* (AMREC) من تثمين التنوع الثقافي إلى ثقافة الاعتراف

الحسين أيت باحسين

2021 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الأستاذة فاطمة بوخريص (Fatima BOUKHRIS)
السيدة صونيا كوهين أزاكَوري (Sonia Cohen AZAGURY)
السيد أحمد ياكان البلعماشي (Ahmed Yakan ELBELAMACHI)
السيد آرون أبيكزير (Aaron ABIKZER)

تحية تقدير واحترام، مع متمنياتي لكما ولكما بموفور الصحة ودوام السعادة، خاصة في زمن كورونا هذا...
وفي إطار "ثقافة الاعتراف" هنيئا لكما ولكما بهذا التكريم المستحق الذي يرمز إلى العيش المشترك، بالرغم من الواقع المتعدد والمتنوع، ورغمًا عما أفسدته خطابات وسياسات التأحيد لعدة عقود ...

بداية، للذين قد يتساءلون عن العلاقة؛ من حيث الاتصال والانفصال؛ بين "أمريك" (AMREC) (الجمعة المغربية للبحث والتبادل الثقافي) و(FBADC) (مؤسسة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي) **، أشير إلى أن العلاقة شبيهة بالمشكلة المشهورة: "من الأصل: الدجاجة أم البيضة"؟!
أنتم تعرفون أن طريق البحث عن الأصل؛ في غالب الأحيان؛ مليء بالمتاهات!
وتفاديا لأي تيه محتمل، علينا أن نتدبر خصوصيات المتعدد والمتنوع في اللغة والثقافة!

المتعدد والمتنوع؟
لقد تأسست الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي من أجل إنقاذ الأمازيغية لغة وثقافة وذلك بجمع وتدوين ما يمكن أن ينقرض في أية لحظة؛ لكنها وجدت نفسها أمام واقع اجتماعي تهيمن عليه النظرة التبخيسية تجاه ما هو أمازيغي، وأمام خطابات سياسية تتبنى مبدأ "التوحيد" أو "التأحيد" ذو البعد والدلالة الأيديولوجية التي ترمي إلى استئصال اللغة الأمازيغية؛ وكبديل لذلك لجأت الحركة الأمازيغية، كمجتمع مدني، إلى رفع شعار: "الوحدة في التنوع" مبرزة أن المجتمع المغربي متعدد ومتنوع. فهو متعدد من حيث "التعدد اللغوي" المتداول فيه؛ ومتنوع من حيث "التنوع الثقافي" الذي يميزه؛ وكلاهما طرحا كبديل لمبدإ "التوحيد" أو "التأحيد" ذو البعد أو الدلالة الإيديولوجية التي لا غبار عليها.
فمن باب التذكير يمكن الإشارة إلى أن اللغات المتداولة في المجتمع المغربي متعددة، كما هو الشأن بالنسبة للعربية والأمازيغية والعبرية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية؛ حيث ينبغي التمييز فيها بين لغات رسمية (دستوريا: العربية والأمازيغية، أو واقعيا: الفرنسية)، ولغات وطنية (الأمازيغية والدارجة المغربية والعبرية والحسانية)، ولغات جهوية (لهجات الأمازيغية ولهجات العربية: الدارجة المغربية والحسانية)، ولغات الأمم المتحدة الرسمية (الصينية، الإنجليزية، الإسبانية، الروسية، الفرنسية والعربية)، واللغات الأجنبية الأكثر استعمالا في المغرب (الفرنسية، والإسبانية والإنجليزية).
إلى جانب هذه اللغات التي تشكل واقعا لسنيا يتسم بالتعدد؛ نجد أنفسنا في حضن ثقافة تتسم بالتنوع المتمثل في ثقافة ذات الجذور الموحدة والمتنوعة بروافد وافدة عليها عبر التاريخ؛ كما هو الشأن بالنسبة للثقافة المغربية ذات الجذور الأمازيغية العريقة، والتي تتنوع بتنوع مناطق المغرب وتنوع روافدها الوافدة عبر التاريخ: الإثنية منها واللغوية والثقافية والدينية والحضارية. وبذلك أصبح المجتمع المدني، وخاصة الحركة الثقافية الأمازيغية، أمام مهمة تدبير المتنوع ومحاورة المختلف.

تدبير المتنوع ومحاورة المختلف:
ما المقصود ب "تدبير المُتَنَوِّع"؟ وما المقصود ب "محاورة المُخْتَلِف"؟
المقصود ب "تدبير المُتَنَوِّع"، هو سبل تدبير القضية الأمازيغية، في دائرة الحركة الأمازيغية ومع مختلف جمعيات وفعاليات الحركة الأمازيغية؛ أما المقصود ب "محاورة المُخْتَلِف"، فهو أشكال الحوارالمعتمدة من أجل إقناع خصوم الأمازيغية بمشروعية القضية الأمازيغية.
وإذا كان "تدبير المُتَنَوِّع" قد اتخذ له مرجعيات زمن الحلم والتسامح، وزمن التنوع وشعارات العيش المشترك، وزمن التنسيق الوطني، وزمن القاسم المشترك والحد الأدنى من العمل التوافقي، وزمن قوة الحجة لا حجة القوة، وزمان القوة الاقتراحية؛ فإن "محاورة المُخْتَلِف"، قد اتخذ له مرجعيات اختلاط النابل بالحابل في زمن إجهاضات الحلم، وزمن جيوب المقامة، وزمن "التشردم الهوياتي الذاتي"، وزمن التعدد والانقسامات والتخوين، وزمن الوعود المؤجلة إلى ما لا نهاية.

أدواتنا ووسائلنا لتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي:
في بداية الأمر، كانت وسائل تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي بسيطة ومحدودة، تتمثل في سُبُلِ جعل الأمازيغية تنتقل من الشفوية إلى الكتابة؛ أي من التداول الشفوي إلى التدوين الكتابي؛ من خلال الجمع والتدوين والنشر في أفق محدود، وفي نفس الوقت انطلق الرعيل الأول؛ كل في تخصصه العلمي والأكاديمي الجامعي، داخل الوطن وخارجه؛ في اتخاذ قضايا الأمازيغية مجالا للاهتمام والتخصص العلميين والأكاديميين الجامعيين.
الشيء الذي مهد الطريق لفتح الباب أمام خلق منابر للتحاور حول القضية الأمازيغية وإنتاج خطاب يستهدف، في نفس الوقت، رفع شعارات حول مشروعية الأمازيغية ونشر دراسات وأبحاث علمية وأكاديمية مدعمة لتلك المشروعية؛ المشروعية التي استندت أيضا إلى مطالبة المجتمع المدني، المتمثل في العمل الجمعوي الأمازيغي، بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة؛ إمّا بواسطة الوساطة الثقافية أو بالترافع من أجل إحقاق الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية أو بالانخراط في أوراش تنموية في العالم القروي المهمش.
ولدعم تلك المطالب، وترسيخ هذه الوسائل، وإحقاق الحقوق اللغوية والثقافية من أجل تثمين التنوع الثقافي الذي يتسم به مجتمعنا، تمّ اللجوء إلى ثقافة الاعتراف التي يتقاسمها الجميع: مجتمعا مدنيا ودولة، وذلك بعد "ميثاق أكادير حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين"، ومختلف الخطابات الملكية، والمبادرات الرسمية، من أواسط التسعينيات إلى المصادقة على القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية، مرورا باعتبار العربية والأمازيغية لغتين رسميتين دستوريا، والدعوة إلى صيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتنا الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية-الإسلامية، والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

من تثمين التنوع الثقافي إلى ثقافة الاعتراف:
من باب ثقافة الاعتراف، ينبغي الاعتراف بالقيمة المضافة للأمازيغية خلال العقدين الأخيرين مقارنة بوضعها خلال نصف قرن، منذ استقلال المغرب من الاحتلال الأجنبي الفرنسي والإسباني، إن لم نقل منذ قرون وقرون من تاريخها في وطنها؛ إذا ما استثنينا ما قام به الأجانب في فترة الاحتلال الفرنسي والإسباني من أبحاث ودراسات في مختلف مجالات المعرفة؛ ويا لها من مفارقة! وبالمناسبة لا ينبغي تبخيس ما أنتجته الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في ظروف، تمّ نعتها ب "سنوات الرصاص الثقافية"، ويتمثل ذلك في أزيد من 80 إصدارا في مختلف المجالات والتخصصات؛ كما ينبغي التنويه بما أصدره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مختلف ميادين المعرفة، ويتمثل فيما يناهز 400 عنوان في مختلف التخصصات.
وسيكون من القيمة المضافة أيضا أن تتفضل مجموعة من الباحثين والفاعلين الجمعويين، بالمشاركة في إغناء مكتبة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والمكتبة الوطنية بما يملكون من مراجع ومصادر من شأنها أن تغني رصيد المكتبتين، وتُيَسِّرَ مجهودات الباحثين والطلبة. إن القيمة المضافة لثقافة الاعتراف لا تنحصر في التكريمات التأبينية، بل تتمثل في تكريم من يستحق التكريم وهو / وهي على قيد الحياة.
وأخيرا شكرا ل"مؤسسة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي" على جعل "ثقافة الاعتراف" إحدى ركائز أنشطتها، تكريما ل "دور المجتمع المدني في تثمين التنوع الثقافي". فنحن نشاركها اليوم في "النسخة الثانية من جائزة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي". هذا التكريم المستحق من طرف المحتفتين بهما والمحتفيين بهما اعترافا بما قدمتا وقدما من مجهودات وتضحيات دعما لما بذلوه من أجل تثمين التعدد اللغوي والتنوع الثقافي ببلدنا وتحملهم المستمر، طيلة عقود؛ لكل ما تطلبته مساهماتهم من أجل هذا التثمين. ونتمنى أن يكون هذا التكريم قدوة لهذا التلاحم لمكوناتنا الهوياتية لدي أجيالنا المستقبلية، من أجل ضمان السلم الاجتماعي والأمن الثقافي؛ ومن أجل تقدير واحترام كل مكونات مجتمعنا باختلاف تعدده اللغوي وتنوعه الثقافي والاجتماعي، في إطار العيش المشترك؛ علما أن فهم الثقافات المختلفة عنا وتقبلها يبدأ بفهم ثقافتنا نحن.
وعلينا أن نضع في حسباننا أن الصور النمطية ليست أفكارا أو معتقدات مبنية على أساس علمي؛ فسنجد على الدوام من يشد عنها، لذا فهي غير حقيقية وغير موثوقة.
كما أننا لا نحب أن يهين أحد ثقافتنا أو يتحدث عن معتقداتنا بسوء، فعلينا أن نسعى دوما لاحترام ثقافات الغير وتقبلها كما هي دونما تهكم أو استهزاء.

ملحوظة:
شاركت بهذه الكلمة خلال النسخة الثانية لجائزة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي التي نظمتها "مؤسسة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي"، يوم الجمعة 26 فبراير 2012، بمركز التكوينات والملتقيات الوطنية التابع لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بحي النهضة بالرباط. علما أن هذه المؤسسة تمنح كل سنة جوائز لثلاث شخصيات مغربية (على الأقل) تمثل التنوع الثقافي للمغرب بمكوناته الأمازيغية والعربية والحسانية والذين ساهموا في الحفاظ والتحسيس بأهمية التنوع الذي يميز الثقافة الوطنية. ولقد كانت جوائز هذه النسخة من نصيب الأستاذة فاطمة بوخريص التي تمثل الثقافة الأمازيغية؛ والسيد أحمد ياكان البلعماشيالذي يمثل الثقافة الحسانية؛ والسيدة صونيا كوهين أزاكَوري والسيد السيد آرون أبيكزير اللذين يمثلان الثقافة العبرية. كما تجدر الإشارة إلى أنه عقدت، بالمناسبة، ندوة تحت عنوان: "دور المجتمع المدني في تثمين التنوع الثقافي" شاؤك فيها كل من السيد أحمد زاهد عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، والأستاذ عبد الرحمان بلوش مكلف سابق بالتعليم بعمادة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وخبير بيداغوجي في تدريس الأمازيغية بالتعليم الابتدائي.

الحسين أيتب احسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
-------------
* الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي.
Association Marocaine de Recherche et d’Echange Culturels (AMREC)
**مؤسسة إبراهيم أخياط للتنوع الثقافي
Fondation Brahim Akhiat pour la Diversité Culturelle (FBADC)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص