الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصحر الثقافة السياسية

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو برأيك أسباب تصحر الثقافة السياسية في المجتمعات العربية؟

مصعب قاسم عزاوي: أعتقد بأن تلك الأطروحة تحتاج إلى تصويب، وتبئير أكثر؛ إذ لا أعتقد بأن هناك تصحراً في الوعي والثقافة السياسية على مستوى الفئات الشعبية البسيطة و التي قد يخيل لناظر غير حصيف أو مدقق بأنها «قطعان شاردة من الدهماء التي لا تفكر، وتنتظر دائماً من يفكر عنها»، وهو ما يخالف الحقيقة الواقعية بأن الفئات الشعبية تمتلك وعياً ثاقباً وفطرياً في كثير من الحالات تدرك فيه وبشكل لا مواربة فيه بأن أس معاناتها اليومية السرمدية في كل تفاصيل حياتها هو الاستبداد الشامل عمقاً وسطحاً في مجتمعاتها، والمكرس بفعل هيمنة الفئات المخولة بالحفاظ على استمرارية تسيد الاستبداد من خلال تغولها على مصادر الثروة والسلطة والإعلام والعنف في تلك المجتمعات. والمثال الصارخ على ذلك الوعي الثاقب للفئات الشعبية البسيطة هو طوفان عشرات الملايين من المفقرين المهمشين، والذين لم تتح لهم ظروفهم المعقدة والكارثية في كثير من الأحيان التحصل على مستوى تعليمي يتجاوز التعليم الأساسي، و هم الذين مثلوا أس الزخم والعنفوان في انتفاضة المقهورين ضد طغاتهم إبان الربيع العربي، و هو ما تم تحويله شتاءً بتآمر المستبدين فيما بينهم بالتعاضد مع أولياء أمرهم من الساسة في الغرب حفاظاً على توازن القوى الضامن لاستمرارية اعتبار العالم العربي مصدراً شبه مجاني للثروات الطبيعية، وسوقاً لا قيود عليها لتصريف ناتج الشركات العابرة للقارات الحاكم الفعلي في الغرب، وللحفاظ على تدفق الثروات المنهوبة من شعوب العالم العربي التي لا يبارح فاسدوها ومفسدوها من النواطير المكلفين بشؤون الاستبداد المستدام في العالم العربي إيداعها في مصارف وسندات خزائن الحكومات الغربية، و دون التفكر سراً أو جهراً باستخدامها بأي مشروع تنموي حقيقي في الدول العربية يحتمل أن ينتشلها من حيز الدول ذات الاقتصادات الريعية بشكل شبه مطلق.
وبالانتقال من حيز الوعي الثقافي السياسي الكامن في عقل ووجدان الفئات الشعبية المقهورة المظلومة، إلى حيز التمظهر العياني المشخص لذلك الوعي على شكل بنى وآليات فعل وتآثر مجتمعي، وفق أنساق الديموقراطية التمثيلية بكل عجرها و بجرها، لتحقيق حد أدنى من حق المواطن الطبيعي في المشاركة الفاعلة في شؤون إدارة المجتمع الذي يعيش فيه، سواء كان ذلك عبر أحزاب أو نقابات أو منظمات للمجتمع المدني، فإن واقع تحول المجتمعات العربية إلى حطام وهشيم اجتماعي كلياني جراء تغول الاستبداد على كل مفاصلها عمقاً وسطحاً، يجعل من واقع انعدام آفاق التفاعل السياسي و المدني في المجتمعات العربية نتيجة شبه طبيعية لما هي الحال عليه. فالحقيقة هي أن الغالبية المطلقة من الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة العربية، مدجنة في منظومة تأبيد الاستبداد، ولعق الفتات النفعية الطفيلية التي يتيح لها الاستبداد التحصل عليها في سياق التزامها بالقيام بذلك الدور التزويقي والتنميقي لطلاء وجه الاستبداد المتقيح القميء بقناع من المدنية والتحضر يحاول التقمص بشكل أقرب للاستمساخ الهزلي لطرائق وأساليب الديموقراطيات الشكلية في الغرب، وأي انزياح عن الالتزام بذلك الدور التزويقي، يعني بالضرورة إشهار آلة الاستبداد والطغيان مخالبها وأنيابها واعتمادها في جسد أي بنيان سياسي يحاول النهوض بنفسه لمواجهة الاستبداد بشكل صريح أو موارب. وهي الحال المأساوية التي أفصحت عن نفسها بمئات الآلاف من المغيبين في غياهب سجون وسراديب الأنظمة القمعية العربية جراء محاولتهم الانعتاق سياسياً ومواجهة مخالب ومخارز الغول الاستبدادي حتى لو بمآقي عيونهم العزلاء.
وإذا كانت الثقافة والوعي السياسي في المجتمع تغطي أيضاً مفاهيم التواصل والحوار الفكري بغرض الوصول إلى نقطة التقاء وسطي بين الأفرقاء الفكريين المتفقين على تحقيق مصلحة عليا لا تغاير في التزام كل الأفرقاء على ضرورة تحققها، والمتمحورة حول تعزيز وتوطيد الحقوق الأساسية للإنسان كمواطن في مجتمعه ابتداءً من حق الحياة وحرية التعبير وحق التعليم والرعاية الصحية وصولاً إلى حق العمل والمشاركة الفاعلة في إدارة شؤون المجتمع الذي يعيش فيه، فإن ذلك كله يقتضي مناخاً من الحرية والانفراج الشامل عمقاً وسطحاً في ذلك المجتمع أو ذاك، ليتعلم في سياقه أبناؤه تلك المهارة الراقية في التواصل بين البشر، والتي يمكن أن تدعى «السياسة»، و هو ما لا يستقيم تصور إمكانيات تحققه العياني المشخص في ضوء حالة انعدام الحواضن الاجتماعية التي تتيح للمواطنين في أي من المجتمعات العربية تعلم ذلك سواء من خلال النقابات أو منظمات المجتمع المدني التي لم تسلم من تغول النظم الاستبدادية عليها، سواء لغايات اختراقها وترويضها وزجها في سباق لعبة «تبيض الوجه الدميم للاستبداد»، أو في حال استعصاء تحقيق ذلك المراد فلتهشيمها أو وأد احتمالات توطد مرتكزاتها الاجتماعية ليصبح مصيرها كمصير كل الأحزاب السياسية والناشطين الذين لم تسمح لهم مبادئهم أو طهرانيتهم أو حتى ميلهم الفطري للتحرر والانعتاق من بنى الطغيان والاستبداد ممالأة الطغاة و وكلائهم من العسس و البصاصين و تشكيلات الدول الأمنية، فكان نتيجة ذلك المضنية إفناؤهم بطريقة أو بأخرى في ماكينة التهشيم الاستبدادي التي لم تتوقف عن العمل في العالم العربي منذ استقلاله الشكلي عند مستعمريه، في تراجيديا ملحمية لم تنقطع حلقاتها لتحويل المجتمعات العربية إلى حطام وهشيم من البنى والمؤسسات والبشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قذائف إسرائيلية على غزة في أول أيام العيد بالرغم من إعلان -ه


.. جزيرة إيطالية توفر إقامة مجانية لثلاث ليالٍ ولكن بشرط واحد




.. حريق هائل يدمر فندق ماريسفيل التاريخي في ولاية كاليفورنيا


.. جبهة لبنان – إسرائيل.. مخاوف من التصعيد ودخول إيران ومساعٍ ل




.. هل تنضم إيران إلى حزب الله في حرب شاملة مع إسرائيل؟| #الظهير