الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبائع والقانون

سالم روضان الموسوي

2021 / 3 / 21
دراسات وابحاث قانونية


(الواجب عليكم أن تغيروا طبيعتكم قبل أن تعبثوا بنظمكم)
الكاتب ج.لويس دكنسن
خلال الفترة الماضية احتدم الجدل حول وجود فقهاء القانون وخبراء الشريعة الإسلامية في المحكمة الاتحادية العليا وهي المحكمة الدستورية التي تنظر في دستورية القوانين، فضلاً عن مهامها الأخرى الواردة في المادة (92) من الدستور، وخلال هذه الجلبة الإعلامية والنقاش المحتدم كان البعض يثير سؤال مفاده لماذا تخشون من خبراء الشريعة الإسلامية في جعلهم الدولة على إنها دولة دينية وليس دولة مدنية، إلا يمكن لهذا التخوف أن يطال القضاة أنفسهم لأنهم بشر ومن الممكن أن يعكسوا أرائهم ومعتقداتهم على الأحكام القضائية ويتم نحر الدين بسكين القضاء؟ وهذا السؤال له من الحظوظ ما يكفي للاهتمام به لأنه مبني على منطق سليم فان القاضي ما هو إلا بشر مثله مثل خبير الشريعة الإسلامية أو فقيه القانون، فلماذا الاطمئنان إليه ولا نطمئن لسواه؟ وكان الذهن يجول في مدار هذا السؤال ، حتى أرشدني البحث إلى الجواب عند كاتب انكليزي توفى في عشرينيات القرن الماضي، حيث يقول ج.لويس دكنسن ، وفي كتابه الموسوم (العدالة والحرية حوار سياسي) فيقول (الواجب عليكم أن تغيروا طبيعتكم قبل أن تعبثوا بنظمكم)، وفي هذا القول معاني كثيرة لها صلة بالجدل حول وجود الخبراء والفقهاء في المحكمة الدستورية، لان الطبيعة البشرية بلا شك تنعكس على أراء وسلوك الإنسان ويقول احد الكتاب (إنها أقوى من تأثير الأديان. فرغم تعاقب ظهور الأديان وانقسامها وتفرعها، وظهور آلاف المتحدثين باسمها والداعين إلى قيمها، فإن سفك الدماء والعداوات بين البشر لم تتوقف منذ فجر التاريخ)، وبما طبيعة بعض من يسعون لان يكونوا من الخبراء لا تنسجم مع مبادئ الدستور العراقي فان للتخوف محلاً من وجودهم، فما من قرار سوف يصدر من المحكمة إلا وتجد لسلوكهم وطباعهم ومعتقدهم اثر فيه، وقد يقوض مدنية الدولة التي سعى الدستور إلى تأسيسها عبر المبادئ الوارد فيه، والتي نادي إليها اغلب مراجع الدين ومنهم المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني (حفظه الله) ، واستدلالنا على تلك الطبيعة البشرية المخالفة ما يصرح به هؤلاء في أحاديثهم وفي اجتماعاتهم الرسمية، وكان لأحد الأشخاص الذين أسهموا في كتابة الدستور قول يتنافى ومدنية الدولة ويعلن عنه بشكل صريح، وهذا الشخص كان عضواً فاعلاً في لجنة كتابة دستور عام 2005 وما زال فاعلاً في الحياة السياسية لغاية الآن، وفي إحدى جلسات اللجنة يرى بان يكون (مجلس صيانة الدستور) بدلاً عن المحكمة الدستورية ويمنح هذا المجلس صلاحيات واسعة تتعدى الرقابة الدستورية على القوانين، وإنما إلى التدخل في كل شيء سواء بتعيين رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو المرشحين لعضوية مجلس النواب وكذلك تعيين القضاة، وان يتكون هذا المجلس من مجموعة أشخاص منهم الفقهاء والخبراء الإسلاميين وعلى وفق ما مدون في محاضر لجنة كتابة الدستور التي جاء فيها الآتي (أنا عندي كلام في قضيتين أولا الآلية الأولى هل نعتمد المناصب أو شيء آخر؟ القضية الثانية هل قضية الفقهاء قطعاً أني لا يوجد لي ولاية على الشيعة إلا من خلال آلية شيعية ولا يوجد عندي آليات على السنة إلا من خلال آليات السنة، لنفترض إن السنة يقولون نحن نعتمد في القضية الدينية هو ديوان الوقف السني وهنا نطلب من الوقف السني بان يعرف لنا ثلاثة فقهاء من السنة مثلاً وأيضاً طلب من وزارة أوقاف كردستان تعيين فقيهين أو ثلاثة من عندكم وكذلك نطلب من الشيعة ستة او ثمانية من الحوزة العلمية وهي آلية نحتاج فيها إلى تعريف من ثمانية فقهاء على سبيل المثال والعدد هنا يقل أو يكثر هؤلاء يكونون أعضاء في مجلس القضاء وأيضاً ليس لهم علاقة بالمحاكم او الترتيبات الأخرى وإنما يكون دورهم في مراقبة العملية الأكبر والمجلس الذي تحدثتم عنه فقد قلت لزملائي الجالسين في الضمانات الدستورية إذا تستطيعون غير المحكمة الاتحادية فلنستحدث مجلس لصيانة الدستور هو وحده يدقق على أعضاء الجمعية هل تنطبق عليهم الشروط أم لا؟ ويدقق على الوزراء هل تنطبق عليهم الشروط أم لا؟ ورئيس الوزراء هل قام بالآلية الموجودة في الدستور أم لا؟ بغض النظر طلب منه ذلك أم لم يطلب ، وإنما دوره يحدد بهذا الاتجاه، ويضل يراقب كل القوانين هل فيها خرق للدستور أم لا؟) ومصدر هذا الاقتباس كتاب (محاضر اجتماعات لجنة كتابة الدستور العراقي عام 2005 ـ منشورات مجلس النواب الطبعة الأولى عام 2008 المجلد الأول صفحة 695) فهذا القول يعكس طبيعة ذلك الشخص تجاه القضاء الدستوري ومدى إيمانه بمدنية الدولة، ولم يكتفِ بهذا القول بل له إشارات أخرى تعبر عن وجهة نظره، فهذه الطبيعة البشرية كيف لها أن تمنحنا ما كنا نأمل ونتمنى ما نكون عليه بعد سنوات القهر والاستعباد والدكتاتورية التي مر بها العراق في الفترات التي سبقت عام 2003، وكيف لنا أن نطمئن على إن تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا أو تغييره واستبداله بقانون جديد وفيه هذا الدور الخطير للخبير الإسلامي أو الفقيه القانوني في ظل هكذا طباع تغلب على كل سلوك مدني وحضري، لذلك وجدت في قول الكاتب (دنكسن) جواب صريح بان علينا أن نغير طباعنا نحو التمدن والتحضر قبل أن نغير القوانين حتى لا نؤسس لأفكار تعبر عن طبيعة بشرية منغلقة تتعارض مع مبادئ الديمقراطية التي تضمنها الدستور، وارى إن هذا التخوف وحده يكفي لان نكون حذرين ومتوثبين، لان إصدار قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية الحالي ما هو إلا خطوة للتأجيل وليس للتغير، وان سبب العودة إلى تعديل القانون بدل من استبداله لم يكن لاهتمامهم بالرأي العام، وإنما تقف وراءه مصالح شخصية وفئوية، ومنها إنهم لم يتمكنوا من تامين النصاب في الجلسات، وعدم اكتمال النصاب سببه ليس متعلقاً في رجال الخبرة الإسلامية أو الفقه القانوني، وإنما لان إحدى الكتل كانت تسعى لإيجاد نص يؤمن مصالحها دون مصالح الآخرين فلم تعترض على وجود هؤلاء وإنما قبلت بوجودهم لكنها طلبت ما يضمن لها مصالحها فقط وهو سبب الخلاف الذي مضى عليه أكثر من خمسة عشر عام، كما إن مصلحة بعض الأشخاص في تمرير التعديل مستغلاً الفرصة ومنتهزاً لها وجود واضح وفاضح، حيث مرر تعديلاً ليس فيه سوى استبدال أشخاص بأشخاص، والفارق الوحيد إن أمر تعيين هؤلاء الأشخاص سيكون بيد جهة واحدة فقط وتختزل بشخص واحد، وهو حلقة لاستكمال الاستحواذ على كل مرتكزات العملية الانتخابية المقبلة، لان التعديل الذي صدر كان على خلاف السياقات التشريعية الصحيحة، فان المجلس صوت على مواد لم تتم قراءتها سابقاً ولم تعرض على المجلس في ما سبق، وهو خلاف ما ورد في المادة (136) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي جاء فيها الآتي (لا يجوز التصويت على مشروع القانون قبل مضي أربعة أيام على الأقل من انتهاء المداولة فيه وفقًا لما يلي. أولاً: يقرأ مشروع القانون قراءة أولى. ثانياً: يقرأ مشروع القانون قراءة ثانية بعد يومين على الأقل وبعد استلام المقترحات التحريرية بتعديلهِ ثم إجراء المناقشة عليه) ، وبما إن من طباع الحكم عند الإنسان العربي كما يراها ابن خلدون التفرد في الحكم فينفرد بالحكم شخص واحد، يعتمد على عصبته أولا، فإذا استقر له الحكم عاد عليهم بالإقصاء، إذ ليس يرضى حينها بالشركاء بل بالأتباع، وهؤلاء الأتباع يوليهم ويعزلهم ويتصرف بهم كما يشاء، وهم يخضعون لإرادته إذ لا يرون أنفسهم شركاء كما كان الأولون. فان هذا الرأي يجد تأييده في الموروث الأدبي العربي حيث جاء على لسان امرأة إعرابية أبيات من الشعر تدل على إن الطباع تغلب على التطبع عند مخاطبتها لذئب ربته مع شاةٍ لها ورضع من لبنها ثم بقر بطنها بقولها :
بقرتَ شُوَيهتي وفجَعْتَ قلبي ...... وأنتَ لشاتِنا ولدٌ ربيبُ
غُذِيتَ بدرِّها، ورُبيتَ فينا...... فمَن أنباكَ أنَّ أباكَ ذيبُ
إذا كانَ الطِّباعُ طباعَ سوءٍ....... فلا أدبٌ يُفيدُ ولا أديبُ
واسأل الله تعالى أن يحفظ العراق من غدر الذئاب وان يديم نعمة التيقظ والتوثب للقوى الخيرة للتصدي لأي مشروع يقوض من مدنيتنا وديمقراطيتنا أو يعيد لنا نموذج الحاكم المتفرد الشمولي الذي يختزل المؤسسة التي يقودها بشخصه ويجعلها من إقطاعياته.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس


.. Amnesty International explainer on our global crisis respons




.. فيديو يظهر اعتقال شابين فلسطينيين بعد الزعم بتسللهما إلى إحد


.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي




.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه