الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هو اقتصاد الظل ؟

محمد رضا عباس

2021 / 3 / 22
الادارة و الاقتصاد


لا تدخل في بيانات الإنتاج الوطني جميع العمليات الإنتاجية في البلد، وانما العمليات الإنتاجية القانونية فقط اما غير القانونية او غير المصرح لها من قبل الدولة فلا تدخل في بيانات الإنتاج الوطني. النوع الأول تشمل المتاجرة بالمخدرات، المتاجرة بالمواد المنتهية الصلاحية، دور العهر، القرصنة، رشاوي الموظفين، بيع وشراء الأعضاء البشرية، تهريب البشر من بلد الى اخر، تهريب الحيوانات النادرة وعلى لائحة الانقراض، تهريب الاثار، ورسوم كبار الرسامين. اما القسم الثاني فتشمل السلع والخدمات التي لا يتم توثيقها اما تهربا من دفع الضرائب الحكومية او لمخالفتها التعليمات، مثل تهريب البضائع لتجنب دفع الضرائب الجمركية عليها، او عمل مواطن في اعمال الصيانة الكهربائية بدون إجازة من الحكومة او نقابة، او استخدام العمال الغير مجازين بالعمل، او العمل بعد الدوام الرسمي بدون الموافقات الحكومية، كان يسوق موظف سيارته كسيارة تكسي او ممرضة تعالج بعض المرضى بعد انتهاء عملها الرسمي ولكن بدون تصريح عن الدخل الإضافي التي تحصل عليه من عملها الثاني.
اقتصاد الظل، (Underground Economy) في بعض الأحيان يسمى السوق السوداء او الاقتصاد السري موجود في جميع دول العالم. ولكن انتشاره أوسع في العالم الثالث، حيث قدرت بعض الاحصائيات بانه يشكل ما يقارب 36% من قيمة الاقتصاد الوطني، بينما يشكل ما يقارب 13% في الدول المتقدمة. التفاوت في النسبة يعود الى صعوبة تنظيم سوق العمل في الدول النامية. على سبيل المثال، من غير المعقول ان تطالب الحكومة العراقية أصحاب البسطات تقديم تقرير بدخلهم السنوي، كما من غير المعقول ان تسائل الحكومة أصحاب المطاعم المتجولة عن بيان حجم مبيعاتهم وارباحهم السنوية. بالحقيقة ان على الأقل 50% من العمليات الإنتاجية في العراق لا تدخل في حسابات الإنتاج الوطني، لان الحكومة لا تسال عنها والمواطن لا يحب دفع الضرائب عنها. هناك مهن وحرف واعمال في العراق تدر على أصحابها الملايين من الدنانير سنويا بدون دفع صاحبها فلسا واحدا الى خزينة الدولة.
ان عدم تقديم البيانات عن حجم التعاملات في السلع والخدمات التي تقع تحت اسم اقتصاد الظل تحرم الحكومة مصادر مهمة من مصادر الدخل. على سبيل المثال، ان اقتصاد الظل في الولايات المتحدة الامريكية يشكل 8% من الإنتاج الوطني او ما يعادل 2 ترليون دولار سنويا، وهو رقم يمثل خسارة لخزينة الدولة بمقدار 200 مليار دولار سنويا. في ولاية كاليفورنيا الامريكية يشكل اقتصاد الظل نسبة تتراوح بين 15% و17% او بدخل بين 60 و140 مليار دولار، ويحرم الولاية من دخل قدره بين 8.5 و28 مليار دولار سنويا. ان ازدهار اقتصاد الظل في الدول المتقدمة يحرم الكثير من البرامج الحكومية من التمويل ولاسيما برامج التربية والتعليم، برامج المعونات الاجتماعية، برامج التدريب، وغيره من البرامج التنموية الأخرى.
اما في الدول النامية، فان اقتصاد الظل وان لم يقدم موارد مالية للحكومات، الا انه هو الذي يسير العجلة الاقتصادية في البلد. دخل عامل البناء، يصبح دخل للبقال والعطار، وللمزارع وبائع الألبسة. وكذلك دخل الفلاح يصبح دخل لسواق السيارات والقصاب والطبيب والحلاق. وهكذا فان ازدهار سوق الظل بالنشاطات التي لا تخالف القانون تعد عمليات مهمة للنمو الاقتصادي في الدول العالم الثالث. اقتصاد الظل في الدول النامية يسمح للمواطن بتحسين مستواه المعاشي، كان يضطر أحد الفلاحين بيع منتوجاته في السوق او على قارعة الطريق من اجل شراء اثاث إضافية الى بيته او جهاز تلفزيون او ارسال أولاده الى المدرسة. او يضطر عامل حكومي في قطاع شبكة المياه بالعمل بعد الدوام الرسمي وفي العطلات من اجل بناء سياج لداره. او تعمل احدى الشابات كمربية للأطفال في بيوت المتمكنين من اجل جمع بعض المال يمكنها الصرف على تعليمها، او إعطاء معلم دروس إضافية للطلاب البكلوريا بأجرة من اجل توفير حياة اقتصادية أفضل لأبنائه.
يزدهر اقتصاد الظل في الأوقات الاقتصادية الصعبة. هذا القطاع ازدهر كثيرا خلال فترة الركود الاقتصادي العظيم الذي ضرب الاقتصاد الأمريكي عام 2008 و2009 حيث اضطر الكثير من المسرحين عن العمل، العمل في اعمال ثانوية (عمال بناء، تصليح سيارات، العمل في المطاعم، غسل السيارات) مخالفة لقوانين التامين الصحي وشروط العمل، ولكن الدخل الذي تقاضوه ساعدهم على اجتيازهم المصاعب المالية التي مروا بها. خلال الأيام الاقتصادية الصعبة، لا ينتعش قطاع العمل غير المرخص به حكوميا فحسب، وانما يزدهر معه الاعمال التي يحاسب عليها القانون مثل المتاجرة بالمخدرات، بيع الأسلحة غير المرخصة بها، انتشار دور الدعارة، وانتعاش تجارة الأعضاء البشرية والتجارة الأثار. خير مثال على ذلك هو ازدهار هذه التجارة في العراق بعد التغيير. وعليه فان مسؤولية الحكومات سواء كانت نامية او متقدمة تتضاعف امام مواطنيها في أيام الازمات الاقتصادية من خلال العمل على برامج توفر فرص العمل للقادرين والراغبين به، ومحاربة التعامل مع السلع والخدمات غير الشرعية. لا يمكن للعراق ان يتقدم اقتصاديا بدون برامج متطورة تؤدي الى رفع مستوى المعاشي للمواطنين، واحترام ادمية مواطنيه. العراق سيصل الى هذا المستوى عندما تضع الدولة خطط اقتصادية تمتص نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل واحترام المواطن العراقي قوانين الدولة، لإنه لا يمكن لمؤسسة حكومية العمل للصالح العام بدون احترام المواطن القوانين والقرارات الحكومية. وعندما يشعر المواطن العراقي بالمسؤولية تجاه الدولة وعندما تشعر الحكومة بمسؤوليتها تجاه المواطن، في ذلك الوقت يتقلص حجم اقتصاد الظل، ويصبح المواطن العراقي أكثر اطمئنانا على مستقبله ومستقبل أولاده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حمد بن جرحب: سباقات الهجن تشهد حركة اقتصادية انعكست إيجابا ع


.. كل يوم - خالد أبو بكر عن تصريحات الخبير الاقتصادي محمد العري




.. سعر الذهب فى مصر يتراجع 30 جنيها وعيار 21 يسجل 3050 جنيها لل


.. الليبيون في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني للأسعار




.. الأزمة الاقتصادية في مصر.. لماذا لم تنجح السياسات بإيجاد حلو