الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستة حروب بالوكالة

عادل جندي

2006 / 7 / 30
الارهاب, الحرب والسلام


ما يحدث في المنطقة حاليا، وما قد يبدو وأنه الحرب العربية الإسرائيلية السادسة (48ـ 56ـ 67ـ 73ـ 82ـ 06)، هو في الواقع ستة حروب متزامنة، تتم بالوكالة (by proxy):
1 ـ حرب حزب الله ضد اسرائيل يقوم بها بالوكالة عن إيران بهدف تحويل أنظار العالم عن برنامجها النووي. وتوقيت إشعالها كان لافتا للنظر بمجيئه قبيل اجتماع الثمانية الكبار في روسيا بصورة جعلت الاجتماع ينشغل بصورة رئيسية بالأحداث الملتهبة ويضع باقي المواضيع، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، في مؤخرة جدول الأعمال. وقد أشعل حزب الله الحرب كمغامرة أو مقامرة يعرف حق المعرفة أنه لن يكسبها (وإن كان يمكنه الزعم في المستقبل بالحصول على "نصر معنوي"، أو "نصر سياسي" أيا كان حجم الثمن)؛ لكنه مع ذلك أشعلها في هذا الوقت بالذات وبدون أي مبرر محلي في لبنان أو على الحدود اللبنانية، أو حتى السورية، مع إسرائيل. كما أنه أشعلها برغم أن رد الفعل الإسرائيلي كان متوقعا بصورة محققة ـ وإن لم يكن بهذه الدرجة من العنف. بل إن مثل هذا الرد المتوقع كان بلا شك من الأسباب التي شجعت حزب الله على الإقدام لأن: 1) الثمن سيدفعه بالأكثر الآخرون؛ 2) عنف رد الفعل سيلهب المشاعر في العالم العربي والإسلامي ويزيد هياج الهائجين، مما يصب بالضبط في مصلحة حزب الله وإيران وكافة قوى التطرف؛ 3) ما يكابده حزب الله من ضحايا سيصب في خانة عقدة الانتحار (الاستشهاد) المزمنة، والمختلطة بادعاءات البطولات العنترية الخ؛ 4) لأن لبنان الذي يمكن أن يعود ليصبح نموذجا للتعايش والحرية هو نموذج مرفوض من قبل "الأمة" التي لا تعرف غير الواحدية، ولذا يجب تحطيمه أو إجهاضه.
2 ـ حرب حزب الله ضد إسرائيل هي حرب بالوكالة عن النظام السوري الذي يسعى لتحويل الأنظار عنه وعن توابع قضية الحريري عن طريق إشعال المنطقة بأسرها، وكذلك يسعى لتحطيم لبنان عقابا له على تجرؤه بالخروج من بيت الطاعة السوري.
3 ـ حرب حماس ضد اسرائيل، التي أشعلتها بعمليات خطف في إسرائيل نفسها (وراء حدود غزة)، جاءت في وقت كان من المتوقع، منطقيا، أن تقوم حكومة حماس بمحاولة إثبات جدارتها على الحكم وقدرتها على التحول من جماعة إرهابية إلى حكومة قادرة على الحكم، ومحاولة تثبيت أركان ذلك الحكم في غزة وما تيسر من أراض في الضفة الغربية بصورة تدعو العالم بأسره، وليس فقط إسرائيل، للثقة في إمكانية تطبيق حل "دولتين متعايشتين" بدون أن تتحول إحداهما إلى مرتع للإرهاب والقلاقل. ولكن حماس (= إخوان فلسطين) أشعلت الحرب بالوكالة عن كافة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبالتحالف أو بالتنسيق مع حزب الله، لأن: 1) الإسلام السياسي حتى لو أتى للحكم عن طريق صناديق الانتخاب لا يعرف للعنف والهياج والتخريب بديلا؛ 2) ولأن ذلك الحل للقضية الفلسطينية (دولتان متعايشتان)، الذي هو الوحيد الممكن سياسيا، مرفوض "دينيا" لأن كل أرض وطأها المسلمون، وخاصة أرض فلسطين، هي "وقف إسلامي" لا يجوز التنازل عنه. ومن اللافت للنظر أن إشعال الحرب جاء بالضبط في الوقت الذي كان فيه أبو مازن يحاول، عبر الاستفتاء حول ورقة المسجونين، الوصول إلى توافق وطني عام حول فكرة الدولتين. وبهذا تم نسف الاستفتاء ووأد فرص أي حل سلمي في المستقبل المنظور. وحتى لو أدى كل ذلك إلى تراجع التعاطف الدولي مع الفلسطينيين وإلى تقديم ذريعة، على طبق ذهبي، لإسرائيل لكي تفرض حلا منفردا تلتهم فيه أجزاء من الضفة، فلا يهم. لأن أصحاب الأيديويوجيات المطلقة لا يعنيهم في شيء الوصول إلى حلول عملية، ولا يمثل "الآن" بالنسبة لهم شيئا؛ لأن الزمن طويل طويل، والأزل أطول والجنة مازال بها متسع من الأماكن وعدد غير قليل من الحوريات اللائي يتحرقن شوقا لوصول المزيد من الشهداء.
4 ـ حرب إسرائيل ضد حزب الله، منتهزة الفرصة التي جاءتها فدخلتها بسرعة هائلة لتكسير وتكسيح المليشيات التي تقض مضاجع إسرائيليي الشمال، هي أيضا حرب بالوكالة عن لبنان الذي بعد أن خرج من حربه الأهلية الدامية وما كاد يتخلص من الاحتلال السوري، يقف عاجزا عن التحرر من الاحتلال الإيراني عبر حزب الله وميليشياته. حزب الله، الذي كان رمز المقاومة ضد اسرائيل في جنوب لبنان توحش ليصير دولة داخل الدولة وفوقها، وأصبح له جيش أقوى من جيش الدولة ويقرر القيام بالحروب بمحض رغبته وبدون أدنى اعتبار للدولة التي يعيش على أرضها. ومن الواضح أن جزءا كبيرا مما يقع من ضحايا مدنيين ـ باستثناء من كانوا ضحايا لتخزين حزب الله الأسلحة في بنايات مدنية ـ وضرب لمعسكر تابع للجيش وتخريب للبنية التحتية، هو طريقة إسرائيل في تبليغ لبنان أنها ليست على استعداد للقيام بالمهمة بالوكالة بدون ثمن (إضافة إلى إعادة توكيد نظرية الردع الإسرائيلية التي يمكننا تلخيص شعارها بـ "العين بعشرة عيون والسن بمائة سن").
ومن ناحية أخرى، فإن تخليص لبنان من قبضة حزب الله تمثل شيئا لا شك يستحق التضحيات. فقط نتمنى أن تكون هذه نهاية لعصر يحارب فيه الجميع حروبهم القذرة على أرض لبنان، تاركين له مهمة دفع "الفاتورة" وإزالة بقايا الحرب، ثم تجديد نفسه مرة أخرى كطائر عنقاء لا يكف عن الولادة من جديد.
5 ـ حرب إسرائيل ضد حزب الله، هي أيضا حرب بالوكالة عن العالم العربي السني. هذا العالم أصيب بالقلق، إن لم يكن الهلع، أمام المد الشيعي في إيران والعراق وجنوب لبنان (الهلال الشيعي) الذي يفرد عضلاته بتحد واضح. وفي قلقه وهلعه، فإن عالم العرب السنة هو أعجز عن عمل إي شيء (بخلاف المذابح الزرقاوية)، وقد لا يسمح له نفاق "الوحدة الإسلامية" بالتحرك حتى لو رغب. ولذا فإن نجاح إسرائيل في محاولة تصفية حزب الله، وإن لم تشكل ضربة قاضية ضد تنامي الشيعة، لكنها ستكون ضربة "بالنقط" قد تساعد على تحجيمها.
إلا أن المواقف في سبيلها للتغير مع امتداد وقت المعارك حتى تتحقق الأهداف الرئيسية للحرب ـ أو الحروب ـ الدائرة؛ إذ أن استغلال مخزون الكراهية العمياء لدي الشارع الإسلامي (العربي سابقا) بفعل ما تذيعة فضائيات الإرهاب إياها، وكتابات "لوبي الإرهاب الإسلامي" في الصحافة (وخصوصا المصرية، التي تتفوق على كافة وسائل إعلام العالم العربي في هياجها)، سيصل سريعا لحالة الغليان باعتبار "أنا وابن عمي على الغريب" ـ خصوصا إذا كان ذاك هو العدو الصهيوني ومَن وراءه في الغرب الصليبي الكافر؛ وقد يؤدي بالتالي إلى تهديد أركان كثير من نظم الحكم السنية مما يضطرها إلى تعديل مواقفها السابقة وسحب التوكيل... ولكن بعد فوات الأوان.
6 ـ حرب إسرائيل ضد حزب الله هي أيضا حرب بالوكالة عن المجتمع الدولي الذي أصدر قرار مجلس الأمن 1559 بنزع سلاح الحزب ولكنه وقف عاجزا عن تنفيذه، أو بمعنى أدق لم يجد الدول المستعدة للمشاركة في قوات دولية لن تكون كالعادة "لحفظ السلام" بل لفرضه أولا، وبالتالي تستلزم التضحية بأرواح أبنائها في معارك يعرفون أنها ستكون على مستوى يليق بحزب الله من الشراسة والدموية. ونتوقع أن تطالب إسرائيل المجتمع الدولي بثمن بعد نجاحها في تحطيم أو تحييد حزب الله، غالبا سيكون على شكل احتلال مقنن أو مقنع لشريط عريض مفرغ من البشر، أو من السلاح، في الجنوب اللبناني.

***
أيا كانت المسببات المباشرة لاندلاع الحروب، فهناك ظروف موضوعية وتاريخية متراكمة تجعل قيامها في وقت معين أمرا شبه حتمي، أو على الأقل فهي تبدو كذلك عند النظر إليها بعد وقوعها.
لكن خطورة الحروب هي أن المعطيات تتغير بسرعة مع العمليات ولا تعود للمقدمات والمسببات أهمية تُذكر خارج كتب التاريخ وتحليلات المحللين. ولذلك فمعالجة موضوع الجنود الأسرى، مثلا، لم يعد سببا كافيا لوقف الحرب الدائرة.
ثم أن خطورة الحروب "بالوكالة" هي أن الموكلين قد يجدون أنفسهم مجرورين لدوامتها برغم حذرهم:
ـ لم تدخل سوريا حتى الآن الحرب، بل من المشكوك فيه أن تكون أيا من قيادتي حماس في دمشق أو حزب الله قد أخذت ضوءا أخضر، وربما أخذت أحداهما أو كلتاهما ضوءا أصفر فقط. ولكن احتمالات جرجرة سوريا، برغم الحذر المتوقع من حكامها في ألا يقعوا بالمطب، تزيد عن 50%. وفي هذه الحالة سيكون دور إسرئيل بالوكالة عن أمريكا، التي ضاقت ذرعا بألاعيب النظام السوري ولكنها لا تريد أن تفتح جبهة جديدة في المنطقة بجانب العراق. والمطلوب في تلك الحالة سيكون تأديب هذا النظام وليس تحطيمة لأن البدائل مازالت أسوأ.
ـ يبقى نظام الملالي: وفي تلك الحالة ستكون الضربة الإسرائيلية، إذا جاءت، بالوكالة عن المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك روسيا والصين، لتصفية أو على الأقل عرقلة مشروعه النووي. احتمالات الضربة بعد جرجرة طهران لا تزيد (لأسباب متعددة لا داعي لسردها هنا) عن 10%. لكن من يدري؟ ومن قال أن منطقتنا تخضع لأي منطق؟ وماذا يمنع أن تكون الأقاويل التي يرددها بكثرة حكام طهران حول "حتمية حرب عالمية (نووية) عاجلة، تندلع من فلسطين كمقدمة لعودة الإمام الغائب"، هي أكثر من تخاريف وخزعبلات !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟